مقالاتمقالات مختارة

الطغاة ومصادرة الوعي

بقلم د. عبد العزيز كامل

كان الطغاة على مر العصور يدركون خطر الصدع بالحق على سلطانهم المقام على الباطل ومصالحهم المستمدة من السُحت ؛ فدرجوا على التخويف والترهيب والتحذير من كلمة حقٍ على لسانٍ حُر ، لأنهم يوقنون بحتمية تأثيرها وإثمارها ولو بعد حين . فعندما صدَعَ نوح عليه السلام بكلمة الحق في قومه ( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح/7) وارتعب فرعون – رغم جبروته – وخاف من كلمات الكليم عليه السلام، وطلب التفويض في وضع نهاية لخطره على قواعد ملكه : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر /26) )…وهكذا فعل طغاة قريش عندما تهددت دعائم جاهليتهم بالهدم تحت وابل قذائف الحق : ( لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون)َ (فصلت/26) )…

لذلك خصَّص الإسلام لبثِّ الوعي ونشر الحق شرائعَ وشعائرَ وأحكامًا ..وقرر أن قوام الدين تقديم النُصح في الدين ، كما في الحديث : (الدينُ النصيحة) رواه مسلم . و بيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن ( أفضل الجهاد كلمة حقٍ عند سلطان جائر ) وفي رواية ( كلمة عدل ) [رواه أبو داوود والترمذي، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 491 ] وجعل الله تعالى شِرعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرطًا لخيرية الأمة وضماناً لاستقامتها ووسطيتها ، و فرضت الشريعة يومًا في الأسبوع لاجتماع الناس في المساجد – دون قيد – لاستماع كلمات تذكير بالذِكر بشارةً أو نِذارة : ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/ 9)..وفي المقابل حرَّم الإسلام وجرَّم قول الزور والخوض في الباطل والتمادي في اللغو، والقول على الله بلا علم .. لما في ذلك من تزوير للحق، وتزييف للوعي..

لو استحضرنا هذه المعاني و نحن نرى الحملات المسعورة والمأجورة لوضحت الصورة من وراء إجراءات التعويق أو الإغلاق أو التضييق على المواقع والمنابر والقنوات ووسائل الاتصالات الناطقة بالحق أو ببعض الحق في غالب بلاد المسلمين فضلًا عن غير المسلمين.. خاصة وأنه في ذات الوقت تشرع الأبواب لكل أفاك أثيم، أو انتهازي نفعي لئيم.. ولكمال بيان الحقيقة لابد أن نستصحب قول الحق – سبجانه – عن بقاء الحق بنقائه : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة /33) ..

نعم.. يأبى الله إلا أن يتم نوره لمن أراده وبمن أراده .. مهما أبى أعداؤه أن يظلوا في ظلمهم و ظلامهم..

(المصدر: صفحة د. عبد العزيز كامل على الفيسبوك)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى