مقالاتمقالات مختارة

الطائفة السامرية أقلية الأقلية

الطائفة السامرية أقلية الأقلية

بقلم عبده مصطفى دسوقي

اليهود يمثلون جزءا في سياسة وتاريخ الشعوب باعتبارهم أنصار ديانة سماوية نزلت على سيدنا موسى – عليه السلام – كما أنهم امتداد للعبرانيين الذين يمثلون جزء منهم، وليس كما هو شائع أن بني إسرائيل يمثلون الجنس العبري.

وعلى الرغم من أن الديانة السماوية نزلت على سيدنا موسى عليه السلام إلا أنه تلقفها – كما جاء في القرآن – اثنى عشر سبطا والذين تحولوا بعد ذلك إلى أمم كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا}(الأعراف: 160)، فأصبحوا أمم في أفهامهم وطبائعهم وسلوكهم، ولذا اختلفوا على أنبيائهم وعلمائهم وقادتهم  فتفرقوا وأصبحوا شيعا.

ومن الواضح في هذا العصر أن هناك توجه لإظهار اختلاف وفرقة المسلمين إلى شيع وأحزاب وفرق، بالإضافة للنصارى، والكف عن ظهور فرقة اليهود أو اختلافهم وتصويرهم على أنهم شعبا متماسكا على غير الحقيقة.

غير أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الخريطة الكاملة لفرقة هذه الأمم واختلافهم فقال صلى الله عليه وسلم: [افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة] (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم).

ومن ثم فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال بهذه الفرقة، ووضحت الحقائق في الفرقة الكثيرة لبني إسرائيل، ومنهم ما يسمى بالطائفة السامرية، حيث يذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري: يدعي اليهود أن هناك “وحدة يهودية” تربط أعضاء الجماعات اليهودية في كل زمان ومكان، وأن هذه الوحدة تتمثل في وحدة الشخصية والهوية والسلوك وفي القومية اليهودية والشعب اليهودي الواحد والتاريخ اليهودي الواحد، وهذا غير صحيح(1).

الطائفة السامرية

لم تكن الطائفة السامرية أول انقسام يحدث في المجتمع اليهودي بل سبقه الكثير مثل انقسام يهود الشمال عن يهود الجنوب، وانقسامهم إلى صدوقيين وفريسيين وأسينيين، ثم اليهود الأشكناز واليهود السفارد وغيرها.

أما عن الطائفة السامرية فهي إحدى الجماعات البشرية الصغيرة المغلقة والتي تعتنق ديانة منبثقة عن اليهود، ويعيش أغلب أعضائها في مكان يسمى جبل جرزيم – قرب نابلس – ويعلنون دائما أنهم أحفاد اليهود الذين ظلوا في السامرة بعد الغزو الآشوري وترحيل اليهود إلى بابل عام 721 ق.م، غير أنهم يقاطعون العبرية في حياتهم اليومية بل ويتحدثون العربية بلهجة سكان المنطقة المحلية.

والغريب أن هذه الطائفة تعارض اليهود والصهيونية في احتلالهم للأرض العربية أو إعلانهم القدس كعاصمة لدولتهم، وهذا ما يزيل الالتباس في كون الإدارة الفلسطينية قامت بتخصيص مقعد لهم في مجلس الحكم الذاتي لها(2).

ومنهم الكاهن الأكبر سلوم عمران الذي كان عضوا بالمجلس التشريعي الفلسطيني قبل أن يتوفى في 8 فبراير 2004م بمدينة نابلس، وقبل أن تلغى الكوتا عنهم بعد وفاة ياسر عرفات، ومع ذلك يحملون الجنسية الإسرائيلية.

فالسامرية تنتسب إلى بني إسرائيل وتختلف عن اليهود – إحدى الأسباط كان يدعى يهوذا – ويتبعون الديانة السامرية المناقضة لليهودية (رغم اعتمادهم على التوراة) لكنهم يعتبرون توراتهم هي الأصح وغير المحرفة وأن ديانتهم هي ديانة بني إسرائيل الحقيقة، وذلك لأن توراة اليهود الحقيقية ضاعت مع السبي البابلي، في حين حافظ السامريون على توراتهم ولذا سموا أنفسهم بالمحافظين على الديانة أو حفظة الشريعة(3).

جبل جرزيم والإيمان العقدي

يعد جبل جرزيم أحد أركان العقيدة السامرية، حيث أنه قبلة العبادة والمكان المختار من الله لأداء طقوس الأعياد والقرابين، كما يعتبرونه جبل الفرائض، بل إن هذه العقيدة هي السبب الرئيسي في الانشقاق بين السامريين واليهود.

ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يرون قدسية هذا الجبل نابعة من وصية موسى – عليه السلام – لبني إسرائيل بأن يقيموا على ذلك الجبل مذبحا ويقدموا القرابين، هذا غير اعتقادهم أن ادم نزل من الجنة عليه، ورست سفينة نوح فوقه(4).

وترتكز العقيدة السامرية على الإيمان بالعهد القديم فقط وعلى وحدانية الله سبحانه، كما لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون لأنه مصرح به في التوراة ويكفرون بما وراءه.

والكتاب المقدس عندهم هو أسفار موسى الخمسة، ويضاف إليها سفر يوشع بن نون”.

ومنها أيضا عدم اعترافهم بقدسية جبل صهيون، فلهم جبلهم المقدس حريزيم، بالإضافة إلى الإيمان بيوم الدينونة، وهو يوم الحساب والعقاب المعروف بيوم القيامة.

ولغة العبادة عند السامريين هي العبرية السامرية، وهي تختلف عن لغة الحديث والمعاملات – كما وضحنا- فهي اللغة العربية.

ويحتفل السامريون بالأعياد اليهودية مثل يوم الغفران وعيد الفصح ولكنهم كانت لهم أعياد مقصورة عليهم وتقويم خاص بهم، غير أنه يبدو أن الدين الإسلامي قد أثر فيهم كثيرا حيث اخذوا بعض تعاليم الدين الإسلامي وأضافوها لديانتهم(5).

وحينما ظهر السيد المسيح عليه السلام تحول كثير من السامريين إلى الديانة المسيحية، وتبعه الدين الإسلامي بأخلاقه السمحة حيث تأثروا به كثير وعبادته، وهذا ما يفسر قلة أعدادهم، وزاد على ذلك انغلاقهم في جيتو خاص بهم بحيث لا يتزوجون من غيرهم – قبل أن يتخلوا عن هذا الشرط – مما عرضهم لقلة عددهم الشديد، حيث يتركزون بين قرية لوزة في نابلس ومنطقة حولون بالقرب من تل أبيب.


المصادر
1 – عبد الوهاب المسيرى: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، 1999م، المجلد الثاني، الباب الثاني : مدخل السفارد.
2 – أحمد بهاء الدين شعبان: حاخامات وجنرالات، الدين والدولة في إسرائيل، نوارة للترجمة و النشر،, 1996م، صـ 118.
3 – إسماعيل دياب خليل: السامريون في العهود الإسرائيلية القديمة، مجلة الأستاذ، العدد 206، المجلد الثاني، 2013م/ 1434هـ.
4 – حسن ظاظا: الفكر الديني اليهودي أطواره ومذاهبه، طـ1، دار القلم، دمشق، 1407هـ/ 1987م، صـ205.
5 – إياد هشام محمود الصاحب: السامريون الأصل والتاريخ العقيدة والشريعة وأثر البيئة الإسلامية فيهم، مكتبة دنديس، الأردن، الطبعة الأولى، 1421هـ، 2000م، صـ261 وما بعدها.

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى