الصيام عن نهب المال العام!
بقلم مالك فيصل مولوي
كثر الحديث هذه الفترة وما قبل عن اكتشاف حالات فساد مزمنة تورط فيها بعض السياسيين المخضرمين الذين كانوا يصولون ويجولون وينهشون بلحم الوطن والمواطن حتى بات لحم أكتافهم كسنام الجمل تنامى بالحرام واستعرض بالحرام. ليس جديداً ابداً أن تكتشف حالات فساد، فالفاسدون والمفسدون واللصوص والمختلسون أصبحوا معروفين لدى جمهور اللبنانيين.
فيا ليت لنا ولو حتى أسبوع صيام عن الفساد وعن الرشى، أسبوع صيام عن الفساد الإداري الذي يقوم على تسخير السلطة لخدمة أهداف شخصية، صيام عن الفساد السياسي وما يتبعه من تزوير وتزييف لإرادة الجماهير، صيام عن الفساد المالي ونهب المال العام، صيام عن التهرب الضريبي وتهريب الأموال خارج حدود الوطن. إن الغدر والمكر والخداع والتحايل صارت من الأمور المباحة بل المحببة في قاموس السياسة اللبنانية وحياة السياسيين وأصبح النفاق أمراً مستساغاً بل صار عادة وتقليداً متبعاً في حياة الناس.
إن السياسيين في هذا العصر يسيرون وفق رؤى وفلسفة ومصطلحات السياسة وينظرون إلى بعض رموز السياسة بقداسة وغلو مفرط ويعتبرون بعض قواعد اللعبة السياسية قواعد ثابتة وذات بال وهذا من كوارث السياسة وأخطاء بل خطيئات السياسيين التي أورثت الأمة خبالاً ووعياً مزيفاً وواقعاً هزيلاً ومهترئاً وتابعاً لكل ناعق ومتسلط. إن الطغيان سلوك محرم والركون إلى الظالم عمل محظور لكن ما أكثر الطغاة وما أكثر من يركنون إليهم ويصفقون لهم ويتوددون إليهم طلبا للزلفى وطمعا في القربى.
تاجروا بالوطن وحصدوا خيراته لجيوبهم، التي أصبحت مثقلة بالدولارات التي استباحوها عبر حملات النهش الوطني والنهب المنظم بقوة الدين والطائفة والحزب والمحور والمنصب والولاءات المزيفة والنجومية الاستلقائية ولكن الجديد في الأمر هو أن هناك آلاف الحالات من الفساد الخبيث المزمن، تكتشف يوما بعد يوم. ويبقى مرتكبوها طليقين أحرارا وكأنهم فعلوها غير آبهين سائلين مكترثين او نادمين!
الصوم لله وحده وهو يجزي عليه فقط لمجرد الامتناع عن الأكل والشرب كي نشعر بجوع الفقراء وبؤس المساكين ومحور الفريضة في غايتها وأسمى معانيها هو قضية الفقر والفقراء فقط أن تشعر بهم وتتألم مثلهم، فما بالك بمن يسرقهم ويستنزفهم ويستغلهم ويستولي على قوتهم وقوت أولادهم في شهر الصوم. والمعنى في تلك الفريضة العظيمة الممتدة في السمو والضاربة في أعماق الإنسانية هو محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله فعندما ينتشر الفساد تتفاقم مشاكل البطالة ويتبعها الفقر، وعندما تغيب الشفافية ويكثر المفسدون تزداد مديونيات الدول وتتوقف خطط التنمية وينهار الاقتصاد.
أعتقد أن الفساد لا يمكن أن يُجتث ويزول بمجرد الإعلان عن اكتشاف حالة أو حالتين وتطوي الصفحات بعدها، ولا يمكن القضاء عليه عبر خطط وبرامج “سيدر” التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا، إنما يتم القضاء على الفساد، من خلال شن حملة شرسة ضد الفساد والمفسدين ومعاقبة اللصوص أيا من كانوا كباراً وصغاراً. سياسيين نافذين أو متعهدين. محترفين أو مبتدئين. نجوماً أو مغمورين. والإعلان عن أسماء المفسدين وفضحهم أمام الشعب حتى لا يتمكن مثل هؤلاء من اقتراف النصب والاحتيال من خلال شعاراتهم الزائفة ووطنيتهم التجارية وأسمائهم اللامعة التي تحتل الشاشات اليومية. وحتى يصبح لبنان نظيفاً خالياً نقياً من جراذين المال العام، وآكلي لحوم الأيتام والشهداء والثكالى، حينها سيحسب كل من تسول له نفسه “بتشبيح المال العام” ألف حساب قبل أن يقدم على فعلته.
كم هو ظلم أن يحاول مسؤول رفيع المستوى يدعي الطهارة والعفة، يتسلح بالمقاومة ومحورها، سرقة ملايين الدولارات في الوقت الذي يصطف فيه عشرات الآف العاطلين عن العمل في طوابير طويلة بانتظار لقمة العيش. فهل وُجد لبنان ليعيش “الزعيم” و”البيك” و”الشيخ” و”المعالي” و”السعادة” في جنات النعيم ويموت الآخرون من الجوع. إن الوضع الاقتصادي الصعب والمديونية الكبيرة التي يعاني منها لبنان لم تنتج بفعل حصار او حرب بل نتجت فعليا عن السرقات المنظمة التي كان يرتكبها المؤتمنون على حال البلد. من هنا إنني أدعو كل المخلصين – وهم قلائل – وخصوصاً في الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك، أدعوهم للوقوف معاً وللتكتل، من أجل رفعة لبنان وإخراجه من المآزق الاقتصادية والتصدي لكل الخبثاء والمفسدين. وعندما نعلم أن فاتورة الفساد تكلف لبنان كذا مليار دولار سنويا، وعندما نعلم أن حجم الأموال المهربة للخارج خلال العشر سنوات الماضية عشرات المليارات، وعندما نعلم أن الفساد يستنزف كذا مليار دولار سنويا من اقتصاد لبنان وذلك باعتراف القيادة السياسة في البلاد ونرى بعد ذلك بعض المواطنين يبحثون عن الطعام في القمامة فعن أي رمضان يتحدث هؤلاء الساسة؟
ومن الموظف الصائم المرتشي إلى صفقات الرشى الكبرى، في تخليص المعاملات الدولية وصفقات التراضي، وتوريد السلع ومستلزمات المصانع وإرساء العطاءات على الشركات الكبرى، مقابل رشى كبار المسؤولين في الجمهورية، والذي شكل ضغطا كبيرا على حركة التجارة العالمية وتقييد تداولها، وارتفاع تكلفة الفساد الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد العالمي. ويعلم الجميع أن كلفة محاربة الفساد أعلى بكثير من حجم الفساد نفسه! فلم ننس بعد وزارة مكافحة الفساد التي كانت الفساد بعينه من هدر المال العام عبر رواتب للوزير وحاشيته مقابل مردود صفر. وللأسف تتخذ معظم الدول السبل للجم الفساد، وتقييد انتشاره بكل الوسائل بالشفافية، بالمساءلة بالعقوبة الزاجرة وبتغيير البيئة التي انتجته، ورغم ذلك لا قُتل الفساد ولا انقضى الفقر ولا انتهت الرشى. والأمل أن نخرج من شهر رمضان المبارك ونحن ندرك كيف نصوم من أجل الفقير وكيف نصوم لنكافح فقره، وكيف نصوم لنمنع الفساد ونشل أذرعه.
(المصدر: مدونات الجزيرة)