بقلم الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..
أحبابي الكرام:
أمتنا العظيمة، أمّةُ ذَوقٍ وأدبٍ وعُلوم وفُنون، وألسِنةُ التاريخِ تروي لنا بعضَ مشاهدِ الذوق العالي، أدبا وفنًّا وشعرا، وبيانا، حيث كان الأجداد يَتفيئُون ظِلال الكلمةِ الجميلة، ويغوصُون في بُحور الشِّعر الرصين، وَيُسَوَّدُ الرجلُ فيهم، بل القبيلة، بالعلم والأدب والذوق الرفيع، كانت الكلمةُ الراقية تفعل فيهم فِعل السِّحر، فَيقِفُون عندها يُغازلون حُروفها، ناسِجين منها خمائل مِن جمال ورُقي، كانتْ آذانُهم لا تتوافقُ إلا مع الجَمال، إلا مع الرُّقي، أما صاحبُ الإسفاف فيهم إن وُجد، فمنبوذ مَلمُوز مَهمُوز، يعيشُ بينهم غريبًا في حُفَرِ رَداءتِه، ثُمّ بدأ هذا الرقي التذوقي يهبِط ويتدنَّى ويتدلَّى، حينما خَالطتْهُ المصلحة، وداخَلتْهُ المَّادة، وأصبح يُباع في سُوقِ النِّخاسة.
ونحنُ نرى اليوم الكثيرين من المنتسبين إلى الإبداع زورا، يركضُون لاهثين، من أجل أن يقولوا أيَّ شيء، ويقدِّموا لا شيء، لم يَعُدْ مُهِمًّا كيف يَظهرون، إنَّما المُهِمُّ متى يظهرون، هَمُّهم الظُّهورُ في أنفُسِهمْ، لا في نَفَاسَةِ ما يَظهرُون به، لا يَلوُونَ على شيء سِوى الوصول إلى ما يريدون إليه الوصول، يَجيءُ مِن سَفْحِ الذوق رجُلٌ يسعى يحمِلُ عَبثًا يُسَمِّيه فنًّا، أو إبداعا، أو أو، ويُزخرِف مَنتُوجَهُ بِكَمٍّ من الغرائب، همُّه لمعانُ الشاشات، وبريقُ الفلاشات، وصيحات المعجبين والمعجبات، الذين بدورهم ينتظرون أي شيء.
وما بين ذاك الرُّقي الذي كنَّا فيه، وهذا الامتهانِ الذي صار سِمةً طاغية، نقف بألمٍ ومرارة، أمام هذا العبث الثقافي، والإرباك الفكري، والاختلال التذوقي، إنَّ الذين يُسَلِّطُونَ الضوء على هذه التفاهات فكريةً كانت أو فنّية، أو تأليفية، يُساهمون في التَّمكينِ لهذه الألوان التي تَمُجُّها السَّلائِق وتَشْنَؤُها الأذواق، وترفضها الفِطَر.
نَحنُ لا نَقتنِص لِنقتص، أو نثلبَ لنعيِّب، أو نُتفِّه لِنُسفِّه، وإنّما هي الأمانةُ تقتضي أن نُبديَ أسفًا على منجزنا الثقافي، ونبرِز لوعةّ على موروثنا الأدبي والفنِّي، مُفصِحين عنْ حرقةٍ ولوعةٍ شديدتين على هذه الحال، هذه الحال التي أصبح عنوانها: أعطنا نُقُودَكْ، كيْ نَقُودَكْ!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.
(المصدر: هوية بريس)