مقالاتمقالات المنتدى

السيد عبد الرحمان الأزهري العيدروسي .. رجل واحد وألقاب شتى

السيد عبد الرحمان الأزهري العيدروسي .. رجل واحد وألقاب شتى

 

بقلم صبغة الله الهدوي “محرر مجلة النهضة العربية” (خاص بالمنتدى)

 

السيد عبد الرحمان الباقوي القاسمي الأزهري من العلماء الأوائل القلائل الذين أبحروا من مليبار الهندية إلى الأزهر الشريف ليعرف بعد في مليبار بالسيد الأزهري، تمكن من اللغة العربية، وتبحر في العلوم الإسلامية، وألف وصنف، وكتب وخطب،  وهذه الشخصية جديرة أن تبحث، حيث اجتمعت فيها قوة الإرادة، وإخلاص النية، وحب الإصرار والظروف كانت قاسية لما كان المجتمع المليباري يترنح تحت نير الاستعمار الإنجليزي وما أعقب ذلك من نزاعات وصراعات في شتى بقاع الهند. 

  لقد مضى السيد الأزهري تاركا خلفه بصمات هائلة من التأليفات القيمة والمواقف الجميلة والمحطات الخالدة التي تختزل تاريخ سيرة عظيمة وترسم حياة رائد عاش من أجل العلم والدعوة، إنه السيد عبد الرحمن الأزهري، لقد عرفه من عرف واغترف من نميره من اغترف، سيد، قائد، عالم، أديب، ألقاب شتى ورجل واحد، ترأس جمعية العلماء لعموم كيرالا أكبر جمعية إسلامية حية في ربوع كيرالا، وأسس مجمعا علميا يستهدف تخريج علماء قادرين على تصدي التحديات التي تعرقل تيار الدين، وقام بعدة محاضرات أكاديمية في جامعات عالمية، وكتب عدة مقالات وبحوث، وعشرات من الكتب التي أبهرت العرب والعالم الإسلامي.

فالبحث عن هذه السيرة العطرة بحث عن العزم والإرادة والإصرار والمصابرة والمثابرة والمرابطة على ثغور العلم والدين، تخرج في المدارس الإسلامية الكبرى ، بدءا من جامعة الباقيات الصالحات التي تعرف بأزهر جنوب الهند، ومرورا بجامعة دار العلوم بديوبند التي تعرف بأزهر شمال الهند، وفي مسك الختام من جامعة الأزهر الشريف، لكن المحارب لم يستسلم بل توجه تلقاء جامعة القاهرة ليتخرج من كلية الآداب ليلقى عصا رحلته العلمية الطويلة محاضرا ومدرسا في فصول المعاهد والجامعات المختلفة من أهمها جامعة البيضاء بليبيا ثم في نجد ، سنوات أمضاها في خدمة العلم والدعوة، فكان العبقري العصامي الذي عاش في أروقة العلوم، لقد تشرب هذا السيد العلم من  كل هذه الجامعات المرموقة ليكون عالما فذا وسيدا استثنائيا آثر العلم والاجتهاد، ولا مبالغة لو قلنا بأنه لا نجد مثيلا له في العصر الحديث، شاب يعيش في جو مفعم بالنار والحديد، يخترق الحاجز الإقليمي بعد أن حصل منه ما حصل ليبحر ويطير على جناح الإرادة لينهل من معين الأزهر وجامعة القاهرة، ثم يرجع السيد ليؤسس معهدا دينيا برؤية ثابتة ومسددة، ويتولى رئاسة جمعية العلماء لعموم كيرالا التي هي أكبر جمعية إسلامية في جنوب الهند.

وقد أبحر السيد في الثلاثينيات من عمره بأحلامه الشابة وطموحاته العالية التي لا فناء لها ليلتحق بالأزهر الشريف ويتخرج من أروقته بذاك الزي الأزهري الشامخ الذي يعبر عن مدى عزم قضى في سبيل العلم دهرا، ولم تعق له كل تلك المسافات الطويلة ولم تثنه مشقات السفر ولا هواجس الغربة عن تحقيق حلمه وتجسيد رؤيته بل أراد لينقش في صفحة الزمان فصلا من فصول الهمة العالية، فكتب “العرب والعربية” الذي أعجب العلماء العرب واستحسنوه وأثنوا عليه  وكتب “من نوابغ مليبار” وكتب “تاريخ النحو وتطوره” وغيره من الكتب القيمة التي تعبر عن قدرته وموهبته وتمكنه من اللغة العربية. 

فأكثر من ذلك إنه حطم الصور النمطية التي طالما كانت تلاحق علماء مليبار ولا سيما منهم الأشراف حيث كانوا ينخرطون في سلك الخدمات الدينية والدعوية في سن مبكر، حيث كان أكثرهم يتولون القيادة الدينية والاجتماعية في شبابهم فلا يحصلون على وقت كاف للدراسات العالية ولا للتأليف الجاد اللهم إلا نذر يسير ممن حباهم الله وأنعم عليهم وفي مقدمتهم السيد محمد علي شهاب والسيد الأزهري عبد الرحمان إمتشيكويا الذي نتحدث عنه.

وهناك لفتة جميلة ووقفة رائعة بين هذين السيدين العلمين، حيث كان أحدهما مهتما بالشؤون السياسية والآخر بالشؤون الدينية يملآن جو كيرالا شرفا وكرما، وقد عانقهما مسلمو كيرالا عناقا حارا يغلفه الوفاء والاحترام تقديرا لما قاما بجهود جبارة ومساع طيبة في ترسيخ وتأصير الأمة المليبارية، وهذا الثنائي الرائع كان أجمل صورة رسمتها مليبار في لوحة الأمة الإسلامية، حملا هم الأمة وأشعلا جذوة العلم وأقاما خيمة الحب والتسامح.

والسيد الأزهري لهو أوسع من أن نستوعبه، وأكبر من أن نلمسه وأحوج إلى أن نقتفي أثره ونقف عند فكره، عالم موسوعي وأديب ألمعي ترك حضورا واسعا في الأوساط العلمية ليكون بقية الأسرة المخدومية، حاضنة التراث العلمي الثري، وراعية الفقه والتصوف، فآثار ألق  قلمه بادية بقوة في تلك الكراسات التي تشهد المراسلات التي جرت بينه وبين الشخصيات المرموقة الدينية والأدبية في مصر وغيرها من البلدان العربية، عجيب جدا أن ترى عالما  ولد في جو مفعم بغبار الصراعات التحريرية التي تطحن الهند طحنا يحارب الظروف ويغير مجرى الرياح حسب إرادته ليجيب المتنبي قائلا

“تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسـفـن

إن الذي يرتجي شيئاً بهمتــــــه يلقاه لو حاربتــــــه الإنس والجــن”.

وتوفي فضيلته بعد تسع عقود من الخدمات الجليلة (1924- 2015)م منارة لامعة تشرق الملايين بآثاره الطيبة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى