مقالاتمقالات مختارة

السياحة في الإسلام.. نظرة فقهية

السياحة في الإسلام.. نظرة فقهية

بقلم د. مسعود صبري

يعد مفهوم السياحة الدينية أوسع دلالة من زيارة الآثار الإسلامية، فزيارة الآثار الإسلامية جزء من السياحة الدينية؛ حيث تشمل السياحة الدينية بعض العبادات كالحج والعمرة التي أمر الله تعالى بأدائهما، كما في قوله تعالى: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (البقرة: 196)، وقوله سبحانه وتعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97)، كما جاءت السُّنة النبوية تحث على الحج والعمرة، من ذلك ما ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

وتأخذ السياحة الأحكام الخمسة من الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة والجواز، وهي على النحو التالي:

أولاً: السياحة الواجبة: وهي زيارة بيت الله الحرام بقصد الحج أو العمرة لعموم الأدلة على وجوبهما، أما وجوب الحج فبإجماع العلماء استدلالاً من الكتاب والسُّنة.

وأما العمرة، فقد اختلف الفقهاء في حكمها:

الاتجاه الأول: أداء العمرة سُنة مستحبة، وهو مذهب المالكية وأكثر الحنفية.

الاتجاه الثاني: أن العمرة فرض واجب، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية، ونص أحمد على أن العمرة لا تجب على المكي؛ لأن أركان العمرة معظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم.

ثانياً: السياحة المستحبة:

وهي مثل أداء العمرة لمن رأى أن العمرة مستحبة، وزيارة المسجد النبوي، وزيارة المسجد الأقصى، وزيارة مسجد قباء لمن كان في المدينة، والسفر والسياحة لطلب العلم ولقاء العلماء وكل ما فيه نفع للمسلمين.

ثالثاً: السياحة المكروهة:

وهي كثرة الأسفار بما فيه من تبذير المال وإنفاقه فيما لا نفع فيه، بما يضيع المال والوقت والجهد في غير نفع.

رابعاً: السياحة الجائزة:

ويقصد بها السفر لأجل التجارة المباحة، أو التطبيب والكشف الطبي على الجسد، أو السفر لكل ما هو مباح شرعاً من غير إسراف ولا تبذير.

خامساً: السياحة المحرمة:

وهي السفر لأجل كل ما هو محرم؛ كالسفر للمهرجانات السينمائية والمهرجانات الغنائية أو لأي فعل محرم.

زيارة الآثار الإسلامية

تعد زيارة الآثار الإسلامية جزءاً مما بات يعرف اليوم بـ»السياحة الدينية»، وهي مقصد كثير من البشر، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، يقصدونها للزيارة وللذكرى والتصوير معها، ولرؤيتها والاطلاع عليها ومشاهدتها، ومعرفة بعض المعلومات عنها.

والآثار هي الأماكن التي ارتبطت بأحداث في تاريخ الإسلام عبر عصوره المختلفة منذ العصر النبوي إلى قبل مائة عام مما نحن فيه، فتشمل الأماكن التي بقيت مما تتعلق بالعصر النبوي والسيرة النبوية، أو تعلقت بأحداث في العصر الراشد، أو في العصور الإسلامية التالية له، في الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية وما تبعها من خلافات فرعية؛ كالفاطمية والأيوبية والإخشيدية والمملوكية، ثم الخلافة العثمانية.

وتشمل الآثار أيضاً مع الأماكن ما ترك من الأشياء كالمساجد والمتاع والملابس والأسلحة والأثاث وغيرها من مظاهر الحياة الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي.

والآثار الإسلامية تنتشر حول العالم، ليس في الدول العربية فحسب، بل أيضاً في بعض الدول الأجنبية التي استوطنها المسلمون قديماً، مثل إسبانيا التي كانت محل الخلافة الإسلامية هناك، وكذلك بعض دول أوروبا الغربية والشرقية خاصة في البلقان وغيرها.

ولا شك أن هذه الآثار ثروة عظيمة، ترتبط بتاريخ الأمة وحضارتها، وتربط الأجيال المسلمة بتاريخها.

وفي فتوى لدار الإفتاء المصرية برئاسة الشيخ جاد الحق رحمه الله، بتاريخ 11 مايو 1980م، جاء فيها أن الآثار وسيلة لدراسة التاريخ، لما فيها من الموعظة، وهي سجل تاريخي واجتماعي وسياسي وحربي، ومعرفة تلك الآثار تدفع إلى التقدم والرقي، بل إن القرآن لفت في كثير من آياته نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة الآثار والانتفاع بها، ولا يكون ذلك إلا بالاحتفاظ بتلك الآثار، التي يمكن من خلالها معرفة اللغة والعادات والحياة بكافة أشكالها، كما قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {20}) (العنكبوت).

ثم قال رحمه الله: «وتخريجاً على هذا، كان الاحتفاظ بالآثار سواء كانت تماثيل أو رسماً أو نقوشاً في متحف للدراسات التاريخية ضرورة من الضرورات الدراسية والتعليمية لا يحرمها الإسلام؛ لأنها لا تنافيه، بل إنها تخدم غرضاً علمياً وعقائدياً إيمانياً حث عليه القرآن؛ فكان ذلك جائزاً إن لم يصل إلى مرتبة الواجب، بملاحظة أن الدراسات التاريخية مستمرة لا تتوقف».ا.هـ.

وإذا كانت هذه الحال في آثار غير المسلمين، فيكون من باب أولى جواز زيارة الآثار الإسلامية، لما فيها من العبرة والعظة وربط المسلمين بتاريخهم وحضارتهم، كي يكملوا مسيرة البناء الحضاري الذي بدأه أسلافهم من السلف والخلف.

ضوابط زيارة الآثار

وقد وضع الفقهاء بعض الضوابط الشرعية لزيارة الآثار، من ذلك:

أولاً: ألا يقصد بها العبادة أو الخصوصية:

ومعنى هذا أنه لا يتصور أن الآثار لها أفضلية عند الله في زيارتها، بل يزورها للاتعاظ والعبرة، ولا تتساوى مثلاً مع زيارة المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام، كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس، ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فليس قصد شيء من ذلك من السُّنة، ولا استحبه أحد من الأئمة، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر: عرفة ومزدلفة والصفا والمروة، وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى، مثل جبل حراء، والجبل الذي عند منى الذي يقال: إنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك؛ فإنه ليس من سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك، بل هو بدعة» (الفتاوى 26/144).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء، أو على جبل ثور؛ من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟

الجواب: لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك» (اللقاء الشهري رقم 65).

ثانياً: ألا يقترن بها عبادة مخصوصة كالدعاء أو الصلاة:

فلا يظن المسلم أن الصلاة في مكان أثري، أو الدعاء عنده له خصوصية في الإسلام، فتكون للسياحة والزيارة والاطلاع والمشاهدة.

روى الطحاوي عن المعرور بن سويد الأسدي بإسناد صحيح قال: وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما انصرف إلى المدينة انصرفت معه، فصلى لنا صلاة الغداة فقرأ فيها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1}) (الفيل)، و(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1}) (قريش)، ثم رأى أناساً يذهبون مذهباً، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون مسجداً ها هنا صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنما أهلك من كان قبلكم بأشباه هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله فليُصلِّ فيها ولا يتعمدنها» (مشكل الآثار 12/544).

ويلاحظ أن غالب فتاوى العلماء في الآثار إنما تتحدث عن آثار الكافرين؛ كالفراعنة وأقوام الأنبياء السابقين، ورغم هذا، فهم يجيزونها إن كانت للاتعاظ والعبرة.

أما زيارة الآثار الإسلامية فهي أولى بالجواز، ما لم تشتمل على محرم كقصدها للعبادة عدا المساجد الثلاثة، أما بقية الآثار فلا مانع شرعاً من زيارتها للتنزه والاعتبار، بل تعد زيارة الآثار الإسلامية تشجيعاً للاقتصاد في بلاد المسلمين.

ضوابط للسياحة بوجه عام

وضع أحد الباحثين بعض الضوابط التي تتعلق بالسياحة بشكل عام، وهي باختصار:

– كل من دخل الدولة بإذن الدولة فهو في أمان، من سائح، أو باحث، أو متعلم، أو تاجر، أو دبلوماسي، مدني أو عسكري.

– إيذاء السياح أو خطفهم أو ظلمهم أو قتلهم من الجرائم العظيمة في الشرع.

– المعالم السياحية -تاريخية أو طبيعية- مقصودٌ في الأمر الشرعي التعامل معها ترفهاً أو تفكراً أو اعتباراً لا تخريبها أو إتلافها.

– الآثار يحافظ عليها؛ لأنها أصبحت من المال العام، والاعتداء عليها أو إهمالها أو تهريبها اعتداء على المال العام.

– الترويج السياحي الجنسي أو الخليع أو المصادم لقواطع الفواحش المحرمة شرعاً لا يحل بتشريع ولا بأمر دولة ولا بقانون ولا بدستور كائناً مصدره من كان.

(راجع: المقدمة في فقه العصر، د. فضل مراد، 1/ 505).

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى