مقالاتمقالات مختارة

السمات العشر للاستبداد

بقلم د. عمرو عبد الكريم سعداوي

1

السمة الأولى للاستبداد هي التفاف المنافقين من كل حدب وصوب حول الحاكم، منافقو الحاكم السابق، ومنافقو الحاكم اللاحق له، فطبيعة المنافقين أنهم يلتفون حول كل حاكم أيًا كان أسمه وأيًا كان رسمه.

وعندما يسخّر الحاكم كل أجهزة الدولة الإعلامية للطبل والزمر على إيقاع كلماته وأحلامه ومناماته وإلهاماته وطموحاته، فاعلم أنك أمام مستبد.

وعندما يشتغل العزف الإعلامي على نغمة واحدة هي نغمة تأليه الحاكم، وإفساح المساحات الإعلامية الواسعة التي تتكلم عن عبقريته، وأنه ليس من جنس البشر،وأحيانا يرفعه بعض الجهلة -وإن تزيوا بزي العلماء زورا- لدرجة الأنبياء فاعلم أنك أمام مستبد.

وعندما تقوم كل وسائل الإعلام بعملية غسيل دماغ مكثفة لتشويه العقول والنفوس وتزييف الحقائق حتى ترى الشعوب أن الحاكم أصبح إكسير الحياة، وأوكسجين الهواء الذي لا يمكن للحياة أن تستمر بدونه، ولا يمكن أن تتخيل حالة فقده أو اختفاؤه.

فالمستبد لا يموت لأنه ليس من جنس البشر بل هو إلى الآلهة أقرب، بعد أن تجاوز به الجهّال مرحلة النبوة.

2

السمة الثانية هي تسخير الحاكم كل مؤسسات الدولة وأجهزتها لتخدم أهدافه وطموحاته، وتشتغل على مشروع الشخصي: وصولا للحكم ابتداء، واستمرارا فيه انتهاء، وتوريثه لمن يشاء من بعده.وعندما تدور كل مؤسسات الدولة في فلك الحاكم فاعلم أنك أمام مستبد.

3

السمة الثالثة هي أن يكون للحاكم المستبد “مشروع حُكم”، وليس لديه”مشروع للحُكم”.

فالمستبد ليس لديه “مشروع للحُكم”، وإنما لديه “مشروع حُكم”.

والفرق بينهما أن:”مشروع للحُكم” تعني أن الحاكم لديه برنامج إصلاحي يعود على المواطنين بالخير، والوصول للحُكم وسيلة لتنفيذ هذا البرنامج، بما يحقق من مصالح وأهداف للناس.

أما “مشروح حُكم”: فتعني أن الحُكم هو الغاية العظمى، وهو الهدف النهائي الذي تسخّر كل الوسائل من أجله.

المستبد ليس لديه برامج ولا أهداف إصلاحية، لأن جوهر الاستبداد هو الوصول للحكم والاستمرار فيه ولو على جثة الوطن، وليس فقط على جثث المواطنين.

4

السمة الرابعة هي أن يصادر الحاكم المستبد الوسائل التي وصل للحكم بها، فإذا وصل إلى الحُكم عن طريق الديمقراطية، فإنه بمجرد صعوده لسدة الحكم يقوم برفع سُلّم الديمقراطية ورائه، فلا ينزل عليه هو مرة أخرى، ولا يصعد عليه أحد غيره.

ذلك أن جوهر الديمقراطية هو التداول السلمي للسلطة.

والمستبد يصل إلى الحُكم صعودًا على سُلّم الثورة أو الاحتجاجات الشعبية، ثم إذا وصل للحكم وصعد إلى سدّة الرئاسة يقوم برفع السُلّم ورائه، فلا ينزل عليه مرة أخرى، ولا يصعد عليه غيره.

فيقوم المستبد بسن قوانين تمنع التظاهر، وتعيش الدولة عصر الصوت الواحد، والنغمة الواحدة.

فجوهر الاستبداد هو التأبيد في الحُكم، أو توريثه أو غلقه على مجموعة ضيقة من المحيطين بالحاكم، والذين يحافظون على نفس منظومة المصالح وشبكة العلاقات: داخليًا وخارجيًا.

5

السمة الخامسة هي أن يوظف الحاكم مؤسسات القضاء في خدمة أهدافه ومصالحه السياسية، وترفع العصابة السوداء من على أعين القضاء، ويعرف القضاة شخوص الأطراف المتخاصمة، فيأخذ المعارضين أحكاما بالإعدام ولو كانوا مئات في قضية واحدة، بلا فض أحراز، ولا سماع شهود، ولا التثبت من وقائع،بل وشتم وحبس المحامين إذا تكلموا.

وعندما تلغى الأحكام القضائية بقرارات سياسية أو سيادية.

وعندما تلغ شرائح لا بأس بها من القضاة في الفساد، وتعطل أجهزة الرقابة الداخلية في ساحة العدالة، وعندما يضطر الشرفاء من القضاة إلى الاستقالة أو الفرار بأنفسهم.

وعندما يقنن الفساد والإفساد ويحمي الحاكم المستبد وشلته ودفعته ومجموعته وشركائه في مشروعاته: داخليا وخارجيا.

وعندما تسن ترسانة قوانين تحت عنوان محاربة الإرهاب،وجوهرها العمل على القضاء على الخصوم السياسيين.

6

السمة السادسة هي أن يمنح الحاكم نفسه النياشين والرتب والدرجات والأوسمة.

وعندما يرى الحاكم المستبد نفسه ملهما وموهوبا، ويعيش في حياة الترف والبذخ ويطالب شعبه بالتقشف،وشد الحزام والمشي بدلا من ركوب المواصلات والاستيقاظ في الخامسة فجرًا فاعلم أنك أمام مستبد.

7

السمة السابعة هي أن تكون القوة الصلبة هي الداعم الأساسي للحاكم، وأن يكون سلاح الدولة هو الفيصل في حسم النزاعات السياسية بين أطراف المجتمع.

فالمستبد يصل للحكم بالقوة الصلبة، ويستمر في الحكم بالقوة الصلبة، وينقله لمن خلفه بالقوة الصلبة.

8

السمة الثامنة هي أن يقوم الحاكم بتصفية المعارضين السياسيين سواء بالسجن الطويل أو تلفيق التهم جزافا أو بفترات حبس احتياطي يتحول فيها الحبس الاحتياطي لعقوبة في حد ذاته ولو أحببت حدثتك عن الأستاذ هشام جعفر وغيره المئات بل الألوف ممن يتم التجديد لهم تجديدا مستمرا لحدثتك.

وعندما يضطر الحاكم خصومه السياسيين الذين لديهم قدرات على تحريك الشارع إلى الخروج من البلد سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة.

وعندما يصادر حرية الإعلام ويغلق القنوات الفضائية التي يظن منها المعارضة لمشروعة، فلا يسمح إلا بالصوت الواحد والنغمة الواحدة التي تسبح بحمد الحاكم وتخلق منه إلاهامن دون الله فاعلم أنك أمام مستبد.

9

السمة التاسعة هي أن توزع موارد الدولة وثرواتها على المشايعين والأتباع من الداخل والداعمين لحكمه من الخارج.

وعندما تصادر المؤسسات البرلمانية لمصلحة المشايعين والأتباع.

وعندما يخوّن المعارضين أو يتهمون بالعمالة لدول أجنبية أو بتلقي أموال من الخارج.

وعندما لا يكون هناك موعد معلوم سلفا لمغادرة الحاكم لكرسي الحكم فاعلم أنك أمام مستبد.

10

السمة العاشرة هي أن تنتفي فكرة التداول السلمي للسلطة، ويكون العنف هو البديل الوحيد المتاح، وتكون سياسات المستبد هي دفع الشباب لمصيدة العنف حتى يسهل القضاء على فكرة المعارضة.وعندها تزداد حلقات الاستبداد استحكاما وضيقا، لكن ما لا يعرفه المستبد أن الأمر كلما ضاق اتسع.

 

 

(المصدر: مجلة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى