الزاد الروحي للمجاهد في سبيل الله.. حقيقته ومقاصده
بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
يمثل الزاد الروحي المستمد من الكتاب والسنة ضرورة للمسلم عامة، وللمجاهد في سبيل الله خاصة؛ فغايات التشريع لا تتحقق إلا بتجديد الروح وتزكية النفس، ومقاصد المكلفين لا تكون في هذه الحياة إلا بالزاد الروحي الرباني في مصدره ومنهجه ووجهته وغايته.
وإذا كان المسلم لا غنى له عن هذا الزاد “الضروري”، إذ به يتميز عن سائر المخلوقات، فكيف بالمجاهد الذي يغامر بروحه في قلب المعركة وفي ساحات القتال وعرصات الوغى والكر والفر وفتنة السيف على رأسه؟ وقد ورد ” أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ ما بالُ المؤمنين يُفتنون في قبورِهم إلّا الشَّهيدَ قال كفى ببارقةِ السُّيوفِ على رأسِه فتنةً”. [رواه المنذري بإسناد صحيح، وصححه الألباني].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ في الجنةِ مِائةَ درجةٍ أعدَّها اللهُ للمجاهدِينَ في سبيلِ اللهِ، ما بين الدَّرجتيْنِ كما بين السماءِ والأرضِ…”. [الجامع الصغير للسيوطي، وصححه الألباني في صحيح الجامع: ٢١٢٦].
اهتمام التشريع بالزاد الروحي:
ولقد اهتم التشريع الإسلامي غاية الاهتمام بالزاد الروحي للمسلم، وشرع من الشعائر ما يعزز المشاعر، وفرض من الفروض وسنَّ من السنن والمندوبات والمستحبات ما يقيم المسلم إنسانا مكرما كأرقى ما يكون الإنسان!
ها هي الصلوات خمس مرات في اليوم والليلة، ثم نوافلها، وها هو الصيام شهرا في العام ثم نوافل لا تنقضي، وكذلك الزكوات والصدقات دائمة ومستمرة، وها هو الحج والعمرة يتتابعان، وها هو القيام والذكر والاستغفار والتوبة والأوبة والاستسلام لله والدعاء والرجاء .. لا ينقطع كل ذلك الليل والنهار!
وإذا كان الشرع الشريف شرع كل هذا للمسلم في أحواله العادية فكيف بالمجاهد في سبيل الله الذي يتعرض للشهادة ويقاتل عن دينه وعرضه ونفسه وماله وأرضه ويحمل روحه على كفتيه؟
زاد المجاهد الروحي في قلب المعركة كما قرره القرآن:
إن القرآن الكريم قد بين أن الزاد الروحي هو المقوم الأساس للمقاتل في أرض المعركة، ولم ينشغل القرآن الكريم بالنصر ابتداء وإنما أشغل المسلم بالزاد الروحي الذي يعتبر أقوى الأسباب لاستنزال النصر الذي قرر الله أنه “من عند الله” فقط.
ولهذا نجد القرآن واضحا في هذه المسألة؛ إذ أورد على ألسنة المجاهدين في دعائهم ما يعبر عن الزاد الروحي أثناء القتال وضرورته أثناء القتال، ومن ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا۟ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُوا۟ رَبَّنَاۤ أَفۡرِغۡ عَلَیۡنَا صَبۡرࣰا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [البقرة ٢٥٠] فانظر كيف كان دعاء المجاهدين حين التقى الجمعان وبرز الفريقان: “أفرغ علينا صبرا .. ثبت أقدامنا .. ثم: انصرنا”.
ولهذا كانت النتيجة كما ذكر الله تعالى في الآية بعدها: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا یَشَاۤءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة ٢٥١].
وقوله تعالى: ﴿لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [البقرة ٢٨٦]. فالدعاء كما هو وضاح بالصبر والعفو والغفران والرحمة، ثم بالنصر..
وقوله تعالى: ﴿وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیࣲّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرࣱ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ. وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِیۤ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [آل عمران: 146-147].
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره لهذه الآية: “علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها. ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر، بل اعتمدوا على الله، وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين، وأن ينصرهم عليهم، فجمعوا بين الصبر وترك ضده، والتوبة والاستغفار، والاستنصار بربهم، لا جرم أن الله نصرهم، وجعل لهم العاقبة في الدنيا والآخرة”.
ولهذا قال الله تعالى في الآية بعدها: ﴿فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [آل عمران ١٤٨].
وأوصى الله تعالى المؤمنين بالثبات وذكر الله حين اللقاء في ميدان المعركة، فقال مناديا على المؤمنين بهذا النداء المحبب: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا لَقِیتُمۡ فِئَةࣰ فَٱثۡبُتُوا۟ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ. وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ. وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ خَرَجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بَطَرࣰا وَرِئَاۤءَ ٱلنَّاسِ وَیَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطࣱ﴾ [الأنفال: 45-47]. فانظر كيف رتب على ذلك الفلاح، والفلاح هنا معناه النصر بلا ريب، وقد قال شهيد الإسلام سيد قطب في تفسير هذه الآية: “فهذه هي عوامل النصر الحقيقية: الثبات عند لقاء العدو. والاتصال بالله بالذكر. والطاعة لله والرسول. وتجنب النزاع والشقاق. والصبر على تكاليف المعركة. والحذر من البطر والرئاء والبغي”.
وقال السعدي في معنى قوله تعالى هنا: “لعلكم تفلحون”: “تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر اللّه من أكبر الأسباب للنصر”.
وفي موضع آخر يؤكد القرآن الكريم هذا المعنى فيقول الله عز شأنه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَـٰرَةࣲ تُنجِیكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِیمࣲ. تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ لِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ. یَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَیُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ وَمَسَـٰكِنَ طَیِّبَةࣰ فِی جَنَّـٰتِ عَدۡنࣲۚ ذَ لِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ. وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحࣱ قَرِیبࣱۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الصف: 10-13].
ففي هذه الآيات الكريمة دلَّ الله تعالى عباده المؤمنين على تجارة منجية يوم القيامة من غضب الله وعذابه، وهي الإيمان به والجهاد في سبيله، وبين عاقبة هذه التجارة وهي: المغفرة، ودخول الجنة، ومساكن طيبة فيها، ثم جاء في النهاية بما تحبه النفوس في الدنيا وقال: “وأخرى تحبونها نصر من الله”، وكلمة “أخرى” لا تخفي أنها نافلة في هذا السياق وليست مقصدا أصليًّا يقصده المؤمنون بجهادهم في سبيل الله، ولأنه ليس بأيديهم وإنما هو من عند الله، والذي بأيديهم هو التحقق بمعاني الزاد الروحي، وإعداد القوة والأخذ بالأسباب.
مقاصد التزود بالزاد الروحي للمجاهد في سبيل الله:
إن التزود بالزاد الروحي له مقاصد مهمة للمسلم المجاهد في سبيل الله سواء أكان ذلك قبل المعركة أو قبلها أو بعدها، ومن أهم هذه المقاصد:
أولا: امتثال أمر الله تعالى:
كل الآيات القرآنية التي أوردناها سلفا تشير إلى أهمية أخذ الزاد الروحي والقيام بمقتضاه للمسلم في أحواله عامة، وأثناء القتال بوجه خاص.
كما أن الله تعالى أمرنا أمرا مباشرا بتجديد الإيمان فقال: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ …﴾ [النساء ١٣٦].
وأمرنا بالتزود من التقوى فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [البقرة ١٩٧].
وإذا كانت هذه الأوامر المباشرة للمسلمين عامة فإن المجاهد في سبيل الله مخاطب بها بطريق الأولى، وهو أولى بذلك؛ نظرا لعمله المقدس، ومجاله الأصعب.
ثانيا: الثبات في ساحات القتال:
فإن ذكر الله تعالى من أكبر المثبتات في الساحة القتالية؛ ولهذا يقول الله عز شأنه – كما أشارت سورة الأنفال -: “فاثبتوا واذكروا الله كثيرا”. فكأن ذكر الله هنا هو المقوم الأساس للثبات، وإن المسلم إذا استحضر وجود الله، واستعان به، واستلهم قوته وقدرته المطلقة مع أخذه بأسباب الأرض المادية فلا شك أن الفلاح سيكون حليفه والنصر سيكون قرينه!
كما أن المسلم بهذا الإيمان الصادق يملك نفسًا فدائية، وهو باستشرافه الشهادة وأجر الشهداء ومنزلتهم عند الله ليتطلع إلى ذلك مقبلا غير مدبر، ومقداما غير محجام، ومُقدّمًا الفداء وملبيًا النداء بنفس راضية مطمئنة.
ثالثا: تحقيق الالتزام بأخلاق القتال:
فالإسلام يتميز بهذا القيد حين يذكر الجهاد أو القتال: “في سبيل الله” وليس في سبيل أطماع شخصية، ولا إشباع رغبات ذاتية، ولا شفاء الغليل بالانتقام والإذلال، وإنما في سبيل تحقيق تمكين دين الله في الأرض، ودين الله جاء لمصالح الناس في الدنيا والآخرة، ولم يأت لإعناتهم ولا التعسف معهم في المعاش أو المعاد.
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية مدونة كاملة عن أخلاقية الجهاد والمجاهدين في سبيل الله، مع الإنسان، ومع الحيوان، حتى مع الجمادات، وهذه آداب وأخلاق لم تعرفها البشرية قبل الإسلام، ولم تعرفها إلا في الإسلام، والإسلام وحده.
وحين يلتزم المسلم بالزاد الروحي ويحصله ويهتم به فإن هذا الزاد يمثل له حصانة من الانحراف الأخلاقي فيما أمر به الشرع من أخلاق تخص الجهاد والمجاهدين؛ لأنه يذكر الله ويتوب إليه وستغفره ويدعوه بالثبات والنصر.
رابعا: تحقيق التكامل في التصور والواقع:
التصور الإسلامي يتميز بتفرده بين تصورات الدنيا والأرض قاطبة، فلا يوجد تصور يشابه أو يقارب التصور الإسلامي، في ربانيته، وفي شموله، وفي اعتداله وتوازنه، وفي مثاليته وواقعيته، وقد أفاض الأستاذ سيد قطب في الحديث عن خصائص التصور الإسلامي بما لم يسبق إليه ولم يلحق به.
والإسلام يهتم بالحياة الروحية وتزكية النفوس وتصفية الأرواح ولكنه لا يدعوهم إلى العزلة وقضاء الحياة بين جدران المساجد وسبحات الليل والنهار، وإنما يدعوهم بل يأمرهم بقيادة الحياة وتمكين الشريعة بين الناس دون إكراه أو اعتساف، ولا يكون هذا إلا بالجهاد في سبيل الله؛ فلا عز ولا نصر ولا تمكين إلا بالجهاد.
وفي الوقت نفسه حكم هذا الجهاد بأخلاق تمنعه من الانحراف أو التشوه أو النقص أو ما يمكن أن تترتب به نتائج عكسية أو مقاصد غير شرعية، وإنما ضبط الإسلام الجهاد بأخلاق وسلوكيات تحقق مقاصده في هذه الحياة.
وهناك مذاهب وضعية وأفكار تزعم انتسابها للإسلام في الوقت الذي تدعو فيه إلى إسلام مستسلم، لا حركة فيه ولا قوة، ولا كرامة فيه ولا عزة، هو تصوف بلا شكيمة، ومصحف بلا سيف، وسلام بلا مواجهة، بل استسلام شامل واستخذاء كامل .. كما أن هناك من يريد أن يستخدم القوة بلا أخلاق، ويبطش بالناس ويوقع بهم الفساد والإفساد والضرر والضرار، والإسلام يأخذ من هذا وذاك سواء السبيل، ولهذا يقف التصور الإسلامي فريدا بين الشرائع الإلهية والمذاهب البشرية.
خامسا: البعد عن الانحراف الفكري والأخلاقي:
إن أهمية الزاد الروحي للمجاهد طبقا لما قررنا سابقا تحفظ المجاهدين من نوعين من الانجراف:
أولهما: الانحراف الفكري، وله شكلان: الأول: انحراف نحو التشدد حين يغيب الزاد الروحي والانضباط الأخلاقي وقلة العلم بأحكام الجهاد ومقاصده وفلسفته في الإسلام، وانحراف نحو التحلل وهو التفلت من الدين بالكلية والتحلل منه عقيدةً وشريعةً؛ إذ الحركة دون تزكية تجعل المسلم في حالة عدم توازن، فالله تعالى خلق الإنسان من طين وروح، وإذا اهتم الإنسان بجانب وأهمل الآخر حدث هذا الخلل، ووقع هذا الاضطراب.
وثانيهما: الانحراف الأخلاقي والسلوكي، وهو إشباع رغبات الذات وتحقيق الشهوات، والبعد عن تحقيق مقاصد الجهاد باتباع مقاصد الصادين عن سبيل الله، والانسلاك في مهاوي العمالة والتبعية لأعداء الأمة والملة.
وإن ما رأيناه ونراه اليوم من انحرافات وعمالة وسط صفوف المقاومة وجماعات القتال في أي مكان فإن أول أسبابه ترجع إلى ضعف أو انعدام وجود هذا الزاد الذي يعصم المجاهد في سبيل الله منه ويقفه على الطريق القويم والصراط المستقيم.
إن الزاد الروحي للمجاهد من الواجبات الشرعية والضرورات الواقعية التي لا مفر منها ولا غنى عنها، فإنها هي العاصمة من القواصم، والمانعة من الانحرافات، وهي الوحيدة التي توقفه على “في سبيل الله” وليس سبل الشيطان ولا سبل الغرب أو عملائه في كل زمان ومكان.
(المصدر: مجلة كلمة حق)