مقالاتمقالات مختارة

الرياضة الكويتية تصفع دعوات التطبيع العربية!

بقلم د. محمد العوضي

راجت أخيراً دعوات مشبوهة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، يطلقها بعض من يوصفون بالنخب الثقافية الليبرالية في دول عربية وخليجية عدة. والملاحظ في هذه الدعوات القديمة المتجددة من زوار السفارات ومارينز الثقافة العربية، أنها أصبحت تنتهج الصوت العالي من دون حمرة حياء ولا ذرة خجل، والأدهى من ذلك محاولات تبرير السقوط في مستنقع التطبيع مع الصهاينة بحجج واهية وساقطة من الاعتبار الأخلاقي والإطار القيمي لمجتمعاتنا المسلمة.
فلأجل تبرير هذه الخيانة لدين الله ولدماء شهداء الأمة ومناضليها، يسوّق بعض مثقفي السقوط المنسلخين من واقع الأمة بعض التباينات والخلافات السياسية بين الأحزاب الفلسطينية والأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية على أنها سبب كاف للارتماء في أحضان الصهاينة على اعتبار أنهم أبناء عمومتنا ولهم حق العيش بسلام كباقي البشر!
السلام الذي يروّج له دعاة التطبيع هو سلام الخنوع والتنازل والذل، سلام الخيانة للأرض والعرض والدماء الزكية التي سالت دفاعاً عن الأقصى الشريف، سلام قائم على التبعية لمغتصب قاتل تلوثت يداه بكل أشكال الإجرام المتعدد.
هذا السلام الموتور الظالم لا محل له في وجدان الأمة وشبابها وواقعها، بل هي أمنيات واهمة يسوّق لها من لا كرامة عنده ولا دين ولا حتى فهم للواقع السياسي في المنطقة.
الترويج للتطبيع مع الصهاينة الذي ترفضه الأمة ويتهافت عليه مثقفو البارات وزوار السفارات لن يجد آذاناً صاغية له، ولن يحصل على موافقة شعوبنا المسلمة ولن يتأتى له القبول في النفوس.
وقد لاحظت كما لاحظ غيري أن الكويت قيادة وشعباً عصية على دعوات التطبيع مع الصهاينة وترفض كل أشكال وصور التعاون مع هذا الكيان الغاصب، وأنه لا سلام من دون انسحاب كامل من كافة الأراضي العربية والإسلامية في فلسطين وسورية ولبنان وإنهاء كل أشكال التغلغل الأمني والعسكري والاقتصادي وبأي صيغة كانت لصالح الكيان الغاصب.
ومهما ارتفعت عقيرة الموتورين في الدعوة إلى التصالح والتطبيع مع الصهاينة، ومهما تلبست من لبوس الإنسانية الزائفة ومنطق التصالح المشين من القاتل والمغتصب، فلن تجد هذه الدعوات المسعورة إلى نبض الأمة وشبابها وشيوخها ونسائها وأطفالها سبيلاً.
اليوم وأنا أكتب عن الموضوع، فإني أستذكر المواقف المشرفة لبعض شبابنا الكويتي من الرياضيين الذين رفضوا رفضاً قاطعاً أن يصافحوا رياضيي الكيان الصهيوني في دورات دولية وآثروا الانسحاب من مواجهات رياضية تكاد تكون محسومة لصالحهم. فبعد أن أوقعت القرعة العام 2013 لاعب نادي الكويت عبدالله الفرهود في مواجهة لاعب من الكيان الصهيوني، قام اللاعب بإعلان انسحابه من المباراة وصرح حينها اللاعب الفرهود للمركز الإعلامي في نادي الكويت، بأن انسحابه أمام ممثل الكيان الصهيوني فخر له ويوصل رسالة للمجتمعات عدم اعترافه بالكيان الغاصب المسمى دولة إسرائيل وأن هذا الانسحاب شرف له في مسيرته الرياضية.
وفي شهر مايو 2015، انسحب عبدالرحيم البستكي لاعب المنتخب الكويتي للمبارزة للمعاقين من بطولة كأس العالم لسلاح المبارزة التي أقيمت في إيطاليا أمام منافسه ممثل الكيان الصهيوني، وأكد حينها منصور السرهيد رئيس وفد النادي الكويتي الرياضي للمعاقين بأن معنويات اللاعب كانت مرتفعة جداً بعد اتخاذه قرار الانسحاب، معرباً عن سعادته وسعادة جميع أفراد الوفد به وإنه فخور بما قام به وهو على علم بأن قراره سيسعد الشعب العربي بصفة عامة والكويتي بصفة خاصة. وقبل ذلك، وتحديداً في شهر أغسطس 2013، اتخذ بطل الخليج وغرب آسيا ولاعب المنتخب الوطني عبدالله الخياط موقفاً وطنياً وإسلامياً أصيلاً بانسحابه من بطولة العالم للمبارزة التي أقيمت في المجر، بسبب وجود لاعب من الكيان الصهيوني في مجموعته المؤهلة إلى الأدوار النهائية، وأكد الخياط أنه قرر الانسحاب لعدم اعترافه بإسرائيل كدولة ومن منطلق ثوابت وطنية وعربية وإسلامية لا تجيز التعامل مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب. وأضاف الخياط أن الحفاظ على تطبيق هذه الثوابت أهم لديه من المنافسات الرياضية وحسابات الخسارة والفوز.
وفي شهر يوليو 2007، تأهل نجم الكويت وبطل العرب محمد الغريب مع زميله السويدي جوهان برونستروم إلى نهائي بطولة تشالنجرز روسيا للتنس للمحترفين في مسابقة الزوجي بعد فوزهما على الثنائي المصنف ثالثاً على البطولة الألماني دوروش وزميله السويسري لامير، وفي مسابقة الفردي انسحب اللاعب محمد الغريب من البطولة بعد رفضه مواجهة لاعب من الكيان الصهيوني في دور الـ 16 مكتفياً بالنقاط الست من نقاط تصنيف رابطة اللاعبين المحترفين العالمية ATP، التي حصل عليها نظير فوزه في الدور الأول للبطولة.
كما انسحب لاعبا منتخب الكويت الوطني للكاراتيه في نوفمبر 2013 حمد الباذر ومحمد أحمد من أمام لاعبين من الكيان الصهيوني بعد أن أوقعتهما القرعة في مواجهتهما ببطولة العالم الثامنة للناشئين والشباب للكاراتيه في إسبانيا، فانسحاب اللاعب حمد الباذر كان بالمرحلة الأولى للمنافسة. أما اللاعب محمد أحمد، فقد تأهل للدور الثاني ودخل المنافسة على الميدالية البرونزية، إلا أن القرعة أوقعته أمام لاعب من الكيان الصهيوني ليعلن الانسحاب ويخسر تحقيق ميدالية برونزية في البطولة. وأكد حينها أمين سر اتحاد الكاراتيه عماد بهبهاني أنه وبتعليمات مباشرة من رئيس اتحاد الكاراتيه الشيخ خالد العبدالله الصباح، انسحب لاعبانا حمد الباذر ومحمد أحمد بعد أن أوقعتهما القرعة أمام لاعبين من الكيان الصهيوني، مؤكداً أن «توجيهات رئيس الاتحاد كانت واضحة بعدم اللعب أمام لاعبي العدو الإسرائيلي، ونتحمل المسؤولية كاملة سواء بالغرامات المالية أو الإدارية».
كما انسحب بطل تنس الطاولة للمعاقين الكويتي عوض الحربي من نصف نهائي بطولة رومانيا المفتوحة رفضاً لمواجهة منافسه من الكيان الصهيوني في العام 2012، وفي شهر يونيو 2012 رفض لاعب نادي الكويت للتايكوندو علي المرشاد ملاقاة لاعب من الكيان الصهيوني في الدور قبل النهائي لبطولة العالم والتي أقيمت في النمسا، وفضَّل اللاعب الانسحاب من البطولة، رافضاً أي تطبيع مع العدو الإسرائيلي.
وكان وليد المرشاد – الإداري المرافق للاعب في البطولة – قد اتصل برئيس مجلس إدارة نادي الكويت عبدالعزيز المرزوق، وأبلغه بأن اللاعب وصل إلى الدور قبل النهائي، وسيلتقي مع لاعب إسرائيلي، إلا أن المرزوق أفاده بضرورة انسحاب اللاعب، وعدم مواجهة اللاعب الإسرائيلي مهما كانت حجم العقوبة التي ستوقع على اللاعب.
وقال المرشاد عبر حسابه الرسمي بموقع «تويتر»: «سامحوني على القصور، القرعة ما خدمتني، طحت مع الإسرائيلي فانسحبت، ما أقدر ألعب مع إسرائيل لأني ما أعترف فيهم كدولة».
هذه بعض النماذج المشرفة لرياضيين من بلدي أتمنى أن تلقى رواجاً وتكون مواقفهم أسوة يتأسى بها زملاؤهم من دول خليجية وعربية وإسلامية أخرى، ولتكون باباً يغلق في وجه دعوات التطبيع الخائبة.

(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى