مقالاتمقالات مختارة

الرد على من يطعن في عثمان بن عفان

بقلم الشيخ صلاح نجيب الدق

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [سبأ: 1]، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

فإن بعض الناس قد طعنوا في شخصية الخليفة الراشد: عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فأصبح من الواجب علينا الردُّ على هذه الطعون، فأقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:

فضائل عثمان بن عفان:

سوف نذكر بعض فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه:

(1) روى مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه – قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد – فدخل فتحدث، فلما خرج، قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟! فقال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة))؛ (مسلم حديث 24011).

(2) روى الترمذي، عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره، ثم قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثبُت حراء؛ فليس عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيق أو شهيد))؟ قالوا: نعم، قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العسرة: ((مَن ينفق نفقةً متقبلةً))، والناس مجهدون معسرون، فجهزتُ ذلك الجيش؟ قالوا: نعم، ثم قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن؛ فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم، وأشياء عددها؛ (حديث صحيح؛ صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2919)

(3) روى الترمذي، عن عبدالرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار (أربعة كيلو وربع ذهب) حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حِجره، قال عبدالرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها في حجره، ويقول: ((ما ضرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم – مرتين))؛ (حديث حسن؛ صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2920).

(4) روى البخاري عن أنس بن مالك، قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أُحُدًا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، وقال: ((اسكن أُحُد – أظنه ضربه برِجله – فليس عليك إلا نبيٌّ وصدِّيق وشهيدان))؛ (البخاري، حديث: 2697).

(5) روى البخاري، عن عبدالله بن عمر قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم؛ (البخاري، حديث: 3698).

طعون وشبهات حول عثمان بن عفان والرد عليها:

سوف نذكر بعض الشبهات والطعون التي ذكرها بعض الناس في شخصية عثمان بن عفان رضي الله عنه، ونذكر ردَّ العلماء عليها.

الشبهة الأولى:

يقول الطاعنون: “إن عثمان قسم الولايات بين أقاربه، وعوتب على ذلك مرارًا، فلم يرجع”.

الرد على هذه الشبهة:

يقول عثمان: إن بني أُميَّة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملهم في حياته، واستعملهم بعده مَن لا يُتهم بقرابة فيهم: أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، ولا نعرف قبيلةً من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بني عبد شمس؛ لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد، فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم في عزة الإسلام على أفضل الأرض مكة عتَّاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل على نجران أبا سفيان بن حرب بن أمية، واستعمل أيضًا خالد بن سعيد بن العاص على صدقات بني مذحج، وعلى صنعاء اليمن، فلم يزل عليها حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وقرى عرينة، واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا، ثم استعمله على البحرين فلم يزل عليها بعد العلاء بن الحضرمي حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول عثمان: أنا لم أستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم منهم؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ193: 192).

الشبهة الثانية:

يقول الطاعنون: “إن عثمان ولَّى أمورَ المسلمين مَن لا يصلح للولاية، حتى ظهر من بعضهم الفسوق، ومن بعضهم الخيانة”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: إما أن يكون هذا باطلًا، ولم يولِّ إلا من يصلح، وإما أن يكون ولَّى من لا يصلح في نفس الأمر؛ لكنه كان مجتهدًا في ذلك، فظن أنه كان يصلح وأخطأ ظنه، وهذا لا يقدح فيه.

ثانيًا: هذا الوليد بن عقبة الذي أنكر عليه ولايته، قد اشتهر في التفسير والحديث والسير أن النبي صلى الله عليه وسلم ولَّاه على صدقات ناس من العرب، فلما قرب منهم خرجوا إليه، فظن أنهم يحاربونه، فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يذكر محاربتهم له، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم جيشًا، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 66].

فإذا كان حال هذا خفِي على النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يخفى على عثمان؟!

ثالثًا: إذا قيل: إن عثمان ولَّاه بعد ذلك، فيقال: باب التوبة مفتوح، وقد كان عبدالله بن سعد بن أبي سرح ارتدَّ عن الإسلام، ثم جاء تائبًا، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامه وتوبته بعد أن كان أهدر دمه؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ240: 239).

الشبهة الثالثة:

يقول الطاعنون: “استعمل عثمان الوليد بن عقبة؛ حتى ظهر منه شرب الخمر، وصلى بالناس وهو سكران”.

الرد على هذه الشبهة:

روى مسلم عن حُضَيْنِ بن المنذر قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد (هو: الوليد بن عقبة؛ أخو عثمان لأمه) قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما: حمران (مولى عثمان) أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي، قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فرفض الحسن، فقال: يا عبدالله بن جعفر، قم فاجلده، فجلَده وعليٌّ يعُد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سُنة، وهذا أحب إليَّ؛ (مسلم حديث: 1707).

الشبهة الرابعة:

يقول الطاعنون: “استعمل عثمان سعيد بن العاص على الكوفة، وظهر منه ما أدَّى إلى أن أخرجه أهلُ الكوفة منها”.

الرد على هذه الشبهة:

أولًا: مجرد إخراج أهل الكوفة لسعيد بن العاص، لا يدل على ذنب يوجب ذاك؛ فإن أهل الكوفة كانوا يقومون على كل والٍ؛ قد قاموا على سعد بن أبي وقاص، وهو الذي فتح البلاد، وكسر جنود كسرى، وهو أحد أهل الشورى، ولم يتولَّ عليهم نائب مثله، وقد شكوا غيره مثل عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم، ودعا عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اللهم إنهم قد لبسوا عليَّ، فلبس عليهم.

ثانيًا: إذا افترضنا أن سعيد بن العاص أذنب ذنبًا، فمجرد ذلك لا يوجب أن يكون عثمان راضيًا بذنبه، ونواب عليٍّ قد أذنبوا ذنوبًا كثيرةً؛ بل كان غير واحد من نواب النبي صلى الله عليه وسلم يذنبون ذنوبًا كثيرةً، وإنما يكون الإمام مذنبًا إذا ترك ما يجب عليه من إقامة حدٍّ، أو استيفاء حقٍّ، أو اعتداء، ونحو ذلك؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6صـ244: 243).

الشبهة الخامسة:

يقول الطاعنون: “إن عثمان ولى عبدالله بن سعد بن أبي سرح مصر حتى تظلَّم منه أهلُها، وكاتبه أن يستمر على ولايته سرًّا، خلاف ما كتب إليه جهرًا”.

الرد على هذه الشبهة:

هذا كذب على عثمان، وقد حلف عثمان أنه لم يكتب شيئًا من ذلك، وهو الصادق البارُّ بلا يمين، وغاية ما قيل: إن مروان كتب بغير علمه، وإنهم طلبوا أن يسلم إليهم مروان ليقتلوه، فامتنع، فإن كان قتلُ مروان لا يجوز، فقد فعل الواجب، وإن كان يجوز ولا يجب، فقد فعل الجائز، وإن كان قتلُه واجبًا، فذاك من موارد الاجتهاد؛ فإنه لم يثبت لمروان ذنب يوجب قتله شرعًا، فإن مجرد التزوير لا يوجب القتل؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ 6صـ244).

الشبهة السادسة:

يقول الطاعنون: “إن عثمان أمر بقتل محمد بن أبي بكر الصديق”.

الرد على هذه الشبهة:

هذا من الكذب المعلوم على عثمان، وكل ذي علم بحال عثمان وإنصاف له، يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله، ولا عُرف منه قط أنه قتل أحدًا من هذا الضرب، وقد سعوا في قتله، ودخل عليه محمد فيمن دخل، وهو لا يأمر بقتالهم دفعًا عن نفسه، فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم؟! (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6صـ245: 244).

الشبهة السابعة:

يقول الطاعنون: “إن عثمان بن عفان ولى مروان أمره، وألقى إليه مقاليد أموره، ودفع إليه خاتمه، وحدث من ذلك قتل عثمان، وحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من وجهين:

أولًا: إن قتل عثمان والفتنة لم يكن سببها مروان بن الحكم وحده، بل اجتمعت أمور متعددة، من جملتها أمور تنكر من مروان، وعثمانُ رضي الله عنه كان قد كبِر، وكانوا يفعلون أشياء لا يُعلِمونه بها، فلم يكن آمرًا لهم بالأمور التي أنكرتموها عليه، بل كان يأمر بإبعادهم وعزلهم، فتارةً يفعل ذلك، وتارةً لا يفعل ذلك، ولما قدم المفسدون الذين أرادوا قتل عثمان، وشكوا أمورًا، أزالها كلها عثمان؛ حتى إنه أجابهم إلى عزل من يريدون عزله، وإلى أن مفاتيح بيت المال تعطى لمن يرتضونه، وأنه لا يعطي أحدًا من المال إلا بمشورة الصحابة ورضاهم، ولم يبق لهم طلب؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: “مصصتموه كما يمص الثوب، ثم عمدتم إليه فقتلتموه”.

ثانيًا: قيل: إن مروان بن الحكم زوَّر على عثمان كتابًا بقتلهم، وأنهم أخذوه في الطريق، فأنكر عثمان الكتاب، وهو الصادق، وأنهم اتهموا به مروان، وطلبوا تسليمه إليهم، فلم يسلمه، وهذا بافتراض أن يكون صحيحًا، لا يبيح شيئًا مما فعلوه بعثمان، وغايته أن يكون مروان قد أذنب في إرادته قتلَهم، ولكن لم يتم غرضه، ومن سعى في قتل إنسان ولم يقتله، لم يجب قتله، فما كان يجب قتل مروان بمثل هذا؛ نعم ينبغي الاحتراز ممن يفعل مثل هذا، وتأخيره وتأديبه، ونحو ذلك؛ أما الدم، فأمر عظيم؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6صـ249: 2488).

الشبهة الثامنة:

يقول الطاعنون: “وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال، حتى إنه دفع إلى أربعة نفر من قريش زوَّجهم بناته، أربعمائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: أين النقل الثابت بهذا؟ نعم كان عثمان يعطي أقاربه عطاءً كثيرًا، ويعطي غير أقاربه أيضًا، وكان محسنًا إلى جميع المسلمين، وأما هذا القدر الكثير، فيحتاج إلى نقل ثابت.

ثانيًا: هذا من الكذب البيِّن؛ فإنه لا عثمان ولا غيره من الخلفاء الراشدين أعطوا أحدًا ما يقارب هذا المبلغ.

ثالثًا: من المعلوم أن معاوية بن أبي سفيان كان يعطي من يتألفه أكثر من عثمان، ومع هذا فغاية ما أعطى الحسن بن علي مائة ألف، أو ثلاثمائة ألف درهم، وذكروا أنه لم يعط أحدًا قدر هذا قط؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ250: 249).

الشبهة التاسعة:

يقول الطاعنون: “إن عثمان بن عفان نفى أبا ذر الغفاري إلى الرَّبَذَةِ وضربه ضربًا وجيعًا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقِّه: ((ما أقلَّت الغبراء، ولا أظلَّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليَّ أنه يحب أربعةً من أصحابي، وأمرني بحبهم))، فقيل له: مَن هُم يا رسول الله؟ قال: ((عليٌّ سيدهم، وسلمان، والمقداد، وأبو ذر))”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: إن أبا ذر الغفاري سكن الرَّبَذَةَ (مكان معروف بين مكة والمدينة) ومات بها لسببِ ما كان يقع بينه وبين الناس، فإن أبا ذر رضي الله عنه كان رجلًا صالحًا زاهدًا، وكان من مذهبه أن الزهد واجب، وأن ما أمسكه الإنسان فاضلًا عن حاجته فهو كنز يُكوى به في النار، واحتج على ذلك بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة؛ احتج بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34] ، وجعل الكنز ما يفضل عن الحاجة، واحتج بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه قال: ((يا أبا ذر، ما أحب أن لي مثل أُحُدٍ ذهبًا يمضي عليه ثالثة، وعندي منه دينار، إلا دينارًا أرصده لدَين))، ولما توفي عبدالرحمن بن عوف وخلف مالًا، جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب عليه، وعثمان يناظره في ذلك، حتى دخل كعب بن مالك ووافق عثمان، فضربه أبو ذر، وكان قد وقع بينه وبين معاوية بالشام بهذا السبب، وقد وافق أبا ذر على هذا طائفةٌ من الزهاد، وأمَّا الخلفاء الراشدون وجماهير الصحابة والتابعين، فعلى خلاف هذا القول.

وقال جمهور الصحابة: الكَنز هو المال الذي لم تؤد حقوقه، وكان أبو ذر يريد أن يوجب على الناس ما لم يوجب الله عليهم، ويذمهم على ما لم يذمهم الله عليه، مع أنه مجتهد في ذلك، مثاب على طاعته رضي الله عنه كسائر المجتهدين من أمثاله.

ثانيًا: قولهم: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليَّ أنه يُحب أربعةً من أصحابي، وأمرني بحبهم))، فقيل له: من هم يا رسول الله؟ قال: ((علي سيدهم، وسلمان، والمقداد، وأبو ذر))”، فهذا الحديث موضوع، وليس له إسناد يقوم به؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ276: 271).

ثالثًا: قول بعض الطاعنين: إن عثمان بن عفان قد نفى أبا ذر الغفاريَّ إلى الربذة، كذبٌ وافتراء على عثمان؛ بل إن أبا ذر قد سكن الربذة برغبته.

روى البخاري عن زيد بن وهب، قال: “مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في: ﴿ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾[التوبة: 34]، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليَّ عثمان: أن اقدَمِ المدينة، فقدِمتها، فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان؛ فقال لي: إن شئت تنحَّيت، فكنتَ قريبًا، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّروا عليَّ حبشيًّا لسمعت وأطعت”؛ (البخاري حديث: 14066).

وروى ابن شبة، عن عبدالله بن الصامت، قال: دخلت مع أبي ذر، رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه، قال: وعلى أبي ذر عمامة، فرفع العمامة عن رأسه وقال: “إني والله يا أمير المؤمنين، ما أنا منهم، يعني من الخوارج، ولو أمَرتني أن أعض على عرقوبي قتب لعضضت عليهما؛ حتى يأتيني الموت وأنا عاضٌّ عليهما، قال: صدقت يا أبا ذر، إنَّا إنما أرسلنا إليك لخير، لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذاك، ايذن لي في الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة، تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لنا في ذاك، يكفي أبا ذر صرمتُه، قال: ثم خرج”؛ (إسناده حسن، تاريخ المدينة؛ لعمر بن شبة صـ1036).

وروى ابن شبة عن غالب القطان، قال: “قلت للحسن: عثمان أخرج أبا ذر؟ قال: لا، معاذ الله”؛ (إسناده صحيح؛ تاريخ المدينة؛ لعمر بن شبة صـ1037).

الشبهة العاشرة:

قال الطاعنون: “إن عثمان بن عفان ضيَّع حدود الله، فلم يقتل عبيدالله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين يطلب عبيدالله لإقامة القصاص عليه، فلحق بمعاوية”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: قولهم: “إن الهرمزان كان مولى عليٍّ” من الكذب الواضح؛ فإن الهرمزان كان من الفرس الذين استنابهم كسرى على قتال المسلمين، فأسره المسلمون، وقدموا به على عمر، فأظهر الإسلام، فمنَّ عليه عمر وأعتقه، فإن كان عليه ولاء فهو للمسلمين، وإن كان الولاء لمن باشر العتق فهو لعمر بن الخطاب.

ثانيًا: لما قُتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان الذي قتله أبو لؤلؤة المجوسي، مولى المغيرة بن شعبة، وكان بينه وبين الهرمزان مجانسة؛ أي: إنهما من فارس، وذكر لعبيدالله بن عمر أنه رُئي عند الهرمزان حين قتل عمر، فكان ممن اتهم بالمعاونة على قتل عمر.

ثالثًا: كان عبيدالله بن عمر متأولًا يعتقد أن الهرمزان أعان على قتل أبيه، وأنه يجوز له قتله، فصارت هذه شبهةً يجوز أن يجعلها المجتهد مانعةً من وجوب القصاص، فإن مسائل القصاص فيها مسائل كثيرة اجتهادية.

رابعًا: لما استشار عثمان الناس في قتله، فأشار عليه طائفة من الصحابة ألا تقتله، فإن أباه قُتل بالأمس، ويُقتل هو اليوم، فيكون في هذا فساد في الإسلام، وكأنهم وقعت لهم شبهة في عصمة الهرمزان.

خامسًا: لو افترضنا أن المقتول معصوم الدم يحرُم قتله، لكن كان القاتل متأولًا يعتقد حل قتله لشبهة ظاهرة، صار ذلك شبهةً تَدرأ القتل عن القاتل؛ كما أن أسامة بن زيد لما قتَل ذلك الرجل بعدما قال: لا إله إلا الله، واعتقد أن هذا القول لا يعصمه، عزَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالكلام، ولم يقتله؛ لأنه كان متأولًا.

سادسًا: الهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون دمه؛ وإنما وليُّه وليُّ الأمر، ومثل هذا إذا قتله قاتلٌ كان للإمام قتلُ قاتلِه؛ لأنه وليُّه، وكان له العفو عنه إلى الدية؛ لئلا تضيع حقوق المسلمين، فإذا قدِّر أن عثمان عفا عنه، ورأى قدر الدية أن يعطيها لآل عمر؛ لِما كان على عمر من الدَّين، فإنه كان عليه ثمانون ألفًا، وأمر أهله أن يقضوا دينه من أموال عصبته – عاقلته – بني عديٍّ وقريش، فإن عاقلة الرجل هم الذين يحملون كَلَّه، والديةُ لو طالب بها عبيدالله، أو عصبة عبيدالله إذا كان قتله خطأً، أو عفا عنه إلى الدية، فهم الذين يؤدون دَين عمر، فإذا أعان بها في دين عمر، كان هذا من محاسن عثمان التي يمدح بها لا يذم؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ281: 2766).

الشبهة الحادية عشرة:

قال الطاعنون: “إن عثمان بن عفان زاد الأذان الثاني يوم الجمعة، وهو بدعة، فصار سنةً إلى الآن”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: روى أبو داود عن العِرباض بن سارية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود، للألباني، حديث: 3851).

وزيادة الأذان الثاني يوم الجمعة من سنة الخلفاء الراشدين، ولا شك أن عثمان بن عفان من الخلفاء الراشدين، ورأى مصلحة أن يزاد هذا الأذان لتنبيه الناس عن قرب وقت صلاة الجمعة بعد أن اتسعت رقعةُ المدينة، فاجتهد في هذا ووافقه جميع الصحابة؛ (عثمان بن عفان؛ لعلي محمد الصلابي صـ152).

ثانيًا: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان ممن يوافق على ذلك في حياة عثمان، وبعد مقتله؛ ولهذا لما صار خليفةً لم يأمر بإزالة هذا الأذان.

ثالثًا: لو افترضنا أن في الصحابة مَن كان ينكر هذا، ومنهم من لا ينكره، كان ذلك من مسائل الاجتهاد، ولم يكن هذا مما يعاب به عثمان.

رابعًا: من العجب أن الشيعة الروافض تنكر شيئًا فعله عثمان بمشهد من الأنصار والمهاجرين، ولم ينكروه عليه، واتبعه المسلمون كلهم عليه في أذان الجمعة، وهم قد زادوا في الأذان شعارًا لم يكن يُعرف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقَل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر بذلك في الأذان، وهو قولهم: حي على خير العمل؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية، جـ6 صـ294: 290).

الشبهة الثانية عشرة:

يقول الطاعنون: “إن عثمان بن عفان غاب عن غزوة بدر، وهرب يوم أُحُد، ولم يشهد بيعة الرضوان”؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ184).

الرد على هذه الشبهة:

روى البخاري عن عثمان بن موهب، قال: جاء رجل حج البيت، فرأى قومًا جلوسًا، فقال: من هؤلاء القعود؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر، فأتاه، فقال: إني سائلُك عن شيء أتُحدِّثُني؟ قال: أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان بن عفان فرَّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: فتعلمه تغيب عن بدر، فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فتعلم أنه تخلَّف عن بيعة الرضوان، فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فكبَّر، قال ابن عمر: تعال لأخبرك، ولأبين لك عما سألتني عنه، أما فراره يوم أُحُد، فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر؛ فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضةً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه))، وأما تغيبُه عن بيعة الرضوان، فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه، فبعث عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: ((هذه يد عثمان))، فضرب بها على يده، فقال: ((هذه لعثمان))، اذهب بهذا الآن معك؛ (البخاري، حديث: 4066).

الشبهة الثالثة عشرة:

يقول الطاعنون: “إن عثمان بن عفان غيَّر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلَّى أربعَ ركعات في مِنى؛ أي: في الحج، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره دائمًا، وقد أنكر عليه جماعةٌ من الصحابة ذلك الفعل”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: لم يكن عثمان في ذلك الوقت مسافرًا؛ لأنه تزوج في مكة، وتبوأ منزلًا فيها، وأقام في تلك البقعة المباركة، ولما اطلع الصحابة على حقيقة الأمر زال عنهم الإنكار؛ (شبهات طال حولها الجدل صـ749).

ثانيًا: لم يختلف الصحابة في جواز إتمام عثمان للصلاة بمنى.

روى مسلم عن نافع، عن ابن عمر، قال: “صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدرًا من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعدُ أربعًا”، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعًا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين؛ (مسلم حديث: 694).

روى الشيخان عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنًى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فاسترجع، ثم قال: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى ركعتين، وصليت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه بمنًى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنًى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبَّلتان”؛ (البخاري، حديث: 1084، مسلم، حديث: 695).

ثالثًا: قال الإمام النووي: قول عبدالله بن مسعود: “فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان”؛ معناه ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين في صدر خلافته يفعلون، ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، ومع هذا فابن مسعود رضي الله عنه موافق على جواز الإتمام؛ ولهذا كان يصلي وراء عثمان رضي الله عنه متمًّا، ولو كان القصر عنده واجبًا لما استجاز تركَه وراء أحد؛ (مسلم بشرح النووي جـ5 صـ2044).

الشبهة الرابعة عشرة:

قال الطاعنون: “كان عبدالله بن مسعود يطعن على عثمان بن عفان ويكفِّره”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: هذا من الكذب البيِّن على ابن مسعود؛ فإن علماء أهل النقل يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفِّر عثمانَ، بل لما ولي عثمان وذهب ابن مسعود إلى الكوفة قال: “ولَّينا أعلانا ذا فُوقٍ، ولم نألُ”.

ثانيًا: كان عثمان في السنين الأُول من ولايته لا ينقمون منه شيئًا، ولما كانت السنون الآخرة نقموا منه أشياء، بعضها هم معذورون فيه، وكثير منها كان عثمان هو المعذور فيه، ومن جملة ذلك أمر ابن مسعود؛ فإن ابن مسعود بقي في نفسه من أمر المصحف لما فوَّض كتابته إلى زيد بن ثابت دونه، وأمر الصحابة أن يغسلوا مصاحفهم، وجمهور الصحابة كانوا على ابن مسعود مع عثمان، وكان زيد بن ثابت قد انتدبه قبل ذلك أبو بكر وعمر لجمع المصحف في الصحف، فندب عثمان من ندبه أبو بكر وعمر، وكان زيد بن ثابت قد حفظ العرضة الأخيرة، فكان اختيار تلك أحب إلى الصحابة؛ فإن جبريل عارض النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالقرآن في العام الذي قبض فيه مرتين.

ثالثًا: وهؤلاء المبتدعة غرضهم التكفير أو التفسيق للخلفاء الثلاثة بأشياء لا يفسق بها واحد من الولاة، فكيف يفسَّق بها أولئك؟ ومعلوم أن مجرد قول الخصم في خصمه لا يوجب القدح في واحد منها، وكذلك كلام أحد المتشاجرين في الآخر.

رابعًا: لو افترضنا أن يكون ابن مسعود طعن على عثمان، فليس جعل ذلك قدحًا في عثمان بأولى من جعله قدحًا في ابن مسعود، وإذا كان كل واحد منهما مجتهدًا فيما قاله، أثابه الله على حسناته وغفر له خطأه، وإن كان صدر من أحدهما ذنب، فقد علمنا أن كلًّا منهما وليٌّ لله، وأنه من أهل الجنة، وأنه لا يدخل النار، فذنب كل واحد منهما لا يعذِّبه الله عليه في الآخرة؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ253: 252).

الشبهة الخامسة عشرة:

قال الطاعنون: “إن عثمان بن عفان ضرب عمار بن ياسر، وفتق أمعاءه”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من وجهين:

أولًا: هذا الادعاء كذب وافتراء على عثمان بن عفان، وكل الروايات التي تتحدث عن ضرب عثمان لعمار رواياتٌ مكذوبة.

قال أبو بكر بن العربي: ضرب عثمان لعمَّار إفكٌ، ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدًا، وقد اعتذر عن ذلك العلماء بوجوه لا ينبغي أن تشتغل بها؛ لأنها مبنية على باطل، ولا يُبنى حقٌّ على باطل، ولا تذهب الزمان في مماشاة الجهال، فإن ذلك لا آخر له؛ (العواصم من القواصم، لأبي بكر بن العربي، صـ79: 78).

ثانيًا: إن أخلاق عثمان رضي الله عنه في سنه وإيمانه وحيائه ولين عريكته، ورقة طبعه، وسابقته وجليل مكانته في الإسلام – أجلُّ من أن تنزل به إلى هذا الدرك من التصرُّف مع رجل من أجلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعرف له عثمان سابقته وفضله مهما كان بينهما من اختلاف في الرأي، أفيرضى عثمان لنفسه، وهو الذي أبى على الناس أن يقاتلوا دونه، ورضي بالموت صابرًا محتسبًا؛ حقنًا لدماء المسلمين، واتِّقاءً للفتنة العامة، أفيرضى أن يصنع بعمار هذا، وهو أعلم بسابقة عمار بن ياسر، وفضله في الإسلام؟!

ثالثًا: ما ذكرت الروايات المزعومة بأن عثمان أمر غلمانه بأن يضربوا عمَّارًا، حتى أغمي عليه، ثم يقوم عثمان في هذه الحال فيطؤه في بطنه، هل ترضى أخلاق عثمان وحياؤه بأن يدعو بدعوة الجاهلية، فيعيِّر عمارًا بأمِّه سمية، وهي من أهل السابقة والفضل، وعثمان يعرف شرف انتساب عمار إلى أمه سمية رضي الله عنها، أول شهيدة في الإسلام؟ (عثمان بن عفان؛ لعلي محمد الصلابي صـ411).

الشبهة السادسة عشرة:

قال الطاعنون: “طرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بن أبي العاص، عم عثمان بن عفان، عن المدينة، ومعه ابنه مروان، فلم يزل هو وابنه طريدين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما ولي عثمان آواه، وردَّه إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه، وصاحب تدبيره، مع أن الله قال: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22]”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: كان الحكم بن أبي العاص من مُسلِمة الفتح، وكانوا ألفَي رجل، ومروان ابنه كان صغيرًا إذ ذاك، فإنه من أقران عبدالله بن الزبير، والمسور بن مخرمة، عمره حين الفتح سن التمييز: إما سبع سنين، أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل، فلم يكن لمروان ذنب يُطرد عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: لم يكن الطلقاء يسكنون بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد طرد الحكم بن أبي العاص، فإنما طرده من مكة، لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة.

ثالثًا: طعن كثير من أهل العلم في نفيه، وقالوا: ذهب الحكم بن أبي العاص باختياره.

رابعًا: لو افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عزر الحكم بن أبي العاص بالنفي، لم يلزم أن يبقى منفيًّا طول الزمان؛ فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب، ولم تأتِ الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيًّا دائمًا.

خامسًا: كان عثمان شفع في عبدالله بن أبي سرح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كاتبًا للوحي، وارتدَّ عن الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه فيمن أهدر، ثم جاء به عثمان فقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم؟!

سادسًا: روى بعض أهل العلم أن عثمان بن عفان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد الحكم بن أبي العاص، فأذن له في ذلك، ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبدالله بن سعد بن أبي سرح.

سابعًا: قصة عبدالله بن سعد بن أبي سرح ثابتة معروفة بالإسناد الثابت، وأما قصة الحكم بن أبي العاص، فعامة من ذَكَرها إنما ذكرها مرسلةً، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، وقلَّ أن يسلم لهم نقلهم من الزيادة والنقصان، فلم يكن هنا نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان.

ثامنًا: المعلوم من فضائل عثمان، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم له، وثنائه عليه، وتخصيصه بابنتَيْه، وشهادته له بالجنة، وإرساله إلى مكة، ومبايعته له عنه لما أرسله إلى مكة، وتقديم الصحابة له باختيارهم في الخلافة، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راضٍ، وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلا يُدفع هذا بنقل لا يثبت إسنادُه، ولا يعرف كيف وقع، ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا يعرف حقيقته، بل مثل هذا مثل الذين يعارضون المحكم بالمتشابه، وهذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ، الذين يبتغون الفتنة؛ (منهاج السنة؛ لابن تيمية جـ6 صـ268: 2655).

الشبهة السابعة عشرة:

قال الطاعنون: “عزل عثمان بن عفان بعض الصحابة عن مناصبهم، كما عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة، وجعل مكانه عبدالله بن عامر، وعزل عمرو بن العاص عن مصر، وجعل مكانه عبدالله بن سعد بن أبي السرح، وعزل عمار بن ياسر عن الكوفة، وعزل عبدالله بن مسعود عن قضائها”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من وجهين:

أولًا: إن تعيين الولاة وعزلهم من وظيفة الخلفاء والأئمة، ولا يلزمهم إبقاء الولاة السابقين على حالهم.

ثانيًا: لا ينبغي العزل من غير سبب، وعزلُ هؤلاء كان لسبب، وقد ذكر المؤرخون أسباب عزل هؤلاء؛ (مختصر التحفة الاثني عشرية؛ للدهلوي، صـ264: 263).

الشبهة الثامنة عشرة:

يقول الطاعنون: “وهب عثمان بن عفان لأصدقائه كثيرًا من أراضي بيت المال، وأتلف حقوق المسلمين”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: الأرض الموات: هي الأرض التي خلَت من العمارة والسكان، ولا مالك لها، ولا ينتفع بها أحد؛ (الموسوعة الفقهية الكويتية، جـ2 صـ238).

ثانيًا: كان عثمان بن عفان يأذن لهم ولغيرهم بإحياء الأراضي الموات، وإحياء الأرض الموات مشروعٌ بسنة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أعمر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق))؛ (البخاري حديث2335).

وروى الترمذي عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أحيا أرضًا ميتةً، فهي له))؛ (حديث صحيح؛ صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 1114).

ثالثًا: هذا الأمر قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب.

قال الإمام أبو يوسف (صاحب أبي حنيفة): “قد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتألف على الإسلام أقوامًا، وأقطع الخلفاء مِن بعده مَن رأوا أن في إقطاعه صلاحًا”.

قال عروة بن الزبير بن العوام: أقطع (وهب) رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أرضًا فيها نخل من أموال بني النضير؛ (الخراج، لأبي يوسف صـ73).

أقطع عمر بن الخطاب طلحة، وجرير بن عبدالله، والربيل بن عمرو، وأقطع أبا مفزر دار الفيل؛ (تاريخ الطبري، جـ3 صـ589).

رابعًا: قال الشعبي: أقطع (وهب) عثمان بن عفان الزبير وخباب وابن مسعود وعمار بن ياسر؛ (تاريخ الطبري جـ3 صـ589).

قال الإمام ابن جرير الطبري: إن كان عثمان قد أخطأ، فهل الذين قبلوا منه الخطأ، قد أخطؤوا أيضًا؟ وهم الذين أخذنا عنهم ديننا؛ (تاريخ الطبري، جـ3 صـ589).

خامسًا: لم يهب عثمان بن عفان لأحد أرضًا معمورةً مزروعةً؛ (مختصر التحفة الاثني عشرية؛ للدهلوي صـ: 265).

الشبهة التاسعة عشرة:

قال الطاعنون: “قام عثمان بن عفان بإحراق مصاحف الصحابة”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من وجهين:

أولًا: قام عثمان بن عفان بإحراق المصاحف التي وقع فيها الاختلاف، وأبقى لهم المتفَق عليه، كما ثبت في العَرْضة الأخيرة؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ7 صـ178).

ثانيًا: قام عثمان بن عفان بإحراق المصاحف للقضاء على فتنة اختلاف المسلمين في قراءة القرآن الكريم:

(1) روى البخاري عن أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أنْ أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق؛ (البخاري، حديث: 4987).

(2) روى أبو بكر بن أبي داود، عن سويد بن غفلة الجعفي، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا، فقال عثمان: ما تقولون في هذه القراءة؛ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرًا؟ قلنا: فما ترى؟ قال عثمان: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فُرقة، ولا يكون اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت، قال: فقيل: أي الناس أفصح، وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرؤهم زيد بن ثابت، فقال: ليكتب أحدهما ويمل الآخر، ففعلا، وجمع الناس على مصحف، قال: قال علي: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل”؛ (المصاحف،؛ لابن أبي داود صـ966).

ثالثًا: قال الإمام ابن كثير: روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، وأمر أصحابه أن يغلوا (يخفوا) مصاحفهم، وتلا قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 161]، فكتب إليه عثمان بن عفان رضي الله عنه يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة رضي الله عنهم أجمعين؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ7 صـ2288).

الشبهة العشرون:

قال الطاعنون: “إن عثمان بن عفان زاد في الحمى لنفسه”.

الرد على هذه الشبهة:

الرد من عدة وجوه:

أولًا: معنى الحمى: المراد بالحمى: منع الرعي في أرض مخصوصة من المباحات، فيجعلها الإمام مخصوصةً برعي بهائم الصدقة مثلًا؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ44).

ثانيًا: عثمان بن عفان ليس هو أول من حمى الحمى، فقد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانًا يسمى: “النقيع”.

روى أحمد عن حماد بن خالد، عن عبدالله، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع (مكان) للخيل، قال حماد: فقلت له: لخيله؟ قال: ((لا، لخيل المسلمين؛ أي: المرصودة للجهاد، أو ما يملكه بيت المال))؛ (حديث حسن لغيره، مسند أحمد جـ10 صـ476، حديث: 6438).

ومعلوم أن الحال استمرَّ في خلافة أبي بكر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن أبا بكر لم يخرج عن شيء كان عليه الحال في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما وأن حاجة الجهاد إلى الخيل والإبل زادت عن قبل، وكذلك فعل عمر بن الخطاب.

روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر: أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة؛ (إسناده صحيح؛ مصنف ابن أبي شيبة جـ7 صـ304، حديث: 23654).

ثالثًا: هذا الاعتراض على عثمان، إنما هو في الحقيقة اعتراض على أمر مشروع في الإسلام.

رابعًا: لقد رد عثمان بن عفان بنفسه على هذا الطعن:

قال أبو سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري: سمع عثمان أنَّ وفد أهل مصر قد أقبلوا، فاستقبلهم، وكان في قرية له خارجة من المدينة، فلما سمعوا به، أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه، قال: وكره أن يقدموا عليه المدينة، أو نحوًا من ذلك، قال: فأتوه، فقالوا له: ادع بالمصحف، قال: فدعا بالمصحف، قال: فقالوا له: افتح التاسعة، قال: وكانوا يسمون سورة يونس التاسعة، قال: فقرأها حتى أتى على هذه الآية: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59]، قال: قالوا له: قف، فقالوا له: أرأيت ما حميت من الحمى؟ آلله أذن لك، أم على الله تفتري؟! فقال: نزلت في كذا وكذا، قال: وأما الحمى؛ فإن عمر حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة، فلما وليت زادت إبل الصدقة، فزدت في الحمى لما زاد في إبل الصدقة؛ (تاريخ الطبري، جـ4 صـ3544).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى