مقالاتمقالات المنتدى

الرد المبين على شبهات علماء السلاطين في جهاد الفلسطينيين

الرد المبين على شبهات علماء السلاطين في جهاد الفلسطينيين

 

بقلم الشيخ د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال تعالى: “مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

      الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، فله سبحانه وتعالى جزيل الشكر وعظيم الامتنان، والصلاة والسلام على خير الأنام، محمد خير من جاهد، وعلم، وحذر، وبين، أمر بالحق ونهي عن الضلال، قاد الأمة بكرامة، وحذرهم من الذلة والمهانة، خاض بالفئة القليلة معارك انتصر فيها على الفئة الكثيرة بإذن الله تعالى ” قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ” وصلوات ربي عليه وآله وصحبه المجاهدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد.

      في خضم حرب الإبادة لقطاع غزة  والتي توجب على الأمة العربية والإسلامية جمعاء نصرتهم والذود عنهم، ويكون في مقدمة المدافعين العلماء والمشايخ، خرج عليهم بعض من ينتسبون إلى العلم الشرعي من الأشياخ، والذين أسميهم (علماء السلاطين) بالتهكم والطعن بالمقاومة، واتهامها بالخروج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وبجلب الهلاك والدمار، ومنهم من اتَّهم المقاومة بالإرهاب، وأخذ يصدر الفتاوى، ويسرد الأدلة على عدم مشروعية الجهاد إلا بموافقة ولي الأمر، وأن المقاومة عبارة عن تحرشٍ بالعدو الذي لا طاقة للأمة في مواجهته، مما دفعني إلى كتابة الرد على شبهاتهم في مبحث تحت عنوان ( الرد المبين على شبهات علماء السلاطين ). وقد قسمت رسالتي هذه إلى:

أولًا: المقدمة.

ثانيًا: فلسطين قضية مركزية.

ثالثًا: الجهاد فريضة شرعية.

رابعًا: الشبهات والرد عليها.

وأسأل الله أن يسددني ويوفِّقني لما يحبه ويرضاه.

أولًا: فلسطين قضية مركزية

     فلسطين آية في كتاب الله تعالى، وآيات الله المسطورة لن تتبدل أو تتغير، فهي باقية بقاء هذا الكون، وفلسطين مهما مر عليها من عواصف تاريخية وطوفان ظلم، ستبقى إسلامية وستعود للحاضنة الإسلامية، ولن يدوم فيها الاحتلال، ولن يعمر فيها ظلم، فالمتتبع للتاريخ يجد أن الكثير من الأمم والحملات الاستعمارية غزت فلسطين وحكمتها، ولكنها ذهبت جميعها وبقيتْ فلسطين.

    وفلسطين هي قضية الأمة، وليست قضية شعب مجتزأ من الأمة، لأنها مهد الرسالات، ومسرى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى ثاني مسجد بني في الأرض، وقبلة المسلمين الأولى، والقبلة من العقيدة، ويجب على الأمة جمعاء أن تقوم بالواجب المنوط بها من الحفاظ عليها، والدفاع عنها من كل غزو واعتداء، والنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي أمة وليس نبي قوم، والإسراء به إلى المسجد الأقصى، وصلاتُهُ فيه إمامًا بالأنبياء جميعًا، ومعراجه إلى السماء منه، دليل قاطع على أن قضية فلسطين قضية كل الأمة، قضية مركزية لا تخص شعبًا دون شعب من أمة الإسلام، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم بشد الرحال إليه والصلاة فيه، والإهلال منه بالحج لمزيد دليل على مركزية فلسطين، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدٍ: المسجدُ الحرامُ، ومسجدي هذا، والمسجدُ الأقصى“، وكذلك حديث ميمونة رضي الله عنها مولاة رسول الله  أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: ” أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ” قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: ” فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه.” رواه ابن ماجه، والطبراني.

      هذا بالإضافة إلى أهمية فلسطين الاستراتيجية بين قارات العالم الثلاث، أسيا، وأوروبا، وأفريقيا، وتعتبر مركز القوة العالمية للسيطرة على الشرق الأوسط من أجل توفير الأمن والاستقرار لمن يسيطر عليها، وكذلك استغلال الموارد الطبيعية في الوطن العربي، ولهذا سعى العالم الغربي والأوروبي للسيطرة على فلسطين وإخضاعها تحت استعماره بزرع دولة الكيان الصهيوني، وهذا كان بعد دحر الاستعمار الصليبي والاستعمار البريطاني، وإن شاء الله سيندحر الاستعمار الصهيوني لأن فلسطين طاردة للغزاة.

ثانيًا: الجهاد فريضةٌ شرعيّةٌ

      إن الله تعالى فرض فرائض على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الواحب الشرعي الإلتزام بها، وأداءها على الوجه الصحيح الذي بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما فرض الصلاة بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣] وفرض الزكاة بقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣ ] وفرض الصيام بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣ ]، وفرض الحج بقوله تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: ٢٧],  كذلك فرض الجهاد بقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦ ]، فالجهاد فريضة من الله تعالى، وجاءت هذه الفريضة بصغية الأمر، قال تعالى: ﴿ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٤١ ]، والأدلة في هذه الفريضة كثيرة جدًّا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثًا: الحرب على غزة

    الحرب على غزة ليست وليدة السابع من أكتوبر لهذا العام 2023م، بل يمارسها الاحتلال على قطاع غزة منذ أن كان القطاع يقبع تحت الاحتلال، فكانت حروب نفسية وجسدية، ما أدى لثورة شعبية بما يسمى “انتفاضة الحجارة” عام ١٩٨٧م، من أجل طرد الاحتلال وتحقيق الحرية لهذا القطاع ولو بشكل مجزوء، ومن ثم ازداد العدوان على قطاع غزة بعد الانسحاب أحادي الجانب من قبل الاحتلال الصهيوني، فلم تنعم غزة بيوم يخلو من قصف، أو اجتياح للمناطق الشرقية والشمالية الحدودية وتجريف المزارع، واستهداف الكثير من أبناء قطاع غزة، وفرض الحصار عليه برًّا وبحرًا وجوًّا، ثم باغت الاحتلال قطاع غزة بحروب استخدم فيها جميع أنواع الأسلحة المدمِّرة في عام 2008م – 2012 _ 2014 _ 2020_ 2021 _ 2022 _، ثم جريمة الاغتيالات لمجموعة من قيادات حركة الجهاد الإسلامي من الشمال إلى الجنوب وتدمير المنازل فوق رؤوس أصحابها، كل هذا بالإضافة إلى الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى، والاغتيالات والاعتقالات في الضفة الغربية، ثم جاءت هذا الحرب بعد السابع من أكتوبر 2023م والتي باغتت المقاومة دولة الاحتلال بها لإفشال خطته التي أعدها مع التحالف الأمريكي بمباغتت قطاع غزة بعد الأعياد اليهودية بحرب إبادة والعمل على تهجير أهله إلى شمال سيناء، وبذلك يكون قد حقّق القضاء على المقاومة الفلسطينية، وإنهاء القضية الفلسطينية، وتأمين المستوطنات المقامة على محاذات الشريط الحدودي لقطاع غزة.

وبتحقيق ذلك تكون أمريكا قد حققت استراتيجيتها في المنطقة لتنفيذ صفقة القرن وإيجاد شرق أوسط جديد يغير الملامح الجغرافية للوطن العربي.

رابعًا: الردود على الشبهات

       لقد ساد الصمت العربي في حين ملحمة الإبادة على أشدها في قطاع غزة، دمار متعمد للمنازل السكنية فوق رؤوس أهلها، دون أدنى رحمة أو إنسانية، وتمادى الكيان الصهيوني في حربه الإجرامية بقصف مراكز الإيواء من مدارس ومساجد وكنائس، ثم المستشفيات ومراكز الدفاع المدني والمراكز الصحية، وعمد الاحتلال إلى تدمير البنية التحتية وكل معالم الحياة، هذا مع فرض الحصار المطبق من عدم إدخال شيء من مقومات الغذاء والدواء والوقود، وبدأت جسور الإمدادات العسكرية من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها من الدول، دعمًا للكيان الصهيوني من أجل القضاء على المقاومة وتحقيق الهدف الاستراتيجي الأمريكي غير المعلن.

    وهنا أخذ العلماء الأحرار يناشدون علماء الأمة وجماهيرها وحكامها لكسر الصمت والتحرك لنصرة قطاع غزة ورد كيد عدوهم عملًا بقول الله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: ٧٢]، ولكن للأسف خرج على المقاومة علماء السلاطين الذين ديدنهم أن لا يخرجوا عن النص المأمورين به من أسيادهم لتفصيل فتاوى توافق أنظمة حكوماتهم، وفق شبهات مدعمة بنصوص تم ليُّ أعناقها ليعطوا فتاويهم الشرعية المقنعة للعوام والسذج من الناس، نذكر من هذه الشبهات التي أريد بها الباطل.

الشبهة الأولى: طاعة ولي الأمر

      يقول هؤلاء المأجورون في بلاط الحكام: لا يجوز للشعوب أن تخرج بمسيرات احتجاج لما يحدث في غزة، أو الدعوة للقيام بدعم مادي أو معنوي، أو مسيرات تطالب بطرد سفراء الكيان الصهيوني، أو مطالبة الحكام بالتدخل لإنقاذ غزة إلا بموافقة ولي الأمر، لأن طاعة ولي الأمر واجبة، ولا يجوز مخالفتها وذلك بنص القرآن والسنة.

الرد على هذه الشبهة:

    نقول وبالله التوفيق: لماذا اجتزأ أصحاب هذه الشبهة الآية فأخذوا منها ما يوافق فتواهم، ألم يقل الله تعالى في الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ ﴾ ثم عقب بقوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩].

فيا هؤلاء .. من الأولى في الطاعة؟! طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، أم طاعة ولي الأمر؟!

وكأنهم قرأوا ولم يفهموا!!، وإن فهموا فذلك يكون دليلًا على أنهم مأجورون عند أسيادهم من الحكام، الآية بدأت بالأمر بطاعة الله تعالى، ثم عطفت طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فنطقه وحي من الله تعالى، ثم تابعت الآية طاعة ولي الأمر بشرط أن يكون من عباد الله تعالى المقيمين لشرعه والطائعين لله تعالى والمتبعين لنبيه صلى الله عليه وسلم، وإلا يفقد مشروعية الطاعة له، ألم يقرأوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ“.

أليست نصرة المؤمنين طاعة لله تعالى الذي قال: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ﴾ [الأنفال: ٧٢ ] ؟!.

أليس من الواجب على الحكام أن تنصاع لطاعة الله تعالى في قوله: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الحجرات: ١٠ ].

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ” المسلم أخو المسلم” فكيف أغمض هؤلاء بصائرهم عن الأمر بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله، وبحلقوا في طاعة ولي الأمر؟!

ألم يقرأ هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ ” ؟!.

ألم يصلهم نبأ أطفال غزة  وهم يموتون جوعًا، وبردًا، ومرضًا، وقصًفا، وذبحًا؟!.

 ألم يشاهدوا الأطفال الخدج كيف تقطع عنهم الكهرباء لمنع الأكسجين عنهم فيموتون خنقًا؟!

(ما لهم كيف يحكمون )

ألم يفهم هؤلاء من سياق الآية بأن الله تعالى لم يجعل لولي الأمر طاعة مستقلة؟! بدليل قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول ” وقال: ” وأولي الأمر ” دون أن يكرر الطاعة، والسياق دليل على أن طاعة ولي الأمر تكون من باطن طاعة الله ورسوله.

أليست الحرب القائمة هي بين مسلم وكافر؟! أم أن أهل غزة ليسوا بمسلمين؟! أليس الواجب نصرة المسلم بكل وسائل النصرة؟! وإلا كان الحاكم مخذلًا لهم بدليل ما جاء عن إسماعيل بن بشير مولى بني مغالة يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاريين يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته).

الشبهة الثانية: عدم تكافؤ القوى

     لقد أفتى الشيخ الفوزان بقوله: ( لا يجوز إقامة الجهاد مع ضعف المسلمين، لأن هذا تعريض لهم للخطر .. النبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة وهو يؤذى ويضايق، ويهاجم المسلمون ولم يأمر بجهاد الكفار حتى هاجر إلى المدينة وتكونت الدولة الإسلامية والقوة والاستعداد، فحينئذ أمر بالجهاد) ويقول بعض خدام السلاطين: إن ما يحدث في فلسطين فتنة الخاسر فيها هم الفلسطينيون، وكان الواجب عليهم أن ينتظروا حتى يمتلكون القوة التي يحاربون بها.

الرد على هذه الشبهة:

وهنا نبين واقع مفهوم القوة، فهي عند الإنسان المادي على قسمين:

القسم الأول: القوة البشرية، وتتمثل بالعدد والمهارات القتالية.

القسم الثاني: قوة العتاد، وتشمل السلاح بأنواعه ومرفقاته من إمدادات وتكنولوجيا، وهندسة عسكرية، وما يلزم.

ولكن القوة عند المسلم صاحب اليقين فهو لا يغفل عن الماديات، وذلك من باب طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١ ]، والآيات التي تحث المسلم على الأخذ بالأسباب، وكذلك لم يغفل المسلم فعل النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة للبشرية جمعاء، فقد علمنا الأخذ بالأسباب، فبنى الإنسان الساجد قبل بناء المساجد في الزمن الأول من الدعوة في مكة المكرمة، ثم بنى البرلمان الذي يجتمع فيه المسلمون _ المسجد _ ثم آخى بين المسلمين ليكونوا عصبة واحدة كما أمر الله تعالى في قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ﴾ [آل عمران: ١٠٣ ]، ودرب المقاتلين على الجهاد في سبيل الله تعالى.

ولكن .. هناك قوة يغفل عنها الماديون، وكثير من المسلمين الذين أغرقوا في مستنقع الماديات، وهذه القوة هي: قوة الإيمان والعقيدة، التي بها يمد الله تعالى عباده بمدد من عنده، إقرأوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩ ]، أما ما يلحق بالمسلمين المجاهدين من قتل وبلاء فيقين المجاهدين فيه أنه اختبار الله لهم الذي يختبر به عباده كما قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢ ]، وقوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٦].

كما أنهم يعلمون يقينا بأنهم بجهادهم يتحصلون على معية الله تعالى حيث قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩ ] .

وبهذا أخذ أهل فلسطين على عاتقهم الجهاد في سبيل الله تعالى تتبعًا وانصياعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ” يا معاذ، إن الله سيفتح عليكم الشام من بعدي، من العريش إلى الفرات، رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة، فمن احتل ساحلاً من سواحل الشام، أو بيت المقدس، فهو في جهاد إلى يوم القيامة “، وجميع الأحاديث التي وردت في هذا الموضوع يقوي بعضها بعضًا وخاصة حديث عبد الله بن الإمام أحمد قال: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وأخرجه أيضًا الطبراني. قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.

ثم نوجه هؤلاء إلى أمر قد تجاهلوه إما عمدًا أو جهلًا أو غفوة. يا أيها المنكرون على أهل فلسطين الجهاد في سبيل الله، ومحاربة أعداء الله من المنظمة الصهيونية التي تحتل فلسطين وتدنس مسرى نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم، استرجعوا التاريخ وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في إرساله السرايا، ومعاركه مع قريش وحلفائها، ومعارك المسلمين في عهد صحابته رضوان الله عليهم مع أكبر امبراطوريتين في ذاك الزمن، الإمبراطورية الفارسية، والإمبراطورية الرومانية، ثم فتح أفريقيا، والأندلس، ووصولهم إلى القسطنطينية وحدود الصين.

تقولون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بمحاربة قريش ورفع السلاح في مكة لضعفهم وقوة عدوهم، وانشغل النبي صلى الله عليه وسلم بتربية الصحابة إيمانيًّا وعقديًّا، والأصل أن يقتدي الفلسطينيون بما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخالفوه فيجلبوا الهلكة عليهم!!!

نقول: الامر الذي تجهلونه لا أدري قصدًا أم جهلًا أن مرحلة مكة هي مرحلة دعوة للكفار للدخول في الإسلام، مرحلة إعداد إيماني وتكثير سواد المسلمين، ولم يأذن الله تعالى فيها للمسلمين بالقتال، إقرأوا القرآن على الوجه الصحيح، وافهموه على الوجه الأصح، فقياسكم على ذلك هو قياس مع الفارق، فأهل فلسطين مسلمون وأهل دعوة وإيمان، فهموا خطاب الله تعالى بفرضية الجهاد كما فهموا خطابه سبحانه بالإعداد الإيماني، وخير دليل على ذلك، أنهم زاوجوا بين الإعداد الإيماني والجهادي قبل معركة طوفان الأقصى، فأقاموا جلسة قرآنية في مساجد غزة سرد فيها 1740 حافظ وحافظة القرآن الكريم بالحفظ والاتقان على جلسة واحدة بدأت من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر.

وأما المجاهدون في المقاومة الذين يستهزئ منهم بعضُكم، فقد أعدوا العدةَ العسكريةَ الحقيقية التي يجاهدون بها وليس العدة العسكرية من أجل العرض والتصوير، أعدوا التدريبات والتصنيع، رغم الحصار المطبق عليهم برًّا وبحرًا وجوًّا، وفرضوا على عدوهم منظومة الردع، فبعد 74 يوم من المعركة وتدمير المساكن تنطلق صواريخهم التي أعدوها من بين الركام لتدك تل أبيب والمستوطنات الإسرائيلية، وما تحزب الأحزاب مع الكيان الصهيوني من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا ومجموعة من الدول الأوروبية والغربية في حرب الإبادة ضد قطاع غزة إلا دليل على الاستعداد الجيد وقدرة المقاومة على الصمود والتحدي في طريق النصر والتحرير.

    أما عن الخسارة في الأرواح والأبنية التي يعتبرها علماء السلاطين تهلكة، فهي ليست بدليل على النصر أو الهزيمة، فليس هكذا تقاس نتائج المعارك، فالمقاومة اعتمدت في جهادها على الإعداد المادي والإعداد الإيماني عملا بقول الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٦٠ ]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧ ]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٦ ]، وقوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩ ]، وهنا نسأل: متى كان عدد جيش المسلمين وعتادهم مكافئ لعدد وعتاد عدوهم؟!

عليكم إعادة قراءة تاريخ المعارك والحروب، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من معركة بدر إلى تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه لفتح بيت المقدس.

في معركة بدر كان عدد المسلمين ثلاث مئة وبضعة عشر رجلًا، ومعهم فرسان، وسبعون جملًا، وعدد جيش قريش ألف رجل معهم مئتا فرس، أي عدد قريش ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم متهورًا، أو متحرِّشًا، أو على خطأ في خوض هذه المعركة؟!

وفي معركة الخندق: كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل، مقابل جيش الكفار عشرة آلاف مقاتل، وكان من قريش وحدهم 4000  مقاتل و 300 فرس و 1500 بعير.

وفي غزوة مؤتة كان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف، وعدد الكفار مائتي ألف من الروم والقبائل العربية الحليفة،  كما هو الحال اليوم، فأين قياسكم يا علماء السلاطين، اذهبوا بقياسكم ولملموا فتات الطعام عن موائد أسيادكم لتشبعوا بطونكم. !!!

الشبهة الثالثة: التحرش بالعدو

يتنطع المفلسون ويثرثروا بما يملى لهم من الأسياد بأن الشعب الفلسطيني هو الذي يتحرش باليهود، وأن حماس هي التي بدأت بالحرب. !!!

يا لهم!! وكأنهم خرجوا من كهف مكثوا فيه أعمارهم ولم يسمعوا عما يدور في هذه الدنيا ؟!!!

نذكرهم بالتاريخ: الحركة الصهيونية بدأت التحرك لاستعمار فلسطين منذ عهد ( بالمرستون ) البريطاني عام 1827م – (القدس الخالدة: د. عبد الحميد زايد ) وذلك بتكوين فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين، والتي انتهت بوعد بلفور عام 1917م ويؤكد ذلك بن غوريون برسالته الموجهة إلى التنفيذية الصهيونية بتاريخ: 27 / 12 / 1938م، قائلًا: ( إن إنقاذ الأرواح اليهودية من برثن هتلر يعتبر خطرًا كامنًا على الصهيونية إلا إذا جيء بهم إلى فلسطين، وعندما نضطر إلى الاختيار بين الشعب اليهودي والدولة اليهودية فإننا نفضل الأخيرة دون تردد) (القدس إيمان وجهاد – عرفان نظام الدين وعلي طاهر الدجاني).

ثم الاستعمار البريطاني الذي سلم الأرض للمستوطنين اليهود، ثم اعتداءاتهم وإجرامهم ضد الفلسطينيين، والمذابح التي ارتكبوها تحت حماية بريطانية وأشهرها “مذبحة دير ياسين” ثم تهجير الشعب عام 1948م الذين يعيشون حياة الذل في الشتات، ومن ثم اعتدائهم على ما تبقى من فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م وممارسة كل أنواع العنف والإرهاب، وفي المقابل، تماهي الأنظمة العربية في الخنوع والصمت، والاكتفاء بالشجب والاستنكار والإدانة لجرائم الكيان الصهيوني دون أخذ خطوة فاعلة لصد هذا الإجرام وإعادة الحق لأهله.

      ومن ثم الاعتداءات المستمرة من المستوطنين تحت حماية جيش وشرطة الاحتلال على المسجد الأقصى، وحرقه، ومحاولة هدمه بالحفريات من تحته، وتقسيم المسجد الإبراهيمي في الخليل مكانيًّا وزمانيًّا، وتجريف مقابر المسلمين، وتحويل المساجد إلى بارات ومراقص، واغتصاب الأراضي والبيوت وطرد أهلها منها، وتتابع المنظمة الصهيونية إرهابها بالاغتيالات والقصف والتدمير، ومفاجئة قطاع غزة بعدد من الاجتياحات المستمرة وتجريف الأراضي الزراعية، بحروب دمرت فيها المنازل والأبراج السكنية، والمصانع، والورشات، تحت إدعاء أنها أماكن تصنيع أسلحة، والمساكن والأبراج يسكنها (إرهابيون) على رأيهم، وآخر هذه الاعتداءات اغتيال مجموعة من قادة الجهاد الإسلامي بعد أن كان هناك اتفاق مع المخابرات المصرية لسفرهم لمصر لمناقشة التهدئة.

    أما طوفان الأقصى: نعم كان مباغتة من المقاومة الفلسطينية لإفشال خطة أعدئها ” أمريكا وإسرائيل” التي أعدوها لمباغتة قطاع غزة بحرب يجبر الشعب على النزوح إلى شمال سيناء وإنهاء القضية الفلسطينية.

هذا قليل من سرد الواقع للحقائق والإجرام الذي يرتكبه الكيان الصهيوني ضد شعب غزة.

أبعد هذا السرد يقول الجاهلون: بأن حماس هي التي بدأت بالحرب!!! ويقولون: أن الشعب الفلسطيني يتحرش باليهود ليجلب الويلات عليهم وعلى الوطن، ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [الصافات: ١٥٤ ] إن كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن، واتفاقيات جنيف الأربع تقر بأن فلسطين محتلة من قبل اليهود ويحق لهم مقاومة المحتل، فإن كنتم تؤمنون بالشرعية الدولية فهذه هي الشرعية الدولية !!!

وإن كنتم تؤمنون بشرع الله تعالى فيقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠ ]، ويقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤].

فأين التحرش يا علماء السلاطين؟! ومن المعتدي؟!.

الشبهة الرابعة: حماس جلبت الدمار لقطاع غزة

الرد على هذه الشبهة:

نقول ردًّا على هذه الشبهة: أن هذا القول محض افتراء بجهل، أو تثبيط متعمد وموجه من الأسياد، في أي قانون دولي أو شرعي يكون الدفاع عن الدين، والنفس، والعرض، والوطن جلب دمار وهلاك؟!! أليس دفع الصائل مشروع، وفي حالات يكون واجب، ومن قتل مدافعًا عن دينه وعرضه يكون شهيدًا؟!! أليس أماني المجاهد إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة؟!! ألم يعد الله تعالى القتل في سبيله شهادة،؟!! قال تعالى: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠ ]، ” ألم يأتِ في الحديث الصحيح الذي رواه سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  “من قُتِلَ دونَ مالِهِ فهو شهيدٌ ومن قتلَ دون أهلِهِ فهو شهيدٌ ومن قتلَ دون دينِهِ فهو شهيدٌ ومن قتلَ دونَ دمِهِ فهو شهيدٌ”

فأي فوز بعد الشهادة ينالها الإنسان من الله تعالى، ألم يخبر الله تعالى عباده المؤمنين بالابتلاء فقال: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١ ]، وقال تعالى: ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١١١].

وهل هناك حرب دون خسارة في الأنفس والممتلكات؟!!  وحتى نوضح حقيقة الصورة أكثر نبين بعض الحقائق في هذه المسألة، من خلال ذكر ما حققته المقاومة في طوفان الأقصى:

لقد أصبح مكشوفًا للعالم بأسره أن الحرب تقودها أمريكا وبتحالف كل من معظم الولايات الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وتقديم دعم من دول أخرى.

وأمريكا تقود هذه الحرب لصاعقة الحدث الذي أحدثته المقاومة في طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، هذه الصاعقة التي ضربت كل الترتيبات الأمريكية في المنطقة، فقد كانت أمريكا تعقد التحالفات مع الدول العربية وتمهد الساحة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني وذلك حرصًا من أمريكا لقيادة الكيان الصهيوني هذه التحالفات لتملأ الفراغ في المنطقة عندما تنسحب أمريكا تدريجيًّا منها للتفرغ لمواجهة الصين وروسيا وفق الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، وخاصة روسيا التي تهدد الوجود الأمريكي في المنطقة كما أعلنت عنه عام 2021م.

وعليه بدأ الكيان الصهيوني يعقد تحالفات، وقد تمت ترتيبات لها من سنوات طويلة في المنطقة ومنها: إعادة سوريا للجامعة العربية، والمصالحة بين السعودية وإيران، والمصالحة بين تركيا والإمارات والسعودية، وترتيب الاتفاقيات العربية مثل اتفاقية أبرهام، والتطبيع مع بعض الدول العربية.

وبعد هذه التحالفات والاتفاقيات تأتي غزة الصغيرة بصاعقة تضرب كل هذه التحالفات والاتفاقيات والترتيبات التي تهدف لتسييد الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) على المنطقة، وإنهاء القضية الفلسطينية.

    لذلك جاء هذا التحالف بين أمريكا ودول الغرب مع الصمت العربي لاجتثاث المقاومة التي ضربت مصالحهم الاستراتيجية على كل المستويات، ولهذا لا يعتبر المتحالفون المجازر التي ترتكب في قطاع غزة  مسموح بها فقط بل هي مطلب لإعادة الردع للمنطقة بأسرها.

أما ردع المقاومة قد انتهى زمانه، فقد حققت المقاومة معادلة الردع، وأصبحت تتحكم في الميدان، فبعد أكثر من 70 يوم من الحرب والإبادة والدمار، تقصف المقاومة بالصواريخ تل أبيب ومستوطنات العدو، وتنطلق هذه الصواريخ من المناطق المدمرة والتي يعلن الاحتلال أنه سيطر عليها.

     كما أن المقاومة تحصد آليات العدو وجنوده من مسافة الصفر، وتجبر الاحتلال للخضوع لعقد صفقة تبادل، وتقوم المقاومة بتسليم الرهائن الإسرائيليين من المناطق التي أعلن الاحتلال السيطرة عليها، كما أن المقاومة تجبر لواء غولاني على الانسحاب من الشجاعية، علمًا أن اللواء لا ينسحب إلا إذا فقد 40% من قوته البشرية والعتادية، وقد شاهد العالم فرح هؤلاء الجنود الذين انسحبوا من غزة.

ومقابل ذلك يهرب جيش الكيان الصهيوني من المواجهة العسكرية الحقيقية مع المقاومة إلى مجازر الإبادة ضد المدنيين، فقد قصف غزة بحوالي 40 ألف طن من الصواريخ والقذائف، يعني كل كلم مربع من قطاع غزة نصيبه من هذا القصف 100طن، دمروا بها المنازل والمدارس، والمستشفيات، ومراكز الإيواء، والمساجد، والكنائس، ومراكز الدفاع المدني، وكل البنى التحتية، فأصبح 90 % من السكان نازحين، ورغم ذلك كله يخرج المقاوم حافي القدمين بكل تؤدة وسكينة يتخير بين تفجير الجرافة أو الدبابة، وحتى اليوم لم يحقق الكيان الصهيوني أي من الأهداف الثلاثة التي وضعها لحربه ضد غزة وهي ( القضاء على حماس “المقاومة” وإعادة الرهائن، وتأمين المستوطنات من أي حدث أمني يأتي من غزة).

   ومن إنجازات طوفان الأقصى أيضًا استيقاظ الجماهير الغربية والأوروبية حتى الأمريكية، من خدعة الرواية الصهيونية، وخروج المسيرات دعمًا للشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف الحرب.

وكذلك اشعال الجبهة الشمالية، وضرب القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، وإشعال الجبهة اليمنية بضرب كل المصالح المتعلقة بدولة الاحتلال، والتحكم بباب المندب على البحر الأحمر، وهذا مؤشر خطر على الاستراتيجية التي رسمتها أمريكا وأخذت سنوات تعد لتحقيقها في المنطقة بما يسمى الشرق الأوسط الجديد عن طريق فكرة صفقة القرن الفاشلة التي سوقوها في الوطن العربي، وعليه نجد أمريكا تطلب من الاحتلال الإسراع في تدمير ما يمكن تدميره وإنهاء الحرب في فترة زمنية قصيرة حتى لا تضرب مصالحها أكثر من ذلك، ولكن أمريكا تريد إنهاء الحرب في حالةٍ تحفظ فيها ماء وجهها ووجه ربيبتها إسرائيل، لتحافظ على مستوى العلاقات والاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها مع بعض الدول العربية لانعاش استرتيجيتها في المنطقة، ومن جهة أخرى لا يخسر بايدن الانتخابات القادمة.

وأخيرا نقول: أيها المتنطعون بالحديث والخاضعون لأسيادكم، إن بضاعتكم خاسرة لا تنم إلا عن كشف عوراتكم الفكرية، وانبطاحكم لمصالحكم الدنيوية،

وتعاميًا عن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الرباط والمواجهة، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا أُنَبِّئُكُمْ بليلةٍ أفضلَ من ليلةِ القدرِ ؟ حارِسُ الحَرَسِ في أرضِ خَوْفٍ لعلَّهُ ألَّا يرجعَ إلى أهلِهِ ” ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” موقفُ ساعةٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من قيامِ ليلةِ القدرِ عندَ الحَجرِ الأسوَدِ “ رواه المنذري في الترغيب والترهيب.

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩].

والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى