الردود العلمية على منكري السنة النبوية (14)
بقلم الشيخ علي القاضي (خاص بالمنتدى)
قال الإمام ابو الحسن الماوردي:”. ﴿إن أتبع إلا ما يوحى إلي﴾ فيما أتلوه عليكم من وعد ووعيد وتحليل وتحريم أو أمر أو نهي[1].”
وقال الإمام الطاهر بن عاشور:” واقتضت (إن) النافية وأداة الاستثناء قصر تعلق الاتباع على ما أوحى الله وهو قصر إضافي، أي لا أبلغ إلا ما أوحي إلي دون أن يكون المتبع شيئا مخترعا حتى أتصرف فيه بالتغيير والتبديل، وقرينة كونه إضافيا وقوعه جوابا لرد اقتراحهم.
فمن رأى أن يحتج بهذا القصر على عدم جواز الاجتهاد للنبيء صلى الله عليه وسلم فقد خرج بالكلام عن مهيعه[2]..”
قلت :فكلام أئمة التفسير وغيرهم في هذه الآية صريح في ان السنة التشريعية الصحيحة من الوحي الذي أُمر عليه الصلاة والسلام بإتباعه.
وبناء على ذلك يثبت لنا أن السنة الصحيحة وحيا كالقرآن في وجوب إتباعها سواءً في تبيينها للقرآن أو في استقلالها بأحكام لم ترد فيه
كان النبي عليه الصلاة والسلام يطلق لفظ القرآن على السنة في عدة أحاديث صحيحة نذكر أشهرها وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة العسيف
ففي الصحيحين:” عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما، قالا : جاء أعرابي فقال : يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله. فقام خصمه فقال : صدق، اقض بيننا بكتاب الله. فقال الأعرابي : إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته. فقالوا لي : على إبنك الرجم. ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فقالوا : إنما على إبنك جلد مائة وتغريب عام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس – لرجل – فاغد على إمرأة هذا فارجمها فغدا عليها أنيس فرجمها.[3]“
شروح الأئمة لهذا الحديث:
قال الإمام ابو عمر بن عبد البر :”على أن كل ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله قال الله عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله )وقال (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )وقد ذكرنا قبل أن من الوحي قرآنا وغير قرآن[4] “
وقال ايضا في موضع آخر:” وأما أمر الله عز وجل باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم جاز أن يقال لكل حكم حكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الله وقضاؤه ألا ترى إلى حديث الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة ..(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله )..
فقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي بينهما بكتاب الله وهو صادق في قوله صلى الله عليه وسلم وليس في كتاب الله أن على الزاني والزانية نفي سنة مع الجلد ولا فيه أن على الثيب الرجم وهذه الأحكام كلها إنما هي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم[5]“.
وقال الحافظ ابن حجر:” واقتصر البخاري هنا -اي في باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم – عليه -أي حديث العسيف-لدخوله في غرضه من أن السنة يطلق عليها كتاب الله لأنها بوحيه وتقديره لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى “[6]
وقال أيضاً :”قوله لأقضين بينكما بكتاب الله أي بحكمه”[7]
وقال أيضاً:” من الفوائد غير ما تقدم الرجوع إلى كتاب الله نصا أو استنباطا “[8]
قال الإمام أبو العباس القرطبي:” و ليس التغريب والرجم موجودين في كتاب الله تعالى. لكن في حكم الله المسمّى بالسُّنة”[9]
______________________________________________________________________
[1]. تفسير الماوردي ٤٢٧/٢؛تفسير القرطبي٣١٩/٨؛تفسير الزمخشري ٣٣٤/٢
[2] التحرير والتنوير١١٩/١١
[3] رواه البخاري رقم٢٦٩٦ ؛ مسلم١٦٩٨واهل السنن واحمد وغيرهم
[4] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد٧٨/٩ لابن عبد البر
[5] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد١٨٧/٢٢ للإمام ابن عبد البر؛ الإستذكار٤٧٧/٧ لابن عبد البر؛إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام٢٣٨/٢ للإمام تقي الدين ابن دقيق العيد
[6] فتح الباري٢٥٤/١٣
[7] فتح الباري ١٧٧/١
[8] فتح الباري١٤٠/١٢
[9] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم٣٤٧/٤ للقرطبي