مقالاتمقالات مختارة

الرئيس مرسي وعقيدة الجيش العسكرية

الرئيس مرسي وعقيدة الجيش العسكرية

بقلم محمود جمال

منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس محمد مرسي رئاسة الجمهورية وتنصيبه القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، اتضح نهجه العسكري السليم وثباته على العقيدة العسكرية الصحيحة التي كانت تعتنقها القيادات العسكرية التاريخية للجيش المصري، والتي أُريد لها أن تتغير بعد اتفاقية كامب ديفيد، ليتغير فيها موضع إسرائيل كعدو استراتيجي لمصر وتصبح دولة صديقة، وهو ما تعبر عنه مقولة السادات بأن “حرب أكتوبر هي آخر الحروب بين مصر وإسرائيل” وأن السلام “خيار استراتيجي”.
مثَّل محمد مرسي العقيدة العسكرية المصرية الأصيلة التي ترى أن العدو الاستراتيجي للأمة العربية والإسلامية هو الكيان الصهيوني، وأن الصراع معه هو صراع عربي شامل وليس منحصرًا فقط في القضية الفلسطينية، وتلك هي العقيدة التي عبرت عنها القيادات العسكرية التاريخية، مثل الفريق سعد الدين الشاذلي، والمشير محمد الجمسي، والمشير أبو غزالة، والفريق محمد فوزي، والفريق محمد صادق، وغيرهم.
في احتفالات حرب أكتوبر لعام 2012م، وضح الدكتور مرسي فلسفته في النظر والتعامل مع الكيان الصهيوني، فاستضاف ولأول مرة عائلة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب أكتوبر 1973م، وقلّده قلادة الجمهورية، وتسلمت ذلك الوسام زوجة الفريق السيدة زينات محمد متولي. وكان الفريق سعد الدين الشاذلي قد نُكل به بسبب آرائه واختلافه مع السادات في إدارة المعارك؛ إذ كان يرى الشاذلي أن السادات لم تكن لديه إرادة الحرب والاشتباك بشكل كامل مع الكيان الصهيوني.
كان الرئيس محمد مرسي يعلم طبيعة الخلاف والصراع والظلم الذي تعرض له الفريق سعد الدين الشاذلي، والذي لم يُكرم طيلة السنوات الماضية مع أنه أحد قيادات حرب أكتوبر، وكان الرئيس مرسي يعلم أن الشاذلي كان له رأي ونظرة سليمة للكيان الصهيوني. كانت من أهم الكلمات التي دونها التاريخ على لسان الفريق الشاذلي والتي توضح تلك الرؤية والعقيدة قوله: “من المؤكد أنه ستكون هناك حروب قادمة بين العرب وإسرائيل، ويؤيد ذلك الإيمان بالله، والإيمان هو الأساس، والرؤية الإيمانية تؤيدها الرؤية الاستراتيجية والتي تقول إنه لابد إن عاجلاً أو آجلاً سينتصر العرب على إسرائيل”[1].
أيضاً تتضح عقيدة الدكتور الرئيس محمد مرسي في كلمته التي ألقاها باستاد القاهرة في 07 أكتوبر 2012م، بمناسبة احتفالات أكتوبر، حيث أظهرت كلمات الرئيس أن إسرائيل كيان مغتصب محتل يهدد أمن المنطقة[2].
بعد تولي الرئيس مرسي منصبه كأول رئيس مدني منتخب لمصر بشهور قليلة شن الكيان الصهيوني عدواناً على قطاع غزة، فكان رد فعل الرئيس مرسي وتعامله مع ذلك الموقف مختلفاً تماماً عن تعامل الأنظمة العسكرية الحاكمة سابقاً؛ ففي عصر يوم الرابع عشر من شهر نوفمبر عام 2012م، قامت الطائرات الإسرائيلية باغتيال قائد كتائب القسام في غزة أحمد الجعبري؛ لتعلنها بداية حرب جديدة على غزة. واستمر العدوان منذ ذلك التاريخ وحتى مساء يوم 21 نوفمبر، بعد التوصل إلى اتفاق تهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية.
قام الرئيس محمد مرسي بعد بداية الحرب وتحديداً يوم الجمعة الموافق 16 نوفمبر 2012م، بإرسال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل لزيارة قطاع غزة، وأكد هشام قنديل خلال زيارته لقطاع غزة أن حكومته تعمل على تحقيق التهدئة في القطاع، مشيرًا إلى دعم بلاده للشعب الفلسطيني الذي يعاني جراء العمليات العسكرية في قطاع غزة. وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس حكومة حماس المقالة إسماعيل هنية أن “مصر الثورة تقف إلى جانب الفلسطينيين حتى تتحقق كافة الحقوق المشروعة”. وأكد قنديل ضرورة أن يتحد الفلسطينيون، مؤكدًا أن بلاده تعمل مع الأطراف المعنية لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة[3].
وندّد الرئيس محمد مرسي بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وعدّه “عدوانًا سافرًا على الإنسانية”، وقال الرئيس مرسي إن “مصر لن تترك غزة وحدها”، وأضاف الرئيس محمد مرسي في كلمة قصيرة له عقب أدائه صلاة الجمعة يوم 16 نوفمبر 2012م: “أنا أحذر وأكرر تحذيري للمعتدين بأنه لن يكون لهم أبدًا سلطان على أهل غزة”. مضيفًا “إنني أقول لهم باسم الشعب المصري كله إن مصر اليوم مختلفة عن مصر أمس، وعرب اليوم مختلفون عن عرب الأمس”[4]. وطلبت مصر من مجلس الجامعة العربية وقتها عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث أحداث غزة[5]، استدعت مصر بناء على تلك الحرب السفير المصري في إسرائيل وقتها عاطف سالم.[6] ومن خلال البحث لم نجد لوزير دفاع الجيش المصري وقتها عبد الفتاح السيسي أي تصريحات بخصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
في تلك الأثناء شرحت “تسيبي ليفني” وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة سر عدواة إسرائيل للرئيس محمد مرسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مصر وتركيا، في محاضرة بمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني INSS يوم 17 نوفمبر 2012، حيث قالت “ليفني” إن كل قائد ودولة في المنطقة يجب أن يقرروا أن يكونوا إما جزءًا من معسكر التطرف والإرهاب، أو معسكر البرجماتية والاعتدال، وإذا قررت دولة أو قائد دولة ما مسارًا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا المسار. وتابعت ليفني “لا أستطيع قبول فكرة أن تقول إسرائيل حسناً العالم ضدنا، أردوغان ومرسي إسلاميون ولا أمل في التغيير”. وأضافت “يجب أن نتكاتف سوياً، وأن نتحد ضد هؤلاء الذين يعادوننا، أن نفعل لا شيء، أعتقد أن هذه فكرة خاطئة وأعتقد أن هذه ليست السياسة المناسبة لدولة إسرائيل”.[7] بتلك الكلمات التي قالها الرئيس محمد مرسي أثناء حرب 2012م على قطاع غزة، تتضح عقيدة ونظرة الرئيس محمد مرسي لإسرائيل كونها دولة احتلال تعادي العرب، وأن الدولة المصرية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي عدوان على فلسطين، وكلام ليفني يوضح أكثر نظرة إسرائيل للرئيس مرسي ونظامه في تلك الفترة، فقد وصفت الرئيس مرسي بأنه “عدو”.
إن عقيدة الرئيس مرسي السليمة والصحيحة والتي لا تبعد عن نظرة أي وطني حر سواء كان عسكريًّا أو مدنيًّا تجاه الكيان الصهيوني، دفعت ذلك الكيان إلى العمل على إسقاط نظام الرئيس مرسي، لأن بقاءه سيهدد وجود ذلك الكيان.
والمتابع للسلوك الذي أتبعه الرئيس محمد مرسي تجاه الكيان الصهيوني، ومن يقرأ ما كتبه قادة الجيش المصري وقت الحروب مع إسرائيل أعوام (1948-1956-1967-1973) يراها متطابقة ومتشابهة. ذلك أنهم كانوا ينظرون إلى إسرائيل نظرة العدو الاستراتيجي ليس لمصر فقط بل للأمة العربية ككل، وإن الأجواء السياسية والعسكرية بعد حرب أكتوبر 1973م، فرضت على الدولة المصرية إبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ولكن كان راسخًا في عقيدتهم الإيمانية والاستراتيجية أنه سلام غير مستقر، وأنه إن عاجلاً أم آجلاً ستكون هناك حروب أخرى مع ذلك العدو المحتل التوسعي الذي لم يكف عن السعي لتحقيق أهدافه في المنطقة “إسرائيل الكبرى” والسيطرة عليها، وأنه على الدولة المصرية بل على العرب ككل أن تتضافر وتتلاحم جهودهم ويكونوا على استعداد دائم لهذا العدو الاستراتيجي، كما كان يرغب الدكتور الشهيد محمد مرسي.
ولذلك عمل الكيان الصهيوني مع حلف الثورات المضادة والذي يتضمن كلاً من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، بالبحث عن بديل لنظام الرئيس محمد مرسي لسببين؛ الأول: الرئيس مرسي رئيس إسلامي وربما يؤسس نموذج ديمقراطي ناجح لرئيس إسلامي في المنطقة يُحتذى به، وهذا تهديد مباشر لكل الأنظمة القمعية بالمنطقة، وتهديد للمصالح الأمريكية والغربية بالمنطقة. والثاني: نظرة الرئيس مرسي للكيان على أنه كيان احتلال غاصب، وأن مصر في حالة صراع معه، لأن الصراع هو صراع “عربي-إسرائيلي”.
نجح محور الثورات المضادة في إيجاد من يسير معه في ذلك الاتجاه من داخل الجيش المصري، فعقيدة الجيش المصري نحو إسرائيل تغيرت بشكل جذري مع وصول عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم في مصر. فقد صار التقارب والتحالف مع إسرائيل سياسية عبد الفتاح السيسي الذي عمل عليها منذ الثالث من يوليو عام 2013م، كي يقدم نفسه للمجتمع الدولي على أن مصر في أعقاب مرحلة جديدة في العلاقات مع إسرائيل ستصل إلى مستوى لم تصل له من قبل على الصعيد العسكري والسياسي، وأن تغيير عقيدة الجيش المصري نحو إسرائيل كانت أولى خطوات تلك المرحلة الجديدة، وأنه سيعمل على التقارب في العلاقات بين مصر وإسرائيل بشكل لم يفعله الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ومرحلة حكم المجلس العسكري فترة حكم الرئيس محمد مرسي.
وبالفعل بعد رحيل نظام الرئيس محمد مرسي أصبحت إسرائيل “حليفًا استراتيجيًا” للنظام المصري نتيجة لما يقدمه الجيش المصري لإسرائيل من خدمات، ومحاربته للإسلام السياسي “الإخوان المسلمين” والذي تعدّه إسرائيل امتدادًا للحركة الإسلامية حماس في فلسطين، واعتقاد النظام الحالي في مصر أن تلك الجماعات تمثل منشأ الحركات “الإرهابية” في المنطقة وهي “عدو” الجيش المصري والدولة المصرية.
ولم نسمع إلى الآن أصواتًا داخل الجيش المصري تعارض ذلك التحول الخطير على الدولة المصرية، تلك الدولة صاحبة أقوى وأكبر الجيوش العربية حالياً، والتي تعمل إسرائيل على هدمه وتدميره حتى تكون هي صاحبة الكلمة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وأن تلك التحالفات من وجهة النظر الإسرائيلية ما هي إلا خطوات تكتيكية فقط، لتفكيك الدولة المصرية ككل.
فهل سيستمر السيسي في دعمه وتقربه لإسرائيل سياسياً وعسكرياً بسبب الأزمة الداخلية التي تمر بها مصر كي يحافظ على منصبه ويرسخ حكمه ونرى الجيش المصري وقد أصبح حليفاً استراتيجيًا مع تلك العدو الاستراتيجي والذي لم يكف عن تدمير البلاد والجيوش العربية حتى يكون هو صاحب الكلمة الأولي في المنطقة العربية؟
أم هناك قيادات عسكرية داخل الجيش المصري ما تزال عقيدتها تسير على نهج المشير الجمسي والمشير أبو غزالة والفريق سعد الدين الشاذلي، وترفض هذا وستعمل على إصلاح ما أفسده ويفسده السيسي في العقيدة القتالية للجيش المصري؟ وترى أن سلاح الجيش المصري لا ينبغي أن يوجه إلى الشعب المصري في الداخل أو جزء من ذلك الشعب؟ كما فعل السيسي ووجه سلاح الجيش المصري لأول مرة في تاريخه نحو الشعب المصري وقتل منه الآلاف منذ يوليو 2013م؟ وأن خطة الست ساعات التي أعدها السيسي لمواجهة الشعب المصري عند مطالبته للحرية لوأد تلك المظاهرات ينبغي أن تكون خطة لمواجهة العدو الاستراتيجي للدولة المصرية وهي “إسرائيل”؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لقاء الفريق سعد الدين الشاذلي مع المذيع أحمد منصور في برنامج بلا حدود، تاريخ الدخول 20 مارس 2018
[2] كلمة الرئيس مرسي في ذكرى أكتوبر
[3] هشام قنديل يزور قطاع غزة، الحرة ، تاريخ النشر 16 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م
[4] مرسي: لن نترك غزة وحدها، جريدة الرياض، تاريخ النشر 17 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م
[5] مرسي يستنكر العدوان واجتماع عربي طارئ، الجزيرة نت، تاريخ النشر 15 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م
[6] كلاكيت تالت مرة.. مصر تسحب السفير من تل أبيب بسبب أحداث فلسطينية، اليوم السابع، تاريخ النشر 15 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م
[7] ليفني : مرسي وأردوغان سيدفعان ثمن الخروج ببلادهم عن معسكرنا، فيديو من داخل مقر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تاريخ الدخول 01 ابريل 2018م

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى