مقالاتمقالات المنتدى

الرؤية والهوية والانتماء

الرؤية والهوية والانتماء

بقلم د. الخضر بن سالم بن حليس (خاص بالمنتدى)

﴿وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ 0 رَبَّنا وَاجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُب عَلَينا إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ 0 رَبَّنا وَابعَث فيهِم رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧-١٢٩]

يلتقط القرآن الكريم هذا المشهد التاريخي لتشييد بناء البيت الحرام، في جهد ثنائي يَشْرُف به نبيّان، ليكون رمزا للتوحيد في كوكب الأرض تثوب البشرية إليه وتأوي، قياما لمصالح الناس ونفعهم.

إنه مشهد يوثِّق إعمار البيت الحرام، ويرصد لقطة هندسية بديعة لارتفاع معالمه وقيام بنيانه في الأرض.

كان النبيّان الكريمان يرصفان أحجاره، ويرفعان مع ارتفاع بنيانه ضراعات الدعاء وحرارة الابتهال.

إن مضامين تلك الضراعات الممزوجة بمواد العمارة، المختلطة بأحجار البناء، لم تكن مفردات غير مقصودة تُلقى عابرة في حدث كبير كهذا، لقد كانت مضامينها سميكة مركّزة، تُعبِّر عن غايات قيام البنيان وترسم مقاصيد عمرانه.

وهي تتركز في خمسة مضامين:

الأول: ﴿رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا﴾

إلحاح القبول مع حضور التكليف، إذ رجاءات القبول دليل الفعل العبادي المنكسر من التقصير في ضبط التكليف.

الثاني: ﴿وَاجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ﴾

تحديد الهوية وتعديتها في الأجيال، إذ رسمها ووسمها لابد أن ينطلق مع لحظات التشييد، ليكون رمزا حضاريا لها.

الثالثة:  ﴿وَأَرِنا مَناسِكَنا﴾

البصيرة في الرؤية، حتى لا يتحول هذا العمران مظهرًا من مظاهر الانحراف، وطقسا من طقوس الخرافة والانجراف.

الرابعة: ﴿وَتُب عَلَينا﴾ [البقرة: ١٢٧-١٢٩]

محطا للعودة والرجوع، ليصبح هذا المركز العبادي مثابة للناس، تطهُر  أرواحها عنده وتعاود الشموخ.

الخامسة:﴿وَابعَث فيهِم رَسولًا مِنهُم﴾ [البقرة: ١٢٧-١٢٩]

تجديد الانتماء، رسول يقدم من رحاب هذا البيت، يجدد التوحيد، ويحيي معالمه، يرتل آيات الكتاب، ويرسم مسارات الهداية، ويعيد تزكية الإنسان.

إنها خماسية تجمع في ثناياها الرؤية والهوية والعودة والانتماء. فهي مضامين فكرية مكثفة الدلالات شيدت مع تشييد بنيان البيت العتيق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى