الخطاب الفقهي المتعلق بالمرأة.. أصوله وأبعاده
اسم الكتاب: الخِطابُ الفِقهيُّ المتعلِّقُ بالمرأة.. أصولُهُ وأبعادُه.
اسم المؤلف: إيمان بنت سلامة الطويرش ومها بنت علي المانع.
عدد الصفحات: 134 صفحة.
الناشر: تكوين للدراسات والأبحاث – لندن.
نبذة عن الكتاب:
مِن نِعَمِ اللهِ تعالى العظيمةِ على أمَّةِ الإسلام أنْ جَعَلَ عُلماءَها خِيارَها؛ فبهم حُفِظَتِ الشَّريعةُ، وكَوَّنَتْ جُهودُهم بناءً تراكميًّا تشكَّلَ منه التراثُ الإسلاميُّ، ومنه التراثُ الفِقْهيُّ الذي جاءَ بناءً متكامِلًا، على تفاوُتِ الاجتهاداتِ في المسألة الواحِدَة بين فَقِيه وآخَرَ، أو بين مذهَبٍ وآخَر، وامتاز الفِقْه بخاصِّيَّة التنقِيَة؛ إذ لا يُقبَلُ قَوْلٌ ليس له مُسْتَمْسَكٌ من حُجَّة، راجحًا كان أو مرجوحًا، وما وُجِدَ من بعضِ الآراء الضعيفة والشاذَّة حولَ المرأة في التراثِ الفِقْهي لا يَنْقُصُ من قِيمة الفِقْه، ولا يَقدَحُ في نيَّة الفقهاء ومقاصدِهم؛ فلم تُتْرَكْ هذه الآراءُ بلا تَعقيبٍ واستدراك؛ إذ الاجتهادُ قد تَعترِيه عوارِضُ تؤثِّرُ فيه، فتقَرِّبه أو تُبْعِدُه من موافقة الشَّرع.
وهذا الكتاب عبارةٌ عن عرْض مُوجَزٍ للأصول والمعاني التي اعتَنَى بها الفقهاءُ في معالجَتِهم للمَسائل الفقهيَّة المتعلِّقَة بالمرأةِ، وبيانِهم للحُكم الشرعيِّ فيها، وتَلَمُّس المقاصِدِ والظروف المؤثِّرَة في اختياراتِ الفقهاء؛ لبيانِ الجهودِ العِلميَّة الرَّصينَة للفقهاءِ السَّابقين، وعِنايتِهم بقَضايا المرأة؛ هذا الموضوع الذي كثُر الطَّعنُ فيه والحديثُ عنه من زاويا ناقصةٍ، وبيانِ العَلاقة بين النَّصِّ الشرعي ونصِّ الفقيه، بنظرةِ عَدْلٍ وإنصافٍ دون تقديسٍ أو تبخيسٍ، ومناقشةِ بعضِ الدَّعاوى كذكوريَّة الفِقْه.
وقد تألَّف الكتاب بعدَ المُقدِّمة، مِن تمهيدٍ، وسِتَّة مباحِثَ، وخاتمة:
تحدَّثتِ المؤلِّفَتانِ في التَّمهيدِ عن التراثِ الفِقْهي المتعلِّق بالمرأة، وعن أهميَّته وحَجْمه وطبيعتِه؛ موضِّحَتَيْنِ أنَّ الخِطاب الفقهيَّ يتألَّفُ من ثلاثة أركانٍ أساسيَّة، هي:
1- النصُّ الشرعيُّ.
2- فَهْم الفقيه له.
3- الواقع المَعِيش المُحيط بالحكم الفقهي.
وأَوْضحتَا أنَّ ثمَّة نَوْعَينِ من الأحكام الشرعيَّة: أحكام قطعيَّة قرَّرَتْها نصوصٌ قطعيَّة الثُّبُوت والدَّلالة؛ كوجوبِ الصَّلاة، وأحكام تُرِكَت لاجتهاد الفقهاء، أو جاءت بها نصوصٌ غير قطعيَّة الثبوت أو الدَّلالة، وهذا النَّوْع ليستْ له العِصْمَة الثابتة للنصوص الشرعيَّة. وتحدَّثَتَا عن دَوْر الفِقه في صياغةِ الحياةِ الاجتماعيَّة عامَّةً، وقضايا المرأة بوجهٍ خاصٍّ، مبَيِّنَتَيْن أنَّ الفقيه لم يكُن بمعْزِل عن الحياة الاجتماعيَّة حوله، بل كان جزءًا منها، وذكرتَا أمثلةً على ذلك، موضِّحَتَيْنِ أنَّ كُتُبَ الفتاوى والنوازل ما هي إلا انعكاسٌ لهذا التفاعل.
كما تحدَّثتَا عن المساحة التي شَغَلَتْها مسائِلُ المرأة في التراث الفقهيِّ، وأنَّ الكُتُب الفقهيَّة تناوَلَتِ الكثيرَ من مسائلِ المرأة على سَبيلِ التفصيل، وذكَرتَا مؤلَّفاتٍ عديدةً خُصِّصَت للحديثِ عن مسائِلِ المرأة فقط؛ كأحكامِ النِّساءِ لابن الجوزي، وفتاوى النِّساءِ لشيخ الإسلام ابن تيمية، والمفصَّل في أحكامِ المرأة للدكتور عبد الكريم زيدان، وغيرها كثير.
كما تَكلَّمَتَا عن دَورِ المرأة في بناءِ الفقه وتدوينه، مبَيِّنَتَين أنَّ المرأةَ كانتْ حاضرةً وفاعلة بدءًا من عهد التشريع، ومُسهِمَةً في بنائه نقلًا ونقدًا وسؤالًا وتعليمًا وإفتاءً، وأنَّ رائدةَ هذا الباب الصِّدِّيقةُ أمُّ المؤمنين عائِشَةُ رضي الله عنها. ثمَّ ذَكَرَتَا مِن النساء مَنْ كان لها دورٌ في تأسيس المذاهب؛ كميمونةَ بنتِ الأقرعِ التي كتبتِ الفِقْه عن الإمام أحمد، وأخت المُزَنِيِّ في المذهب الشافعي… إلخ، وفصَّلَتَا الحديث عن ذلك.
وفي المبحث الأوَّل: تكلَّمَتا عن الأصولِ والقواعدِ التي اعتمدَها الفقهاءُ في تأسيس القضايا المتعلِّقة بالمرأة، وأنَّ هذه الأصولَ والقواعدَ كانتْ حاضرةً في البناء الفقهي، وتظهرُ بالتتبُّع والاستقراء، وذكرتَا فيه خمسةَ أصولٍ، كالتالي:
الأصل الأوَّل: المصدر الإلهي في بناءِ الحقوق والواجبات، وتَعْنِيان به أنَّ المرجع والمصدر في إيجابِ الحقوق والواجبات هو الوحيُ من الله تعالى (الكتاب والسُّنَّة)، ويجب التسليمُ له، وذكرتَا أنَّ أخطرَ ما يُهدِّد التسليمَ للنَّصِّ الشرعيِّ هو التأويل المنْحَرِف لتلك النصوص.
الأصل الثاني: شمولُ خِطاب الشَّارع للجِنسين، مُوضِّحَتين فيه أنَّ المرأة داخلةٌ بالأصالةِ في الخِطاب الشرعيِّ، ومُكَلَّفَةٌ بتكاليفِ الشريعة، وأشارتَا إلى خِلاف الفقهاءِ في مسألة دخولِ النِّساء في بعضِ صِيَغ جمْع المذكَّر، مع اتِّفاقهم على أنَّ خِطابَ الشريعة يشملُ الذَّكَر والأنثى، وأنَّ هذا ما جرى عليه العملُ منذ عهد الصَّحابة إلى وقتِنا الحالي.
الأصل الثالث: المساواةُ بين الجِنسين في الإنسانيَّة والمسؤوليَّة الشرعيَّة، والتنوُّع والتمايُز في الحقوق والواجبات؛ مُشِيرَتَين إلى أنَّ هذا الاختلافَ والتنوُّعَ له عِدَّة أسبابٍ؛ منها: الاختلافاتُ الفِطْرِية والطبيعيَّة بين الذَّكَر والأنثى، ومنها: ما يترتَّبُ على المساواةِ الكامِلَة من أضرار، وكَوْن المختصِّ بالواجب أقدَرَ عليه من غيره؛ كتقديم حضانة الأمِّ على الأبِ في ولاية الحضانة، وتقديم الأبِ على الأمِّ في الولاية على المال.
والأصل الرابع: استعمالُ الحقوقِ في أمورٍ مشروعةٍ وانتفاءُ الضَّرر في استخدامها، بناءً على القاعدة الكلِّيَّة (لا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)، ومثَّلَتَا على ذلك بحقِّ الولاية على البِكْر، وذكرتَا تفاصيلها في المذاهب الأربعة.
الأصل الخامس: التأكيدُ على الوازِعِ الدِّيني في صِيانة الحقوق، وأنَّه في داخلِ كلِّ فرد؛ ممَّا يَكْفُل صيانة الحقوق والواجبات وأداءَها لأصحابها، مُبَيِّنَتَين أنَّ أحكام المعاملات ذات اعتبارَيْن؛ اعتبار قَضائي، واعتبار دِيني؛ والأوَّل يُحاكِم بحسب الظَّاهر فقط، والثاني بِحَسَب الحقيقة والواقع، ومِن ثمَّةَ خَلَتِ المؤلَّفات الفِقهيَّة من سِياق التَّذكير، وفَطِنَ الفقهاءُ إلى ذلك؛ فأنشؤوا عِلْمًا مُسْتقِلًّا هو عِلْم السُّلوك، وإنْ كانت الإشارةُ إلى أنَّ هذا الحُكم يُقبَل قضاءً لا دِيانةً إشارة لهذا التذكير.
وفي المبحث الثاني: تحدَّثت المؤلِّفتان عن المعاني الشرعيَّة الفاعِلَة في النظرِ الفقهي المتعلِّق بالمرأة؛ وفي هذا المبحث ذكرتَا أربعةَ معانٍ، كالتالي:
المعنى الأول: شموليَّة النظر للنُّصوص الشرعيَّة.
المعنى الثاني: مراعاة المقاصِدِ الشَّرْعية، وفصَّلَتَا الحديث عن المقاصدِ الشرعيَّة في أحكام الزواج والعلاقة بين الزَّوْجين، وكذلك المقاصِد الشرعيَّة في تربية الأبناء.
المعنى الثالث: مراعاةُ واقعِ المجتمع وطبيعتِه وحاجاتِه.
المعنى الرَّابع: مراعاةُ المعاني النفسيَّة والاجتماعيَّة الثابتة للمرأة وصفًا في النُّصوص الشرعيَّة، وذكرتَا من ذلك مراعاةَ الحياء الفِطريِّ في المرأة من اللَّجَاج والخُصومة، ومراعاةَ جانب الفِتْنة في المرأة وافتتان الرَّجُل بها، وذكرتَا عدَّة مسائل حَرَص فيها الفقهاء على تجنُّب الفِتنة بين الجنسين؛ كتحريمِ الخَلوة بين الرجل والمرأة، وتجنُّب الاختلاطِ بين الجنسين.
وأمَّا المبحث الثالث: فكان للحديثِ عن مكانةِ المرأة ودَورها في الأسرةِ والمجتمعِ في الخِطابِ الفقهيِّ، وذكرتَا أنَّه بتأمُّل كتُب الفقهاء ومطالعتها يُمْكِن تكوينُ تلك الرُّؤية من خلال حديثِهم عن أهليَّة المرأةِ ورُشْدِها وتحمُّلِها للمسؤولية، والقيام بواجباتها نحوَ المجتمع، والحثِّ على تعليمها ما تحتاج إليه الأسرةُ وما يحتاجُه المجتمع، ومن خلالِ تبيُّنِ معنى نُقصانِ عقلِ المرأة عند الفقهاء؛ مفصِّلَتينِ الحديثَ عن كلِّ جزئيَّة.
ثم يأتي المبحث الرَّابع: وفيه تُوَضِّحُ المؤلِّفَتان العوامِلَ المؤثِّرَة في تفاوُتِ اجتهادات الفقهاء في مسائِلِ المرأة، وذكرَتَا من تلك العوامل: الاختلافَ في فَهم دَلالةِ بعض النُّصوص الشرعيَّة، والاختلافَ في اعتبار المقاصِدِ الشرعيَّة، وتقدير المصالح والمفاسِد، وتأثير العصر والظُّروف الاجتماعيَّة التي يَعيشها الفقيهُ، وغير ذلك.
وكان المبحث الخامس: للحديثِ عن تفعيلِ الإرْثِ الفِقهيِّ المتعلِّق بالمرأة في معالجةِ قضاياها المعاصِرَة، وركَّزَتَا فيه على أهمِّ الأصول والمعاني التي يَنبغي للفقيه مُراعاتُها؛ ومنها: شموليَّةُ النصِّ الشَّرعيِّ، ومراعاةُ المقاصد الشرعيَّة، ومراعاةُ العُرْف والعادةِ والتفاعُل مع المجتمع، وعدم الجُمودِ إزاءَ المنقول في كتُب الفقهاءِ من غيرِ مراعاة لتبدُّلِ الأعراف والعادات.
أمَّا المبحث السَّادس والأخير: فخصَّصتاه للكلام عن الاعتراضات المعاصِرَة على التراث الفقهي الخاصِّ بالمرأة، خصوصًا تلك الهجْمَة الشَّرِسَة على التراث الفقهيِّ واتِّهامه مِن قِبَل المستشرقين والحداثيين والنَّسَوِيَّات وغيرهم، باتِّهام الفقه والفقهاء بالتحيُّز ضد المرأة، ويزعمون عدم صلاحيته للعصر الحديث ومستجدَّاته، وبيَّنَتَا أنَّ هذا الخلل عند هذه الفئة كان نتيجة لعدَّة أسباب؛ منها: الاختلافُ في المرجعيَّة والمفاهيم والتصوُّرات، ومنها: التراث الإسلامي وتأثُّر البعض بالمستشرقين، ومنها: الانتقاءُ واقتطاعُ بعضِ آراء الفُقهاء من السِّياق، وافتراضُ سُوء الظنِّ في الفُقهاء، وإغفال الجانب الرِّساليِّ والإيمانيِّ في عَملهم، وغيرها من الأسباب. ثمَّ ذكرَتَا بعضَ الأمثلة من تلك الاعتراضاتِ المعاصِرَة، وهي الاتِّهامُ بالذكوريَّة والتحيُّز ضدَّ المرأة، وفنَّدَتَا تلك الشُّبهة ورَدَّتَا عليها.
وفي خاتمةِ الكتاب: أكَّدَتِ المؤلِّفَتانِ على عِدَّة أمور؛ منها:
– تكامُلُ البِناء الفِقهيِّ، وحُسْن مَقاصِد الفقهاء، وأنَّ اجتهاداتِهم تَتْبَع الدَّليلَ وتُؤسَّس عليه، وتتفاوتُ قوَّةً وضعفًا وقُربًا وبعدًا عنه.
– العنايةُ بالدِّراسات الموضوعيَّة المتعلِّقة بالفقه الإسلاميِّ، وردُّ العادِيَات عنه، وبيانُ الجهودِ العلميَّة الرَّصينة للفقهاءِ السابقين بنظرةٍ كُليَّة، خصوصًا تناوُلَهم للموضوعاتِ التي يَكثُر الطَّعْن فيها والحديثُ عنها من زاويا ناقصةٍ.
– كما أكَّدَتَا على أنَّ ممَّا يُسِيء للخِطابِ الفقهي اجتزاءَ بعضِ النصوص والفتاوى الفقهيَّة، وتجريدَها عن الظروفِ والحيثيَّات التي أحاطتْ بها، ثمَّ تعميمها وتسويقها على أنَّها الفقهُ الإسلامي.
المصدر: الدرر السنية.