بقلم أ. حمدي شفيق – موقع الأمة
كانت السلطة التنفيذية في العهد النبوي، بيد الرسول، صلى الله عليه وسلم، باعتباره رئيساً للدولة الجديدة في المدينة. وقام، صلى الله عليه وسلم، بتعيين ولاة على بعض الأقاليم التي أسلم أهلها، وعمالاً لتحصيل وجمع الزكاة والصدقات، وأمراء للجيوش والسرايا كذلك، وكل هؤلاء مارسوا مهاماً تنفيذية بتكليف من النبي، صلى الله عليه وسلم، لهم.
ثم انتقلت السلطة التنفيذية بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى الخلفاء الراشدين بالبيعة بعد ترشيح أهل الحل والعقد. ومن الثابت أن الخلفاء قاموا بتعيين ولاة على الأقاليم،وأمراء للمناطق المفتوحة وعمالاً لتحصيل الزكاة، وقادةً للجيوش.
وإذا كان اصطلاح “الوزير” لم يعرف عند العرب قبل الإسلام،فقد ورد في الكتاب العزيز في قوله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} سورة طه:29و30و31. وكذلك جاء لفظ “الوزير” نصاً في الحديث الشريف الذي رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسى لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه”.
وقد أورده الإمام النووي، رضي الله، عنه في كتابه رياض الصالحين: (باب حث القاضي والسلطان وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح والتحذير من قرناء السوء). وقال الشيخ العثيمين، رحمه الله، في شرحه لهذا الحديث في رياض الصالحين: “وفي حديث عائشة الذي ساقه المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله بأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسى لم يذكره ،وإن ذكر لم يعنه.
وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن الله ما بعث من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة خير تأمره بالخير وتحثه عليه، وبطانة سوء تدله على السوء وتأمره به (رواه البخاري). وأضاف العثيمين: “وهذا شيء مشاهد، تجد الأمراء بعضهم يكون صالحاً في نفسه حريصاً على الخير، لكن يقيض الله له قرناء سوء -والعياذ بالله- فيصدّونه عما يريد من الخير، ويزيّنون له السوء، ويبغّضونه لعباد الله. وتجد بعض الأمراء يكون في نفسه غير صالح، لكن عنده بطانة خير تدله على الخير، وتحثه عليه ،وتدله على ما يوجب المحبة بينه وبين رعيته ،حتى يستقيم ويصلح حاله، والمعصوم من عصمه الله”.
وورد ذكر لفظ الوزير أيضا على لسان أبى بكر الصدّيق يوم السقيفة عندما قال للأنصار:”نحن الأمراء وأنتم الوزراء”.وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في:” السياسة الشرعية”: (وينبغي أن يُعْرف أن أولي الأمر كالسوق ما نفق فيه جُلب إليه، هكذا قال عمر بن عبد العزيز، فإن نفق فيه الصدق والبرّ والعدل والأمانة جُلب إليه ذلك، وإن نفق فيه الكذب والجور والخيانة جُلب إليه ذلك).
والمعنى أن الخليفة أو الأمير أو الرئيس الصالح يغلب أن يحيط به معاونون ووزراء صالحون، والعكس صحيح. ويقرر ابن طباطبا أن:”الوزارة لم تتمهّد قواعدها، وتتقرّر قوانينها إلا في دولة بنى العباس. أمّا قبل ذلك فلم تكن مقنّنة القواعد، ولا مقرّرة القوانين، بل كان لكل واحد من الحكام أتباع وحاشية، فإذا حدث أمر استشار ذوى الحجا -العقول- والآراء الصائبة،فكل منهم يجرى مجرى وزير. فلمّا ملك بنو العباس تقرّرت قوانين الوزارة، وسمّى الوزير وزيراً، وكان من قبل يسمّى كاتباً أو مشيراً”.
واستمر نظام الوزارة بعد ذلك، كأحد العناصر المميّزة للسلطة التنفيذية في الإسلام، وتناوله عدد من الفقهاء بالتفصيل في مؤلفاتهم. وقد قسّم فقهاء السلف-الذين اهتموا بالفقه السياسي- الوزارة إلى نوعين: وزارة التنفيذ ووزارة التفويض. ويقصد بوزير التفويض: من يفوّضه الخليفة في تدبير بعض الشؤون باجتهاده الشخصي دون الرجوع إلى الخليفة فيما يقرّره، ومن البديهي أن اختصاص وزير التفويض يقتصر على الأمور التي تناولها التفويض دون غيرها. وأمّا وزير التنفيذ فيقتصر عمله على تنفيذ أوامر وقرارات الخليفة في بعض الأمور، ونقل تعليمات الخليفة إلى ولاة الأقاليم وأمراء المناطق.
ويعبّر الماوردي عن ذلك بقوله: “وأمّا وزارة التنفيذ فحكمها أضعف،و شروطها أقل،لأن النظر فيها مقصور على رأى الإمام وتدبيره. وهذا الوزير وسيط بينه وبين الرعايا والولاة، يؤدى عنه ما أمر ،وينفّذ عنه ما ذكر، ويمضى ما حكم به الخليفة، وما يعرض عليه من مهام، فهو معيّن في تنفيذ الأمور، وليس بوال عليها ولا متقلّد لها”.