مقالات مختارة

الحسنات الماحية «1-2»

بقلم د. ياسر عبد التواب

هناك ما يسمى في الشرع، بالحسنات الماحية، أي التي يمحو الله تعالى بها ذنوب العبد، وإن عظمت، ولذا فمن المفيد للعبد، أن يتعرفها، وأن يتلمسها، فالإنسان خطاء بطبعه، ولذا فمعرفته لدائه يجعله يتلمس دواءه.

ولا نبرر بهذا المعاصي، ولا نبيح بالطبع الوقوع فيها، لكنا نقول، إن معرفة سبيل التخلص من آثار المعاصي من الفقه، الذي يجب على المسلم، التطلع إليه، والسعي في إدراكه، ليتسنى له معالجة أخطائه إن بدت منه.

يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، [من يرد الله به خيرا يفقه في الدين]

وتبقى السلامة لا يعدلها شيء، وتبقى دوما حسنات الأبرار سيئات المقربين!

ونقول إن الأصل في كل عمل صالح -بما في ذلك الحسنات الماحية- أن يستجمع شروط قبول العمل، من النية الصالحة المخلصة، لله رب العالمين، فلا يتصور من حسنة، أن تكون ماحية، بينما لم يرد صاحبها وجه الله، فهذه لعمري سيئة، ولا يتصور من حسنة أن تكون ماحية، أيضا، إن خالف صاحبها الشرع، فوقع في بدعة، فو الله لا تُمحى ذنوب عبد ببدعة أبدا، مهما خلصت نيته.

وبوجه عام، نقول، أيضا، إن كل حسنة تبعت ذنبا، فالمرجو أن تمحوه كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

لكن لا بد أن يتناسب حجم الحسنة مع مقدار الجرم، فلا يظن أن تكفّر عبادات يسيرة، ذنوبا كبيرة، بل لا بد من استفراغ الجهد في الحسنة، وأن ينتقي العبد من الحسنات ما يوافق تقصيره، لذا فقد أشار عمر على قاتل والده بالجهاد، وأشار ابن عباس على قاتل آخر ببر والدته فلما وجدها ميتة، أشار عليه ببر الخالة وهكذا.

ثم بعد ذلك نقول أن الجامع بين ما أطلق عليه الشرع حسنات ماحية، إن استقرأناها من الأدلة أنها :

1- إما حسنات متعلقة ببدء الإنسان لصفحة جديدة مع الله تعالى، كالدخول في الإسلام والتوبة والهجرة، ومصداق ذلك قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص [.. أما علمت أن الإسلام، يجب ما قبله، وأن الهجرة، تجب ما قبلها، وأن التوبة، تجب ما قبلها] التَّوْبَةُ إذن  مِنْ جِنْسِ الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ فَلَمْ تَبْقَ السَّيِّئَةُ سَيِّئَةً فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.

فالتوبة الصادقة  ماحية  لما سبق من ذنوب العبد إن توفرت في صاحبها شروط التوبة (الإقلاع – الندم – عدم العودة – إعادة الحقوق لأصحابها) فإن فقدت تلك الشروط لم تمح التوبة ما كان من سيئة.

2- حسنات متعلقة باستغراق العبد وقته واستفراغه جهده في عبادة مخلصة نص الدليل على ثوابها كالصلاة والصيام [من صام رمضان إيمانا واحتسابا..] والصلاة من الحسنات الماحية وفي الحديث المشهور عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: [أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا] رواه البخاري.

ومنها ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ] رواه مسلم.

وتأمل معي في كلمات المكاره – كثرة الخطا – انتظار الصلاة.

فالمصلي، ورائد المسجد، والمسبغ الوضوء على المكاره، والذي ينشغل بأمر الصلاة، فهو دائما ينتظرها، ويجتهد في أدائها. كل هؤلاء يجاهدون، فحق لهم أن يرزقوا الحسنات الماحية وأن يكون ذلك منهم كالرباط في سبيل الله.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ]

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] وَقَالَ [مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ]

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ]

والحسنات الماحية بسبب العبادات إنما تمحو الصغائر في أغلب أحوالها ولا تمحى الكبائر إلا بالتوبة فقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ]

 المصدر: موقع الأمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى