مقالاتمقالات مختارة

الحالة الاسلامية في فرنسا!

الحالة الاسلامية في فرنسا!

بقلم علي حليتيم

لا يفتأ مسلمو فرنسا يكررون على مسامع من يزورهم أن الأمور قد تغيرت جذريا في هذا البلد الذي كان إلى وقت قريب مضرب المثل في إعلاء شأن الحريات وتقديس الحقوق والأخذ بالعلمانية التي تدَعُ “ما لله لله وما لقيصر لقيصر” منذ رائد التنوير الأول في فرنسا فولتير الذي كان يقول: “قد أخالفك الرأي، لكني مستعد أن أدفع حياتي من أجل حرية رأيك”.

وحرصت فرنسا دوما على الظهور كبلد ينوء بنفسه عن المواقف الأمريكية المعادية للإسلام والمسلمين في فلسطين وغيرها واستطاعت أن تقنع كثيرا منهم في الخليج بهذه الصورة عكس مسلمي المغرب العربي الذين يعرفون عنها وعن ماضيها الدموي ما يكفي لمن يريد الكفاية وما يبصره من لا ينهج منهج العماية. لكن حتى هؤلاء كانوا يقولون إن فرنسا في الداخل ليست فرنسا في الخارج وإن المسلمين فيها مكفولة حقوقهم مصونة حرياتهم كباقي المواطنين سواء بسواء.

بدأت هجرة المسلمين إلى فرنسا منذ قرن وتسارعت في الستينات ليبلغوا حسب تقديرات بعض المراكز ما بين ستة وثمانية ملايين في غياب الإحصائيات الرسمية لأنه يمنع إجراء الإحصائيات على أساس ديني في فرنسا العلمانية (لكن لا يمنع مراقبة الناس على أساس دينهم!!). وكان المسلمون فيما مضى يمارسون عباداتهم وعقائدهم وشعائرهم بقدر مرضي من الحرية ، ولم تكن صيحات اليمين المتطرف لتثنيهم عن ذلك ولا لتزعجهم بل كانوا يقولون دوما إن هؤلاء هم الشذوذ الذي يثبت القاعدة والغُلو الذي يقابله تسامح الغالبية الكبيرة من الشعب الفرنسي. ولم يكن الزائر المسلم ليتحرج من الصلاة حين يحين وقتها في الطريق العام أو في المتاجر الكبيرة أو الإدارات دونما أي معترض أو منكر.

لكن الأمور تغيرت كثيرا اليوم وحوصر المسلمون، زوارا ومقيمين، حصارا مطبقا ولم يعودوا يظهرون شعائرهم إلا في المساجد المراقبة أو في بيوتهم يعيدا عن العيون.

يعرف الدارسون للشأن الفكري أن العلمانية الفرنسية أشد تطرفا من العلمانية البريطانية التي قامت على إبعاد الدين عن الشأن العام لكن مع الحفاظ على قدر غير قليل من التبجيل للدين والحفاظ على سيادته على المستوى الرمزي. لكن العلمانية الفرنسية قامت على العداوة للدين ومحاربته على كل المستويات ولذلك تجد فرنسا تراوح دوما بين المرتبة الأولى والثانية في نسبة الملحدين في أوربا والغرب عموما.

وجاء عصر الأنوار بالمبادئ الجديدة التي رفعها الغرب منذ قرنين ولا يزال ووضع لها القوانين والهيئات واللوائح: الحريات والمساواة وحقوق الانسان حتى غدا لتلك اللوائح بعد قومي هوياتي، فهي مبادئ غربية خالصة!

لكن فرنسا هي بلد النفاق ومخالفة المبادئ للوقائع قبل أي شيء آخر. فهي تقتل الملايين وتدعي حقوق الانسان ، وتخدم اليهود وتدعي صداقة العرب، وتسلب خيرات إفريقيا وتدعي المساعدة، وتؤيد الطواغيت في العالم وتدعي الديمقراطية والحريات.

لا يمكن لنا أن نفهم هذا التناقض إلا إذا أدركنا أن الأمر في الغرب يقوم على استراتيجية الداخل والخارج IN – OUT فالغرب قد وضع تلك المبادئ له لا لباقي العام والديمقراطية الغربية هي فقط للغربيين والحقوق والحريات هي فقط للرجل الأبيض والعلمانية منهج في التعامل مع الأديان لكن بشرط ألا يفيد منها المسلمون.

وازداد الأمر سوءا بعد ثورات الربيع العربي والحرب الأمريكية على الإرهاب وقلبت فرنسا ظهر المجن لصورتها الأولى ولم تعد حريصة على تجميل صورتها في أعين الشعوب التي لن تعطيها ما يعطيه لها الطغاة المتسلطون على رقاب شعوبهم في كل مكان من مزايا وعطايا ولن تجد فرصة مثل الحرب على الإرهاب لوقف التمدد الإسلامي في عقر دارها والتنفيس عن غيظها القديم على الإسلام والمسلمين فبدأت القوانين والإجراءات منذ حوادث شارلي إيبدو لتتضح الخطة فيما بعد كاملة متكاملة لحصار الإسلام والمسلمين ما أثار حفيظة الدول الغربية نفسها التي لم تعد تفهم الهوس الفرنسي بالإسلام في أبسط شعائره وممارساته.

وليست الأمثلة مما ينقصنا في هذا المقام بدءا بمنع الحجاب في المدارس والإدارات إلى الطاقية التي توضع، دون المرور على القضاء، لكل من يشتبه في أمره من المسلمين (fiche S) إلى مشاريع سحب الجنسية التي تعود بين الحين والآخر إلى برامج محاربة الأصولية radicalisation التي هي اسم ماكر لبرامج محاربة الاسلام إلى فرض الفكر العلماني بالقوة على المسلمين في المدارس وحتى في روضات الأطفال حيث يخضع أبناء المسلمين إجباريا إلى حصص تعليمية حول العلمانية وقيم الجمهورية ووقع المعلمون كلهم على عريضة يلتزمون فيها بذلك ( ولن يكون من قيم الجمهورية التي يدرسون احترام الديانات والأقليات كما قد يتوقع القارئ ).

منذ أيام قتل الشاب المسلم أبو بكر فافانا في مدينة نانت على يد شرطي فرنسي وادعت الشرطة أن ذلك الشاب دهس شرطيا عند الحاجز لكن لما قامت المظاهرات والاحتجاجات عادت الشرطة واعترفت أن إطلاق النار كان خطأ من الشرطة. ولن يصدق أحد أن ذلك كان خطأ حين نعلم أن الشرطة الفرنسية قد قتلت مائة وستة وعشرين شخصا منذ سنة 2000 كلهم مسلمون تقريبا.

ولن يكون القارئ بحاجة أن أقول له إن المسلمين في فرنسا صامدون ثابتون متمسكون بدينهم وقيمهم، يحضرون النشاطات ويؤمون المساجد ويعلمون أولادهم القرآن ويساهمون في الجهد المالي لتحرير فلسطين رغم أن الأجيال الجديدة (بعض العائلات بلغت الجيل الرابع) مهددة أكثر من الأولين ببرامج الإدماج المسلطة على المسلمين كل يوم.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى