مقالاتمقالات مختارة

الجاهلية الثانية.. بين أخلاقيات كفار قريش وطغاة اليوم!

الجاهلية الثانية.. بين أخلاقيات كفار قريش وطغاة اليوم!

بقلم مجاهد أحمد

ليس فينا حاتم الطائي يا أخا العرب، إذ كلنا بخلاء نغلق الأبواب منذ التاسعة مساءً، أما جارنا النازح والمشرد عن داره فاليتدثر بخيام الأمم المتحدة وليتدبر أمر أبناءه الجوعى بعيداً عنا، حكامكم في الجاهلية سادتكم أشرافكم، حكامنا اليوم هم أراذلنا بامتياز، أما عن العهد والوفاء به، ذاك الشأن العظيم عندكم والذي لأجله كنتم تبذلون النفوس حفاظاً على شرف نظيف خالٍ من الخيانة، فرؤسائنا كذلك اليوم يبذلون الأوراق والأحبار، يوقعون المواثيق، ويكتبون الدساتير بأيديهم وأيدي الحاشية ومن ثم يحلفون بكل عزيز وغالي بضرورة الوفاء بها، وبعدها وبكل بجاحة يخونون.. ماذا عن شرفهم؟!

عذراً يا صديقي الجاهلي فهم لا شرف لهم أصلاً.. ثم إن هذه الكلمة توقفت العمل هنا بأوامر سلطانية منذ فترة ليست بالقصيرة، وانتقلت بكل خجل لتقف بجوار أخواتها النساء، فهن وحدهن من عليه القلق بشأن شرفه. ليس عندنا حلف “فضول” يا أخا العرب.. لم نتجمع كما فعلتم في دار عبد الله بن جدعان وأقسمتم “ألا يُظلم في مكةَ أحد”، لدينا فقط أحلاف كراهية وأحقاد أقسمت “ألا يُنصر في بلادنا أحد”! لدينا فقط يا صديقي أحلاف فجور ورذائل نعقدها كل حين وحين لنتآمر على المظلومين ونسخن جراحهم أكثر فأكثر.. أحلاف لهضم حقوق المساكين وسرقة الخبز من موائد الجوعى والمشردين..

إن كفار قريش عندما خرج عليهم نبي الله طالباً منهم ترك آلهتهم الباطلة حاربوه وقاتلوه، لكنهم على كل ما بهم من جاهلية لم ينتهكوا شرفاً.. أما طغاتنا اليوم عندما خرجت عليهم شعوبهم طالبةً منهم ترك الكرسي، الكرسي فقط يا صديقي وليس الآلهة.. قابلوهم بكل أشكال التنكيل وانتهاك الحرمات.. كفار قريش كما تعلم يا صديقي ليلة الهجرة وقد حاصروا بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  رغبة في قتله، قد باتوا الليل واقفين في انتظار خروج النبي للصلاة، باتوا كذلك واقفين دون أن تسول لهم أنفسهم اقتحام بيته الشريف، وأنه لمّا طال عليهم الانتظار وقال أحدهم: “لنقتحم عليه داره”. قابله أبو جهل – على ما به من كفر وعداوة للإسلام – بالرفض دون تردد، وصرخ في وجهه قائلاً: “لا.. حتى لا تتحدث العرب أنًّا تسوًّرنا على بنات محمد وهتكنا سترهن”.

عندنا يا صديقي تُقتحم البيوت نهاراً جهاراً، تُسحل النساء في الشوارع، وتضرب الفتيات ضرب غرائب الإبل.. يُعتقلن، يُغتصبن، ويُقتلن..! وأد البنات، تلك العادة المقيتة التي كانت عندكم في الجاهلية.. أبشرك يا أخا العرب أنها قد توقفت، لكن طغاتنا ابتدعوا أخرى أشد منها خزياً وأكثر عاراً، توأد اليوم يا صديقي أجيال كاملة وهي ما زالت على قيد الحياة، شعوب بأسرها تختنق أنفاسها تحت رمال الأوطان وتصادر أحلامها بأوامر الطغاة والجلادين، ثم إن القوافل لم تعد تطوف البلاد في رحلة الشاء والصيف “فحتى الرياح تجمرك اليوم على معابر الأوطان”.. تحولت البلاد إلى سجن كبير يحرسه السفلة والأوغاد.. أوغاد مجردين حتى من الأخلاق الإنسانية المحضة التي يُفترض أن الآدمي يولد بها، طغاة حتى تطرف كفار قريش وشطحات فرعون يبدوان أمامهم مجرد تلامذة في مدرسة التجبر والسادية.

يا ترُى هل خطر في بال كفار قريش يوماً أن الناس وبعد أكثر قرن ونصف من الزمان سيذكرون أيام الجاهلية تلك، سيذكرونها ويهيمون طرباً لها بل ويتملكهم الشوق والحنين إليها وإلى أخلاقها الفاضلة.. حقاً كم لبثنا يا قوم! وكأن الإسلام قد مر علينا كسحابة صيف عابرة، أظلًّتنا تحتها للحظات وغادرتنا.. عذراً بل نحن من غادرناها طوعاً واختيارا إلى جحيم أسوأ حتى من تلك الجاهلية التي جاء الإسلام لينتشلنا في الأساس من براثنها.

نعم فينا الصالحون إلا أنه أيضاً فينا الحاكمون الطغاة، فينا العصابات التي فاقت قريش كفراً وتجهيلاً، على المؤرخين ألا يَدَعُو هذه الفترة من تاريخنا تمر هكذا دون توثيقٍ لمدى قبحها وسفالتها، عليهم أن يمسكوا أقلامهم بصمت بعيداً عن ضجيج الأقلام المأجورة ويكتبوا للأجيال القادمة عن هذه الجاهلية المُرة التي تنخر اليوم عظامنا..!

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى