التكتلات في الإسلام (3 – 3)
بقلم سامي راضي العنزي
ذكرنا فيما مضى التكتل والتجمع من أجل العمل الجماعي والتنافس الشريف في ذلك كلٍ واجتهاده، “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.
أقول: تكتل الموظفين في وزارة الإعلام تكتل متخصص، يعمل للدولة حسب الخطاب الدستوري والإعلامي والقوانين، وكذلك وزارة الخارجية والداخلية والدفاع والشؤون إلخ، ومن الغباء عدم احترام هذا التكتل التخصصي، والتنظيم الوزاري حينما نقول: لا يجوز التكتلات الوطنية وحتى الوزارية التخصصية فكلنا بلد واحد وكلنا أهل الكويت! فهذه قمة السذاجة والغباء؛ ومن ثم ندعي أن أمتنا واحدة ودولتنا واحدة فلا نحتاج إلى هذه التجمعات التخصصية، فمن ينكر ذاك من حقه أيضاً أن ينكر هذه التجمعات وتداعياتها من نقابات وما شابه.
ما ذكرته أعلاه بينته آية عظيمة في كتاب الله تعالى حيث بينت أن المجتمع يجب أن تكون فيه التجمعات والتكتلات والتخصصات حسب نوع العلم ونوع اجتهادات أهل الاختصاص في هذا العلم أو ذاك، وهي أصل من أصول النظام والتنظيم في الدولة والمجتمع للرقي بهما؛ قال سبحانه وتعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104)، هي تحتمل كل تخصصات الوزارات والتنظيمات التي تخدم على العباد والبلاد، وقال العلماء: “إنها دعوة الناس إلى الإسلام وشرائعه”، وشرائع الإسلام عديدة وكثيرة ومتجددةٌ آلياتها، وذلك يتطلب تنظيماً وعملاً مؤسسياً، وما يتابع هذه المؤسسات من آليات للمحافظة على سير العمل والحقوق والواجبات، مثل النقابات واللجان والبرلمان وما شابه.
والآية الثانية هي أكثر بياناً في ذلك؛ قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة: 122).
و”فرقة” هنا بعض المفسرين شملها بقولهم: “البلدان، الأفخاذ، القبائل، الطوائف”، يحصل بها كافة المقصود، وهذه الآية سبب نزولها معلوم؛ فبعد “تبوك” أراد المسلمون الخروج وترك الرسول صلى الله عليه وسلم وحده؛ فنزلت الآية تبين أن الدولة تحتاج التخصصات، فقسم بالفعل بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسم خرج للجهاد، وبذلك يجمع المسلمون المصالح وتنوعها من أجل بلادهم ودولتهم.
الدول الحديثة اليوم لا شك تحتاج إلى العمل الجماهيري والشعبي؛ ومن ثم النقابي، وتشكيل مؤسسات في المجتمع والدولة لإدارة الأمور بالشكل الأمثل حسب الأوضاع التي تعايشها الدولة حول نفسها وإقليمها وعالمياً، والا ستكون دولة في زمن “الواقواق!”، وتحت هامش التخلف والغباء وعدم ملك الذات، وعبادة المسؤول والقوي من دون الله بشكل أو بآخر، نسأل الله السلامة والعفو والعافية!
نعم، فالدولة الحديثة لا تستطيع اليوم أن تسد جميع الثغرات، وتؤدي كل الواجبات من خلال مؤسساتها فقط في كل مجال، فهذا ضرب من الخيال، فلا بد من وجود تكتلات شعبية ونقابات وما شابه ذلك وانتخابات ومن ثم تكتلات وتجمعات وأحزاب، فهذه أراها بديهية إنسانية لا ينكرها إلا جاهل أو إنسان لا يملك ذاته ويوجَّه من قبل غيره!
وحتى لا تختلط الأمور ثقافة وممارسة، لا بد من قوانين تقنَّن من أجل عدم اختلاط الحزب بالتكتل الشعبي، ومن ثم خلط الأوراق والأعمال بين الحزب السياسي والتيار الشعبي أو الكتل الشعبية؛ لذلك لا بد من إنشاء قوانين تسمح لتشكيل الأحزاب تحت عين القانون والدستور، ولا ينبغي أن نحرم ونحلل في هذه الأمور ما دامت قائمة من خلال دستور قائم على “دين الدولة الإسلام”، ومواده قائمة على هذا الأساس.
أما من يحرمها على أنها تفرق المجتمع فها هم المهاجرون والأنصار حينما وجد الدستور الحق آخى بينهم ولم يفرقهم، وخلاف الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ “منا أمير ومنكم أمير”، وغيره، جميعهم خضعوا للنص “إن الإمارة من قريش”، وهذا دليل على وجود التعددية والتخصص نطق يومها وفرض نفسه في السقيفة.
اليوم نعيش استبدادًا سياسيًا في عالمنا العربي، وهو ينحدر إلى الأسوأ، وهذه القوانين التي توجد الأحزاب؛ من الحلول أو أنجعها، فلا أعتقد أن الشريعة تخالف أمراً فيه حل لمشكلة للمسلمين، والإنسان ما دام لا يمس أصلاً أو ثوابت، وهناك فتوى مهمة جدًا؛ فتوى أعلمها ولكن لا أذكر متى صدرت إلا أنها كانت في عهد الشيخ الجليل ابن باز يرحمه الله تعالى، فحواها: “من استطاع أن يشارك في الأحزاب ويؤثر عليها فليكن، أما إن كان غير ذلك أو العكس فليعتزل الأحزاب”، وهذه الفتوى كانت في الأحزاب الاشتراكية والبعثية وما شابه، فما بالك بالأحزاب الإسلامية، والدول التي يحكمها دستور ومواده وأصوله دين الإسلام والشريعة الإسلامية؟!
(المصدر: مجلة المجتمع)