مقالاتمقالات مختارة

التفّوا حول جمعية العلماء الجزائريين

التفّوا حول جمعية العلماء الجزائريين

بقلم عبد العزيز كحيل

لا أقول إنها بديل عن الأحزاب أو الجمعيات الأخرى لكن أؤكد أنها أفضل وعاء لكل إسلامي ووطني غيور على دينه ولغته وبلده وأمّته في هذا الزمن الذي تكالب فيه أعداء الهوية وزادت هجمة التغريب وقلّ النصير.

لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين رصيد تاريخي لا ينكره أحد وهي تكاد تتحرك الآن في نفس الظروف التي نشأت فيها.

خرج الاحتلال الفرنسي من الجزائر لكن بقيت أطروحاته وبقي من يتبناها ويروجها ويستميت في التمكين لها، فكانت هذه الخطة الجهنمية التي تستهدف تجفيف منابع التديّن وقطع صلة النشء بهويته وصدّ المجتمع عن ثوابته، فمن لهذا الطوفان الجارف؟ لمكونات المجتمع الفاعلة حسابتها بل هي اليوم أضعف بكثير من أن تتبنى قضاياه، والمشكلة لم تعد مشكلة تنمية وتقدم وازدهار اقتصادي كما يوهموننا إنما هو سعي حثيث لإحداث قطيعة صارمة مع انتمائنا الديني، وللجمعية باع كبير في التصدي لمثل هذه التحديات الضخمة.

تهيّبات و شبهات

أعلم أن هناك كفاءات كبيرة لديها حبّ للجمعية وقناعة بفلسفتها، ولديها قدرات هائلة-  علمية وعملية – لكن يحبسها من الانخراط توجّسٌ وتهيّبٌ بسبب شبهات طالما أثارتها جهات إعلامية معادية خاصة حول قيادات الجمعية الحالية، وأظن أن حجة هؤلاء المتهيبين ليست قوية، فالساحة مفتوحة لهم، ولا وصي على الجمعية سوى منتسبيها، وإذا كان في أدائها الحالي ضعف فهي في حاجة إلى من يقوي ضعفها بعلمه وماله ونفوذه، وإلى من يشارك في تسديد رأيها وتنويع أنشطتها وتفعيل ما يناسب مركزها من المبادرات المختلفة.

هناك مسألة مهمة تستدعي التنويه هي أن غير قليل من الناس –على رأسهم المثقفون والدعاة – لا يتابعون أنشطة الجمعية وانتهوا إلى قناعة أنها مجرد هيكل أخلد إلى السكون، وهذا غير صحيح قطعا، فلو كان الإعلام يوليها ما تستحق من أهمية لعرف الرأي العام أن عملها متواصل طوال السنة في ربوع البلاد وعلى مستوى أغلبية الشُعَب، في شكل دروس للتوعية ومحاضرات وندوات وأيام دراسية وملتقيات علمية تتناول كل قضايا الساعة الجزائرية والعربية والإسلامية، وهي أنشطة من المستوى الرفيع يشرف عليها أساتذة جامعات متخصصون وعلماء دين وشخصيات معروفة بوزنها العلمي والاجتماعي.

الإصلاحات والبصائر

لكن وسائل الإعلام لا تعير لهذه النشطة اهتماما كبيرا لانشغالها المعروف بتغطية أنشطة اللهو واللعب والطرب، بالإضافة إلى أن بعض هذه الوسائل الإعلامية تناصب الجمعية العداء وتتجاهل عملها بل تحاصرها بالشبهات والافتراءات وتختلق لها العيوب وتنبش في التاريخ لتزيّف ماضي الجمعية المشرق وتهيل التراب على عطائها الثرّ المعروف.

لو لم يكن للقيادة الحالية للجمعية فضلٌ سوى موقفها من “الإصلاحات” التي طالت المنظومة التربوية لكفاها، فلا أعرف هيئة إسلامية –فضلا عن الوطنية – وقفت بحزم في وجه هذا الفساد السافر العريض إلا جمعية العلماء، فقد أصدرت البيانات وعقدت الندوات وجيّشت المختصين في الميدان وعرّفت بالقضية وأطلقت نُذُر التحذير واتصلت بالوزارة وأقامت الحجة وفعلت كل ما بوسعها لإيقاف عجلة إفساد التربية والتمكين للتغريب والفرنسية…هل فعل هذا حزب إسلامي أو وطني أو جمعية؟ فماذا لو انخرط في صفوفها مزيد من المخلصين أصحاب الكفاءة؟ أو ليس هذا أفضل من انتقاد أدائها على غير بصيرة؟

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي الهيئة الإسلامية الوحيدة التي تملك جريدة أسبوعية (البصائر) تصدر بانتظام وتستقطب كفاءات علمية وصحفية رفيعة المستوى كما يمكن لكل أحد أن يتأكد من ذلك، فماذا لو رفعنا من شأنها وأمددناها بما تحتاج من دعم ووسّعنا شبكة مقروئيتها؟

خيرُ جمعية أخرجت للناس

(كم تأسفت لرئيس شعبة بلدية تابعة للجمعية أخبرني أنه لا يقرأ جريدتها..ولعلّه لا يعرفها أصلا، فهذا يمثل ثغرة نُؤتى منها)، و إذا كانت “خيرُ جمعية أخرجت للناس” لا تملك مقرا مناسبا فهل هذا عيب فيها؟ بل هو عيب يلاحق الذين يضيّقون عليها للإجهاز عليها، وهيهات، فقد خرّج مؤسسُها رحمه الله جيلا كاملا من الربانيين من مسجد صغير الحجم، بل وضعُ الجمعية المادي المزري حقيقٌ بأن يجعل الخيّرين يهبون لنجدتها ويبذلون لها أمولهم الطيبة لتكثّف من نشاطها، فهذه هي الدعوة إلى الله وهذه هي المرابطة وهذا هو الجهاد المدني.

جمعية العلماء هيئة يسيّرها بشر فلا غرابة أن يعتري أداءها الضعف والخطأ مثل ما يحدث لأي عمل بشري، و الحلّ لا يكمن في ملاحظة ذلك من الخارج ولكن في الدخول مع أبنائها مجال العمل الميداني والعمل على الاستدراك ولتصحيح.

لقد تأكد لكل عاقل أن وضعنا البلاد المزري لن يجد حلّه في عمل حزبي ضيّق ولا في انتخابات أقرب إلى الفلكلور وإنما في العمل التربوي الفكري الثقافي المركّز الجادّ العميق المتنوّع… وجمعية العلماء أهل لكلّ هذا، فالتفّوا حولها أيها الغيورون على الشعار الباديسي “الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا”.

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى