مقالاتمقالات مختارة

التغيير في أبجديات الحركات الإسلامية

بقلم د. بلال الروحاني – مدونات الجزيرة

سنة الله في الأمم والشعوب والمجتمعات والجماعات التغيير من حال إلى حال ومن وضع إلى وضع فلا يدوم حال بعينة لأحد لا سلبي ولا إيجابي فالتغيير أمر حتمي لازم لكن مآله إلى حالين: إما إلى تطور وتقدم وتمكين أو إلى اضمحلال واندراس فمن سعى لإيجاد التغيير والتحول الإيجابي بنفسه هيأه الله للأفضل والأحسن ومن أبى واستمر في الجمود والروتين اضمحل واندرس وخصوصاً من يواجه أمامه عواصف شديدة التحدي وأعداء يتربصون به الدوائر.

فعلى إثر ضعف الخلافة العثمانية ثم تلاه سقوطها تشكلت الحركات الإسلامية برؤىً مختلفة وأفكارٍ متنوعة وكل يعمل بأساليب محدد بقناعات متجذرة فقام كل منهم حسب نظرته لواقعه بالعمل الدؤوب والمستمر لتحقيق أهدافه المرسومة سلفا، ولكن العواصف تقاوم هذه الحركات وتواجهها بل وتضربها ضربات موجعة وتهزها هزاً عنيفاً مزلزلاً وهي سنة الله تعالى في العداء بين الحق والباطل، ولكن للأسف الشديد نجد الجمود والروتين يسيطر على هذه الحركات ويجثم عليها ويمنعها من القيام بعملية التغير الواسعة والشاملة فقد وضعت لنفسها تعقيدات يصعب فيها عملية التغيير.

ومما لا شك فيه ولا ريب أن كل الحركات تؤمن بعملية التغيير ومقتنعة به وتتحدث عنه إلا أنها ترفض ممارسته والقيام به بداخلها وقد ذكر الله في كتابه العزيز شرطاً أساسياً لعملية التغيير فقال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فكيف تسعى وتطالب بالتغيير خارج إطارك ومكوِّنك وأنت ترفض التغيير في جماعتك وحركتك سواءً في أطروحاتك أو وسائلك أو قناعاتك أو قياداتك أو وسائلك.

فجماعة التبليغ الدعوية مثلاً، يرى المتتبع لها ولأفرادها وقياداتها وأطروحاتهم مدى الجمود والروتين المخيم عليها مع ما لها من الفضل، فحين تسمع لأحدهم في الشرق أو الغرب لا تجد جديداً في الأمر فالجماعة تصر على رفض عملية التعليم والتعلم والإصرار على الجهل في زمن العلم والعلماء رغم أن الصفة الثالثة من الصفات الست التي تقوم عليها الجماعة تنص على تعلم العلم الشرعي حتى يعرف الله حق المعرفة لكنك تلقى عضواً منهم طاف كثيراً من البلدان مع الجماعة لكنه لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام! ثم المنهجية نفسها تتكرر في كل وقت وفي كل مكان دون دراسة لجدواها والسعي لتطويرها أو تعديلها..

ولو نظرنا للحركات الجهادية وممارساتها فهي ترى القوة والسوط أنجح لعملية التغيير لكنها سرعان ما تفشل وتنكسر وعملية واحدة من عملياتهم ترجعهم عشرات السنين للوراء لكن للأسف لا تكاد تجد في أبجدياتهم دراسة لمدى الفشل الذي وصلت إليه بل ولا تفكر في مدى جدوى وسائلها التي تستخدمها وتسعى لتغييرها مع وضوح الشرط في القرآن الكريم (حتى يغيروا ما بأنفسهم) ولكن الجمود جاثم على الصدور.

وكذا الحركات والجماعات السلفية بأشكالها وأنواعها فقد اتخذت بعضها منهج النقد للدعاة والعلماء في الجماعات والحركات الأخرى وإهمال الحركات غير الإسلامية والحكام مهما طغوا وتجبروا ولم يحدث أن قَرأَتْ جدوى عملها لا من النظر الشرعي ولا من الواقع المفروض.

ثم لو نظرنا إلى كبرى هذه الجماعات والحركات (جماعة الإخوان المسلمين) مع ما تمتلكه من إمكانات بشرية ضخمة في كافة المجالات ومع مدى توسعها وتمددها إلا أننا نجد الجمود يحيط بها أحياناً بطريقة محيرة! فرغم الإمكانات المؤهلة للنهوض بها وتربعها على مكامن القوة إلا أنها مقيدة بقيود خفية وقوية تمنع التطور والترقي والمراجعة وهي تحمل مشروعاً كبيراً يتمثل في التغيير للمحيط بأكمله، إلا أنها لا تناقش عملية التغيير بداخلها ولا تمارسه، فكيف تسعى للتغيير من حولها وتنسى نفسها، فقد ذكر الله شرطاً أساسياً لعملية التغيير ألا وهو البدء بالنفس ثم ييسر الله التغيير لمن حولك.

 فإذا كان من الصعب إن لم يكن من المستحيل التغيير في هذه الحركات والجماعات فمن الصعب أن تغير من حولها، فالجمود والروتين يخيِّم على هذه الحركات والجماعات بكافة أشكالها وتنوعاتها رغم ما تعانيه معظمها وما تواجهه من عواصف معادية تضربها ضربات قاسية تتقلب بين البلاء والنعمة لكنها لم تتغير بالشكل المطلوب حتى وصل الأمر ببعض أفراد هذه الجماعات إلى اليأس والقنوط من عملية التغيير، والحقيقة أن من لم تؤثر فيه البلاءات ولم توقظه المصائب والمحن فمصيره الاضمحلال والاندراس.

إن الإصرار على سياسة (ما أريكم إلا ما أرى) لهي سياسة مكتوب عليها الفناء، فكلما وقعت محنة في التاريخ الإسلامي لا يكون النصر إلا بعد أن يقوم القادة بعملية التغيير والمراجعة، فلا أفكار مقدسة ولا أبجديات ثابتة غير الوحيين، ومن ثم فلا قادة معصومون ولا مسؤولون مخلدون. الكل قابل للمراجعة والتغيير والكل قابل للنقد البناء حتى يفتح الله على أيديهم.

إن المتتبع للصعوبات التي تواجهها الحركات الإسلامية في عمليات التحول والتغيير تتمثل في التالي:

1-إصرار القادة القدامى على التربع على القيادة وإهمال تطلعات الشباب لعملية التغيير ومحاولة الالتفاف عليها في بعض الأحيان.
2-العمل بنفس الوسائل ونفس الخطوات بل والإصرار عليها ثم الانتظار لنتائج مختلفة.
3-التعقيدات التي أرستها هذه الجماعات والحركات في أساسيات تكوينها الذاتي والتي وضعتها ابتداءً كوسيلة وطريقة لتحقيق الأهداف لكنها مع مرور الوقت تحولت إلى غايات في حد ذاتها وهنا مكمن الخلل!
4-المفاهيم والأبجديات الوثنية التي ترسخت في الجماعات والتي تحولت مع الزمن إلى أشبه ما تكون بالأصنام والأوثان فصارت غير قابلة للنقاش ولا للتنازل مما أدى إلى التطرف في الإيمان بها فصارت مقدسة يُسخَر ممن يتحدث عنها ويُحذَّر ممن يطرقها حتى كثرت الخطوط الحمراء في لوائح الحركات الإسلامية وتلونت بالخطوط أنفس زكية وطاهرة.
5-بعض الحركات واجهت الأقوياء بداخلها وأهملتهم وعتبت عليهم ووصل بالبعض لدرجة التشويه لهم وعدائهم وبالمقابل نمى الضعفاء باسم الدبلوماسية وترقوا حتى صارت الكلمة لهم وللأسف فنحن في زمن الأقوياء فلا مكان فيه للضعفاء وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مستشاران ليِّن وشديد (أبو بكر وعمر) وفي الجهة الأخرى بعض الحركات لا تقبل إلا الأشداء وأصحاب العنف المفرط مما أدى إلى ضعفها.
6-سياسة (ما أريكم إلا ما أرى) وهي سياسة فرعونية محضة نخرت في بعض الجماعات فصار كثير من الأفراد يقدسون أئمتهم وشيوخهم وقاداتهم فلا يراجعون أفكارهم ولا أطروحاتهم ولا مناهجهم.
77-اتساع دائرة الخلاف بين الجماعات فكل يرى أنه الصواب المحض وغيره خطأ محض فاتسع الخلاف وتوسع والأصل أن كل منهم يكمل الآخر كل حسب ما يراه صواباً وحساب الجميع على الله والمجتهد المخطئ له أجر كما قال صلى الله عليه وسلم وقد ساء كل أفراد الأمة حين وقع قتال بين الفصائل المجاهدة في سوريا وترك العدو المشترك بينهم.

إن الإصرار على الروتين والجمود والتغاضي عن عملية التغيير سينتهي بصاحبه في نهاية المطاف إلى زوال واندراس.. ولا خوف من ذلك فإن الله قد كتب لهذه الأمة رأس كل مائة عام من يجدد لهم أمر دينهم وينهض بهم نهضة قوية ويبذل لعملية التغيير كل الوسائل المتاحة حتى يتحقق الفتح المبين والنصر العظيم فتتعافى الأمة من وعكتها وتعود لمجدها وعزها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى