مقالاتمقالات مختارة

التطبيع الحلال

التطبيع الحلال

بقلم د. محمد الصغير

قامت فكرة الحركة الإسلامية الحديثة، أو ما يعرف بالتيار الإسلامي على أساس إصلاح الدنيا بالدين وإحياء ما اندثر منه، والعمل على عودة المظلة الإسلامية الجامعة المتمثلة في نظام الخلافة، وفي سبيل تحقيق ذلك انقسم التيار الإسلامي إلى مسارين؛ الأول اتخذ سبيل الدعوة إلى الله وتعبيد الناس لربهم، والثاني أضاف إلى ذلك ذراعا سياسية تشارك في العمل الحزبي وتنافس في المعترك السياسي، ومن هنا أصبحت الجماعة أو الحزب من الواجبات المطلوبة لتحقيق الأهداف المنشودة، استنادا إلى قاعدة “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”
وعلى هذا ‏الأصل تأسست الجماعة لإقامة الدولة، وأصبح الوصول للسلطة هدفا لنصرة قضايا الأمة، لكن مع طول العهد ظهرت آفات وقيادات داخل الحركة الإسلامية حولت الوسيلة إلى غاية، فأصبحت الجماعة قبل الدولة، والبقاء في الحكم أولى من قضايا الأمة، وأسبغوا على التخاذل والتنازل ثوب الحكمة، ولو كانت هذه الأحزاب لا ترفع الراية الإسلامية وابتعدت عن محاولة إضفاء الشرعية على اجتهاداتها السياسية لهان الخطب، ووُضعت أعمالهم في ميزان النفعية السياسية المجردة، بعيدا عن المبادئ الثابتة والقواعد الراسخة، ولو أعلنوا عن فك ارتباطهم بالراية الإسلامية لأراحوا واستراحوا.
بل لو عادوا إلى مسار الدعوة وحافظوا على الأصول والثوابت، ونقلوها دون تفريط لمن يتسلم الراية منهم ربما كانت حظوظ التالي أوفر، وعلى القيام بالدور المطلوب أقدر وأجدر، ولو طبقنا هذا على الحالة المغربية بعد قرار التطبيع مع المحتلين لمقدسات المسلمين سنجد ‏جماعة العدل والإحسان – من كبرى الجماعات الدعوية في ‎المغرب ولا تشتغل بالعمل السياسي – قد أعلنت بوضوح عن رفضها للتطبيع مع ‎المحتل، وأكدت في بيانها أن ‎التطبيع المغربي الاسرائيلي انضمام إلى محور الخيانة، وفي المقابل رأينا موقف الحكومة المشكلة من حزب العدالة والتنمية الذراع السياسية لحركة التوحيد والإصلاح قبلت التطبيع، بل خرج رئيس الوزراء د. سعد العثماني مبررا ومحاولا إثبات أن تطبيعهم ليس من قبيل تطبيع أنور السادات، ولا على طريقة البحرين والإمارات !
والحقيقة أن التطبيع كالخمر قليله وكثيره رجس، وأن العرب يبيعون أقدس قضاياهم بأبخس الأثمان، حيث قبلت المغرب بالتطبيع في مقابل تغريدة من ترمب يعترف فيها بمغربية الصحراء، وكأنه حاكم الكرة الأرضية، والمتحكم في صكوك الشرعية، وسبقها السودان الذي قبل رشوة رفع اسمه من قوائم الإرهاب في مقابل التطبيع، أما الإمارات والبحرين فقد طبعتا إيمانا واحتسابا.
‏الكل يعلم أن د. العثماني ليس له من الأمر شيء، ولا يملك إزاء قرار التطبيع إبداء الرأي وبذل النصح ناهيك عن الاعتراض، وليته لاذ بعجزه، وتسربل بضعفه، لكنه انبرى للتبرير، وتولى الدفاع عن قضية خاسرة، فأذهب مصداقيته ولم ينصر قضيته، وقدم نموذجا من ‎المدخلية الحركية يضاهي مدخلية السلفية.
واستكمالا للصورة من كل جوانبها فقد استنكر قرار التطبيع نواب في البرلمان ينتمون إلى حزب رئيس الوزراء، وصدر بيان من شبيبة الحزب يرفض القرار ويندد به، بخلاف بيان الحزب الذي حاول الإمساك بالعصا من المنتصف فظهر تناقضه في الفقرة الرابعة مع التي تليها، وبدا أنه يقول الشيء وضده، وكأن الحكومة غير الدولة، والحزب غير الحكومة، والشبيبة غير القيادة، والقيادة لا إلى هؤلاء ولا أولئك، فسقطت الحجة وانحرفت البوصلة.
من الأدبيات المحفوظة التي تربى عليها أبناء الحركة الإسلامية ومازالت محفورة في نفوسهم
‏كلمة الإمام المبجل أحمد بن حنبل لما طُلب منه المسايرة والمداراة فقال: “إذا تكلم العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يعرف الناس الحق؟”

وكذلك فعلوا مع الأستاذ سيد قطب وهو على منصة الإعدام فقال: ” لا تورية في العقائد، وإن القادة لا يأخذون بالرخص.” ‎
الأقصى عقيدة، ولا مجال للاجتهاد السياسي والموازنات في أمر المقدسات، ‏والتطبيع خيانة قديما وحديثا مشرقيا أو مغربيا، ومحاولة تبريره سقوط وعجز وكيل بمكيالين، وكان أولى بمن لا يملك قول الحق أن يكف لسانه عن تسويغ الباطل.

(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى