مقالاتمقالات مختارة

التركمان المسلمون ودورهم في تحرير القدس

بقلم سيف الدين التركماني – مدونات الجزيرة

كلنا يعلم بأنه تم تحرير القدس على يد المجاهد العظيم صلاح الدين الأيوبي الكردي عام 1187م، لكن كثير منّا لا يعلم أن مشروع استعادة بيت المقدس بدأه آل زنكي الذين يرجع نسبهم لقبيلة الأوشار التركمانية وأنجزوا أكثره واقتربوا من الفتح إلّا أن إرادة الله سبقت فمات نور الدين، وأن صلاح الدين الأيوبي كان قائدا في دولة نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وأن الأخير هو من أرسل صلاح الدين لمصر والتي كانت قاعدة صلاح الدين فيما بعد للوصول للسلطنة بعد موت نور الدين محمود.

بما أن صلاح الدين ورث الدولة الزنكية فقد ورث جيشها أيضا، والذي كان الجزء الأكبر منه من المكون التركي التركماني الذي كان عماد جيش فتح القدس فيما بعد، وبرز منهم في الفتح سلطان أربيل التركماني مظفر الدين كوكبرو، وقد مدح أحد الشعراء المعاصرين للفتح صلاح الدين ودولته، والتي وصفها بدولة التُرك ليسجل هذه الحقيقة في ديوان العرب الشعري فقال: بدولة الترك ذَلَت بيعةُ الصلبِ… وبابن أيوب عزَّ دينُ المصطفى العربي! وقد ذكر الدكتور أسامة أحمد تركماني في كتابه “جولة سريعة في تاريخ الأتراك والتركمان ما قبل الإسلام وما بعده” الدولة الأيوبية وعدّها من الدول التركية التي قامت في ظل الإسلام فوصفها بأنها “دولة تركية إلّا أنّ أمراءها من الأكراد” فهي تركية الجيش والإدارة كردية الإمارة.

أيضا الغالبية منا لا يعلم بأن الفرنجة سيطروا على القدس واحتلوها مرة أخرى بعد 42 عام من فتح صلاح الدين لها، وقد حررها مجددا التركمان الخوارزميون (الذين انهارت دولتهم في الشرق على يد المغول، وهاجر من بقي منهم للجزيرة الفراتية) بعد 15 عام من احتلالها الثاني (أي القدس)، فبعد ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﺎﻡ 1193 م ﻫﺎﺟﻢ الصليبيون ﻣﺼﺮ ﻓﻲ حملتين ﻛﺒﻴﺮﺗﻴﻦ سيطروﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ أجزاء ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ﻟﻤﺼﺮ ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺪﻳنة ﺍﻟﻌﺮﻳﺶ ﻭﻣﺪﻳﻨة ﺩﻣﻴﺎﻁ، ﻭﻟﻴﺒﻌﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺍلأيوبي -خامس السلاطين الأيوبيين- ﺷﺮ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻦ ﺍﺗﻔﻖ ﻣﻊ أﺣﺪ ﻣﻠﻮﻛﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍلأﻟﻤﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﻥ ﻳﺴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﺍﻟﻨﺎﺻﺮﺓ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﻫﺪﻧﻪ ﻋﺸﺮ سنوات ﺩﻭﻥ ﻗﺘﺎل عام 1229 ﻭأﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ، ﺑﺸﺮﻁ ﺳﺤﺐ ﻗﻮﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺐ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻋﺘﺒﺮﻩ خيانة ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﺎ فأرسل ﺣﻤﻠﺔ أﺧﺮﻯ ﻻﺣﺘﻼﻝ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﺪﺓ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﺑﻌﺪ ﻋﺪﺓ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1244 ﻭﺿﻤﻦ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﻣﻌﻘﺪﺓ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ وصليبيين ﻭﺍﺧﺘﻼﻑ ﺩﺍﺧﻠﻲ إﺳﻼﻣﻲ ﺍﺳﺘﻌﺎﻥ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ أﻳﻮﺏ بالتركمان اﻟﺨﻮﺍﺭﺯﻣﻴﻴﻦ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻦ ﻭﺣﻜﺎﻡ ﺣﻠﺐ ﻭﺩﻣﺸﻖ المسلمين ﺿﺪﻩ، فهم بعد موت ملكهم جلال الدين دأبوا على التجول في أنحاء الجزيرة وشمال سوريا للإغارة على ثكنات الصليبيين فيها واغتنامها، ﻓﻬﺐ التركمان ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺯﻣيون ﻓﻲ عشرة آلاف فارس وﺳﻴﻄﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻼﻉ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ.

أحدث ﺗﻠﻮ الأﺧﺮﻯ ثم دخلوا ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻋﺎﻡ 1244م وتمكنوا من شق طريقهم إلى دير القديس جيمس الأرمني فقتلوا الرهبان والراهبات الذين كان لهم دور ديني في إراقة دماء المسلمين في القدس، وخرج الحاكم الفرنجي في قوة مسلحة من القلعة ليلقى حتفه، أما الحامية فصمدت ثم فاوضت على تسليم القلعة مقابل الخروج الآمن، وبعد ذلك اتخذ الخوارزميون طريقهم إلى غزة للانضمام إلى جيش مصر. وهكذا تم انتزاع القدس نهائيا من الصليبيين حتى سقوطها في أيدي الإنجليز بعد خسارة الأتراك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وخروجهم منها في سنة 1917 م.

بعد أربع قرون من حماية هذه الدولة التي أسستها قبيلة تركمانية للقدس والمقدسات الإسلامية الأخرى وصدها آلاف الحملات الصليبية طيلة أربعة قرون، ليقول الجنرال الإنجليزي اللينبي بعد خروج العثمانيين من القدس ودخوله لها “الآن انتهت الحروب الصليبية” وليطوي آخر صفحات المجد الذي سطره الأتراك (التركمان) بمداد من دماءهم على مدار ألف عام من تاريخ الأمة المحمدية وهم يحمون المقدسات الإسلامية بسيوفهم وبنادقهم، هذه الصفحات التي يحاول غزاة التاريخ لأسباب سياسية أو عنصرية محوها أو تمزيقها من كتاب المجد الإسلامي، ومن لم يسطع ذلك منهم يهمشها ويحاول أن ينسي المسلمين لها، إلّا أن سوط التاريخ وصوت الحاضر يحول بينهم وبين مبتاغهم جالدا لظهر كذبهم معنفا إياه بالدليل والبرهان.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى