مقالاتمقالات مختارة

التحديات أمام المصالحة الليبية

التحديات أمام المصالحة الليبية

بقلم حسن الرشيدي

“كل المتصارعين في الداخل والخارج يريدون وزارة الدفاع”

هذا ما قاله رئيس الحكومة الليبية الجديد المكلف عبد الحميد دبيبة، أمام مجلس النواب الليبي المجتمع لأول مرة بغالبية أعضائه في مدينة سرت الليبية، قبل أن يحوز على ثقة المجلس بالإجماع بعد مناقشات مريرة، حول أسماء الوزراء المرشحين للحكومة ومهامها في الفترة المقبلة.

ويكمل دبيبة كلامه فيقول لا يمكن أن نسمح بالحرب مرة ثانية، ولابد من إيقاف الحرب.

ولكن الناطق باسم رئيس الوزراء محمد حمودة قال أمام مجلس النواب، إن تشكيلة الحكومة المقدمة لا تضم اسما لحقيبة الدفاع التي سيتولاها حاليا دبيبة إلى حين تعيين شخصية لها بالتشاور بين الأخير والمجلس الرئاسي.

وأكد دبيبة أنه لم يختر في تشكيلته الحكومية سوى وزيرا واحدا، وأن باقي الوزراء تم اختيارهم بناءً على تزكيات من النواب، وأضاف مخاطبا النواب: ليس هناك سوى وزير واحد من اختياري والباقي اخترتموهم أنتم، ولفت إلى أنه تم اتخاذ قرار باستبعاد أي وزير شغل منصبا في حكومات سابقة والشخصيات الجدلية، وتابع: لدينا 26 وزير في التشكيلة الحكومية وأنا لا أعرفهم جميعا، لكنني وثقت في تزكيتكم.

وتحدث دبيبة عن المعضلة التي لا تقل قوة عن عدم وجود وزير دفاع وهي كما يقول: إن المرتزقة والقوات الأجنبية خنجر في ظهور الليبيين ولابد من العمل لتحرير ليبيا من المرتزقة، وأضاف: الآن سيادتنا منتهكة وإخراج المرتزقة ليس بالأمر الهين ونحتاج إلى حكمة لحل هذا الأمر.

ولذلك تتعدد الملفات الشائكة امام الحكومة وهي مختلطة مع بعض:

والتي على أولويتها اخراج الوجود العسكري الاجنبي (التركي والروسي والعربي، والمرتزقة)، ثم توحيد الجيش وأخيرا توزيع ايرادات النفط.

فهل ستتمكن هذه الحكومة من حل هذه الإشكاليات، بينما تجد نفسها أمام أسئلة أخرى أكثر حساسية منها:

هل ستتمكن الحكومة من انجاز انتخابات في ديسمبر المقبل على عموم ليبيا وهذا يقتضي خضوع كافة المؤسسات في الشرق والغرب؟

هل ستنحاز لأي من طرفي الصراع أم ستلتزم الحياد كما أعلنت؟

هل ستسعى او ستنجح الاطراف الغير ثورية والدول المساندة لها في اسقاطها او عدم تمكينها من تحقيق أهدافها؟

‏إن المتتبع للشأن الليبي منذ قيام هذا الكيان يدرك أن السبب الرئيس الذي يعانيه هو التدخل الخارجي في شئون هذه الدولة.

فحدود ليبيا الشمالية هي البحر المتوسط وبالتحديد في وسط جنوب المتوسط وعلى امتداد يكاد يصل 2000 كيلومتر، وهي بهذه الحدود الطويلة تعد الجار الأكبر لأوروبا في منطقة جنوب المتوسط، ولا تضاهيها أي دولة من شمال أفريقيا في طول هذه الحدود، ومن ثم فإن أي قضية تتعلق بمشاكل تواجهها أوروبا بالنسبة لحدودها الجنوبية فإن ليبيا لها الأولوية في التأثير على هذه المشاكل، ومنها على سبيل المثال قضية الهجرة غير الشرعية، حيث بلغ عدد المهاجرين وفق تقارير المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 120 ألف مهاجرا ولاجئا دخلوا أوروبا عن طريق البحر المتوسط خلال 2019 مع العلم أن هذه الأرقام هي أقل الأرقام.

وهناك أيضا مشكلة الطاقة والتي اشتهرت بغاز شرق المتوسط، حيث تتنافس دول عديدة على انتاج الغاز من المتوسط ومن ثم تصديره لأوروبا التي تعاني شحا في الغاز، وفي نفس الوقت تعتمد على خطوط امداد طويلة قادمة من روسيا وبالتالي فهي ذات تكلفة عالية، أما غاز المتوسط فهو بالنسبة لأوروبا تكلفة أقل كثيرا، وليبيا بسواحلها الأطول في جنوب المتوسط تعتبر عنصرا حيويا سواء في استخراج الغاز أو نقله.

وثمة بعد ثالث لأهمية الحدود الشمالية لليبيا، يأتي في إطار التنافس الجيوبولتيكي بين الناتو وروسيا، حيث تحاول روسيا تطويق أوروبا جنوبا بتدخلها في ليبيا بإقامة قاعدة عسكرية لها في ليبيا بعد أن تمكنت من حصار أوروبا في شرق المتوسط من خلال القاعدة البحرية في طرطوس في سوريا ضمن اتفاق وقع مع حكومة بشار الأسد عام 2017.

أما الحدود الجنوبية لليبيا فهي تتقاطع مع الصحراء الكبرى التي تتوسط القارة الأفريقية، وتشكل منطقة جنوب الصحراء محورا للصراع بين عدة قوى كبرى وهي أمريكا والصين وفرنسا حيث يدور الصراع حول مكافحة الإرهاب والنفط.

وفي الحدود الشرقية: تمثل مصر والسودان دول الجوار الشرقي لليبيا، ويتأثر الجزء الشرقي من ليبيا وهو إقليم برقة بالجوار المصري حيث تتداخل قبائل غرب اسكندرية حتى الحدود مع ليبيا بقبائل برقة وهذا التأثير متبادل، أما الحدود الغربية فتتمثل في دولتي تونس والجزائر حيث البعد التجاري والأمني.

فالتدخل الخارجي في الأزمة الليبية لم ينشأ من خلاف داخلي تحول الى اقتتال، بل هذا التدخل الخارجي كان هو الاصل لحسابات خاصة بالربيع العربي ومنع تمدده الى الاقليم من جانب بعض الدول، أو الطمع في الثروة الليبية من جانب دول أخرى، أو التمدد الاستراتيجي في ليبيا ذات الخصائص الجغرافية السياسية المميزة.

والسؤال الأساسي الآن ما الذي دفع الاطراف الخارجية في تحول موقفها من تشجيع الاقتتال بين الجماعات الداخلية الليبية في البداية إلى تأييد الجلوس والتفاوض والحل السياسي؟

في بداية الأزمة وأثناء هجوم حفتر الذي لاقى تشجيعا من جانب فرنسا وبعض الدول الإقليمية، بدا أن الوساطة الدولية التي على رأسها الأمم المتحدة غير جدية في مسألة وقف الحرب بين الفرقاء، خاصة أن الأطراف الإقليمية العربية إما تؤيد حفتر وتمده بالسلاح والخبراء والمرتزقة كالإمارات ومصر، أو هي سلبية في ردود أفعالها كتونس والجزائر، أما أوروبا وادارة ترامب فقد سكتت باعتبار أنها ستتعامل مع ليبيا مستقرة يقودها حفتر، ولكن الخطأ الذي وقعت فيه الأطراف العربية التي تقود المشهد هي استعانتها بروسيا عندما عجز حفتر ومرتزقته عن دخول طرابلس، وكانت معتمدة على سكوت إدارة ترامب بل تأييده في البداية لحفتر، ولكن البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) اعترضت على هذا التدخل الذي سيوجد موطئ قدم وتواجد عسكري لروسيا في أفريقيا، وبما أن ترامب بنى استراتيجيته على الانسحاب العسكري لأمريكا من مناطق النزاع، هنا أعطت القيادة العسكرية الأمريكية الضوء الأخضر لتركيا بالتدخل العسكري في ليبيا وإيجاد حالة توازن بها التدخل الروسي.

ونجح الأتراك بتشجيع أمريكي في قلب المعادلة على الأرض في ليبيا، وأوجدوا حالة من توازن القوى في ليبيا دفعت أطراف النزاع من الدول الخارجية إلى إحياء دور الأمم المتحدة من جديد، وهذه المرة بتدخل أمريكي بغطاء أممي قوي عبر الدبلوماسية الأمريكية المخضرمة ستيفاني وليامز.

نجحت استيفاني في صياغة خارطة طريق حشدت لها جميع الفرقاء، وبالتحديد الدول الداعمة والتي لها التأثير الأكبر في ليبيا، والتي من جهتها ضغطت على الأطراف التي تدعمها في الداخل الليبي فتم التئام مؤتمر الحوار الوطني في جنيف، والذي أثمر عن حكومة ومجلس رئاسي واكتملت شرعيته بحصوله على ثقة البرلمان الليبي، والذي نجح بدوره في الانعقاد بغالبية أعضائه بعد سنوات من العجز عن مثل هذا الاجتماع.

وعلى مسار مواز هناك لجنة عسكرية أطلق عليه 5+5، وهي معنية بتوحيد والتئام الجيش الليبي وجميع الجماعات المسلحة الليبية في كيان واحد.

ساهم وصول إدارة بادين إلى سدة الحكم في أمريكا وحصول حزبه على الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي، إلى التزام غالبية الدول المؤثرة في المشهد الليبي باحترام خارطة الطريق التي رسمتها ستيفاني وليامز.

ولكن مع التفاؤل الذي يسود المشهد الليبي بقرب تحقيق المصالحة الليبية، والتي تعتمد بصفة رئيسة على توافق إقليمي ودولي على صيغة الحل التي ترعاها الأمم المتحدة بضغوط أمريكية في الخفاء، فإن هناك بعض العوامل والتي يمكن أن تربك المشهد وتعيده، وأهمها عدم إعطاء روسيا حصتها في مغنم ليبيا وبالذات عقود إعادة الاعمار.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى