مقالاتمقالات مختارة

البوطي.. موقفه من وزير الأوقاف وفصل المنقّبات ورابطة الخريجين

البوطي.. موقفه من وزير الأوقاف وفصل المنقّبات ورابطة الخريجين

بقلم محمد خير موسى

شهدت الفترة ما بين 2000م و2010م مواقف عدّة برز فيها الدّكتور البوطي بوصفه أقرب إلى المؤسسة الدينية منه إلى السّلطة الحاكمة.

البوطي و”رابطة خريجي كليّة الشّريعة”

في عام 2006م قرّر عددٌ من أساتذة كليّة الشّريعة، وفي مقدّمتهم الدّكتور عماد الدّين الرّشيد، العمل على تأسيس جسمٍ شبه نقابيّ تحت اسم “رابطة خريجي كليّة الشّريعة”.

ومن الطّبيعيّ أن يبحث هؤلاء الأساتذة عن شخصيّة يستندون إليها ويتقوون بها أمام الأجهزة الأمنيّة المتغوّلة على الدّولة، فكانت هذه الشّخصيّة هي الدّكتور البوطي.

تبنّى الدّكتور البوطي فكرة إنشاء “رابطة خريجي كليّة الشّريعة”، وتمّ تقديم كلّ الأوراق الرسميّة المطلوبة التي تضمنّت أن يكون الدّكتور البوطي رئيساً للرابطة، ونائبه الدكتور بديع السيّد اللحّام، وأمين السرّ الدّكتور عماد الدّين الرّشيد، وأعضاء مجلس الإدارة: الدّكتور وهبة الزّحيلي والدّكتور محمّد عجاج الخطيب والدّكتور محمّد هشام البرهاني والدّكتور نور الدّين عتر، إضافة إلى عددٍ من الأساتذة الجدد في الكليّة، منهم الدّكتور بلال صفيّ الدّين والدّكتور محمود بركات والدّكتورة غيداء المصري.

في بداية عام 2007م وصل قرارٌ بالرّفض من الأمن القومي الذي يرأسه اللّواء محمّد هشام بختيار، وكان موقف الدّكتور البوطي من قرار الأمن القومي أن يكون الرّفض هادئاً وناعماً.

اطمأنّت الأجهزة إلى أن الأمور على حالها وأن الدّكتور البوطي الغاضب من تهميش النّظام له لم يتّخذ موقفاً مفصليّاً تجاه تهميشه

كانت الأجهزة الأمنيّة تعيش حالةً من القلق تجاه فكرة “رابطة خريجي كليّة الشّريعة”، وموضع القلق تحديداً في أن يكون الدّكتور البوطي هو صاحب الفكرة أو مبتكرها، فلهذا عندهم دلالة سلبيّة بالغة في توجّه الدّكتور البوطي إلى مزيد من التنظيم أو ظهور بذور معارضة هادئة. وتجلّى هذا القلق في الأسئلة المحمومة التي كانت تُطرح أثناء التّحقيق على بعض من تمّ اعتقالهم أو استدعاؤهم لاحقاً فيمن يكون خلف فكرة الرّابطة، وقد وصلوا أخيراً إلى أنّ صاحب الفكرة والدّافع بها هو الدّكتور عماد الدّين الرّشيد، ولم يكن الدّكتور البوطي إلّا متبنياً لها وواجهةً لتحقيق الموافقة عليها والقبول بها، فاطمأنّت الأجهزة إلى أن الأمور على حالها وأن الدّكتور البوطي الغاضب من تهميش النّظام له لم يتّخذ موقفاً مفصليّاً تجاه تهميشه.

البوطي وموقفه من مفتي الجمهوريّة ووزير الأوقاف

في الصّورة الظّاهرة نرى أنّ وزير الأوقاف محمّد عبد الستّار السيّد كان حريصاً على وجود الدّكتور البوطي معه في أيّ موقفٍ أو لقاءٍ، وكان يتصنّع الاحترام له ويحاول تقبيل يده مع علمه أنّ الدّكتور البوطي لا يقبل عادة تقبيل اليد من أحدٍ أبداً.

ويمكننا القول: إنّ وزير الأوقاف كان يستخدم الدّكتور البوطي بطريقة فجّة في تسويق نفسه أمام الجسم الدّيني من جهة، وتسويق أفكاره وقراراته من جهة أخرى.

ومثل ذلك كان يفعله معه مفتي النّظام أحمد حسّون، ولكن بدرجةٍ أقل من الوزير.

الغريبُ في الأمر أنّ الدّكتور البوطي كان موقفه الشخصيّ منهما سلبيّاً جدّاً، وأذكر جيّداً أنّني كنت في زيارة الدّكتور البوطي في منزله في حي ركن الدّين بدمشق، وكان حاضرا في اللّقاء ابنه الدّكتور توفيق، وعندما وقفتُ أريدُ المغادرة قال لي الدّكتور البوطي:

“أوصيك أن لا تترك في السّحَر والسّجود الدّعاء على الأفّاك أحمد حسّون والكذّاب محمّد عبد السّتار السيّد؛ وزير الأوقاف، أن ينتقم الله منهما ويقصم ظهورهما”.

“أوصيك أن لا تترك في السّحَر والسّجود الدّعاء على الأفّاك أحمد حسّون والكذّاب محمّد عبد السّتار السيّد؛ وزير الأوقاف، أن ينتقم الله منهما ويقصم ظهورهما”

ثمّ أردف قائلاً: “وأنا لا أتركُ الدّعاء عليهما في صلاة أصلّيها فهما مجرمان كذّابان أفّاكان”.

وما أعتقدُه أنّ الدّكتور البوطي كان يتعامل معهما بوصفهما واجهة للأجهزة الأمنيّة، وهو كان حريصاً في تلكم الفترة على استمرار نهجه في التعاطي الإيجابي مع الأجهزة الأمنيّة التي أصبحت عنوان علاقته المباشر مع النّظام، بعد أن قلب له بشّار الأسد ظهر المجنّ.

البوطي وقضيّة فصل المنقبّات من التّعليم

في إطار ترسيخه علمانيّة الدّولة التي حاول النّظام أن يرسّخها في المشهد العام، وتجلّت في خطابات بشّار الأسد ومقابلاته؛ امتدّت يد الأجهزة إلى سلك التّعليم من خلال فصل المعلّمات المنقّبات (اللّواتي يرتدين النّقاب أو الخمار المغطّي للوجه) من التّدريس.

بدأت عمليّة فصل المنقّبات من المدارس فعليّاً عام 2006م، لكنّها بدأت في محافظات بعيدة عن مركز العاصمة، فبدأت في دير الزّور والرّقّة، ولم تشهد معارضةً قويّة أو ردّة فعل شعبيّة واسعة لأسباب عديدة؛ من أهمّها عدم انتشار ظاهرة النّقاب في المدارس في تلكم المناطق فكانت الأعداد التي تمّ فصلها محدودة، لكنّ العمليّة كانت جسّ نبض أمنيّ واضح، لتنتقل بعد ذلك إلى درعا التي شهدت تململاً في أوساط المتديّنين، وهرع بعض الخطباء إلى دمشق وإلى عددٍ من العلماء؛ كان الدّكتور البوطي في مقدّمتهم.

في نهاية عام 2009 وبداية 2010م بلغت الحملة ذروتها حين تمّ تطبيق القرار في محافظة ريف دمشق التي تشهد أعداداً كبيرة جدّاً من المنقبّات اللّواتي تمّ فصلهنّ؛ إذ أصدر وزير التّربية آنذاك الدّكتور علي سعد قراراً بفصل 1200 معلمة منقّبة من التعليم وتحويلهنّ إلى ملاك وزارة الإدارة المحليّة، ليصبحن موظّفات في تلكم الوزارة. وقد صرّح الدّكتور علي سعد مدافعاً عن ذلك بأنّ قرار نقل المنقبات إلى وزارة الإدارة المحلية جاء للحفاظ على العمل (العلماني الممنهج).

بدأ الدكتور البوطي تحرّكه وتحرّك كذلك عموم علماء دمشق، لا سيما علماء جماعة زيد بن ثابت وفي مقدمتهم الشّيخ أسامة الرّفاعي، في محاولة لإلغاء القرار، غير أنّ تحرّكهم لم ينتج ثني القرار أو إلغاءه ولم يقبل النّظام التراجع عنه.

وفي نيسان/ إبريل 2011م، أي بعد أسابيع يسيرة من اندلاع الثّورة الشّعبيّة ضدّ نظام بشّار الأسد، أعلن النّظام عمّا أسماه “حزمة إصلاحات” وكان في مقدّمتها إعادة المنقّبات إلى التّدريس. وكان الدّكتور البوطي هو الذي أعلن عن حزمة الإصلاحات هذه فقال:

اللافت في تبرير الدّكتور البوطي لقرار إعادة المنقّبات، أنّه تعامل معه بوصفه قراراً بعيداً عن الاحتجاجات الشعبيّة، وعزاه إلى التّمحيص وظهور براءة المنقّبات، على أنّه لم ينسَ أن يبرّر لمن اتّهمهنّ بأنّه اجتهد فأخطأ

“أول إصلاح ديني، وأعتقد أنه الأهم: صَدَرَ قرار بإعادة كل المنقبات اللّائي أبعدن عن التّدريس بسبب النّقاب إلى أعمالهن ووظائفهن، بعد أن مُحِّص، وتبيَّن أنهن بريئات من التّهمة التي كانت قد ألصقت بهن، وربما اجتهد مَن اتّهَم، فَفَعَل ما فَعَل، لكن بعد التّمحيص والتّحقيق والتّدقيق تبيّنت بَراءتهُن، وصَدَرَ قرار بأسماء ثلة كبيرة مِنْهُن. وقد طُلِبَ إليَّ أن أقول لكم: كلُ مُدَرِّسَةٍ لم تجد اسمها بين أسماء هذا القرار الذي صَدَر، ما عليها إلا أن تكتب طلباً تتقدم به إلى مديرية التربية، أو وزارة التربية، وستأتي التلبية آلياً، آلياً دون توقّف. يعني أن القرار صَدَرَ في حق كل اللّائي صُرِفْنَ أو أُحِلْنَ إلى وظائف أخرى غير وظيفة التدريس”.

اللافت في تبرير الدّكتور البوطي لقرار إعادة المنقّبات، أنّه تعامل معه بوصفه قراراً بعيداً عن الاحتجاجات الشعبيّة، وعزاه إلى التّمحيص وظهور براءة المنقّبات، على أنّه لم ينسَ أن يبرّر لمن اتّهمهنّ بأنّه اجتهد فأخطأ.

وهذا يعطي صورةً عن النّقلة النّوعية التي تجلّت في مواقف الدّكتور البوطي مع بداية الثّورة السّوريّة، والتي سنفصّل القول فيها في مقالات قادمةٍ بإذن الله تعالى.

مما يجدر الحديث عنه أنّه في الفترة الممتدة ما بين 2000م و2010م ظهرت بشكلٍ لافتٍ مظاهر على مشروع التّشيّع في أجهزة الدّولة والمؤسسات الأهليّة، فما هو موقف الدّكتور البوطي من الشّيعة والتشيّع؟ وهل كان له تحرّكات خاصّة في هذا الإطار؟ هذا ما سنجيب عنه – بإذن الله تعالى – في المقال القادم.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى