مقالاتمقالات مختارة

البوطي من فتوى السّجود على صورة بشّار إلى إحراق الكتب

البوطي من فتوى السّجود على صورة بشّار إلى إحراق الكتب

بقلم محمد خير موسى

في تاريخ الثّورة السّوريّة أحداثٌ مفصليّة، وفي مواقف البوطي من الثّورة مواقف مفصليّة أيضًا ولعلّ من أجلى هذه المواقف المفصليّة بين الشّعب الثّائر والدّكتور البوطي ما تناقلته وسائل الإعلام فانتشر كالنّار في الهشيم من أنّ الدّكتور البوطي أفتى بجواز السّجود على صورة بشّار الأسد؛ فتعاملت معها القنوات والمواقع الثّوريّة على أنّ البوطي يجيزُ تأليه بشّار الأسد ويسوّغ لقوات الأمن التي تجبر الناس على السجود لصورة بشّار وترديد شعاراتٍ تؤلّهه من قبيل: لا إله إلّا بشّار.

  • ما حقيقة الفتوى؟

في العاشر من تموز “يوليو” عام 2011م نشر موقع نسيم الشّام فتوى الدّكتور البوطي جوابًا على السؤال الآتي:

“نحن نقطن في منطقة دوما لمّا اجتاح الأمن والشبيحة المنطقة دخلوا على البيوت ومنهم بيتنا وقاموا بإجبارنا على السّجود لصور الرئيس بشار الأسد علمًا أننا لم نشارك في أي مظاهرة مناوئة للنظام وخوفًا من القتل قمنا بالسجود للصّورة؛ فهل نحن آثمون؟ وهل يجب علينا دفع كفارة؟ ولكم جزيل الشكر والاحترام ونريد منك أن تدعي لنا بأن يزيح الله الغمة عنا وعن سوريا الحبيبة”.

فجاء الجواب مقتضبًا ونصّه:

“جوابًا عن سؤالك المحدود أقول لك: اعتبر صورة بشار الموضوعة على الأرض بمثابة بساط، وقف عليه ثم اسجد فوقه لله عز وجل. يكتب الله لك أجر السجود له بدلًا من الكفر”.

من الواضح تمامًا أنّ الدّكتور البوطي تعامل مع السّؤال بطريقة تثيرُ التباسًا عند المتلقّين لا سيما في ساعات الغضب العارم، فهو تعامل مع السؤال بمنطق أكاديميّ صرف يتحدّث من خلاله وينقل أقوال الفقهاء في حكم السجود على بساطٍ عليه صورة، ولم يعلّق بحرفٍ على فعلِ الشبّيحة ورجال الأمن وحكم إجبارهم النّاس على السّجود للصّورة.

قد تكون عبارة الدّكتور البوطي متفهّمةً في محاضرةٍ أكاديميّة أو حلقة نقاش بحثيّ في سياق زمنيّ طبيعيّ، أمّا أن تكون فتوى عامّة في خضمّ ثورة مشتعلة فهذا ممّا لا يمكن تفهّمه أو التّعامل معه بمحدوديّة كما طالب هو في إجابته المقتضبة.

فالصّياغة المقتضبة أسهمت في سوء التّعامل مع الفتوى من جهة، ومن جهة ثانية تعمّدت بعض المواقع والقنوات الثّوريّة والدّاعمة للثّورة اقتطاع جزء من النّص بشكلٍ يثير التباسًا، فالكثير من المواقع نقل الفتوى بهذا الشّكل “اعتبر صورة بشار الموضوعة على الأرض بمثابة بساط، وقف عليه ثم اسجد فوقه” وهو اقتطاعٌ غير بريء وأسهم بشكلٍ كبيرٍ في تأجيج الحملة ضدّ الدّكتور البوطي لا سيما أنّ الكثيرين أخذوا الفتوى من هذه المواقع ولم يرجعوا إلى النّصّ الأصلي للفتوى.

  • محاولةٌ للتّدارُك مع رسائل تأكيديّةٍ على النّهج

بعد عشرة أيّام وفي العشرين من تموز “يوليو” عام 2011م أقامت وزارة الأوقاف فعاليّة على مدرج جامعة دمشق حول الإصلاح والتّظاهر، وألقى فيها الدّكتور البوطي كلمة محوريّة، وتعرّض فيها لقضيّة السّجود على صورة بشّار الأسد، لكنّه تناولها هذه المرّة من زاوية أخرى مختلفة عمّا ورد في الفتوى، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدّكتور البوطي قبل أن يتحدّث عن قضيّة السّجود لصورة أو على صورة بشّار الأسد تحدّث بوضوح أنّه يوجّه خطابه إلى الطّرفِ الآخر؛ الثّوّار البعيدين عن قاعة مكتبة الأسد والذين يشفق عليهم أن يكونوا أدوات تنفيذية للقابعين وراء الحدود والذين يتسلمون أوامرهم من برنارد ليفي الذي يحرّكهم ويوجّه مطالبهم الثّوريّة، فيقول:

“حديثي حديث دينيّ لكن لمن أتوجّه بهذا الحديث؟ أنا لا أحبّ أن يكون موقفي كموقف الذي يقف أمام المرآة يحدث نفسه، أعتقد أننا جميعًا طرف واحد وأن ما سأقوله في هذا الصّدد أعزف على وتر كلنا يعزف عليه، ولذلك فحديثي أعتقد أنه موجّه إلى الإخوة البعيدين عن هذا المكان نسبيًا، لكن ترى هل أتوجه بحديثي إلى أولئك الذين يقفون موقف الملقّن للممثلين على المسرح، الذين يخطّطون من بعيدٍ، أم أتوجّه بخطابي إلى المنفذين من إخواننا وأبناء جلدتنا؟ أعتقد أن حديثي إن اتّجه إلى أولئك الذين فعلًا يقفون من الذين يتحركون على مسرح هذه الأحداث موقف الملقن للممثلين أعتقد أن حديثي لن يجديهم شيئًا، ذلك لأنّني لا أجد جسرًا واصلًا بيني وبينهم، ترى ماذا عسى أن يفيد حديثي إن توجه إلى برنارد ليفي مثلاً؟! وهو لا أقول واحد من أولئك الملقّنين هو في الواقع رئيس الملقنين، هو الذي يزعم بأنه يمسك بملف مستقبل سوريا، ومن ثم فإن حديثي معه لا يجدي كذلك حديثي للذين يحيطون به ويجلسون إليه ويجلس هو إليهم كذلك لا يجدي وأنتم تعلمون ربما أن لقاءات تتم غالبًا في باريس بينه وبين المخططين من علمانيين ومن يساريين ومن دعاة إلى المجتمع المدني إلى ما هنالك.

 ترى إن تحدثت إليهم عن نصوص الدين وموازينه لأولئك المخططين هل يجدي؟ أعتقد أن التخطيط متغلب على التوجيه.

 إذًا فليكن حديثي موجهًا إلى أبناء جلدتنا إلى إخواننا الذين شاؤوا أن ينفذوا تلك الخطط التي تصنّع هناك ثم يتم تنفيذها هنا، هذا ما ينبغي أن أتوجه إليه”.

وفي سياق حديثه يؤكّد الدّكتور البوطي على شروط الإصلاح، فيجعل الشّرط الأوّل “أن ينبثق التوجه إلى الإصلاح ومطالبة الدولة به من داخل الأمة، ومن شعورها الاستقلالي وأن لا تكون هذه المطالبة صدى لدعوة خارجية تتسرب إلينا عبر سبلها وأقنيتها المعروفة”.

وأمّا الشّرط الثّاني الذي سينطلق منه إلى الحديث عن قضيّة السّجود على صورة بشّار الأسد هو

“أن لا يبتغى هذا الإصلاح في الشوارع وإنما نبتغي الإصلاح من سبله الحضارية المعروفة، لماذا؟ لأننا لو فرضنا أننا خرجنا ونحن مئة شخص إلى الشارع نعلن عن ضرورة قيام الدولة بإصلاح ما لمرفق من المرافق هل نضمن ونحن نسير في الشارع المفتوح من أطرافه أن نظل نحن الذين نهتف ونحن الذين نطالب؟ تجربتنا البعيدة دلّت على أننا لا نكاد نمشي مئة خطوة إلا ونجد أن فئات أخرى قد احتوشتنا وانتسبت إلينا وبعد قليل سنجد أن هتافاتنا قد خبت وأن هتافات أخرى ارتفعت وطوي وجودنا لينتشر وجود آخر لم يكن مبرمجًا قط، هذا معروف. فكيف إذا الأمر لم يقف عند هذا الحد بل استدرجت الجماعة لمنزلقات ومن ثم فوجدنا أن هذه المنزلقات أودت بنا إلى فتنٍ وأودت بنا إلى تخريبٍ وأودت بنا إلى قتل، هذا شيء.

شيء آخر أن الإسلام فيما قرأته بدقة من بيانات الله العجيبة يحذرنا من أن نبحث عن الإصلاح ضمن سبل التخريب، قد يقول قائل أنا من أجل أن أصل إلى قمة الإصلاح ينبغي أن أسير في المنعرجات وإن كانت هذه المنعرجات فيها شيء من التقييد؟ لا هذا غير جائز، لا يمكن أن يتحقق الإصلاح من خلال تخريب بشكل من الأشكال.

لذلك أنا أؤكد ما قاله السيد الدكتور وزير الأوقاف من أن الخروج إلى الشوارع ولو بنية طيبة ولو بوجود هتافات مشروعة محرم.

والله أنا لست من الناس الجرآءَ على الفتوى بل أنا كنت ولا أزال شديد الجبن عندما أفتي لكن هذا الموضوع جليٌّ بدهيٌّ معروفٌ دلائل الشريعة فيه لا تحتمل النقاش، هذا ذريعة للفساد وسد الذريعة الموصلة إلى فساد واجب ولو كان الأمر الذي نمارسه في الأصل جائز”.

وبعدَ أن أثبت الدّكتور البوطي هنا حرمة الخروج بمظاهرات ولو بنيّة طيبة وهتافات مشروعة أخذ يفصّل القول في حرمة الخروج على الحاكم الجائرِ ولو بالهتاف؛ ليبيّن بعد ذلك نموذجًا عمليًّا للقيام بالإصلاح بعيدًا عن المظاهرات والهتافات في الشّوارع، فيقول:

“وهنا أضعكم أمام نموذج عملي تم البارحة يوضح موقف الإسلام وهو موقفنا الذي ينبغي أن نطأطئ الرأس له، رأينا ولعلكم رأيتم صورة للسيد الرئيس بسطت على الأرض ــ صورة كبيرة جداً جداً ــ ودعي شباب من الأطراف وننظر فنجد أنهم سُجَّدٌ فوق هذه الصورة، هذا منكر ولا شكّ أن الذين فعلوا هذا تلبسوا بالكفر البواح المؤكد.

 غدوت بمعية السيد الوزير رأسًا إلى السّيد الرئيس وأنا أحمل هذه الصورة، قلت له: تأمل سيادة الرئيس ــ أنا أحلل تحليل ظن ــ  هؤلاء الذين فعلوا هذا الأمر هم في الظاهر من مؤيديك ولكنهم في الباطن والله ممن يشنؤونك، قال: أنا لا أشك في هذا ونظر؛ فقلت: الهدف من وراء هذا أن يشيع في المجتمع هذا الأمر وأن تزداد مشاعر الثورة الهائجة ضدّ، ومن ثمّ يوجد من يقول: لعل السيد الرئيس هو الذي أوحى بهذا أو هو راضٍ إذًا أنتم تقولون الكفر البواح ها هو ذا الكفر البواح موجود، لم أشهد أن السيد الرئيس غضب غضبة كالغضبة التي ــ كنت مع السيد الوزير ــ  تجلت في شكله وكلامه بالأمس، قال: أنا أسجد لله أنا أعبد الله فكيف أرضى أن يسجد لي الناس وأنا الذي أعبد الله وأسجد له؟!!

قلت للسيد الرئيس: هذا لا يكفي، لا بد من كلمة يسمعها الشعب من فمك، قال: سأتكلم ولكن ما دامت هناك ندوة غدًا فقل بلساني ما تعلمه من عقيدتي التي أقول، وأنا أقول لكم:

أولًا: من فعل هذا فقد تلبس بالكفر البواح، سجد لغير الله عز وجل، ثانيًا: الذين دبروا هذا الأمر تظاهروا بعظيم المحبة له ولكنهم جعلوا من ذلك منزلقاً له لتهتاج الأمة أكثر فأكثر، ولعلّ لسان حال السيد الرئيس يقول لأولئك الناس الذين فعلوا هذا الأمر أنا دون ما فعلتم لكني فوق ما في نفوسكم.

إذًا لا يقولنّ قائل ما دام الكفر البواح لم يوجد لا يجوز الخروج عن الحاكم إذاً نسكت عن المنكر؟! لا، نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، لما رأى السيد الوزير هذه الصورة التي تستفز المشاعر الإنسانية فضلًا عن الدينية رأسًا غدونا إلى السيد الرئيس، وأقول هنا الباب مفتوح ولا يقولن قائل “وكيف السبيل للوصول إلى المسؤولين؟” والله من أراد أن يتحرّق لإقامة الحق وللدفاع عنه ليجدنّ الأبواب مفتّحة ولا يمكن أن تكون الأبواب مفتحةً أمام إنسان مثلي وتكون مغلقة أمام آخرين يبتغون الحقّ ويخلصون لله عز وجل، لكن هنالك كما قال السيد الرئيس أناس قسموا أنفسهم بين الدّين والدنيا فآنًا يخدمون الدين وآنًا آخر يمزجون خدمتهم للدين بكثير أو قليل من الدنيا”.

في هذه الكلمة حاول الدّكتور البوطي أن يؤكّد على عدّة أمور ويوصل رسائل عدّة من أهمّها:

أولًا: محاولة الاستدراك على الهجمة الكبيرة التي تناولت فتواه السّابقة بجواز السجود على صورة بشّار الأسد، والتّأكيد على أنّ من يسجد على صورة بشّار الأسد تعظيمًا له قد تلبّس بالكفر البواح، وهو ليس تراجعًا عن فتواه السّابقة بل هو توضيح لها وقد كان في غنى عنه لو أنّه فصّل القول أكثر في الإجابة عن السؤال الذي ورده من قبل.

ثانيًا: التّأكيد على أنّ بشّار الأسد بريءٌ من تصرّفات مؤيديه سواء كانوا من المتظاهرين الذين يسجدون على صوره تعظيمًا له أو من الشبّيحة الذين يجبرون النّاس على السّجود لصوره، وهذا ينسجم مع خطابٍ عمل النّظام على تسريبه وتكريسِه بشكل ممنهج مفاده “الرّئيس إنسان جيّد لكن الذين حوله هم السيّئون”.

ثالثًا: محاولة التّأكيد على أنّه وإن لم ينكر في إجاباته على الشبّيحة فعلهم بإجبار النّاس بالسّجود على صورة بشّار الأسد إلّا أنّه يمارسُ عمليّة الإصلاح بالطريقة التي يعدّها مشروعةً وهي النّصح المباشر لبشار الأسد والمسؤولين في الدّولة.

رابعًا: من الملاحظ أنّ الدّكتور البوطي استنفر وتحرّك للسجود على الصّورة التي سجد عليها ثلّة من المؤيّدين والتي نقلتها وسائل إعلام النّظام قبل غيرها من وسائل الإعلام بينما لم يستنفر للحديث عن الانتهاكات التي تتناقلها وسائل الإعلام حول جرائم النّظام، وهذا ينسجم مع اعتقاد الدّكتور البوطي أنّ عموم ما يتمّ نقله من صور ومقاطع لانتهاكات قوات النّظام وأجهزته الأمنيّة في أغلبها فبركات يتمّ التلاعب بها عبر عمليّات المونتاج والاقتطاع من السّياق.

خامسًا: يحرص الدّكتور البوطي على التّأكيد على فكرة صلاح بشّار الأسد وغيرته على الدّين وغضبه أن تنتهك حرمات الله تعالى، وهي فكرةٌ تصبّ في إطار التّشنيع على الخارجين عليه والثّائرين ضدّه فهم يثورون ضدّ رجلٍ وقّافٍ عند حدود الشّرع ملتزمٍ بأحكامه ولا علاقة له بكلّ ما يتمّ ممارسته باسمه.

سادسًا: يحاول الدّكتور البوطي استغباء السامعين بطريقة غريبة للغاية من خلال تأكيده على أنّ أبواب بشّار الأسد مفتوحة للناصحين والمتحرّقين على الدّين؛ فلم َكلّ هذا التّظاهر وأنتم قادرون على الوصول بكل سهولة إلى القصر والجلوس مع الرّئيس بشّار الأسد بكل أريحيّة وتقديم نصحكم له بكلّ حريّة؟!

والغريب أكثر أنّ الدّكتور البوطي يعبّر عن استهجانه من أن تكون الأبواب مفتّحةً له ومغلّقةً أمام غيره، وهو الذي رفض بشّار الأسد لقاءه بشكلٍ خاص لعشر سنوات متتالية لم يقبل أن يراه فيها إلّا مرّة واحدة!!

وما جاء تفتيحُ الأبواب في وجهه عقب انطلاق الثّورة الشّعبيّة عام 2011م لأنّه جاء ناصحًا كما يدّعي أو كما يتوهّم ويظنّ بل لأنّه غدا جزءًا من المنظومة التي تعمل بتكامل على مواجهة هذه الثّورة وتثبيت أركان النّظام.

  • إحراق الكتب احتجاجًا على المواقف المتدحرجة

عقب يومين من هذه الكلمة التي ألقيت على مدرج جامعة دمشق وتحديدًا في الثّاني والعشرين من تموز “يوليو” من عام 2011م في يوم الجمعة التي أطلق عليها الثّوّار السوريّون جمعة “أحفاد خالد” جاءت المشاهد من مدينة دير الزور في شرق سوريا وقد جمع المتظاهرون كتب الدّكتور البوطي في ساحة التّظاهر وقاموا بإحراقها احتجاجًا على مواقفه بعد أن ألقي ما سمي “بيان اتّحاد مثقّفي دير الزّور الأحرار” وجاء فيه:

“ردًّا على الهجمات الرسميّة التي يشنّها النّظام مستخدمًا من يوصفون برجال الدّين، وعلى رأسهم الدّكتور محمّد سعيد رمضان البوطي، إذ يقاسم النّظام في وزر دماء الأبرياء، ويحاول إعادة شرعنة النّظام بعد سقوطه بفتواه المناهضة للأحرار، لذا فإننا نقوم بإحراق ما لدينا من كتب لهذا المؤلّف، بعد أن أعلن صراحةً أنّه من أزلام النّظام، وأعلن من خلال مواقفه وفتاواه موافقته على ما يحدث من قتلٍ للأبرياء وانتهاك للحرمات وسلب البيوت واقتحامها على الآمنين فيها وترويع أهلها غير آسفين على ما فيها من علم لأنّ العلم الحقّ يؤخذ من رجال الدّين الأتقياء حيث لم يعد لنا ثقةٌ تامّة فيما يكتبه كما كانت من قبل، فإننا لا ندري هل كان كلامه صافيًا أم دسّ فيه شيئًا من السمّ بالدّسم، وسيتم دفن رمادها في مكان طاهر، وإننا بدورنا ندعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومراجعة مواقفه وتصريحاته، خاصّةً وأنّه رجلٌ طاعنٌ في السّنّ، والقبرُ يطرق بابه، والله المستعان، وإليه المنهى وإليه المصير”.

كان إحراق كتب الدّكتور البوطي مظهرًا احتجاجيًّا على مواقفه المساندة للنّظام والتي كانت آخرها الحملة التي قامت إثر فتوى جواز السّجود على صورة بشّار الأسد.

لكنّني أعتقد أن ما قام به المتظاهرون من عمليّة إحراق الكتب في مشهد احتفاليّ وسط التّكبير والتّهليل كان خطًأ جسيمًا فادحًا يتناقض مع صيحات الحريّة التي تنادي بها حناجر الثّائرين، بل هو تعبيرٌ عن روحٍ استبداديّة لا ثوريّة، فعمليّات إحراق الكتب عبر التّاريخ الإنساني المختلف وعبر تاريخ الأمّة الإسلاميّة ارتبطت بسلوكيّات استبداديّة، وكان الأولى بالثّوّار الانتباه إلى هذا المعنى وتقديم وسائل احتجاجيّة تعبّرُ عن الحريّة المنشودة بديلًا للاستبداد الذي يحكم قبضته على مفاصل الوجود والتفكير الإنساني في هذا الوطن المسلوب.

إضافة إلى أن البيان أكّد على فكرة مساندة البوطي لقتل المتظاهرين بفتاواه، فهل هذا صحيح؟ وهل أيّد البوطي قتل المتظاهرين؟

عن البوطي والفتاوى المتعلّقة بقتل المتظاهرين سيكون ــ بإذن الله تعالى ــ المقال القادم.

المصدر: سوريا تي في TV

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى