مقالات مختارة

البنيان في الثقافة الإسلامية

بقلم محمد عطية – اسلام أون لاين.

يقيس البعض حضارة الأمم بما تركت من بنيان وشيدت من عمران كآية دالة على مدى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار وقد اعتنت الحضارة الإسلامية أول ما اعتنت بالإنسان لأنه الذي يقيم الحضارة أو يتسبب في سقوطها وكم من حضارة بادت فلم يبق لها آثار  مادية أو فكرية وكم من أناس ماتوا وبقيت آثارهم تنير الدروب وتفتح آفاقا واسعة من الفهم العميق لحقائق الكون والحياة والدين.

اهتمت الحضارة الإسلامية ببناء الإنسان الصالح المصلح صاحب البدن الصحيح واللسان الفصيح والعقل الراشد والخلق الكريم فإذا قام هذا الإنسان استطعنا أن نقيم أقوى الأبنية وأحدثها وأجملها وأنفعها.

البنيان نعمة من الله تعالى على خلقه فقد سخر لهم الكون يستفيدون منه بما ييسر حياتهم ويحميهم من الحر والبرد والمرض وهو كذلك حق من الحقوق الطبيعية للإنسان في الإسلام وفي المواثيق الدولية كما في المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية.”

مواصفات السكن المناسب

1-البساطة: وهي لا تعني الخلو من الذوق والجمال وكم من مساكن أنفقت فيها مئات الألوف بل عدد من الملايين كانت حصيل لعمل سنوات طويلة بعيدا عن الأهل والوطن لتذهب هذه الأموال الطائلة بين الطوب والرمال وكان من الممكن أن توفر لصاحبها إذا استثمرت استثمارا أمثل عائدا مجزيا يوفر له ولأولاده حياة كريمة فيما بقي من عمره وإذا كانت تكلفة العمران قد تضاعفت في السنين الأخيرة إلا أن مبالغة البعض في الإنفاق على المباني يتنافى مع الحكمة التي تقتضي وضع الشئ في  موضعه.

2- تحقيق الخصوصية : وينبغي أن يراعى في تصميم المسكن توفير الخصوصية لساكنيه ولمن حولهم فلكل بيت أسراره التي يجب المحافظة عليها باستخدام التصاميم الملائمة لذلك وفي اتساع الدار ما يعين على توفير غرف مستقلة للأبوين وأخرى للذكور وتوفير سرير لكل ولد من الأبناء على حدة وثالثة خاصة بالبنات وتوفير سرير لكل بنت على حدة وهذا استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » [سنن أبي داود] وفي هذا توفير لبيئة نظيفة تنمو فيها العفة وتتوارى فيها الفتنة.

3-النظافة: فهي أحد أسباب الصحة النفسية والبدنية عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ ، قال : إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ ، فَنَظِّفُوا ، أُرَاهُ قَالَ ، أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ [سنن الترمذي].

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ” [مسند أحمد وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن أبي حميد]

مهندس مسلم

1-شجاع بن أسلم بن محمد بن شجاع، أبو كامل: عالم بالحساب، مهندس، مصري. من كتبه (المساحة والهندسة) و (الجبر والمقابلة) و (طرائف الحساب) نشر في مجلة معهد المخطوطات ،توفي في حوالي منتصف القرن الرابع الهجري الموافق لمنتصف القرن العاشر الميلادي  [الأعلام للزركلي]

2-قراقوش بن عبد الله الاسدي، أبو سعيد، بهاء الدين: أمير، نشأ في خدمة السلطان صلاح الدين الأيوبي. وناب عنه في الديار المصرية. .. “وقراقوش” كلمة تركية معناها ” العقاب ” الطائر المعروف[الأعلام للزركلي]  عمّر سور القاهرة محيطا على مصر أيضا ، وبنى قلعة الجبل، وكان صلاح الدين سلّمه عكا ليعمر فيها أماكن كثيرة فوقع الحصار وهو بها قال ابن خلكان: وقد نسب إليه أحكام عجيبة، حتى صنف بعضهم  جزءا لطيفا سماه كتاب ” الفاشوش في أحكام قراقوش “، فذكر أشياء كثيرة جدا، وأظنها موضوعة عليه، فإن الملك صلاح الدين كان يعتمد عليه، فكيف يعتمد على من بهذه المثابة والله أعلم[البداية والنهاية].توفي في نهاية القرن السادس الهجري الموافق بدايات القرن الثالث عشر الميلادي

مساكن طيبة

يطمح الإنسان إلى مسكن يوفر له السكينة وينعم فيه بالدفء الأسري ومهما اختلفت مواصفات هذا السكن فإننا نجده يشغل حيزا كبيرا من همومنا وسعينا في الحياة وهذا حق لكن هناك مساكن تبحث عن سكانها وثمنها في متناول الكثير لا تحتاج منك إلا إلى صحة النية وسلامة العمل :

1-العروب وهي المرأة المتحببة إلى زوجها: امتن الله على عباده بأن جعل المرأة لهم سكنا {مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21] فالنفس إليها تأنس وتسكن وبها تفرح، المرأة الصالحة سكن يأوي إليه الإنسان من جهد يوم ملئ بالعمل والكد فيجد الراحة والسعادة وتجدد النشاط واكتساب الطاقة. وهو دور تغفل الأسر عن تعليمه لبناتها إلا من رحم الله ومن آكد حقوق الزوجين أن يسكن بعضهما إلى بعض وغياب السكن يعني افتقاد أهم مقومات الحياة الزوجية ومن ثم تبقى حياة بلا معنى وجودها كعدمها وكم من رجل يسكن مع امرأته ولا يسكن إليها والعكس.

2- غرف من فوقها غرف { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) } . قال الإمام بن كثير :أخبر (الله تعالى)عن عباده السعداء أنهم لهم غرف في الجنة، وهي القصور الشاهقة { مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ } ، أي: طباق فوق طباق، مَبْنيات محكمات مزخرفات عاليات.[تفسير بن كثير]

قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا “، فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: ” لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ” “[مسند أحمد وقال محققوه حسن لغيره].ومع ما فيها من شفافية ألا ان حرمة من فيها مصونة فلا يمكن الاطلاع على من بداخلها.

قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ». [متفق عليه] فأهل الغرف في منزلة سامية يتشوف لها أهل الجنة، وبين أهل الجنة وأهل الغرف من التفاوت كما بين إنسان على ظهر الأرض وكوكب مضيئ في الآفاق العالية من السماء، وسكان الغرف هم قوم مؤمنون بالله مصدقون برسله، وكل أهل الجنة كذلك؛ لكن أهل الغرف بلغوا القمة العليا في الإيمان بالله وتصديق أنبيائه فاستحقوا أن يسكنوا أعالي الجنان.

3- القلوب الطيبة: يسكن فيها محبة الخير للناس  وحب الصالحين وكل طيب من الأفكار والخواطر والنوايا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى