مقالاتمقالات مختارة

الاستهلاك الرمضاني.. الوجه الآخر للعلمانية!

الاستهلاك الرمضاني.. الوجه الآخر للعلمانية!

بقلم عبد الحميد عثماني

مع مطلع الشهر الفضيل من كل عام، يُعيد الأئمة والوعاظ نفس الخطاب عبر المنابر المسجديّة والإعلامية المتعددة، للتذكير بمقاصد الصيام في شريعة الإسلام، والتي ترتبط بتربية النفس على الصبر والجوع والحرمان من كافة الشهوات المُباحة تقرّبًا لله عز وجلّ، ودفعًا للإحساس بحاجة الفقير لسدّ رمقه طوال أيام السنة، فضلا عن كونه تربّصًا إيمانيّا وسلوكيّا للتمرّن على عبادات كثيرة مهجورة في غالب الشهور، مثل تلاوة القرآن وقيام الليل والصدقات.

لكن الملاحظ المألوف في حياتنا الرمضانيّة، إلا من رحم ربّك، هو أن السلوك الاستهلاكي لدى الصائمين قد توسّع إلى حدّ الإفراط والتبذير والفساد المالي، ولم ينفع معه زجر الأئمة ولا توسّل وزارة التجارة ولا توجيهات جمعيات المستهلك، حتّى صار واقع شهر رمضان منافيا تمامًا لمقاصده الدينيّة، رغم ما برز من مظاهر محمودة للتكافل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، غير أنها تبقى في الحقيقة مثل الشجرة التي تغطي الغابة، قياسًا إلى مستوى العادات السيئة التي طفت وطغت في موسم العبادة والقُربات.

هذه الثقافة الاستهلاكيّة المفرطة لدى الكثيرين، لم تعد فقط خروجًا عن قيم المدرسة الرمضانية التي تستهدف تربية الفرد سلوكيّا، وتدريبه عمليّا على مواجهة نوازعه البشريّة المعقدة نحو عوالم الشهوات، بل إنها تقف اليوم حائلا خطيرا في طريق التدابير الوقائية وتهدد حياة الناس في عزّ الوباء العالمي لفيروس كورونا.

أليس من العجب العُجاب أن يتدافع المواطنون على المحلات دون تقدير لحجم المخاطر الصحية المهلكة والمحدقة بهم، وهم يتزاحمون بالمناكب، فقط لأجل الظفر بقطع من الحلويات التقليدية التي لا تنفعهم في شيء، بل إنها قد تكون ضارة وغير منصوح بها، بينما لسان حالهم يكاد ينطق “لا يصح صيام بدونها”.

هل من السليم شرعًا وعقلاً أن يتردّد بعضهم كل صباح على المخابز ومحلات المرطبات، فيملأ أكياسًا من الخبز والحلويات بكل أصنافها، وبُعيْد الإفطار تجدها مرميّة في القمامة؟ حتى إن السلطات المحلية وعمال النظافة صاروا يشتكون كل عام من تضاعف حجم الفضلات المأكولة خلال شهر الصيام، وفاحت المزابل، أكرمكم الله، بروائح الطعام من كل الأنواع، فضلا عما تقدمه وزارة التجارة من أرقام مرعبة عن حصيلة تبذير مادة الخبز سنويّا في الجزائر، والتي تجاوزت 300 مليون دولار.

لماذا ينقلب سلّم القيم في المجتمع إلى هذه الدرجة من الانحراف الأخلاقي الجماعي، حيث يصبح التبذير عند عموم المسلمين من السّمات الملازمة لشهر التزكية النفسيّة؟ كأنّهم بذلك ينتقمون من الامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيطلقون العنان لشهواتهم البطنيّة، تلهف كل ما يقع عليه البصر فتشتريه دون حاجة فعلية، ثمّ تلجأ سريعًا للتخلص منه بالرّمي وسط النفايات.

لا شكّ أنّ هذه النزعة الاستهلاكيّة سلوك بيولوجي غريزي في الإنسان، إذا لم يوجهها وفق القيم الدينيّة والصحية السليمة تحولت إلى عادة سيّئة قد تُورده المهالك، فضلا عن كونها تظل خادشة بسلامة العبادة وثمراتها التربويّة.

أمّا طغيان الاستهلاك وسط المجتمعات الإسلامية الحديثة في شهر يُفترض أنه شُرّع للاقتصاد، فهو على رأي المفكر عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، الوجه الآخر المُستبطن للعلمانيّة، لأنّ هذه الأخيرة وفق ما يطرحه الرجل تبقى من دون تعريف جامع مانع، باعتبارها ليست ظاهرة محددة المعالم، حيث تتم دومًا من خلال آليات واضحة.

 مع مطلع الشهر الفضيل من كل عام، يُعيد الأئمة والوعاظ نفس الخطاب عبر المنابر المسجديّة والإعلامية المتعددة، للتذكير بمقاصد الصيام في شريعة الإسلام، والتي ترتبط بتربية النفس على الصبر والجوع والحرمان من كافة الشهوات المُباحة تقرّبًا لله عز وجلّ، ودفعًا للإحساس بحاجة الفقير لسدّ رمقه طوال أيام السنة، فضلا عن كونه تربّصًا إيمانيّا وسلوكيّا للتمرّن على عبادات كثيرة مهجورة في غالب الشهور، مثل تلاوة القرآن وقيام الليل والصدقات.

لكن الملاحظ المألوف في حياتنا الرمضانيّة، إلا من رحم ربّك، هو أن السلوك الاستهلاكي لدى الصائمين قد توسّع إلى حدّ الإفراط والتبذير والفساد المالي، ولم ينفع معه زجر الأئمة ولا توسّل وزارة التجارة ولا توجيهات جمعيات المستهلك، حتّى صار واقع شهر رمضان منافيا تمامًا لمقاصده الدينيّة، رغم ما برز من مظاهر محمودة للتكافل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، غير أنها تبقى في الحقيقة مثل الشجرة التي تغطي الغابة، قياسًا إلى مستوى العادات السيئة التي طفت وطغت في موسم العبادة والقُربات.

هذه الثقافة الاستهلاكيّة المفرطة لدى الكثيرين، لم تعد فقط خروجًا عن قيم المدرسة الرمضانية التي تستهدف تربية الفرد سلوكيّا، وتدريبه عمليّا على مواجهة نوازعه البشريّة المعقدة نحو عوالم الشهوات، بل إنها تقف اليوم حائلا خطيرا في طريق التدابير الوقائية وتهدد حياة الناس في عزّ الوباء العالمي لفيروس كورونا.

أليس من العجب العُجاب أن يتدافع المواطنون على المحلات دون تقدير لحجم المخاطر الصحية المهلكة والمحدقة بهم، وهم يتزاحمون بالمناكب، فقط لأجل الظفر بقطع من الحلويات التقليدية التي لا تنفعهم في شيء، بل إنها قد تكون ضارة وغير منصوح بها، بينما لسان حالهم يكاد ينطق “لا يصح صيام بدونها”.

هل من السليم شرعًا وعقلاً أن يتردّد بعضهم كل صباح على المخابز ومحلات المرطبات، فيملأ أكياسًا من الخبز والحلويات بكل أصنافها، وبُعيْد الإفطار تجدها مرميّة في القمامة؟ حتى إن السلطات المحلية وعمال النظافة صاروا يشتكون كل عام من تضاعف حجم الفضلات المأكولة خلال شهر الصيام، وفاحت المزابل، أكرمكم الله، بروائح الطعام من كل الأنواع، فضلا عما تقدمه وزارة التجارة من أرقام مرعبة عن حصيلة تبذير مادة الخبز سنويّا في الجزائر، والتي تجاوزت 300 مليون دولار.

لماذا ينقلب سلّم القيم في المجتمع إلى هذه الدرجة من الانحراف الأخلاقي الجماعي، حيث يصبح التبذير عند عموم المسلمين من السّمات الملازمة لشهر التزكية النفسيّة؟ كأنّهم بذلك ينتقمون من الامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيطلقون العنان لشهواتهم البطنيّة، تلهف كل ما يقع عليه البصر فتشتريه دون حاجة فعلية، ثمّ تلجأ سريعًا للتخلص منه بالرّمي وسط النفايات.

لا شكّ أنّ هذه النزعة الاستهلاكيّة سلوك بيولوجي غريزي في الإنسان، إذا لم يوجهها وفق القيم الدينيّة والصحية السليمة تحولت إلى عادة سيّئة قد تُورده المهالك، فضلا عن كونها تظل خادشة بسلامة العبادة وثمراتها التربويّة.

أمّا طغيان الاستهلاك وسط المجتمعات الإسلامية الحديثة في شهر يُفترض أنه شُرّع للاقتصاد، فهو على رأي المفكر عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، الوجه الآخر المُستبطن للعلمانيّة، لأنّ هذه الأخيرة وفق ما يطرحه الرجل تبقى من دون تعريف جامع مانع، باعتبارها ليست ظاهرة محددة المعالم، حيث تتم دومًا من خلال آليات واضحة.

إذا أسقطنا على واقعنا الرمضانيّ مفهوم “العلْمنة البنيويّة الكاملة” الذي يعتبره “المسيري” أهم أشكالها وأكثرها شيوعًا، إذ تتسرّب لنا وتتغلغل في وجداننا دون أي شعور من جانبنا، سنجد أنّ تنامي معدلات الاستهلاك في شهر الصيام هو في الحقيقة صورة سلوكيّة للحياة العلمانيّة وسط المتديّنين، لأنه في نهاية المطاف فصلٌ للعبادة عن روحها القيميّة ومقاصدها التربويّة، لا تختلف كثيرا عن تلك الصلاة التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر.

(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى