مقالاتمقالات مختارة

الاستشراق الحديث والمعاصر مفهومه ووسائله وأثاره

الاستشراق الحديث والمعاصر مفهومه ووسائله وأثاره

بقلم أمل مطر العصيمي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الاستشراق الحديث والمعاصر مفهومه ووسائله وأثاره – أمل مطر العصيمي

قد نعى بعض الباحثين على المشتغلين بالعلوم الإسلامية، لاسيما من يتصدى منهم للكتابات الغربية الطاعنه في نصوص الوحي، والتاريخ الإسلامي، ضعف المواكبة للإطروحات الاستشراقية الجديدة، وهوضعف عام يعود بالأساس إلى قلة المختصين في هذا المجال العلمي (الاستشراق) الذي تحول بمرور الوقت إلى تقليد مستهلك ومبتذل من الماضي، تجتر فيه كتابات قديمة، وردود مكررة على أطروحات إستشراقية عفى عليها الزمن.

إن إشتداد غلواء العولمة الثقافية والفكرية والتي شهدت منعطفأ حادأ في أعقاب أحداث 11من سبتمبر2001م يوجب على النخي الإسلامية بذل المزيد من الجهود في سبيل مواكبة الموقف الغربي من واقع المجتمعات والحركات الإسلامية، وأن ينفر طائفة من الباحثين الفضلاء إلى تفكيك وتحليل الدراسات الغربية التي تناقش شؤوننا، وتبحث عن قضايانا المعاصرة،بغرض الإستفادة منها، وتعميق الوعي بالسياسات الغربية ونقدها وفقأ لمنظورات الشرع والواقع.

لقد ساهمت موجة الاتصال العالمي والوان شبكات التواصل الجماهيري في انتشار المضامين الاستشراقية الجديدة تجاه الواقع الإسلامي المعاصر بتجلياته كافة،والتي صنعها المؤسسات الأكاديمية الغربية، ومراكز الأبحاث، وروجتها وسائل الإعلام الدولي، وساندتها السياسات العالمية، ودافعت عنها للأسف شريحة واسعة من كتابنا المستغربين.

 

الاستشراق بين الماضي والحاضر: –

بعد الفتوحات الإسلامية في الشام وصقلية وشمال إفريقيا والأندلس فيما بعد، قام النصارى بحروب عدة ” الحروب الصليبية ” على المسلمين، ومن خلال الإحتكاك بالمشرق الإسلامي عبر قوافل التجارة وزيارات الحج وغير ذلك، كما كان من جهود النصارى لفهم الإسلام برغبة معرفة اعدائهم ووصف دينهم بالتزييف والهرطقة ما قام به الاب بطرس رئيس دير كلوني 1156م/560هـ يرى بقوله ” لا يمكن تدمير الإسلام إن لم نفهمه”، في حين رغبة الباحثين منهم الإستفادة من الثروة الفكرية في العالم الإسلامي، فبدأت طلائع المستشرقين ومعظمهم من الرهبان بالوفود إلى الأندلس في ق 4هـ، فنقلوا العلوم إلى بلادهم وترجمتهم للكتب العربية في الطب والفلسفة والرياضيات إلى اللاتينية.

وبعد فشل الحروب الصليبة أدى إلى بعض الباحثين مثل روجر بيكون (1294م/ 693هـ) القول للكنسية يجب ان تبذل جهدأ أكبر طويل المدى لتحويل المسلمين إلى نصارى بشكل سلمي ولتحقيق ذلك حثوا الكنيسة على تشجيع دراسة الإسلام واللغة العربية، وكان أن ترجم الأب بطرس القرأن الكريم إلى اللاتينية وفكرته هذه بدافع التنصير وظلت معتمدة للقرن 19م.

وفي 1312م/712 عقد مؤتمر كنسي في فيين شرق فرنسا طالب بإقامة كراسي للغة العربية في جامعات باريس ولكن لم تنفذ الا عام1539م/946هـ أول كرسي للغة العربية في الكوليج دي فرانس، وفي القرن 10هـ /16م، كان العثمانين في أوج إزدهارهم فقد ثار خوفهم وأخذوا يظهرونهم في الأدب الشعبي غالبأ بإنهم قساة،، وإثارة المزاعم بالفضائح حولهم وكذلك فعل الفنان الفرنسي “براون” في تصوير نساء الدولة العثمانية عام ١٨٦٠ كنوع من السرد المضاد المتحيز تجاه حضارة الشرق. وكذلك كانت معظم لوحات المستشرقين والتي كانت تمثل مشاهد من الحياة اليومية، تصور الرجل الطاغية الغاضب، والنساء عرايا، والمدينة تتسم بالفوضى والاتساخ، وأسواق العبيد، فذلك خلق صورة ذهنية عن الشرق المتحلل الذي يمكن ويجب السيطرة عليه من أجل ترقيته والاستمتاع بمحارمه.

 حتى بعد اختراع التصوير الفوتوغرافي في عام ١٨٣٩ لم يكن كافيًا ليسهم في تغيير الصورة النمطية التي كونها الغرب عن الشرق، بدلًا من ذلك، كانت الصور في كثير من الأحيان مناشدة وجلب واستحضار للخيال الغربي عن الشرق..”، وفي ق 11هـ/17م، أصبحت أوربا اكثرقوة بسبب التغيرات السياسية والاقتصادية ،خاصة بعد الخلاص من الإستبداد الكنسي بهم، ثم 1755م/1168هـ قد أكمل المفكر الفرنسي مونتسيكوتطور مفهوم عن “الشرق المستبد” قدر لهذا المفهوم أن يعيش ويزدهر في القرنين 19م و20م.

 بدأ الاستشراق الجديد من نهاية الاستشراق القديم عام 1973 ومن مكانه الجديد في أميركا، وكان لابد من أن يجد له جذورًا جديدة بالإضافة إلى جذره الاستشراقي القديم فوجدها في أربعة مشارب مغطّاة وهي: (دراسات المناطق، مستودعات الأفكار، ما بعد الاستشراق، استشراق ما بعد الحداثة)، ولم يكن الغرض من نشوء هذه البداية واضحًا.

ومع بداية التسعينيات من القرن العشرين وتفكك العالم الاشتراكي وسقوط الاتحاد السوفيتي وتصدّع العالم الثالث، ظهرت الحاجة، أميركيًا، للاستشراق الجديد ليشكل ظهيرًا ثقافيًا وأيديولوجيًا لإعادة ترتيب العالم من منطلق أميركي جديد تحديدًا؛

وأصدرت الحكومة الأمريكية قبل ذلك مرسومًا عام ١٩٥٢م خصص بموجبه مبالغ كبيرة لتشجيع الجامعات على افتتاح أقسام للدراسات العربية والإسلامية، واستقدمت العديد من المتخصصين في الدراسات الاستشراقية من الجامعات الأوربية على رأسهم “جوستاف جرونبام – ١٩٠٩- ١٩٧٢ مستشرق نمساوي”، و”هاملتون جب – ١٨٩٥- ١٩٧١ مستشرق انجليزي” و”برنارد لويس – انجليزي الأصل يهودي الملة ١٩١٦” لويس وفوكوياما وصموئيل هنتنجتون، وأسس “جب” مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، وأسس “جرونياوم” مركزًا في جامعوكاليفورنيا، وأصبح “برنارد لويس” عميد علماء الشرق في الولايات المتحدة.

ولذلك تقدمت دراسات الشرق في الولايات المتحدة بشكل أكبر وأعمق واتخذت أشكالًا عديدة وقد زاد هذا الاهتمام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م.

وفي مؤتمر الاستشراق الذي عقد في لندن عام 1967 الذي ناقش التاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي، وظهرت ميول لنقل مركز الاستشراق من أوروبا إلى أميركا خدمة لأغراض وتوجهات أميركا نحوالشرق الأوسط عمومًا. وكان لظهور النقد الموجّه للاستشراق القديم الدور الكبير في توقف أدوات وآليات الطرق القديمة له وخصوصًا بعد نشر كتاب إدورد سعيد (الاستشراق) عام 1978 الذي فضح جانبه التعسفيّ والمهيمن.

ومؤتمر باريس عام 1973م / 1393هـ بمناسبة مرور مائة عام على عقد المستشرقين لمؤتمراتهم العالمية، وكان هناك تصويت على بقاء مصطلح مستشرق الا ان النتيجة لصالح إلغاء التسمية فاصبح إسم المؤتمر بعد التغير”المؤتمر العالمي للدراسات الإنسانية حول أسيا وشمال إفريقيا” وهكذا رمي مصطلح مستشرق في ركام مزبلة التاريخ كما يقول برنارد لويس.

إن الاستشراق المعاصر أوما أصبح يعرف بالدراسات العربية والإسلامية أوالدراسات الإقليمية أودراسات الشعوب العربية والإسلامية تحت مختلف التخصصات كالاجتماع وعلم الإنسان والاقتصاد والسياسة لم يعد يشبه ذلك التراث الضخم من الكتابات الاستشراقية المعروفة مثل كتابات جولدزيهر ومارجليوت وشاخت وكولسن وبرنارد لويس وهاملتون جب وتوماس آرنولد وغيرهم. فإذا كان المستشرقون القدامي ينطلقون من معرفة اللغة إلى تناول القضايا كافة التي تتناول الإسلام والمسلمين في المجالات العقدية والتشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن المستشرقين المعاصرين أوالباحثين الغربيين يدركون الآن أنه لا يمكن للشخص أن يصبح عالمًا متخصصًا في الشرق العربي الإسلامي من خلال اللغة وحدها، فإن الباحثين الغربيين الذين يدرسون العالم الإسلامي من خلال بعض المعرفة باللغات الإسلامية مع إلمام محدود بالإسلام أصبحوا يدرسون العالم الإسلامي من خلال قضايا محدودة جدًا مثل وضع المرأة في قطر من الأقطار، أوالتعليم في بلد من البلاد الإسلامية. أوقضايا الزواج والطلاق أوبعض المسائل الفرعية الأخرى.

إن الاستشراق كان يمثل حالة من الانبهار والافتتان بعلوم الشرق وكنوزه المعرفية والمادية استدعت من الغرب بعقله الجمعي والفردي أن يبادر بدراسات واسعة ومعمقة حول الشرق بكل تجلياته وفواعله الثقافية والفكرية، إلى أن تحولت بوصلة الفكر والعلم إلى الغرب وأصبح لزامًا على الغرب –تبعًا لتصوراته عن الآخر – أن يوقف عجلة الحضارة التي بدأت في المنطقة منذ ظهور الإسلام، والضغط عليها من خلال استعمارها والسيطرة على مقدراتها، والبدء في فرض ثقافته وتعليمه، والعمل على تكوين روافد له من أبناء تلك المنطقة، وأصبح أكثر سمه مميزة لهذا الاستشراق الجديد أنه لم يعد مقتصرًا على الدارسين الغربيين، بل استطاع أن يبهر عددًا من أبناء تلك الأمة الباحثين والدارسين تكاد تقتصر مهمتهم الكبرى على دعم التصورات المنتجة عن الإسلام والشرق من قبل الغرب.

إنتشار مراكز ومعاهد البحث في الغرب تمثل الموجة الاستشراقية الجديدة إلى تحول الاستشراق إلى صورته الجدية المتمثلة في المراكز البحثية لثلاث نقاط رئيسية يذكرها د. صالح عبد اﷲ الغامدي في دراسته الموسومة بـ “الإسلام الذي يريده الغرب” وهي: –

1- إن دراسات العالم الإسلامي أصبحت جزءًا رئيسيًا من اهتماماتها وبحوثها، والمنافسة فيمابينها.

2- إن هذه المراكز ترفع شعار الموضوعية والحياد في دراساتها وأبحاثها بشكل عام.

3- إن هناك علاقة حميمة بين هذه المراكز وبين صناع القرار والسياسيين خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال فإن المستشرق المعاصر برنارد لويس” حث أمريكا على استخدام القوة في تغيير الشرق الأوسط وبارك احتلال العراق وتقديمه المشورة والنصح للمحتل الأمريكي فيما بعد، بل يصل أن يكون أحد أعضاء تلك المؤسسات فيما بعد في مناصب حكومية سياسية تجعل له تأثيرًا ما على سياسة تلك البلاد تجاه العالم الإسلامي، مثل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد بوش الأبن “كوندليزا رايس”، التي صاغت مفهوم الفوضى الخلاقة والتي ظهرت آثاره فيما بعد في ثورات الربيع العربي وقدرة الغرب –نتيجة خبرة مراكزه البحثية – في الالتفاف عليها، والبدء في تفعيل مفهوم “الفوضى الخلاقة”.

وقد حصر الدكتور عبد الحليم عويس ادعاءات المستشرقين وسمومهم في تشويه التاريخ الإسلامي في عدة خطوط فكرية ثابتة:

– القول بأن فترة التزام المسلمين بالإسلام لا تعدوأن تكون فترة عصر الراشدين

– التركيز على افتراءات الخلاف بين المسلمين وتوسيع دائرة الحديث عنها والإغضاء بالتالي عن المساحات الكبيرة المتألقة.

– إثارة الخصومات وتعميقها بين العرب والبربر والأتراك والفرس بهدف إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين.

– محاولة إبراز كلمات العروبة والفكر العربي والحضارة العربية بغرض إثارة الشعوب الإسلامية التي ساهمت في صنع الحضارة الإسلامية ضد العرب

– ابراز دور الأقليات المسلمة وتحريكها ضد الأمة والزعم بأنها ظلمت وانتهكت حقوقها.

– كراهية كل الدول والجماعات التي أنقذت المسلمين ووقفت ضد الزحف الصليبي مثل المماليك والأيوبيين والعثمانيين ويفوز العثمانيون بالنصيب الأوفى من حقد هؤلاء.

– محاولة إرجاع ما يوجد من صور النهضة في الحياة الإسلامية إلى الاحتلال الأوربي مثل الحملة الفرنسية على مصر وبعثات محمد علي إلى أوربا.

– تمجيد كل الذين خانوا الإسلام وحاربوه مثل مصطفي كمال أتاتورك في تركيا وأكبر شاه في الهند والانتقاص من قدر المجاهدين والمصلحين وتلفيق التهم ضدهم.

– التشكيك في التراث الحضاري الإسلامي بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة عن الحضارة الهيلينية وأن المسلمين بالتالي لم يكونوا إلا نقله ومترجمين.

تشويه منصب الخلافة الإسلامية ورميه بأبشع الصفات وإعلان حرب دائمة عليه حتى بعد زواله.

لقد لعب (لويس، فوكوياما، هنتنغتون) الدور الكبير في ظهور وترسيخ هذا النوع الجديد من الاستشراق، ولابد لنا من معرفة أطروحات ومتون هؤلاء:

برنارد لويس: مستشرق مخضرم بين الاستشراقين القديم والجديد قدح شرارة الاستشراق الجديد، وهوأستاذ فخري بريطاني أميركي في الدراسات الشرق أوسطية في جامعة برنستون والذي تخصص في تأريخ الإسلام، عُرف ببحوثه في الأرشيف العثماني، ساهم لويس في تأسيس فكرة غزوأفغانستان والعراق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وابتكر مقولات (صراع الحضارات) و(الإرهاب الإسلامي).

كان انهيار المعسكر الاشتراكي وانفراد أميركا كقطب أوحد قد هيأ المناخ لظهور الاستشراق الجديد الذي سيختلف كليًا عن الاستشراق القديم في قوته وطابعه العملي الاستخباري.

كتب برنارد مقالته ثم كتابه (ما الخطأ بتأثير الغرب واستجابة الشرق الأوسط) عام 2002 أي بعد أحداث 11 سبتمبر معلقًا عليها؛ حيث رأى أن حال العالم الإسلامي مع بداية الألفية الثالثة قد وصلت إلى ضعف وفقر وجهل أمام ما حققه الغرب من قوةٍ وغنى وعلمٍ؛ فكان ذلك بمثابة نشوء أفكار عدوانية أدت إلى هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001.

يحدد برنارد اختلافًا مهمًا يتعلق بعلاقة الثروة والسلطة عند الغرب وعند الشرق (والإسلام تحديدا)؛ فهويرى أن النمو الاقتصادي، في الغرب، يتحقق عندما يكوّن الفرد الثروة في السوق، عن طريق الإنتاج والتبادل، ثم يحاول من خلال ثروته الحصول على تمثيل سياسي والوصول إلى السلطة.. أما في الشرق الإسلامي والأوسط فإن الفرد يسرق السلطة ثم يحاول الحصول على الثروة فتفسد السلطة.

ورأى برنارد أن التحديثيين في العالم الإسلامي سواء كانوا إصلاحيين أوثوريين ركزوا جهودهم في ثلاثة حقول هي: (العسكرية، الاقتصادية، السياسية) لكنها باءت بالفشل، فبناء جيوش حديثة انتهى بهزائم عسكرية، وبناء اقتصادات اشتراكية أوغيرها أدى بدولها نحواقتصاد مفلس وفاسد ولابد له من عون خارجي، ونشدان الديمقراطية والاشتراكية أدى إلى نشوء أنظمة استبدادية بين أوتوقراطية تقليدية أودكتاتوريات حديثة: «وكان دعاة التحديث – بالإصلاح أوالثورة – يركزون جهودهم في ثلاثة مجالات رئيسية هي المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، ولكن النتائج كانت – إن شئنا التلطف في التعبير – مخيبة للآمال، إذ أدى السعي للنصر بجيوش محدثة إلى سلسلة من الهزائم المهينة، وأدى السعي للرخاء من طريق التنمية في بعض البلدان إلى الفقر وإنشاء نظم اقتصادية يعيبها الفساد وما تفتأ تحتاج إلى المساعدات الخارجية. وأدى في البعض الآخر إلى اعتماد غير صحي على مورد أوحد هوالنفط والغاز، بل إن هذه الموارد نفسها قد اكتشفها – ويستخرجها وينتفع بها – أبناء الغرب بفضل ابتكاراتهم وجهودهم، وهي مكتوب عليها أن تنفد أوأن يتجاوزها العالم إلى غيرها».

فرانسيس فوكوياما: هوعالم سياسة واقتصاد سياسي وكاتب وأستاذ جامعي أميركي في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون بجامعة ستاتفورد منذ 2010. وكتابه الأشهر (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) صدر عام 1992، وهوتوسيع لمقالة كتبها عام 1989 بعنوان «نهاية التاريخ؟».

«افترض كثيرون أن احتمال انتهاء التاريخ يدور حول مسألة ما إذا كان ثمة بدائل معقولة نراها في عالم اليوم للديمقراطية الليبرالية، وقد ثار جدل واسع النطاق بشأن أسئلة مثل ما إذا كانت الشيوعية قد ماتت حقًا، وما إذا كان ثمة احتمال لعودة الدين أوالمذاهب القومية الفاشية، وأسئلة أخرى من هذا القبيل، غير أن السؤال الأصعب والأعمق إنما يتصل بصلاحية الديموقراطية الليبرالية ذاتها وليس فقط باحتمال انتصارها على منافسيها في عالم اليوم. فعلى فرض أن الديمقراطية الليبرالية أصبحت الآن آمنة من خطر أعدائها في الخارج، فهل بوسعنا أن نفترض إمكان استمرار المجتمعات الديموقراطية الناجحة على حالها إلى الأبد؟ أم أن الديموقراطية الليبرالية فريسة تناقضات داخلية هي من الخطورة بحيث يمكن في النهاية أن تزعزع من دعائمها كنظام سياسي؟ ما من شك في أن الديموقراطيات المعاصرة تجابه عددًا من المشكلات الكبيرة، كالمخدرات، والتشرد، والجريمة، وتدمير البيئة، وتفاهة المجتمع الذي تسوده النزعة الاستهلاكية، غير أن هذه المشكلات لا يمكن التدليل على أنه من المستحيل التصدي لها بالعلاج على أساس من المبادئ الليبرالية، ولا هي من الخطورة بحيث يمكن القول بأنها ستؤدي بالضرورة إلى انهيار المجتمع ككل، كما انهارت الشيوعية في عقد الثمانينيات». (فوكوياما: 1993: 16).

كانت محاضرته التي عنوانها (خطر المسلمين في أوروبا) الطريق لدخوله في الاستشراق الجديد الذي يتعامل مع الإسلام والإرهاب. وهويرى أن الإرهاب المتأسلم خطرٌ أكثر في أوروبا منه في الشرق الأوسط، وبعد أن مرّ على بعض الأحداث الإرهابية التي قام بها مسلمون في أوروبا تساءل (كيف يتجاوب المجتمع الأوربي المبني على قيم التسامح والانفتاح والديمقراطية مع أناس يعيشون في داخله ويعتقدون هذه القيم؟) وأشار فوكوياما إلى خطورة الوضع في أوروبا أكثر منه في أميركا لن المجتمع الأميركي، أساسًا، هومجتمع أعراق وقوميات منصهرة في بناء واحد أما المجتمعات الأوروبية فهي متجانسة في عمومها ويكون فيها الغريب واضحًا ومميزًا يشعر بالإحباط فيرتمي في تيارات تؤكد هويته وتدافع عنها مثل القاعدة.

يستخدم فوكوياما مصطلح (الفاشية الإسلامية) ليشير بها للأصولية الإسلامية التي تقف بوجه الحداثة والتي تتميز بانغلاقها وعدم تسامحها، ويقدر تقييم فوكوياما للإسلام في جوانبه الإيجابية كدين مهم لكنه يرى أنه دين تسلطّي وشمولي يقهر ويصهر في داخله الإثنيات والقوميات ويعتبره أيديولوجية مغلقة كالشيوعية، وأنه بصعوده الحالي يمثل تهديدًا للغرب، ويرى فوكوياما أن الفكر (الجهادي) يوظف الإسلام لأغراضه ويعادي الفكر الحداثي ولا يمكن الجمع بين هذين المتضادين: (الجهاد والحداثة).

صموئيل هنتنغتون: أستاذ في جامعة هارفارد، ويعد كتابه (صدام الحضارات 1996) أحد أهم المصادر الخمسة لترسيخ الاستراتيجية والمركزية الأمريكية لمرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أما الكتب الأربعة الأخرى فهي: (نهاية التاريخ لفوكوياما، أحجار على رقعة الشطرنج الكبرى لبريجنسكي، هل الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة خارجية؟ لهنري كيسنجر، نهاية الشرق لريتشارد بيرل).

يرى هنتنغتون أن هناك أسبابًا ترشح الإسلام للصدام؛ فهوكديانة تدعولصهر الآخر وتذويبه، وربما نبذه وقتاله، تتعارض، كليًّا، مع الحداثة التي تنبني عليها الحضارة الغربية، ويرى إن معظم الصراعات في العالم هي صراعات بين المسلمين وغيرهم أوصراعات بين المسلمين أنفسهم. فمن بين 59 صداما في العالم هناك 28 صداما تخص المسلمين: البوسنة والهرسك، الشيشان، فلسطين، أفريقيا: «ويظل السؤال: لماذا؟ والقرن العشرون يوشك على الانتهاء، نجد أن المسلمين هم الأكثر تورطًا في مزيد من العنف بين الجماعات، من شعوب الحضارات الأخرى… وهل كانت تلك هي الحال دائمًا؟ في الماضي كان المسيحيون يقتلون إخوانهم المسيحيين وغيرهم من الناس بأعداد كبيرة. إن تحليل الميل إلى العنف في الحضارات عبر التاريخ قد يتطلب بحثًا مطولًا ليس هذا مجاله، ومع ذلك فإن ما يمكن أن نفعله هوأن نحدد أسبابًا ممكنة لتيار العنف الجماعي الإسلامي سواء داخل الإسلام أوخارجه، وأن نميّز بين الأسباب التي تفسر ميلًا كبيرًا نحوالعنف الجماعي في التاريخ إن وجد، وتلك التي تفسر ميلًا نحوه في نهاية القرن العشرين فقط. هناك ستة أسباب ممكنة تطرح نفسها، ثلاثة منها تفسر العنف بين المسلمين وغير المسلمين، وثلاثة تفسر كلًا من ذلك والعنف داخل الإسلام نفسه، ثلاثة أيضًا تفسر فقط الميل الإسلامي المعاصر نحوالعنف، بينما تفسر ثلاثة أخرى ميلًا إسلاميًا تاريخيًا.

وهويرى بأن الإسلام يقف بوجه الحضارة الغربية بقوة وفيه ما يمنع من انتشار الحداثة والديمقراطية الليبرالية التي نشأت في الغرب، فهويعتقد أن «الفشل العام للديمقراطية الليبرالية في أن تترسخ في المجتمعات الإسلامية ظاهرة متكررة ومستمرة على مدى قرن كامل، بدأ في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر. هذا الفشل له مصدره – في جزء منه على الأقل – في طبيعة الثقافة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الرافضين للمفاهيم الغربية الليبرالية. ونجاح الحركات المتأسلمة في السيطرة على المعارضة وتعيين نفسها بديلًا وحيدًا صالحًا للضغط على الأنظمة، ساعد عليه بشكل كبير سياسات تلك الأنظمة نفسها.

تستنج مما سبق النتائج والتوصيات التالية:

–        سيظل الاستشراق- حتى بعد إلغاء مصطلح “المستشرق “- بكل صوره القديمة والحديثة حاضرًا بنسب مختلفة.

–        أنّ جهود المستشرقين بالسابق كانت منصبّة في العقود الفائتة على النصّ القرآنيّ والحديثيّ وعلم الكلام وما يتعلق بذلك من الرجوع إلى تاريخ الإسلام المبكر والتأكيد على الوثائق الماديّة لتاريخ الإسلام والدراسة الدقيقة لتطوّر النصّ وعدم الاعتراف بالتاريخ الذي يكتبه المسلمون عمومًا، وبالتالي عدم الاعتراف بما أنتجه التاريخ الرسميّ المتّفق عليه بين المسلمين.

–        يظل الاستشراق يمثل تصور الذات الغربية عن الشرق، الذات الغربية المحملة بإرث كبير وتراكمات من الحقد صاغها جزء من التاريخ اليهودي بعد الخروج من الجزيرة العربية، وانتهاء النبوة عند العرب، والنهضة العلمية والفكرية التي أحدثها فتح الإسلام للأندلس.

–        ساهمت وسائل الاتصال الحديثة في انتشار المضامين الاستشراقية الحديثة التي أنتجتها مراكز البحث الغربية عن العالم الإسلامي.

–        أصبحت معظم أفكار العالم الإسلامي لا تنصب في إعادة بناء الأمة من خلال مصادرها الأساسية، بل ظهرت حركات فكرية عطلت مسيرة الأمة بإدخالها في نفق التبعية الفكرية وقطع الصلة بينها وبين تراثها، بل سيطرت منهجية الغرب على أفكار البعض منهم.

–        أهمية العمل على دراسات جادة نقدية موضوعية لمراكز البحث في الغرب وإنتاجها، وتيسير توصيلها بصورة مركز وبسيطة لكل المثقفين.

–        إعادة بناء المنظومة الفكرية التي تنطلق من ثوابت الأمة.         

–        تربية الأمة على تعظيم النصوص الشرعية، والاستسلام التام لها، وعدم التقدم بين يديها برأي أواعتراض، وأحسب أن كثيرًا من الجنوح والاضطراب الفكري الذي يدفع الشباب إلى التبعية والاستلاب سببه الرئيس هجران النصوص والإعراض عنها.

–        استخدام الأدوات المعرفية والتقنية الحديثة لمخاطبة الشباب باللغة التي يفهمونها ويتفاعلون معها. ويتطلب ذلك قدرة فائقة على تفهُّم مشكلاتهم واستيعاب التحديات التي تواجههم، بشكل يتجاوز الحواجز النفسية والزمنية التي قد تفصل العلماء والدعاة عنهم.

–        أن الأمر يتطلب فريقًا من المتخصصين الأكفاء الذين يتقنون الأدوات الفكرية والمنهجية في الحوار، ويتصدون للاحتساب العلمي على أولئك المستشرقين بعلم وعدل، وقد يكون تقصيرنا في إعداد هذا الفريق من أسباب انتشار ذلك الباطل وكثرة من يتأثر بهم من الشباب المسلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المصادر والمراجع:

–        الاستشراق في الفكر الإسلامي المعاصر، محمد عبدالله ، الشرقاوي، دار العلوم،القاهرة

–        من أفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر، مازن صلاح مطبقاني، مكتبة ابن القيم، المدينة المنورة.

–        حول الاستشراق الجديد , عبدالله عبدالرحمن الوهيبي.

–        مقال / لماذا يدرسون المستشرقون الإسلام، إسلام ويب،2001م.

–        الاستشراق الحديث، خالدعبد المنعم.

–        المستشرقون،نجيب العقيقي. ط 3، دار المعارف، القاهرة،1964م.

(المصدر: موقع مداد)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى