الاستبداد والتبعية في عهد السيسي
بقلم راني ناصر
تعيش مصر أزمات اقتصادية وسياسيّة خانقة نتيجة للتدمير المنهجي الذي اعتمده الرئيس عبد الفتاح السيسي لمؤسسات الدولة بذريعة القضاء على الإرهاب، ونتيجة لتحالفاته الاقليميّة والدوليّة التي سلبت من مصر دورها الريادي والقيادي للإمة العربية.
قوّض الرئيس المصري عمل المؤسّسات المدنية بملئها بقادة يتسابقون لإرضائه، وعزّز عمل المؤسّسة الأمنيّة لتكون المؤسسة الوحيدة الفعّالة في مصر مما أدّى إلى إنشاء دولة بوليسيّة تمكّنه من مصادرة الحريات، وتجريم واقصاء منافسيه، والبطش والتنكيل بمعارضيه.
كما قام نظامه بالقضاء على التعدديّة بعد ان علّق نشاطات الأحزاب “الغير مرضي عنها” كحزب مصر القوية وحزب الوسط، واعتقل قياداتها ومن ضمنهم عبد المنعم أبو الفتوح والمستشار هشام جنينة، وزج الرئيس المصري بمنافسيه الفريق سامي عنان، والعقيد أحمد قنصوة في السجن قبيل الانتخابات الأخيرة، وانسحب الفريق أحمد شفيق، والمحامي خالد علي، والبرلماني السابق محمد أنور السادات خوفا من بطش النظام.
سار عبد الفتاح السيسي على خطى أنور السادات وحسني مبارك في تخلي مصر عن دورها القيادي وعزلها عن قضايا محيطها العربي، وتحويلها إلى دولة تبعيّة |
وقام بملء المؤسسة الدينية بجيش من الائمة المناصرين له لإعطاء نظامه الشرعية الدينية، حيث أصدرت دار الافتاء فتوي تشجّع على اخراج زكاة وصدقات المصريين لصالح صندوق” تحيا مصر” التابع للنظام المصري، وقال الشيخ صبري عبادي عندما كان وكيل لوزرة الأوقاف للصحف أن من يدعون لتظاهرات يوم 25 يناير” لا يرغبون في استقرار البلد لأن الإسلام يحرم الخروج على الحاكم أو ولي الأمر”، وأفتى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة بتجريم ترديد شعار “يسقط حكم العسكر”.
وذكر تقرير”هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch” لعام 2018 أنه وقعت في مصر انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بين أعوام 2014 الى 2017 ، حيث أرسلت السلطات ما لا يقل عن 15500 مدني إلى محاكم عسكرية بينهم أكثر من 150 طفلا، واعتقلت 17 صحفيا حتى أكتوبر 2018، وأوقف الأمن المصري 190 ناشطا سياسيّا في أواسط يونيو/حزيران 2018، وحجبت السلطات المصرية اكثر من 425 موقعا بينها صحف مستقلة ومنظمات حقوقية مثل “مراسلون بلا حدود”.
قادت سياسات السيسي القمعيّة إلى حالة من عدم الاستقرار وغياب الشفافيّة والمحاسبة نتج عنها أزمة اقتصادية خانقة أدّت إلى تبخّر الاستثمارات الأجنبية وهروب رجال الاعمال من البلاد، فخسر الجنيه المصري 60 بالمئة من قيمته لتصل إلى 17.6 جنيه مقابل الدولار الأمريكي، وارتفع الدين الخارجي إلى 94.64 مليار دولار مع نهاية يونو/حزيران 2018 ليتجاوز 100 بالمئة من الإنتاج المحلي، ووصلت نسبة التضخم إلى 17.5 بالمئة لشهر أكتوبر 2018 ، وارتفع معدل الفقر إلى 27.8 ليكون الأعلى منذ 15 عاما، مما أدى إلى احتلال مصر المرتبة 5 في مؤشر البؤس العالي.
سار عبد الفتاح السيسي على خطى أنور السادات وحسني مبارك في تخلي مصر عن دورها القيادي وعزلها عن قضايا محيطها العربي، وتحويلها إلى دولة تبعيّة، وأداه طيّعة في يد إسرائيل وأمريكا؛ فتحالفت إدارته مع إسرائيل في خنق غزة ووضع حماس على قائمة الإرهاب العالمي، وساهمت في إعطائها الغطاء السياسي في المحافل الدولية لضرب المقاومة الفلسطينية تحت ذريعة الإرهاب، وحولتها من كيان مغتصب للأرض الفلسطينية وعدو للامة العربية الى دولة صديقة.
دولة الاستبداد التي يقودها السيسي فشلت في تطبيق الديموقراطية وإعطاء المواطن المصري حرّيته وحقوقه، وأذلت مصر بتحويلها إلى دولة متسوّلة تابعة تخلت عن دورها القيادي العربي، واستبدلت تحالفاتها الإقليمية والدولية التي كانت تعزّز دورها القيادي العربي ومكانتها الدولية المرموقة خلال سنوات حكم جمال عبد الناصر؛ بتحالفات عربية وأمريكية وإسرائيلية تهدف إلى تركيع أمّتنا وسرقة ثرواتها وتدمير مقدساتها.
(المصدر: مدونات الجزيرة)