مقالاتمقالات مختارة

الاستبداد.. بين السلطوي والامتلاك

الاستبداد.. بين السلطوي والامتلاك

بقلم محمد كامل العمري

إن الاستبداد اليوم في العالم، أصبح نمطا مرادفا عند ذكر الدول العربية، حيث الفساد والظلم ومصادرة الحريات السياسية ومحاربة كل الشخصيات الوطنية. فالاستبداد بمفهومه العام: ” الرعاية الشمولية لشعب ما، ومصادرة حقوقهم بحجة الولاء للحاكم” يتواجد غالبا في المنطقة العربية.

والدول الاستبدادية لا يدوم تقدمها -إذا كانت متقدمة أصلا- مهما كانت انجازتها، سواء بالتعليم والصحة والخدمات العامة؛ لأنها تنتهي في ظرف حساس (تدخل خارجي، صعوبات اقتصادية، استقطاب شديد) وتنتهي من حيث بدأت. وتختلف أنواع الاستبداد ما بين الاستبداد بشكله “السلطوي” واستبداد “الامتلاك” الذي تمتاز به المنطقة العربية.

الاستبداد “السلطوي”

هو قائم على قيادة فردية مقدسة، تسعى إلى إنشاء دولة قوية مستقلة بالطرق الخشنة والأساليب القاسية”، وهذه الشخصيات القيادية ترتكز في رؤيتها على بناء أمة جامعة غير متنوعة (قد ترتكب أبادة جماعية في سبيل تحقيق التجانس) تحت قيادة صلبة. من الأمثلة على المستبدين السلطويين: هتلر، جوزيف ستالين، كمال أتاتورك. ومعظم هؤلاء القادة مارسوا أساليب وحشية لتثبيت نمطهم السلطوي؛ من قتل جماعي، إلا أنهم بنوا دول قوية -في فترة قصيرة- واستطاعوا أن يسيطروا على مساحات واسعة وتقديم نموذج حكم بديل عن الديمقراطية.

فهتلر الذي نجح في بناء ألمانيا -قبل الحرب- قوية دون بطالة تذكر وفساد إداري منخفض، استطاع أن يقوي جيش المانيا الضعيف آنذاك بعد الحرب العالمية الأولى. وستالين الذي وصل إلى الفضاء قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وصنع القنبلة الهيدروجينية قبل أي دولة أخرى، هو مثال مهم عن المستبد “السلطوي”.

ويتصف المستبدون “السلطويون” بأنهم لا يسعون إلى الحكم بناء على مصالح شخصية، أو اطماع سلطوية، بل وتجد بيوتهم مثل أي بيت آخر؛ فهم لا يمتلكون قصورا خاصة بهم، ولا أراض لأولادهم وزوجاتهم. هم فقد منشغلون بتقوية الدولة والأمة!

ومن صفاتهم أنهم يأتون بمراحل تاريخية مفصلية؛ فيحددون شكل الدولة مستقبلا، ونموذج تقدمها الذي تسير عليه. وهم لا يقبلون بتحكم أي دولة بهم، بل يسعون دائما للريادة بعيدا والاستقلال بعيدا عن الأقطاب العالمية.

استبداد “الامتلاك”

هو استبداد العائلة الواحدة أو عدة عائلات على مقدرات الدولة وخيراتها، يتصفون بالثراء الفاحش والتقديس لشخوصهم. ومن أكثر الأمثلة الحية على هذا النموذج هو بشار الأسد؛ فقد قتل أكثر من مليون سوري، وهجر نصف السوريين، واعتقل مئات الآلاف في معسكرات شبيهة بمعسكرات النازية، عدا عن سيطرت عائلته على الاقتصاد السوري.

فعائلة بشار الأسد أقرب نموذج على استبداد “الامتلاك” ومثله أغلب الدول العربية الشبيهة بهذا النموذج.

واستبداد “الامتلاك” معالم عدة، منها: الاستقواء بالخارج، رفض الاستقلالية، تدمير الاوطان. فالمستبد من هذا النوع، لا يجد حرجا من استدعاء قوة خارجية لكي تحميه، بل حتى لتقمع شعبه؛ فستورد منها الأسلحة والمعدات الثقيلة (ليس الهدف حماية أمن دولته بل تنفيذ أجندة الداعم الرئيسي له) بمليارات الدولارات.

وهو يكره أن يكون مستقل، بل يصر هذا النوع من الحكام على الخنوع للأقطاب الدولية وتنفيذ مخططاتهم، وتجده يقتل أبناء شعبه لمجرد رأي يعارضه! وإذا اندلعت ثورة ما عنده، لا يستطيع التنازل عن كرسيه ليحكم من هو أصلح منه، بل يسعى جاهدا لتقتيل شعبه ولا يختل من قصفهم بالطائرات كما يفعل بشار الأسد.

الاستبداد “السلطوي” مرن أكثر تجاه أزمات بلاده، ولا يسعى إلى تدمير وطنه. صحيح أنه يظلم ويقتل، ولكنه عندما يتعرض لثورة حقيقية كما “الاتحاد السوفيتي” فإنه يتنازل ويحفظ دماء شعبه.

اما استبداد “الامتلاك” لا يهتم لدمار وطنه أو دماء شعبه، بل تحكمه الغريزة السلطوية، والتي في سبيلها مستعد أن يكون حاكما صوريا تسيطر عليه عصابات دولية..

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى