الإمارات تدعم شاه مسعود ضد طالبان
بقلم أحمد موفق زيدان
بين عامي 1992 و2021 ثلاثة عقود تقريباً، جرت في أفغانستان مياه كثيرة. في نيسان/أبريل 1992 تمكن القائد أحمد شاه مسعود من سَبْق منافسه الرئيسي زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار إلى كابول، وفرض نفسه عبر تحالفه مع القيادات الشيوعية الأفغانية المنتمية إلى الأقليات، وتحديداً أقليته الطاجيكية، فكان الحاكم وصانع الأحكام في أفغانستان لسنوات قادمة، أما منافسه حكمتيار فلجأ إلى معارضته.
اليوم وبعد ثلاثة عقود تقريباً تنقلب الصورة، تتمكن حركة طالبان، خصم النجل أحمد شاه مسعود الصغير، من عقد اتفاق مع الأمريكيين في الدوحة، لتطيح بالحكومة الأفغانية التي كان جزءاً منها، خلال أحد عشر يوماً فقط، وتفرض نفسها حاكماً على كل الأراضي الأفغانية، فيلجأ مسعود الصغير، كما فعل والده من قبل حين سيطرت طالبان على أفغانستان عام 1996 إلى وادي بنجشير متحصناً به وهو الذي خاض منه حروبه ضد السوفييت، ثم حروبه ضد طالبان.
وادي بنجشير لم يعد كما كان
وادي بنجشير لم يعد هو نفسه، وأفغانستان كذلك، ومن ثم فلجوؤه إلى وادي بنجشير ليشن منه عملياته ضد الحكم الأفغاني الجديد ضربٌ من التهلكة، وهو ما انعكس على ما تردد في رسالة أرسلها له الدكتور عبدالله عبدالله أحد أكثر المقربين لوالده، ينصحه فيها بعدم الإنصات لأمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني الذي يحرضه ضد الحكومة، وأن يدخل في مفاوضات مع الحكم الجديد، والظاهر أن طالبان التي أرسلت حشداً من قواتها إلى الوادي لإخضاعه، ليست حريصة على القتال، كي لا تفسد فرحتها بالنصر الذي حصل بدون إراقة دماء، فهي تعرف تماماً أن الدم الأفغاني يولد الدم، ولذلك دخلت في مفاوضات مع أحمد مسعود الصغير، بعد أن حوصر في أندراب المنطقة الصغيرة داخل الوادي، واتفق الطرفان مبدئياً على عدم مهاجمة بعضهما بعضاً، بانتظار أن تغادر القوات الأجنبية كابول لتتفرغ لاحقاً للمفاوضات أو القتال.
أحمد شاه مسعود الأب الذي قتله انتحاريان من تنظيم القاعدة، حين انتحلا صفة صحفيين، قبل يومين فقط من أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، كان ابنه أحمد صغيراً عندما لقي حتفه، وتوجه بعدها الابن إلى أكاديمية ساندهيرست البريطانية ليدرس العلوم العسكرية، وعاد قبل عام تقريباً إلى أفغانستان، لتكشف وقتها صحيفة التايمز البريطانية عن دعم مباشر للمخابرات البريطانية لوالده خلال فترة حربه ضد السوفييت. تقول الصحيفة إنه الوحيد من بين القادة الأفغان الذين كان يتلقى بشكل مباشر دعم المخابرات البريطانية، ولكن الدعم الأكبر لمسعود الأب كان من الفرنسيين، ساعده على ذلك إتقانه للغة الفرنسية ودراسته في ثانوية أمانية بكابول. ظلت علاقته مع الفرنسيين قوية، من خلال علاقته مع اليهودي الفرنسي المقرب من كل دوائر الحكم الفرنسي على تباين أحزابها برنارد ليفي، وهو الذي سار مع الابن على نفس سيرته مع الأب، حيث ظهر فجأة في وادي بنجشير بصورة وزعها مقربون من مسعود الصغير وأمامهما أطباق الفاكهة، مما قرع ناقوس الخطر وسط الأفغان، فكان مفعولها عكسياً تماماً، وأدت حتى بمن يكنون له الاحترام أن ينفضوا من حوله.
مسعود الابن بلا شرعية!
إشكالية مسعود الابن، أنه لا شرعية تاريخية له، سوى اعتماده على شرعية والده، وتلك الشرعية يعرف الجميع أنه لولا التدخل الأمريكي الذي حدث عام 2001 ما كان لجماعته حضور، وما كان لها أن تصل كابول، خصوصاً مع قتل مسعود الكبير قبل يومين من هجمات القاعدة على برجي التجارة العالميين، مما مهد الطريق ربما لاجتياح طالبان للشمال الأفغاني كله، لكن أتى الغزو الأمريكي لينسف المخطط الطالباني باجتياح الشمال، والأهم من هذا وذاك أن القيادات التاريخية التي كانت في صف مسعود الأب غابت تماماً عن الشمال الأفغاني، مما جعل مسعود الابن وحيداً فريداً، فقيادات مثل عبدالرشيد دوستم، ومحمد عطا، وقانوني وأبناء رباني، وكذلك إسماعيل خان في هيرات الذي استسلم لطالبان ثم هرب إلى إيران، والقيادات الشيعية مثل محقق وخليلي، كلهم خارج الأراضي الأفغانية الآن، بخلاف وجودها في التسعينيات داخل أفغانستان، مما يعني قدرة مسعود على الحشد والتعبئة في وجه حركة تسيطر على كل التراب الأفغاني غدت أمراً شبه مستحيل. فضلاً عن سيطرة طالبان على أسلحة وذخائر أمريكية ربما لا تملكها جيوش في حلف الناتو، مما يجعل احتمالية نجاحه أقرب إلى الصفر. ثمة أمر آخر في غاية الأهمية هو أن مسعود الصغير اليوم محاصر في بقعة جغرافية صغيرة جداً، ولا امتداد لها مع دول، كما لا شاطئ لها ولا مطار، بخلاف ما كان عليه والده والحركة التي كان يقودها في التسعينيات، حيث كانت مناطقه لها امتداد مع طاجيكستان وأوزبكستان، مما يوفر له دعماً خارجياً.
الدفع والنفخ الفرنسي
الدفع و”النفخ” الفرنسي لمسعود الابن واضح جداً، ولعل هذا يصب في صالح الثورات المضادة، إذ إن العلاقة الفرنسية-الإماراتية معروفة لدعم الثورات المضادة، ولعل هذا تجلى في موقف الإمارات الداعم له، بالإضافة إلى استقبال الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني وجماعته، مما يشير إلى رغبة المعسكر في تحريك ملف ضد طالبان وضد اتفاق الدوحة، لكن يبدو أن ثمة طرفاً دولياً آخر يدفع به أيضاً، وهو روسيا نظراً لعلاقة ربطت معسكر والده مع روسيا، التي دفعت بالجنرالات الشيوعيين في كابول 1992 إلى دعم مسعود في مواجهة حكمتيار، ولا يزال هذا الحلف قائماً، ولا تزال موسكو تمسك بخيوط شيوعية في الشمال الأفغاني، قد تستغلها وتستثمرها في أي لحظة تراها مناسبة.
المصدر: عربي بوست