مقالاتمقالات مختارة

الإلحاد والملحدون في مصر (3): بين 25 يناير2011 و30 يونيو 2013

الإلحاد والملحدون في مصر (3): بين 25 يناير2011 و30 يونيو 2013

بقلم إسماعيل المصري

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مثل الربيع العربي زلزالًا للمنطقة بأسرها وتبدلت الأنماط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية بشكل لا رجعة فيه، وعلى إثر ذلك تغيرت أنماط التدين بسرعة رهيبة فاندثرت أنماط قديمة عفي عليها الزمن في مقابل صعود أنماط جديدة لم تكن معهودة من قبل.

في هذا السياق يرى الباحث البريطاني براين ويتاكر أن الربيع العربي في 2011م قد صنع الفرصة للملاحدة ليخرجوا أخيرًا من الظلال، كما يؤكد على نقطة ذات دلالة شديدة الأهمية وهي أن هذا الأمر “قد تحقق في مصر أكثر مما تحقق في أي دولة عربية أخرى”[1].

يمكننا البدء من لحظة انتفاضة 25 يناير 2011م التي قامت ضد نظام مبارك ونجاحها في إسقاط الدكتاتور وإزاحته من الحكم، فعقب هذه اللحظة مباشرة ظهرت موجة من السيولة الفكرية والانفتاح المفاجئ على الأفكار والمذاهب والفلسفات، وفُتحت أبواب النقاشات العامة والخاصة مما أدى إلى تلاقح الأفكار بين مختلف التيارات والمذاهب الفكرية. ضَمِن هذا الانفتاح أماناً نسبيًا لحركة الإلحاد في مصر أن تطلق منابرها لدعوة الجماهير إلى معتقدها بعدم وجود إله ومهاجمة الدين الإسلامي وسط فوضى هذه الأفكار وبعثرتها، رغم ما شهده بعض رموز الإلحاد الجديد المصريين في هذه الفترة من ممارسات سلطوية تجاههم، كما سنرى.

المبحث الأول: وسائل التواصل الاجتماعي

كان حجر الزاوية لصرح ظاهرة الإلحاد في مصر منذ القرن الحادي والعشرين هو الانفتاح[2] المفاجئ الذي تلا سقوط مبارك، لا سيما فيما وفرته شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فقد أنتجت ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي قدرًا مهولًا من السيولة الفكرية الغير منضبطة بأية إطار مرجعي والغير محدودة بأي سقف، مما خلق مناخًا شديد الانفتاح يقول فيه من شاء ما شاء بلا رقيب ولا حسيب.

تصادف هذا الانفتاح مع تعطش الجماهير المصرية إلى السجال الفكري والمناظرات والنقاشات والحركة في المجال العام، وهي الأمور التي حُرم المصريون منه طوال فترة نظام مبارك حيث كان الخوف هو سيد الموقف وكان القمع هو لغة النظام الوحيد للتعامل مع المخالفين والمعارضين، وبالتالي تسببت هذه الانفراجة المفاجئة في فوضى فكرية عارمة.

جاءت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي للملاحدة المصريين ومركزيتها في نشر خطابهم الإلحادي للجماهير بسبب أن هذه الوسائل تتيح عددًا من المميزات التي لا تتوفر خلال أي وسيلة إعلامية أخرى ألا  وهي:-

  • غياب الرقابة المجتمعية أو السلطوية في المجموعات المغلقة والرسائل المتبادلة الخاصة.
  • سرعة التواصل وسهولة تبادل الآراء والأفكار بالإضافة إلى حرية التجمع وتكوين الشبكات.
  • القدرة على التخفي وراء الأسماء المستعارة والحسابات الوهمية مما يزيح عقبات الخوف والضغط الاجتماعي والملاحقة القضائية.

وبسبب هذه الخصائص ونظرًا للاتساع غير المحدود للفضاء الالكتروني فإنه يصعب بشدة تحديد الأعداد الحقيقية للملاحدة على وسائل التواصل بدقة. يصف الباحثان يار أميشاي وزاك حيات إمكانية إخفاء الهوية على الإنترنت كأداة لتمكين المجتمعات المهمشة، مثل مجتمع الملحدين في مصر، قائلين أن إخفاء الهوية Anonymity: “ربما تعطي المستخدمين الشجاعة للانضمام إلى المجموعات الالكترونية التي يعاني أفرادها من النبذ الاجتماعي. المشاركة في الأنشطة الالكترونية يحفز من تصريح هؤلاء لبعضهم البعض، مما يؤدي إلى زيادة تقديرهم لذواتهم”[3].

ويدل على الدور الكبير الذي لعبه الانفتاح على سائل التواصل الاجتماعي عقب 2011م فيما صرح به أحد الملاحدة المصريين في مقابلة مع صحيفة أسوشيتد برس Associated Press قائلأ: “اتخذت قرار الإلحاد منذ فترة، لكن قبل الثورة كنت أعيش وحيدًا في عزلة كاملة، لم أكن أعرف أحدًا مثلي. الآن، بعد ثورة 2011م، بحثت على الإنترنت على من يشبهوني، نحن الآن أكثر شجاعة من ذي قبل”[4].

ومع توالي المجموعات والصفحات الإلحادية على وسائل التواصل، حدثت هجرة جماعية للملحدين من المدونات إلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث ظهرت أولى إرهاصات ظاهرة الإلحاد الحقيقية في مصر، وبدأ الجدل بين النخب الفكرية في النشوء حول ما إذا كان الإلحاد قد شكل ظاهرة في المجتمع المصري تستحق الوقوف عندها والبحث في أسبابها ودوافعها وكيفية علاجها ومواجهتها أم هو مجرد مجموعة متفرقة من الحالات الفردية التي لا ترتقي إلى كونها حالة عامة موضعت نفسها داخل النسيج الاجتماعي المصري بالفعل.

لم تتجاوز حالات الإلحاد في هذه الفترة عددًا من مئات وربما آلاف الحالات الفردية بالفعل، إلا أن المؤكد أن هذه الحالات مهدت لشيوع ظاهرة الإلحاد في المجتمع المصري بعد 2013م عبر نشاط الملحدين على شبكة الإنترنت. فكما يذكر الباحثان ريتشارد سيمينو وكريستوفر سميث، فإن الإنترنت يمكّن الملاحدة من “اقتناء المعلومات، والعثور على مؤلفين لم يكونوا يعرفونهم من قبل، والوصول إلى الميديا المصنوعة من قبل الملحدين على مواقع مثل يوتيوب، مما يعطي لهم منصة يمكنهم من استكشاف والتعبير عن رؤاهم”[5]. ويضيف الباحث حلمي نعمان: “كما أن الإنترنت قد يساهم في تعزيز تجربة الملحد الشخصية بتيسير الوصول إلى المواد والمفكرين الملاحدة”[6].

استطاع النشاط الالكتروني في هذه الفترة توفير التربة الخصبة التي سينمو فيها الإلحاد لاحقًا عبر ثلاثة محاور:

  • توفير الملاحدة في هذه الفترة للحجج والبراهين ومصادر الاطلاع لمن سيتبعونهم وينضمون إليهم لاحقاً.
  • بنائهم للشبكات الاجتماعية التي يمكن أن ينتمي الملحد إليها ويعبر عن هويته خلالها.
  • تدشينهم للمنصات الإعلامية والملتقيات التي تساهم في تعزيز هوية الملحدين في المجتمع المصري وتشبيكهم بمطالب مشترك وخطاب موحد ذي مضمون متماثل.

المبحث الثاني: أثر الثورة في نشوء نزعة الإلحاد

لا تُعتبر ثورة يناير بدعًا من القول في تاريخ ظاهرة الإلحاد في المجتمعات، إذ أن التاريخ يخبرنا أن التحولات السياسية الجذرية يعقبها تحولات اجتماعية عميقة كذلك، وهو الأمر الذي يقرره عالم السياسة الفرنسي ألكسيس دي توكفيل بقوله: “فبعد أن تكتمل الثورة فسيظل ما خلفته من عادات ثورية قائمة في الأمة زمنًا طويلًا، وسوف تعقب الثورة اضطرابات اجتماعية عميقة”[7].

ومن أبرز الأمثلة التي يمكننا الاستدلال بها في هذا المقام هو الثورة الفرنسية عام 1789م والتي يتفق الباحثون على أنها مثلت نقلة نوعية لظاهرة الإلحاد لا في الغرب فحسب وإنما في العالم بأسره، كما يوضح الباحث البريطاني جوليان باغيني قائلًا: “إن غالبية المؤرخين يعتبرون الثورة الفرنسية علامة بارزة في تاريخ التفكير البشري حول الدين والإله”[8]، إلى الحدّ الذي دفع الصحفي البريطاني جورج ويليام فوت -أحد المتحمّسين للإلحاد- إلى القول بأن الإلحاد كان هو روح الثورة الفرنسية[9].

بالطبع لا يمكننا قياس سياق الثورة على الحكم الفرنسي الثيوقراطي في 1789م بسياق الثورة على الحكم المصري العسكري في 2011م، لكن ما نريد أن نؤكد عليه هو أن الثورة، كظاهرة سياسية، يمكنها أن تتسبب في نزوع المجتمع نحو فكرة الإلحاد (أو الانفصال عنها) بشكل أو بآخر، وأن استبعاد العامل السياسي أو تقزيم دوره، كعامل حيوي يتشابك بنيويًا مع ظاهرة الإلحاد، هو أمر يجانب الصواب.

كان استبداد نظام مبارك يُتصور على أنه أقوى سلطة على الإطلاق وأكثرها ظلمًا وطغيانًا مما موضعها كسقف لا يمكن لبشري أن يتجاوزه في المخيل الجمعي للشعب المصري. وعليه فإنه عند سقوط السلطة السياسية سقطت معها هيبتها ومكانتها (شبه) المقدسة وساد شعور بالتفوق والاستثنائية وتسرب معه شعور ضمني إلى كثير من الشباب بأن كل السلطات –الدينية والسياسية والأسرية وغيرها- قابلة للمسائلة والشك وأحياناً الإسقاط والهدم بالكلية، ولم تُستثنَ السلطة الدينية من هذا الشعور فأزيلت هيبة الدين وقداسته من النفوس تدريجيًا حتى أصبح الدين وسلطته ونصوصه مع مرور الوقت موضعًا للنظر والمعارضة بل والتمرد، فأدت هذه النزعة المتمردة والشعور الطاغي بتفوق الذات إلى تجرأ بعض الشباب على الدين مطالبين بالثورة عليه وعلى سلطته كما تمت الثورة على السياسة واستبدادها.

يؤكد براين ويتاكر على هذا الارتباط بين ثورة يناير وبين الإلحاد موضحًا: “لم تكن الثورة المصرية وانتشار الخطاب الإلحادي في مصر سببًا ونتيجة بقدر ما كنت نتائج لعملية واحدة؛ هي مساءلة السلطة وتحديها”[10]. ويؤيد الباحث د. حسام أبو البخاري هذه الرؤية إذ يرى أن “النقلة التي نقلت بها الثورة المجتمع المصري هي سقوط السلطة، ليس بمفهوم السلطة الحاكمة المتمثلة في مبارك ونظامه، ولكن السلطة بمعناها الواسع، السلطة الاجتماعية أو الدينية أو الأبوية، وهكذا”[11].

يمكننا ملاحظة هذا العامل بوضوح عند الاستماع إلى تجارب بعض الشباب الذين اتخذوا قرار الإلحاد في فورة الأحداث والتقلبات السياسية في تلك الفترة، فعلى سبيل المثال يذكر (جمال)، الملحد والناشط السياسي المصري، أنه: “أثناء الثورة وُلد عند الشباب عمومًا شعور بإمكانية التشكيك في أية فكرة قائمة أو أية مؤسسة موجودة قبل الثورة، وحتى في الدين نفسه”[12].

كما يمكن رصد هذه النزعة في ثنايا البيان الذي أعلنه أسامة درة -عضو جماعة الإخوان المسلمين سابقاً والملحد حاليًا- عام 2012م عندما صرح بإلحاده[13] قائلًا: ” لقد هز الربيع العربى ثقتنا بما كنا عليه قبل الثورات، وغدا واضحًا أن الافتراضات الأساسية التى قامت عليها حياتنا لم تكن سليمةً كلها .. قررت أن أعطّل العمل بالإسلام فى حياتى كدين، لأن “التنافر المعرفى” بين بعض تفاصيله، وبين ما أظنه الرشاد والعدالة، والمنطق وصل عندى حدًا لا أستوعبه، وأن أخفّض رتبته إلى “مستند ثقافى” يملأ فراغات صورة العالم فى عقلى وقلبى ويضبط أخلاقى، إلى أن أجد أساسًا غيره أو أعيد اعتماده كدينٍ لى”[14]

ومع طغيان المسألة السياسية وهيمنتها على كافة المجالات في المجتمع المصري في ذلك الوقت ومع ذيوع العمل السياسي والنشاط الحركي في المجال العام بدأت تنعكس تصورات الشباب عن السياسة والسلطة الزمنية على الدين والنصوص الشرعية.

يعطي الكاتب محمد عبد القهار نموذجًا تفسيريًا دقيقًا يمكننا من خلاله تعميق فهمنا لمبررات اتجاه عدد من الشباب المصري إلى الإلحاد عندما أرجع ذلك إلى تصورهم للسلطة الدينية كسلطة تطابق السلطة السياسية في طبيعتها وآلية التعامل معها، يقول عبد القهار: “يرجع جزء كبير [من إلحاد الشباب] إلى أنهم يتعاملون مع الإله باعتباره سلطة سياسية يجب الضغط عليها لتحقيق مكاسب أو معارضته أو رفض تدخله في اختيارات الإنسان كما يتعامل مع النشطاء مع حكام العالم الثالث، أو التعامل مع الإله باعتباره أب من جيل قديم لم يعد يعرف ما يريده جيل الأيفون ..”[15].

وبناءً على هذا التصور فإن الناشطين والشباب -في تلك الفترة- كانوا يتعاملون مع قرار الإلحاد على أنه فعل ثوري أكثر ما هو فعل ديني، وهو الأمر الذي يؤكده ممدوح الشيخ، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، حيث يرى أن جزءًا من ظاهرة الإلحاد “يعود للاحتجاج الاجتماعي أكثر منه موقفًا عقائديًا”[16].

ومن الأسباب التي ساهمت في تعزيز هذا الارتباط بين الثورة وبين الإلحاد عند الشباب:

  • انشغال الإسلاميين بالمسألة السياسية وانسحابهم من المساجد (الدروس واللقاءات والمواعظ الدينية) إلى الشوارع (المظاهرات والحشد والانتخابات) لا سيما مع فشلهم الواضح في إدارة أمور البلاد ومحاربة الدولة العميقة.
  • تغليب الحركات الدعوية الإسلامية للجانب السياسي على كافة خطاباتهم في ذلك الوقت واستحضارهم للمكون السياسي في كل صغيرة وكبيرة، مما أدى إلى تسييس الدين بصورة غير مضبوطة، فاستحضر عوام الناس المشهد السياسي عند الاستماع إلى الخطاب الدعوي، فأدى هذا المزج إلى نفور الناس من الدعوة كليةً.
  • هجران الإسلاميين التام لدورهم الدعوي والتربوي والإيماني والتزكوي المتعلق بالتربية والتكوين والتنشئة، وغياب معاني التزكية والرقائق وأعمال القلوب ومساحات التذكرة بالآخرة والموت والمواعظ وحلقات الذكر في مقابل استحضار معاني أكثر مادية مثل النجاح والعمل والريادة والتمكين والعلاقات الدولية والدعم الشعبي والانتخابات.

ساهمت هذه العوامل في إزالة هيبة الدين من نفوس الشباب لفقر ارتباطهم الوجداني بمقدساته ونصوصه فتضافرت قسوة القلوب مع نزعة التمرد فولدتا قابلية قوية للإلحاد عند الشباب[17]، وهو الأمر الذي لن يرى المجتمع المصري آثاره في تلك الفترة، وإنما ستتجلى الآثار الخطيرة لهذه العوامل بوضوح شديد في فترة إلحاد ما بعد رابعة منذ 2013م فصاعدًا، كما سيأتي.

المبحث الثالث: دعوات الإلحاد الجماهيرية في هذه الفترة

الإلحاد والملحدون في مصر (3) بين 25 يناير2011 و30 يونيو 2013-1

جاءت أولى الدعوات الجماهيرية للإلحاد بعد تنحي مبارك مباشرة، وتحديدًا في مارس 2011م، حينما نشر المحامي كرم صابر مجموعة قصصية بعنوان (أين الله؟) ظهرت فيها نزعة إلحادية صريحة. ورغم أن المجموعة القصصية أثارت ضجة كبيرة جدًا في الإعلام المصري وردود فعل غاضبة تجاهها وصلت إلى حد تكفير كاتبها والمطالبة بمحاكمته وتطبيق حد الردة عليه، إلا أنها في الحقيقة لم تستحق أي صدى يُذكر وكانت ردود الفعل تجاهها مبالغًا فيها وتعبر عن اندفاع عاطفي في الغالب، فقد خرجت المجموعة القصصية في مستوى شديد الفقر أدبيًا وموضوعيًا، حتى قالت إحدى القارئات على موقع Goodreads عن القصص الواردة في الكتاب بأنها “ليست عملًا أدبيًا أصلًا، بل هي كتابة لطفل غير موهوب في التعليم الابتدائي”[18].

ورغم الضعف البيّن للمجموعة القصصية، فقد رُفع ضد المؤلف شكوى إلى المحامي العام، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة الإلحاد وسب الذات الإلهية[19]. ومثلما حدث مع كريم عامر، فقد أصدرت 46 منظمة حقوقية عربية بيانًا بعد الحكم على كرم صابر بالتضامن معه و “رفض محاكم التفتيش التي تقتل حرية الإبداع وحرية التعبير”[20].

على أي حال، سوى هذه المجموعة القصصية، لم يكن هناك في هذه الفترة حركات جماهيرية أو منظمات لها وجود فعلي على أرض الواقع تقوم بنشر الإلحاد، اللهم إلا الحركة الحاضنة لكثير من الملاحدة المسماة بحركة (علمانيون) والتي تأسست في ديسمبر 2011م ومازال نشاطها مستمرًا إلى اللحظة، والتي يزعم بعض الناشطين أنها تدار من قبل ملحدين، ورغم أن المتحدث الرسمي للحركة رباب كمال كتبت على صفحتها الشخصية: “لا إله إلا العقل ولا رسول إلا الإنسانية”[21]، إلا أننا لم نستطع التأكد من صحة هذه المزاعم بشكل كافٍ، لكنها تتبنى أبجديات الخطاب التنويري والإلحادي معًا.

أول ندوة عامة لدعم حقوق الشواذ جنسيًا في مصر بمساندة الملحدين

الملحدان أحمد حرقان (في المنتصف) وإسماعيل محمد (على اليسار)، في أول ندوة عامة لدعم حقوق الشواذ جنسيًا في مصر، أقيمت الندوة في 17 يونيو 2013م تحت رعاية الصالون الثقافي لحركة (علمانيون). وبعد ردود الفعل السلبية التي تلقتها حركة علمانيون، قامت الحركة بحذف كافة ما يتعلق بها تجاه هذه الندوة على وسائل التواصل الاجتماعي[22].

فإذا انتقلنا من أرض الواقع إلى فضاء وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، فإننا نجد أن هذه هي المساحة الحقيقية التي يتحرك فيها الملاحدة ويدعون إلى أفكارهم، وهو الأمر الذي يؤكده حلمي نعمان، الباحث بمركز بركمان Berkman Center بجامعة هارفارد، حيث يذكر أن مجتمع الملاحدة العرب –بشكل عام- “هو ظاهرة الكترونية Online Phenomenon بشكل كبير، بوجود محدود في أرض الواقع وبدون أي مظلات جامعة لهم”[23].

تكمن صعوبة رصد المحتوى الإلحادي على وسائل التواصل الاجتماعي في التحولات السريعة والطبيعة المتقلبة للصفحات والمجموعات الالكترونية والتي تعوق القدرة على تتبع هذا المحتوى بشكل دقيق، فعلى سبيل المثال يمكننا ملاحظة أن صفحة (أنا أصدق العلم) قد تأسست في عام 2011م كصفحة ذات محتوى إلحادي صريح تروج لبشرية القرآن وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا خرافة لا وجود لها في التاريخ، لكن فجأة تحولت الصفحة من سياسة الإلحاد الصريح إلى سياسة التخفي وراء ستار العلم التجريبي، مما ساهم في انتشارها بشكل واسع بين المسلمين العرب، ومما يُلاحظ أن مديري الصفحة قد حذفوا كل منشوراتهم الإلحادية الصريحة القديمة، وحاليًا يكتفون بالتعريض ضد النصوص الإسلامية والمعتقدات الدينية[24].

الإلحاد والملحدون في مصر (3): بين 25 يناير2011 و30 يونيو 2013 - 3 انا أصدق العلم

شعار صفحة/موقع أنا أصدق العلم، التي بدأت كصفحة إلحادية صريحة، ثم حذفت كل منشوراتها الإلحادية وصارت تنقد الإسلام عن طريق التورية غير المباشرة.

وجدير بالذكر أن قناة (الجزيرة مباشر) قد استضافت مؤسس صفحة أنا أصدق العلم وهو أحمد الريس، الذي يصرح بإلحاده على صفحته الشخصية على فيسبوك، لكنه لم يذكر شيئًا عن إلحاد الصفحة. ورغم أن صفحة (أنا أصدق العلم) ليست مصرية على وجه الخصوص وإنما توجه خطابها للجمهور العربي بمختلف أقطاره، إلا أن أحمد الريس هو نفسه مؤسس صفحة (الباحثون المصريون) التي انطلقت في أغسطس 2014م، لتروج لنفس محتوى صفحة (أنا أصدق العلم) ولكن باللهجة المصرية الموجهة حصرًا إلى الشباب المصري. وتم طرده من إدارة الصفحة لاحقاً ولم يتبق سوى محمود توفيق وإسلام سامي يديران الصفحة. ومازالت الصفحتان حتى الآن مستمرّتين في الطعن في النصوص الإسلامية والتاريخ الإسلامي بشكل غير مباشر.

على أية حال فإننا أجرينا مسحًا بما استطعنا الوصول إليه من صفحات في تلك الفترة، ووجدنا أن أقوى منابر الإلحاد في هذه الفترة (2011-2013م) لم تتجاوز على أقصى تقدير بضعة آلاف من الآلاف أو التفاعل Engagement، فمثلًا بلغ عدد أعضاء مجموعة “ملحد وأفتخر” بحلول نوفمبر 2012م حوالي 7 آلاف عضو، وتجاوزت صفحة “أنا ملحد” 3,000 عضو بقليل، أما صفحات ومجموعات مثل “جماعة الإخوان الملحدين” و “ملحدون بلا حدود” و “تخاريف شيوخ” وغيرهم، فقد تراوح عدد أعضاء هذه المنابر من 500 إلى 1,000 عضو فقط.

وقد قام الباحث النمساوي رودريجر لولكر Rüdiger Lohlker، أستاذ الدراسات الاستشراقية بجامعة فيينا، بدراسة بعنوان (الإلحاد العربي) رصد فيها أكبر صفحات الإلحاد في العالم العربي[25]. وذكر لولكر أنه بحلول سبتمبر 2013م ضمت قائمة الصفحات الإلحادية المصرية على موقع فيسبوك الصفحات التالية:-

  • صفحة (ملحدين مصر على فيسبوك) – بدأت في 2012م – 3721 إعجاب.
  • صفحة (الملحدين المصريين) – بدأت في ديسمبر 2012م – 1777 إعجاب.
  • صفحة (أنا ملحد مصري وأريد تمثيل في دستور بلدنا) – بدأت في ديسمبر 2012م – 1622 إعجاب.
  • صفحة (مصريون بلا ديانة) – بدأت في ديسمبر 2012م – 1328 إعجاب.
  • صفحة (ملحد صعيدي) – بدأت في يوليو 2013م – 196 إعجاب.
  • صفحة (اللادينيون في جامعة الأزهر) – بدأت في يوليو 2013م – 16 إعجاب.
  • صفحة (ملحدين جامعة الأسكندرية) – بدأت في مارس 2013م – 369 إعجاب.
  • صفحة (ملحدين جامعة أسيوط) – بدأت في فبراير 2013م – 79 إعجاب.

من خلال الإحصائية السابقة يمكننا ملاحظة أن عدد المشتركين في أكبر الصفحات الإلحادية في تلك الفترة لم تتجاوز 4 آلاف شخص، مع ملاحظة أن عدد المشتركين هذا يتضمن حسابات وهمية، ومسلمين متدينيين معارضين للإلحاد، ومتشككين مؤمنين، وفضوليين مؤمنين أيضًا. فإذا أخذنا هذا في الاعتبار بالإضافة إلى تفرق الشبكات الإلحادية وعدم وجود مظلة واحدة تجمعهم، فإننا يمكننا ترجيح هذا الرقم التقريبي (4000) كحد أقصى لإجمالي عدد الملحدين في مصر في هذه الفترة.

وبقطع النظر عن عدد الملحدين في مصر في هذه الفترة، الأمر الذي يستحيل الوصول إليه بشكل دقيق، فإنه من بين عموم الملحدين في مصر فقد برزت مجموعة من الرموز الجدد لهذه الحركة الوليدة يدعون تصريحًا لا تلميحًا إلى الإلحاد ويسعون إلى تمرير قبول أفكارهم في المجتمع المصري بل وإلى تقنين وضعهم على كافة الأصعدة القانونية والسياسية، ويتقاطع خطابهم مع خطاب حركة الإلحاد الجديد بشكل مباشر من حيث المفردات والبنية والخصائص، ومن أشهر هؤلاء في هذه الفترة:

1) أحمد حرقان

يعتبر أحمد حرقان من أبرز الملحدين وأشهرهم في تلك الفترة إن لم يكن أشهرهم. خاض حرقان العديد من المناظرات والمناقشات منذ 2011م على وسائل التواصل خاصة على منتدى (التوحيد)، ومازال مستمرًا في نشاطه إلى اللحظة. اتسمت شخصية حرقان بسمات جيل الثورة الناشئ: ففهمه سطحي للغاية للقضايا الدينية، ويلاحظ فيه بوضوح الاندفاع الشبابي المتهور، كما أنه دائم التجرؤ على إعلان مواقف سريعة في قضايا كبرى تحتاج إلى تحقيق متأنٍ لتبين حقيقتها. كما أن حواراته ومناظراته لا يوجد فيها من القواعد المنطقية إلا القليل، ويغلب عليها الصوت العالي والاتهامات المتبادلة والغضب لا أكثر.

بسبب هذه السمات كان حرقان يتسبب دومًا في إحراج نفسه بنفسه في اللقاءات العامة، فمثلًا ادّعى حرقان في لقائه على قناة الرحمة أن “أغلب العلماء التجريبيين لادينيين” وعندما سأله المذيع على مصدر هذه المعلومة تلعثم ولم يعطِ جوابًا ولم يستطع الإحالة على أي مصدر[26]، وقد تكرر نفس الأمر في حادثة أخرى عند لقائه على قناة الحدث اليوم، فصرح حرقان أن عدد الملحدين في العالم وصل إلى 2 مليار ملحد، وهو رقم خيالي لم تذكره أية إحصائية في العالم ولا يمكن اعتباره منطقيًا أصلًا، ولما سألته المذيعة على المصدر لم يستطع ذكره كذلك، مما تسبب في وقوعه في حرج بالغ أثناء الحوار[27].

لم يكن هذا الضعف العلمي والتهافت السجالي لحرقان وليد الصدفة، بل كان نتاج حياة بائسة خاضها منذ صغره، فبحسب مصدر مقرب من حرقان: “يزعم حرقان أنه تربى في أسرة سلفية ويكرر ذلك كثيرًا في لقاءاته التليفيزيونية وحواراته ومناظراته، وهذا زعم غير دقيق، فالحقيقة هي أن حرقان نشأ في السعودية وسط أسرة تكفيرية شديدة الغلو تكفر كل من له تعامل مع الحكومة السعودية ولا تعذر بالجهل على الإطلاق، ووصل الأمر بحرقان إلى حد أنه نفسه كان يكفر أفراد جماعته التكفيرية أيضًا. ولما ارتحل حرقان إلى مصر التزم مع الدعوة السلفية السكندرية منذ 2003 إلى 2008م، ثم عانى من ظروف أسرية وشخصية قاسية نتج عنها سلسلة من الفشل المتوالي فقرر الإلحاد عام 2009م، وبعد الانفتاح طفق بين الناس يزعم أنه مفكر وباحث رغم أنه لم يكمل تعليمه الابتدائي –حيث أنه لا يحمل أي شهادات تعليمية سوى شهادة محو أمية فقط- ولم يحصّل مستوى ملحوظًا في أي بابٍ من أبواب العلوم”[28].

ورغم محاولة ترميز حرقان إعلاميًا إلا أنه كان يتكشف ضعفه في كل موطن، ومع كل ظهور إعلامي كان الملحدون ينتقدون أداؤه بشكل أشدّ، لكن جاءت الضربة الأقسى لحرقان في أكتوبر 2017م على يد ندى (سالي) مندور، زوجة/صديقة حرقان السابقة، حيث ذكرت مندور في فيديو مسجل لها تهاجم فيه حرقان وتفضح ممارساته العنيفة تجاهها أنه كان دائم الاعتداء عليها بالشتائم والضرب والصفع حتى وصل به الحال إلى تهديدها بالسلاح الأبيض.

كما روت مندور كيفية إنفاقها عليه ونزولها لتبيع الملابس في الشارع من أجل توفير تكاليف معيشة حرقان وهو جالس في بيته لا يعمل، وهي الأفعال التي قابلها حرقان بتشويه صورتها أمام الناس والكذب عليها ورميها بمختلف التهم من خيانة ومرض نفسي وغير ذلك[29]، وقد نشرت مندور في يونيو 2019م شهادتها الكاملة المفصلة على شخصية حرقان متهمة إياه بأنه شحصية متسلطة ومريضة وتلهث وراء الدعم المالي الذي يأتيه لا أكثر، وبعد هذه الفضيحة أفل نجم حرقان كثيرًا وصار كارتًا محروقًا عند الكثير من المهتمين بقضية الإلحاد.

أحمد حرقان مع صديقته السابقة ندى (سالي) منصور
أحمد حرقان مع صديقته السابقة ندى (سالي) منصور

وعاد حرقان إلى الصورة في مارس 2020م حيث ظهر في مقطع مصور على قناته الشخصية وهو يتلو القرآن وينطق الشهادتين. حينذاك احتفى كثير من الناس بعودة حرقان إلى الإسلام واستبشروا فيه خيرًا، لكن ظلت مجموعة من المتابعين للملف الإلحادي متوجسين خيفة من حقيقة أمره لأنه أعلن إسلامه قبل ذلك مرتين، وفي كل مرة كان يراوغ من أجل الحصول على مكسب معين ثم يعود إلى الإلحاد مرة أخرى، وفي هذه المرة الأخيرة شكك بعض الناس في نواياه حيث أشيع أنه أعلن إسلامه لمجرد رفع حظر السفر المفروض عليه من قبل الدولة.

على أي حال وباستبعاد النية الحقيقية له، فإن حرقان لم يكن مسلمًا موحدًا بالمعنى الدارج، فقد تتابعت فيديوهاته بعد ذلك تشكك في بعض الأحكام الثابتة للدين، وتسخر من رفض المسلمين لنظرية التطور، وتهاجم من يكفرون المسيحيين مدعيًا أن الإسلام هو الحب والسلام. يمكننا إذن أن نقول إن خطاب حرقان تغير من الإلحادي إلى التنويري لا أكثر.

2) إسماعيل محمد

وهو شاب سكندري ألحد عام 2012م. يروي إسماعيل كيفية تحوله من الإسلام إلى الإلحاد في قصة ملفتة توضح أثر الدومينو الاجتماعي Social Domino Effect في تحليل ظاهرة الإلحاد، حيث يذكر إسماعيل أن أول احتكاك له بمسألة الإلحاد في حياته كانت مع الضجة التي أثارتها قضية سجن كريم عامر في 2007م، حفزت هذه القضية إسماعيل على التعرف على أفكار الملحدين عبر موقع (منتدى الملحدين العرب)، إلا أنه لم يعجبه طرح الملحدين آنذاك فنسى الموضوع كأنه لم يكن. ثم جاء الاحتكاك الثاني له مع الإلحاد خلال قضية ألبير صابر[30] الذي تعاطف معه إسماعيل تعاطفاً شديدًا فرجع إلى القراءة عن الإلحاد كي يفهم مبررات اتجاه صابر إلى الإلحاد، وجاءت نقطة التحول لإسماعيل، كما يحكي بنفسه، هو مشاهدته لفيديوهات ريتشارد دوكنز ثم كريستوفر هيتشنز (اثنان من الفرسان الأربعة للإلحاد الجديد) ثم عبدالله القصيمي[31].

لم يكن لإسماعيل نشاطًا ملحوظًا للترويج للإلحاد حتى دشن قناته “البط الأسود Black Ducks” في أغسطس 2013م على موقع يوتيوب. يعرّف البرنامج الجمهور بهدفه على صفحته بهذه الكلمات: “البط الأسود هو برنامج حواري قام من أجل إعطاء الفرصة للادينيين والملحدين في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإبداء آرائهم والتعبير عن أفكارهم بحرية تامة دون خوف أو تضييق”. وبسبب هذه القناة، سمّت إحدى الصحف إسماعيل محمد بأنه “داعية الإلحاد في الشرق الأوسط”[32].

صورة تجمع من اليسار إلى اليمين: أحمد حرقان، سالي مندور، إسماعيل محمد
صورة تجمع من اليسار إلى اليمين: أحمد حرقان، سالي مندور، إسماعيل محمد

وفي نوفمبر 2013م ظهر إسماعيل على قناة المحور ليعرض معتقده، وكان لقاءً مأساويًا بكل المقاييس إذ اتصلت به والدته في مداخلة تليفونية وبكت أثناء حديثها أسفاً على ابنها، كما انسحب إسماعيل في منتصف اللقاء اعتراضًا على سير النقاش[33]. كان إسماعيل من المؤيدين لممارسات الدولة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني[34]، ومازال حتى اللحظة دائم الترويج لسياسات الدولة الإسرائيلية على صفحته الشخصية.

ونذكر هاهنا نقطة تستحق الإشارة إليها، إذ أن الكاتب سيد القمني قال في أحد لقاءاته موجهًا كلامه إلى إسماعيل محمد: “أنتم أولادي الحقيقيين .. أنا قلبي مليء بالسعادة لوجودكم وظهوركم .. أنا ممكن الآن أموت مرتاح لأني أنبتت هذه الثمار”[35]. وكان اللقاء شديد الحميمية بينه وبين إسماعيل محمد، مما يعكس العلاقة القوية بين بعض الملحدين الشباب وبين القمني والتي نرجح أنها علاقة التلميذ بأستاذه. ويمكننا أن نستأنس بشجار دار بين بنت سيد القمني (إيزيس) وبين أحد الملحدين عندما اشتعل خلاف بين بعض الملحدين وبين القمني وذكروا أنه “يراهن على الحصان الذي يناسبه”[36].

كما صرح القمني في ذات اللقاء أنه يستتر من إلحاده بالإسلام حتى يكون كلامه أوقع في نفوس المسلمين وحتى يتجنب أذى جيرانه، فقال: “مع الأسف الشديد أنا شخصيًا حتى اليوم مازلت أقول بأني مسلم .. لا يمكن أن أصرح بأني ملحد وجيراني ملتحين، ماذا لو رجعت وحدي بالليل وجيراني مستيقظين؟”[37]. ومن هنا نفهم لماذا قامت متصلة مجهولة بالاتصال ببرنامج (الحياة اليوم) في مارس 2012م لتشتكي أن ابنها قد صار ملحدًا بسبب تلمذته على يد سيد القمني الذي أخبره أنه “ليس هناك شيء اسمه إسلام وليس هناك شيء اسمه أديان”[38].

صورة لأحمد حرقان مع سيد القمني أثناء تصويره لمقابلة معه عام 2015م

صورة لأحمد حرقان مع سيد القمني أثناء تصويره لمقابلة معه عام 2015م[39].

3) ألبير صابر

ألبير صابر مع محمد البرادعي
ألبير صابر مع محمد البرادعي

وُلد ألبير صابر عام 1982م تقريبًا، واشتهر بعد ثورة يناير بكونه المنسق الجماهيري لوقفات ومظاهرات المرشح الرئاسي الأسبق محمد البرادعي. كان صابر معلناً إلحاده بشكل علني، لكن ذاع صيته في أغسطس 2012م عندما قام بنشر فيلم “براءة المسلمين Innocence of Muslims” المسيء بشدة إلى الإسلام على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، فتجمهر بعض جيران ألبير حول بيته واقتحموه غاضبين حتى تم استدعاء الشرطة التي قبضت عليه في سبتمبر 2012م وسط تهليل الجماهير[40].

صفحة الملحدين المصريين
صفحة الملحدين المصريين

تم الإفراج عن ألبير في ديسمبر 2012م ثم غادر أرض مصر فورًا ليستقر في سويسرا. وخلال تنقيب الناشطين عن نشاط صابر تبين أنه مؤسس ومدير صفحة “الملحدين المصريين” التي كانت تسب الذات الإلهية والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وتطعن في الدين الإسلامي طعناً بذيئاً للغاية.

حساب ألبير صابر القديم، ونموذج من منشورات صفحة الملحدين المصريين التي كان يديرها صابر
حساب ألبير صابر القديم، ونموذج من منشورات صفحة الملحدين المصريين التي كان يديرها صابر

 

4) حامد عبد الصمد

وهو أكاديمي مصري ألماني عمل مدرسًا للدراسات الإسلامية في جامعة إرفورت Erfurt الألمانية، ذكر عبد الصمد أنه كان ماركسيًا وهو ابن 19 سنة، ثم انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد سنتين، ثم بعد خمس سنوات أصبح لادينيًا لا يهتم بفكرة الخلاص أو الآخرة أو حتى الإله[41].

كانت أولى كتابات عبد الصمد هي روايته (وداعًا أيتها السماء) المنشورة عام 2008م والتي ظهرت أقرب ما تكون للسيرة الذاتية. كشفت الرواية أن حياة عبد الصمد كانت حياة مليئة بالمآسي والعقد النفسية والتجارب المؤلمة، لم تكن أقساها تعرضه للاغتصاب مرتين أثناء طفولته البائسة، مرة وهو ابن الرابعة ومرة أخرى وهو ابن الحادية عشرة سنة. هذا بجانب المعاملة القاسية التي تعامل بها أبوه معه والضرب المبرح والعقوبات المؤلمة التي كان يتعرض لها مرارًا وتكرارًا[42].

صرح عبد الصمد في روايته أنه عندما تعرض للاغتصاب كان يسأل الله في ذهنه: “لماذا يا رب؟ لقد كنت أبحث عنك بشغف، أهذه هي إجابتك؟ هل يعجبك ذلك؟ أهؤلاء شباب خير أمة خرجت للناس؟”، كما ذكر أنه آمن بأن الله قد “نساه”، مما يبين مركزية سؤال الشر[43] في لادينية عبد الصمد. لكن أولى تصريحات عبد الصمد المنهاضة للإسلام بشكل صريح خرجت في يناير 2011م قبيل الثورة عندما قال أنه “يعتبر الإسلام جزءًا من مشكلة العالم الإسلامي”[44]، وكان هذا التصريح عقب صدور كتابه (سقوط العالم الإسلامي: نظرة في مستقبل أمة تحتضر).

وفي فبراير 2012م نزل عبد الصمد إلى ميدان التحرير وهو يرتدي تيشيرت مكتوب عليه: “الإله مشغول .. هل يمكنني مساعدتك؟ God is Busy .. Can I Help you?” ومطبوع عليه صورة رأس الشيطان، تعرض عبد الصمد لهجوم من بعض الشباب المصري حتى استطاع الانصراف من وسطهم والالتجاء إلى دار ميريت بجانب الميدان[45].

تصاعدت نبرة الهجوم على الإسلام عند عبد الصمد شيئًا فشيئًا، وألقى أولى محاضراته بعد الثورة في 3 يونيو 2013م عندما استضافته حركة (علمانيون) لمناقشة مفهوم الفاشية الإسلامية. أشار عبد الصمد في اللقاء إلى أن “فتح المسلمين لمكة كان بذرة الفاشية الدينية في العالم”، كما ذكر بأنه يرى أن القرآن “كان كتابًا رائعًا في القرن السابع، أما في القرن الحادي والعشرين فليس له مكان”، ثم ختم كلامه قائلًا: “نحتاج إلى ملحدين للتشكيك بطريقة إلحادية في كل شيء في هذا الدين بدون محظورات”[46].

حامد عبد الصمد خلال محاضرته في يونيو 2013م، ويجلس بجانبه أحمد سامر أحد مؤسسي حركة (علمانيون)
حامد عبد الصمد خلال محاضرته في يونيو 2013م، ويجلس بجانبه أحمد سامر أحد مؤسسي حركة (علمانيون)

لم يكن عبد الصمد معروفًا إلى حدٍّ كبير في ذلك الوقت رغم الهجوم الشديد الذي لاقاه من الإسلاميين الذي وصل إلى حد تكفيره، ورغم افتعاله لحادثة اختطاف له وهمية في نوفمبر 2013م، حيث زعم أنه مهدد في حياته واختفى لبرهة قصيرة من الزمن وبدأت الأخبار تتناقل باختطافه على يد الفاشيين الإسلاميين الإرهابيين، فقد تبين بعد ذلك أنه كان في نزاع عادي حول مبلغ من المال لا أكثر[47].

وفي 2014م أصدر عبد الصمد كتابه (الفاشية الإسلامية: تحليل Der islamische Faschismus). ظهر الكتاب في مستوى يكاد يطابق مستوى بوش الابن، الرئيس الأمريكي الأسبق الذي كان يمتلك فهمًا سطحيًا ومجتزئًا للإسلام. يعلق الصحفي دانيال باكس محرر الشؤون الداخلية بصحيفة تاغيس تسايتونغ على كتاب عبد الصمد قائلًا: “ما يسميه عبد الصمد (تحليلاً)، هو في الواقع سجالٌ مُسطَّحٌ لا جديد فيه”[48].

ورغم دندنة عبد الصمد دائمًا حول محاربة الفاشية الإسلامية ونبذ العنف والكراهية ونشر السلام والمحبة والخير، إلا أنه لم يتورع في دعم المذابح والانتهاكات بحق الإسلاميين منذ أولى لحظات انقلاب 2013م وحتى يومنا هذا، فقد رحَّب بالانقلاب على الرئيس الأسبق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 ووصف ذلك بـ”انتصار الأمل”، وبعد أحداث رابعة، كتب عبد الصمد ساخرًا: “الفاشية [في أوروبا] أيضًا لم تُهزم من خلال السياسة”. وذكر عبد الصمد أنه لا يعد اعتقال الإسلاميين “انتهاكًا لحقوق الإنسان”، بل أنه صرح أنه “لا يمكن ردع الإرهابيين إلا بهذه الطريقة”[49].

بدأ عبد الصمد انتشاره بين عموم الشباب بشكل حقيقي بداية من يونيو 2015م عندما دشن قناة (صندوق الإسلام) على موقع يوتيوب والتي تتناول النصوص الإسلامية والتاريخ الإسلامية بشكل نقدي. ورغم إلحاده الصريح، إلا أنه وفي موقف غريب نعى والده المتوفي على منشور له على صفحته الشخصية وطلب من المؤمنين أن يصلوا على والده قائلًا: “يا من أنتم قادرون على الصلاة والدعاء، صلوا من أجله وأدعوا له”[50].

5) علياء المهدي

وهي الفتاة التي أثارت ضجة عارمة لا مثيل لها على الإطلاق عندما قامت نشر صور عارية لها على مدونتها الشخصية في أكتوبر 2011م دعت فيها إلى التحرر من عبودية المجتمع والهيمنة الذكورية للمصريين. درست علياء المهدي بكلية الإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لكنها لم تكمل تعليمها بسبب رفض أهلها لممارساتها ورفضهم لدفع مصاريف دراستها، كما تذكر أنها ألحدت عام 2007م وهي ذات 16 ربيعًا فقط[51]، وتركت بيت أهلها في يونيو 2011م[52].

لم تكن علياء ذات صدى يُذكر قبل نشر صورها العارية، ولكنها بعد نشرها للصور مباشرة قفز عدد متابعيها على موقع فيسبوك من عدة مئات فحسب إلى عشرات الآلاف وحصلت بعض صورها على أكثر من مليون مشاهدة[53]. وأثارت ضجة عارمة في الشارع والإعلام المصري بشكل غير مسبوق، وسمّتها مجلة Elle الفرنسية “أيقونة منبوذة”[54].

علياء المهدي مع كريم عامر
علياء المهدي مع كريم عامر

تلقت علياء تهديدات عديدة بالقتل، وتصاعدت نبرة الكراهية ضدها بشكل عنيف، فسافرت إلى السويد في مارس 2012م وأصبحت لاجئة سياسية هناك[58]. وفي سبتمبر 2013م، قامت علياء المهدي بنشر عريضة تتضمن رسالة إلى رئيس الجمهورية في ذلك الوقت عدلي منصور، تطالبه فيها بتمثيل المصريين اللادينيين في لجنة وضع الدستور المصري، وقامت المهدي بتوقيع المبادرة مع ثمانية لادينيين آخرين، منهم ألبير صابر وأحمد حرقان وإسماعيل محمد[59].تعرفت علياء على كريم عامر، أول مدون مصري ملحد، في مايو 2011م[55]، وصارت منذئذٍ صديقته/عشيقته بسبب توافقهما في الأفكار التحررية والتنويرية حيث أن “المشترك الأهم بينهما هو إيمانهما المطلق بالحرية”[56]. وجدير بالذكر أن كريم عامر استمر في نشاطه الحركي ودعا إلى انتخاب مرشح النظام السابق أحمد شفيق في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية ضد محمد مرسي في يونيو 2012م، قائلًا: “صوتي لشفيق حتى أمنع تحويل مصر إلى دولة إرهابية متخلفة على يد الإخوان المجرمين [57].

الإلحاد والملحدون في مصر (3) بين 25 يناير2011 و30 يونيو 2013-12

7) أيمن رمزي بطرس

وهو مسيحي سابق، قام بلقاء مع طوني خليفة في نوفمبر 2013م، وبلقاء آخر مع المذيعة ريهام سعيد في نوفمبر 2014م، وكان لقاءً ظهر فيه رمزي ضعيفًا للغاية وكان اللقاء أشبه بالسخرية منه[60]. استضافته قناة العقل الحر على يوتيوب وكان لقاؤه كذلك مملًا ركيكًا لا قيمة له[61]. لا يوجد خطاب جماهيري يقدمه رمزي في أي منصة أو وسيلة إعلامية، ولا نعلم لماذا سمته قناة جريدة اليوم السابع “زعيم ملحدي مصر”[62] على الرغم من عدم مركزيته في أي شبكة اجتماعية أو خطاب جماهيري على الإطلاق.

8) مولانا مصري ملحد (الدكتور عمرو)

وهو طبيب مصري يقيم بالولايات المتحدة الأمريكية. ظهر فجأة بعد 25 يناير 2011م ولم نتمكن من تحديد بداية نشاطه الإلحادي بشكل دقيق حيث أن فيديوهاته وقنواته على اليوتيوب تُحذف باستمرار (أقدم فيديو وجدناه له يعود تاريخه إلى سبتمبر 2011م[63]).

كان مصري ملحد من أوائل من صرحوا بإلحادهم بعد الثورة ولم يكتفِ بالدعوة إلى الإلحاد فحسب بل أنه يعرّف نفسه دومًا بأنه “معادٍ للدين”[64] وليس فقط رافضًا له، لذا فقد كان –ومازال- يصور مقاطع شديدة الهجوم على الدين الإسلامي خصوصًا وعلى الأديان عمومًا وما يتضمن ذلك من سب الذات الإلهية والسخرية من النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما اشتهر مصري ملحد بتمزيقه للمصحف أمام الكاميرا في فيديو نشره في أغسطس 2012م، وهو الفعل الاستفزازي الذي لفت الأنظار إليه وصدرت الفتاوي باستحلال دمه عقبه مباشرة[65].

لا يكتفي مصري ملحد بالدعوة إلى الإلحاد أو بنقد التاريخ الإسلامي، بل هو دائم التعليق على الوضع السياسي في مصر مهاجمًا كل ما هو متعلق بالإسلام السياسي أو حتى الوعظ الديني. كما اشتهر مصري ملحد بلسانه البذيء ودعوته إلى إبادة جماعة الإخوان المسلمين وسحق أفرادها بكل وحشية، ومازال مستمرًا في إصدار حلقاته وتصدير خطابه حتى اللحظة.

ويذكر الناشط أنديل أنه أثناء أقسى لحظات الديكتاتورية العسكرية في مصر “كان مولانا مصري ملحد في قمة توحشه. فقد كان احتفاؤه بالعنف في مواجهة الإخوان استثنائياً ومقلقاً، قبل فض رابعة كان يمارس نوعًا من أنواع إماتة الضمير الممنهجة تمهيدًا لمذبحة، في هذه الفترة كانت ڤيديوهاته تتحدث عن متظاهري رابعة كأنهم مواشي أو حيوانات لا تستحق الحياة، كان “مصري ملحد” في هذا الوقت يسترسل في سيناريوهات ساخرة للطرق المثلى لقتل متظاهري رابعة يتلذذ فيها بتخيل الموقف ويضحك على ما سيناله هؤلاء من مصير بشع .. وجدت صعوبة كبيرة في استساغة تعبيرات مثل تلك من شخص كان منذ شهور قليلة يتساءل عن الأعناق التي ضُربت تحت سمع وبصر نبي الإسلام على أيدي صحابته دفاعاً عن سمعته، “همّا الناس دي فراخ؟” كان يتساءل مستنكراً أرواحاً بشرية أُهدرت، لا يعرفها ولا يربطه بها شئ، لكنه التعاطف الإنساني الغريزي مع روح الإنسان، أقدس وأغلى ما في هذا العالم، تأثرت عندما شاهدت هذا المقطع منذ شهور، وتأثرت أكثر عندما شاهدته يصف ضحايا فض اعتصام رابعة بـ “البهائم النافقة””[66].

9) نهى محمود

وهي طبيبة كانت متزوجة من رجل سلفي ثم طلقها بعدما اتجهت إلى اللادينية. حاولت محمود رسم صورة ذهنية لها لدى العامة في بداية الأمر بكونها صديقة للبيئة وناشطة في مجال الحفاظ على البيئة[67]، لكنها في الوقت ذاته كانت تناظر على حساباتها الشخصية مدافعة عن اللادينية[68].

وعلى مدار عام 2013م ألفت نهى محمود كتابًا لا يعدو كونه خواطر امرأة ذات تجربة ضيقة لا أكثر، تروج فيه للادينية بطريقة مبتذلة للغاية وضعيفة أدبيًا وموضوعيًا على كافة المستويات[69]. ورغم الضجة التي أثيرت حول نهى محمود إثر استضافة المذيعة ريهام سعيد لها في مايو 2014م على قناة النهار ثم طردها لها في آخر الحلقة فيما سمّاه بعض المتابعين “مسرحية”[70]، إلا أن تأثير نهى محمود كان ضعيفاً للغاية بشكل عام، ولم يكن لها أثرٌ يذكر قبل أو بعد ذلك. وحتى اتضافتها على قناة العقل الحر لم تحصل حلقتها على أكثر من 5000 مشاهدة بعد 4 سنوات من إذاعتها، وغلب على التعليقات الهجوم والشتيمة تجاهها[71].

ملاحظات ختامية للفصل الثالث

طبقاً لتعريف الظاهرة الاجتماعية الذي أوردناه في مقدمة البحث، فإننا لا نرى أن مسألة الإلحاد في فترة 2011-2013 قد شكلت ظاهرة اجتماعية لها تيار خاص واستقلالية تعبر عن نفسها من خلال التنظيمات والحركات، بل كانت مجرد حالات فردية تعتمد على منصاتها وشبكاتها الخاصة والضيقة في الترويج لمعتقدها لا أكثر، لذلك فإننا نجد أن جل الأنشطة التي كان الملاحدة يتشاركونها في هذه الفترة –مثل حسابات وسائل التواصل أو الصفحات Fan Pages أو المجموعات Facebook Groups أو الفيديوهات- لا يتجاوز أغلبها بضعة آلاف تفاعل أو مشاهدة.

إلا أننا نرى أن الإنجاز الأكبر الذي حققه الملاحدة المصريون في هذه الفترة هو “كسر التابو” عند عموم الشباب المصري، أي طرح موضوع الإلحاد في المجال العام بعدما كان محظورًا وعملهم على تجاوز صدمة المجتمع المصري بوجود هذه الفئة من الشباب وسطهم. وصار الحديث عن الإلحاد من المسائل المعتادة العادية وليس أمرًا شاذًا يُصدم الناس عند التعرض إليه.

ووفقاً لتقديرنا فإنه بدءًا من منتصف 2012م انتقلت وسائل الإعلام والمنصات المختلفة لمناقشة هذا الملف بعدما كان مغيبًا، وبدأ الإسلاميون في كتابة المقالات وتسجيل الحلقات في سبيل التصدي لهذه الظاهرة بعدما كانت كل المكتبة العربية تعتمد على عدد محدود من الكتب لمواجهة الإلحاد مثل كتاب (حوار مع صديقي الملحد) لمصطفى محمود و (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان و (خديعة التطور) لهارون يحيى [اسمه الحقيقي عدنان أوكطار] و (الفيزياء ووجود الخالق) لجعفر شيخ إدريس، فاستطاع الملاحدة المصريون في هذه الفترة لفت نظر المجتمع المصري إلى وجودهم الفعلي حتى وإن لم يكتسبوا أي صفة قانونية أو حقوق تشريعية حتى اللحظة.

تبقى الإشارة إلى أن هذه الفترة من تاريخ مصر اتسمت بطغيان المشهد السياسي على كافة المشاهد الأخرى، ومن ثم لم يكن للإلحاد كبير صدى أو حتى اهتمام عند الشباب المصري، خصوصًا مع سيطرة الإسلاميين على المجال العام، الأمر الذي لم يعطِ فرصة للملاحدة كي يتمكنوا من إعلان هويتهم بعد بشكل صريح. ويعبر أحد الملاحدة عن هذا الأمر خلال لقائه في مارس 2012م مع مجلة (الشباب) التابعة لمؤسسة الأهرام قائلًا: “سعينا جميعًا كشباب للنزول في أحداث ثورة 25 يناير مطالبين بالتحرر من النظام السابق، فقد كنا مهددين بالسجن إذا أعلنّا عن إلحادنا بتهمة ازدراء الأديان والحبس ما لا يقل عن 4 سنوات، وللأسف نحن الآن مهددون بالقتل من قبل المتشددين والمتطرفين الدينيين”.

ويقول ملحد آخر لذات المجلة: “لولا خوفي من التعرض لمضايقات من قبل أهلي وزملائي والمجتمع ككل، كنت بالتأكيد أعلنت عن إلحادي، ولكنني الأن أكتفي بالدعوة للإلحاد عبر الفيس بوك من خلال صفحتي الشخصية او مجموعات الملحدين بالفيس بوك والمدونات الإلحادية، وكل أملي أن تتحقق مطالب الملحدين بمصر وهي الزواج المدني وأن تعترف الدولة بالملحدين وأن تُحذف خانة الديانة ويصبح لدى الجميع الحق في نقد الأديان والدعوة للإلحاد، وأعلم ان الطريق مازال طويلًا خصوصًا بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم”[72].

ونؤكد أن النشاط الإلحادي في هذه الفترة انحصر في النشاط الالكتروني، كما يذكر طارق الشبيني، وهو شاب مصري ملحد ذو 23 عامًا، في لقاء أُجري معه في يوليو 2011م، أن “معظم الأعمال التي تم تأليفها بوساطة الملحدين لم يتم ترجمتها بصورة صحيحة إلى اللغة العربية. إن كتاب (وهم الإله) لريتشارد دوكنز ممنوع في معظم الشرق الأوسط، ولولا معرفتي الجيدة باللغة الإنجليزية واتصالي بالإنترنت لما عرفت شيئاً عنه”[73].


الهامش

[1] براين ويتاكر، عرب بلا رب، مرجع سابق، ص/ 173.

[2] لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح “الانفتاح” الذي يُتداول في النشرات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي وخطابات الساسة والناشطين، كما يلاحظ د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي أن التراث العربي الإسلامي لم يرد فيه استخدام هذا المصطلح بينما ورد في النسق اللغوي الغربي بكثافة وبدلالات متعددة، ومع انتقال المصطلح إلى البيئة الإسلامية شابه قدر كبير من الغموض حتى أنه ليقصد به معانٍ تصل إلى حد التناقض، ومن دلالات المصطلح التي تتصل بالبحث: وصف الدين بأنه انغلاق وتحجير على العقل بينما الإلحاد تنوير وتحرر وتقدم، انظر: مجلة الأصول والنوازل، السنة الأولى، العدد الأول، محرم 1430هـ/ يناير 2009. وعلى أي حال، فإننا في سياق البحث نستخدم مصطلح الانفتاح بمعنى زوال الاستبداد السياسي وشيوع قدر كبير من حرية التعبير في المجال العام مع تلاقح الأفكار عبر لقاءات الشارع المصري وعبر وسائل التواصل الاجتماعي مع مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية.

[3] Yair Amichai-Humberger and Zack Hayat, “Internet and Personality,” in the Social Net: Understanding Our Online Behavior, ed. Yair Amichai-Hamburger (Oxford: Oxford University Press, 2013).

[4] https://www.dallasnews.com/news/news/2013/08/03/arab-atheists-inch-out-of-shadows-despite-persecution-in-mideast

[5] Richard Cimino and Christopher Smith, “The New Atheism and the Empowerment of American Freethinkers,” in Religion and the New Atheism: A Critical Appraisal, ed. Amarnath Amarasingam (Leiden: Brill, 2010).

[6] Helmi Noman, Arab Religious Skeptics Online: Anonymity, Autonomy, and Discourse in a Hostile Environment, (February 4, 2015), Berkman Center Research Publication No. 2015-2.

[7]  ألكسيس دي تكوفيل، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة: أمين قنديل ومحسن مهدي، (القاهرة: عالم الكتب)، ص/ 619.

[8] مقابلة مع قناة BBC البريطانية، https://www.youtube.com/watch?v=fkeuyG621is

[9] George William Foote, Flowers of Freethought.

[10] المرجع نفسه، ص/ 173.

[11] لقاء لدكتور حسام أبو البخاري مع عمرو أديب بتاريخ 29-5-2013م، https://www.youtube.com/watch?v=fkRupdJSkSA تم دخول الرابط في 23/10/2018م.

[12] براين ويتاكر، عرب بلا رب، ص/ 173.

[13]  قد يتعجب القارئ من سبب إصدار “بيان” لإعلان شخص لإلحاده، وهو أمر غير معتاد في العقائد حيث أنها مسألة شخصية بحتة لا يتم إعلان بيان حولها، لا سيما إذا كان الشخص من عوام الناس وليس وجهًا مشهورًا. لكن السبب في ذلك حسب تقديرنا هو أن هذه الفترة (2011-2013) كانت فترة تفاخر بالمذاهب وتقارع بين الشباب بالمصطلحات والألفاظ المركبة، لذا فإننا نرى أن هذا البيان –رغم أنه لم يعلن فيه إلحاده بشكل صريح-  لم يكن إلا لإثارة الضجة حول درة نفسه أكثر ما كان تحولًا في الاعتقاد. بل نقول: أن هذا الدافع للفت الانتباه هو نفسه ما حدث مع سامح فايز، الإخواني السابق وصاحب كتابي (جنة الإخوان: رحلة الخروج من الجماعة) ورواية (جحر السبع) والتي يروي فيهما حكايات المنشقين عن جماعة الإخوان، وهي الحكايات التي كانت تشكل سبقاً إعلاميًا في ذلك الوقت. وقد قامت قناة EgypToon بنشر مقطع كرتوني ساخر عن محاولة الملحدين المصريين لجذب الانتباه بإلحادهم، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=uGJMANpaphQ

[14] http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=330101&r=0

[15] الرابط

[16] الرابط

[17] سيأتي تحرير مصطلح “القابلية للإلحاد”.

[18] https://www.goodreads.com/review/show/881592104

[19] حصار التفكير: قضايا ازدراء الأديان خلال عامين من الثورة، (القاهرة: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 2013م)، ص/19.

[20] كرم صابر، أين الله، طبعة ثالثة الكترونية، ص/ 90.

[21] https://www.facebook.com/facteatheism/posts/622219074556825

[22] للاطلاع على القصة كاملة: http://arab-media-online.blogspot.com/2013/06/blog-post_19.html

[23] Helmi Noman, Arab Religious Skeptics Online: Anonymity, Autonomy, and Discourse in a Hostile Environment, (February 4, 2015), Berkman Center Research Publication No. 2015-2.

[24] لمشاهدة قبس من ترويجهم الصريح للإلحاد: https://www.youtube.com/watch?v=KdBFQYmW8Ow

[25] Rüdiger Lohlker, Arab Atheism, Occasional Papers: Arab Studies, Oriental Institute, University of Vienna.

[26] https://www.youtube.com/watch?v=wBPsMvpW50I

[27] https://www.youtube.com/watch?v=n0tocL3q8mY

[28] مقابلة شخصية مع مصدر مقرب من أحمد حرقان.

[29] شهادة ندى مندور، https://www.youtube.com/watch?v=V5D6FsXO7Vc

[30] سيأتي التعريف به.

[31] https://www.youtube.com/watch?v=xlqJajMsJPo

[32] https://www.thedailybeast.com/meet-the-middle-easts-atheist-preacher

[33] https://www.youtube.com/watch?v=b1K7XMO9xWc

[34] https://www.facebook.com/facteatheism/posts/539105489534851

[35] www.youtube.com/watch?v=ZhvjJJWJ8mg

[36] https://www.facebook.com/facteatheism/posts/1269807493131310

[37] www.youtube.com/watch?v=ZhvjJJWJ8mg

[38] https://www.youtube.com/watch?v=bjtEcQlWNLU

[39] المصدر: http://fremindnews.blogspot.com/2015/07/blog-post_27.html

[40] https://www.youtube.com/watch?v=n4pn9aGLCIM

[41] https://www.youtube.com/watch?v=cDuk3yVuiA8

[42] حامد عبد الصمد، وداعًا أيتها السماء، (القاهرة، دار ميريت، 2008م).

[43] سيأتي التفصيل في سؤال الشر لاحقاً.

[44] https://www.dw.com/ar/حامد-عبد-الصمد-أعتبر-الإسلام-جزءاً-من-مشكلة-العالم-الإسلامي/a-14753428-1

[45] https://www.youtube.com/watch?v=cDuk3yVuiA8

[46] https://www.youtube.com/watch?v=TPLyNWHX5p0

[47] https://ar.qantara.de/content/أطروحات-حامد-عبد-الصمد-الإشكالية-حول-الإسلام-في-الإعلام-الألماني-حامد-عبد-الصمدناقد-للإسلام

[48] https://ar.qantara.de/content/أطروحات-حامد-عبد-الصمد-الإشكالية-حول-الإسلام-في-الإعلام-الألماني-حامد-عبد-الصمدناقد-للإسلام

[49] https://ar.qantara.de/content/أطروحات-حامد-عبد-الصمد-الإشكالية-حول-الإسلام-في-الإعلام-الألماني-حامد-عبد-الصمدناقد-للإسلام

[50] https://www.facebook.com/facteatheism/photos/a.539098742868859/758693917576006/

[51] http://alia-al-mahdi.blogspot.com/2011/12/blog-post_4456.html

[52] https://ask.fm/AliaaMagdaElmahdy

[53] http://edition.cnn.com/arabic/2011/entertainment/11/21/bloggr.photo/index.html

[54] http://www.elle.fr/Societe/Les-enquetes/Aliaa-Magda-Elmahdy-la-rage-au-corps-2305974

[55] https://ask.fm/Kareemamer/answers/105164465847

[56] https://ask.fm/Kareemamer/answers/104543612087

[57] https://www.masress.com/alwafd/221678

[58] http://www.elle.fr/Societe/Les-enquetes/Aliaa-Magda-Elmahdy-la-rage-au-corps-2305974

[59] https://secure.avaaz.org/en/petition/Egyptian_ExMuslims_and_ExChristians_Come_Out_and_Demand_a_Secular_Constitution/

[60] https://www.youtube.com/watch?v=Ud5yGZBzrWU

[61] https://www.youtube.com/watch?v=xfHN5AHRErw

[62] https://www.youtube.com/watch?v=jUmgTxcheOs

[63] https://www.youtube.com/watch?v=VYUjtbEY6Uw

[64] https://www.youtube.com/watch?v=syySbXTFzik

[65] http://www.akhbaralsabah.com/article843.htm

[66] موقع مدى مصر، الرابط

[67] حضرت لها لقاءً تعريفيًا بنشاطها بمكتبة الأسكندرية في أبريل 2013م، كما ظهرت في نوفمبر 2013م على قناة الأسكندرية التليفيزيونية الرسمية للترويج لنشاطها البيئي حسب كلامها، وفي كلا الموقفين استخدمت نصوصًا شرعية وأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى نشاطها.

[68] للاطلاع على واحدة من هذه المناظرات لها مع هيثم طلعت:  الرابط

[69] يمكن الاطلاع على كتابها كاملًا على مدونتها الشخصية: http://nohamahmoudsalem.blogspot.com

[70] https://www.youtube.com/watch?v=F8JlNogKrQU

[71] https://www.youtube.com/watch?v=B6z5u9Hqoh4

[72] http://shabab.ahram.org.eg/News/2878.aspx

[73] http://chronikler.com/reflections/belief/atheist-minority/

الإلحاد والملحدون في مصر (2): المدونات والمدونون 2000 ـ 2010

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى