الإلحاد والعنف عند الشباب بعد الربيع العربي
بقلم راجي سلطاني
لقد أصبح انتشار الإلحاد والنزوع إلى العنف ظاهرتين عربيتين فيما بعد الربيع العربي.
ظاهرتان تستحقان البحث والدراسة والنقاش، وكانت لي بعض التعليقات على هاتين الظاهرتين، أود أن أذكرها هنا.
1_ الإلحاد في بلادنا الإسلامية اضطراب نفسي لا موقف عقلي.
في مقال سابق لي تحت عنوان (الإلحاد في بلاد العرب والمسلمين.. اضطراب نفسي أم موقف عقلي) كتبت أن ملحدي العرب المسلمين لا يعدو الأمر عندهم اضطراباً نفسياً وعقلياً، لأن بين أيديهم الحق الذي فطر الله الناس عليه، فلا يترك هذا الحق الأبلج الذي توقن به العقول وتطمئن إليه القلوب إلا باضطراب فيهما (العقول والقلوب).
الإلحاد عند غير المسلمين وارد ومقبول عقلا، لأنه هروب عندهم من غموض وخلل واضطراب في العقائد إلى الكفر بها جميعا وإراحة العقل والقلب.
أما الإلحاد عند المسلمين أهل العقيدة الصافية والفطرة الإلهية السوية فليس له إلا تفسير واحد؛ الخلل العقلي نتيجة الاضطراب النفسي.
2_ الربيع العربي كان باعثاً على إلحاد الشباب.
ومرحلة الشباب بطبيعتها مرحلة تلازمها غالباً اضطرابات نفسية وعقلية، مع نزوع للتحرر والانطلاق.
فلما كانت ثورات الربيع العربي داعية للتحرر، انغمس بعض الشباب فيها، وأعجبتهم فكرة التحرر منها، فمضوا في طريق التحرر من المعتقدات والأديان، والانطلاق نحو الحرية الكاملة.
وفشل هذه الثورات في نهايتها أحدث صدمات نفسية عميقة لدى الشباب، مما زاد من إغراقهم في فكرة التحرر العامة تحت وطأة الديكتاتوريات الجاثمة بالحديد والنار.
إلى جانب ما رأوه من مجازر ومحارق، جعلتهم يتساءلون: وأين الله من كل ما يحدث لنا؟!
فشل ثورات الربيع العربي في نهايتها أحدث صدمات نفسية عميقة لدى الشباب، مما زاد من إغراقهم في فكرة التحرر العامة تحت وطأة الديكتاتوريات الجاثمة بالحديد والنار
3_ الإلحاد عند الشباب العربي والمسلم ليس إنكاراً لفكرة الإله بل كرهاً لها.
أعجبني جدا التعليق الذي ذكره الدكتور فاضل سليمان أحد الدعاة المتخصصين في مناقشة فكرة الإلحاد، عندما قال: من خلال عمر مديد لي في متابعة هذه الظاهرة وتحليلها ومواجهتها، ومن خلال عشرات القراءات، وعشرات المناقشات والمواجهات مع ملحدين حقيقيين، أستطيع أن أقول أنه لا يوجد إلحاد حقيقي، فالإلحاد عند هؤلاء ليس إنكارا لوجود الله بالكلية، ولكنه كره لفكرة وجود الله، مع ما لاقوه من ضغوط حياتيه واضطرابات نفسية، وتساؤلاتهم الدائمة: أين الله من كل ما يحدث لنا، وما يحدث في العالم بأسره.
4_ الإشفاق على هؤلاء الشباب والرحمة بهم.
الموقف كما ذكرنا موقف نفسي، ناتج عن اضطرابات نفسية وضغوط حياتية، ساهم المجتمع بتحولاته السياسية بجزء كبير منها.
ومن هذا المنطلق فإن الواجب علينا حيال هؤلاء الشباب أن نشفق عليهم ونبكي لهم، لا أن نرميهم بالشتائم والنقائص، ونزيد من الضغوط عليهم، ونكون بذلك سبباً في تماديهم في الطريق الذي مشوا فيه مرغمين لا مختارين.
وحتى لو كان الموقف موقفاً عقلياً ناتجاً عن قناعات اعتقادية حقيقية وتفكير منطقي مجرد وخالص.
فإن الأمر يحتاج في هذه أيضا إلى إشفاق عليهم ورحمة بهم، ومجادلة لهم بالحسنى.
ديننا الإسلامي دين الرحمة، والغلظة ابتداع فيه وفهم مغلوط له، ولقد بعث الله موسى وهارون لفرعون المتألّه فقال لهما {فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى} [طه:44].
الواجب علينا حيال هؤلاء الشباب أن نشفق عليهم ونبكي لهم، لا أن نرميهم بالشتائم والنقائص، ونزيد من الضغوط عليهم، ونكون بذلك سبباً في تماديهم في الطريق الذي مشوا فيه مرغمين لا مختارين
5_ الربيع العربي كان باعثاً على انتهاج الشباب للعنف كذلك.
فشل ثورات الربيع العربي والتآمر المحلي والإقليمي والعالمي عليها كان باعثاً كبيراً على انتهاج الشباب للعنف.
الانقلابات على ثورات الشباب وتطلعاتهم إلى الحرية والعدالة لم تترك لهم إلا طريقين لا ثالث لهما، إما طريق السلبية المطلقة والانزواء على النفس، وهذا هو أول طريق الإلحاد الذي تحدثنا عنه آنفاً.
وإما البحث عن العنف والمواجهة مع هذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة الظالمة.
الشباب رأوا بأعينهم تآمر الأنظمة عليهم، ورأوا بأعينهم مذابحها فيهم، فقال بعضهم: أين الله مما نحن فيه؟. وقال بعضهم: لا ينفع مع هؤلاء إلا حمل السلاح والمواجهة المباشرة.
6_ رفض العنف والشفقة على ممارسيه.
العنف في مواجهة الأنظمة الحاكمة هو من أسوأ الأفكار التي كانت في تاريخ الإسلام كله، فما من حركة مواجهة واحدة لنظام حاكم نجحت في أي مرحلة تاريخية، اللهم إلا النادر الذي لا يقاس عليه، كحركة بني العباس في مواجهة الدولة الأموية مثلاً.
كل حركات العنف والمواجهة المسلحة تنتهي بالفشل الذريع، مع بحار من الدماء والحرمات المنتهكة.
كل من يقدم على فعل لا يجدي نفعاً ولا يقدم نتيجة، بل يعود عليه وعلى بلاده بأشد البلاء وأفجع المحنة فهو في النهاية جاهل مخطئ.
لكننا في النهاية نشفق على هؤلاء الشباب أيضاً، ونرأف بهم، ونجادلهم بالحسنى كما نجادل الملحدين منهم.
كل من يقدم على فعل لا يجدي نفعاً ولا يقدم نتيجة، بل يعود عليه وعلى بلاده بأشد البلاء وأفجع المحنة فهو في النهاية جاهل مخطئ
7- الحالة الجهادية التي تغبشت.
الحالة السورية في بدايتها كانت حالة واضحة لا لبس فيها، مستضعفون يحاربون نظاماً طاغياً. ثم لم يستمر الأمر على ذلك، بل تدخل العالم بأسره لإفساد هذه الحالة الجهادية الناصعة. واصطُنعت الحركات الجهادية العميلة، واختُرقت أكثر الحركات الجهادية الخالصة المخلصة.
فاقتتلت هذه الحركات بعد ذلك فيما بينها، وكفّرت بعضها البعض، حتى أصبحنا في حالة من الهرج والمرج الذي أدى لنهاية حركة الجهاد هناك تقريباً. ولم نعد في أمان جهادي يستدعي أن يبقى المجاهدون المخلصون هناك، ولا أن يلحق بهم أمثالهم.
8_ العنف الحقيقي المرفوض.
أما العنف الحقيقي المرفوض، فهعو عنف هؤلاء الشباب التكفيريين الذين ينتهجون العنف في بلادهم ضد الأنظمة الحاكمة والمجتمع بأسره.
الشباب الذين أصبحوا يكفرون الجميع، ويفجرون أنفسهم في الجميع، الشباب الذين يعتنقون أسوأ فكرة مرت بتاريخ الفكر الإسلامي الحديث، فكرة التكفير والتفجير. وفكرة الجهاد العالمي، التي تعني تكفير الجميع وجهاد الجميع، وإعادة النظر في إسلام العوام.
ولقد أذيع فيلم وثائقي على الجزيرة هذه الأيام يتحدث عن الظاهرتين؛ ظاهرة التكفير والعنف، وكان الفيلم مجيداً في معظمه، غير أنه عندما تحدث عن العنف أتى بشباب مجاهد في سوريا، وما كان ينبغي له ذلك، ففرق كبير بين العنف المرفوض والجهاد المشروع.
ثم إن كل النماذج التي أتى بها الفيلم سواء في الإلحاء أو في العنف هي نماذج مصرية، وكأن هاتين الظاهرتين غير موجودتين إلا في المصريين، مع أنهما في الحقيقية ظاهرتان عربيتان منتشرتان في جموع الشاب العربي من المحيط إلى الخليج.
(المصدر: موقع بصائر)