بقلم د. طارق بن محمد الطواري – عضو رابطة علماء المسلمين.
لا شك أن وسائل الاتصال اليوم هي نعمة وهبة من الله تعالى قد حققت لنا الكثير من الإنجازات فاختصرت المسافات، وجعلت العالم قرية صغيرة وقربت البعيد ونقلت الأحاسيس والمشاعر من وإلى الآخرين.
لقد أصبح الإعلام شريكاً إذا لم يكن أساساً في التربية وصياغة العقول، وتحديد المواقف السياسية، وبناء التحالفات الاقتصادية والكتل العسكرية، بل وبناء الإنسان وتربيته.
والعجيب أن الكل يتحدث عن أثر الإعلام على جميع نواحي الحياة إلا أثره على دين الإنسان وإضعافه لالتزامه فإن ذلك مفقود أو يكاد أن يكون قليلاً.
ويخطأ من يظن أن الإعلام بمحطاته المرئية والمسموعة والمقروءة وعالم الإنترنت المفتوح والبلوتوث يخطأ من يظن أنه عالم عبثي يسير بغير تخطيط ولا أهداف وأنه لمجرد الاتجار أو الترفيه أو لمليء فراغ أو أنه إعلام حكومي محض. إنه إعلام موجه لتدمير ما تبقى من المهزوم وتوليد جيد ممسوخ أجوف.
كما قال توكراسكيو مدير مكتب البيت الأبيض للاتصالات: “نحن نخوض حرباً مع الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للاختراق”.
وفي سبيل ذلك فإن الإعلام الذي يملكه الغرب وعلى رأسهم اليهود مع الصليبيين يحققون عدة أهداف من خلاف صناعة الترفية منها:
أولاً: عزل الأمة عند دوافعها الذي تعيشه في كل مكان وتكريس الشتات والتجزئة للأمة من خلال إذكاء روح الطائفية والعنصرية والطوطمية والالتفاف حول الهويات الجاهلية التي تحقق العنصرية وإذكاء نارها.
ثانياً: إرغام العالم الإسلامي كله على قبول وسماع وجهة النظر الغربية في كل الأحداث دون جدل، بل ودون إبداء رأى أو مناقشة ولا أقصد إبداء رأي حول قضية لا تهمنا، بل قضايانا المصيرية التي نعايشها.
ثالثاً: يكتفي الإعلام الغربي بأن يجعل الجمهور المسلم مصفقاً معه، ومباركاً له صياغة الأحداث أو مستمعاً أو متفرجاً لا أكثر، ولو كان الحدث يخص فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو غيرها، فليس لنا أن نقول بوجهتنا الشرعية.
رابعاً: تشويه صورة المسلمين كشعوب ووصفهم بالتخلف والرجعية والجهل والاضطهاد للآخرين من خلال إبراز نماذج شاذة لا تمثل الإسلام وأهله.
خامساً: تشويه صورة الإسلام ووصفة بالتخلف وإبراز صور التعدد والجلد والرجم وقطع اليد على أنها نوع من التعسف واضطهاد الآخرين.
سادساً: تشويه صورة الحركات الجهادية المخلصة في كل مكان تحت غطاء الإرهاب ومحاربة المجتمع الدولي وأنهم أصوليين تكفيريون كما هو الحال مع مجاهدي كوسوفا الذين يمثلون 90% من السكان على أنهم انفصاليون ألبان والشيشان انفصاليون شيشان.
سابعاً: إخفاء الجرائم التي ترتكب في حق المسلمين في فلسطين من قبل اليهود وغيرهم من الحكومات التي تذيق المسلمين الويلات وتضخيم صورة الأقليات غير المسلمة على أنها مضطهدة وتستحق الاستقلال مثل ما حدث في تيمور الشرقية، ويحدث الآن في دارفور.
ثامناً: تصوير أعمال الحروب التي يقوم بها الغرب ضد أي دولة معادية لهم على أنها حروب دفاعية وقائية، بل وغض النظر عن جرائمهم في السجون والمعتقلات والإبادات الجماعية إلا حين يطفح الكيل.
تاسعاً: ناهيك عن نشر الرذيلة في الإعلام كما جاء في صحيفة الأخبار الحرة، إن صناعة السينما في أمريكا يهودية بأكملها يتحكم اليهود فيها دون منازعة ويطردون كل من لا ينتمي إليها، وجميع العاملين فيها هم، إما من اليهود أو من صنائعهم لقد أصبحت هوليود بسببهم سدوم (قري قوم لوط) العصر حيث تنتحر الفضيلة، وتنتشر الرذيلة، وتسترخص الأعراض.
عاشراً: تعميق الإحساس بالكراهية تجاه المسلمين، وهذا واضح جداً بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد وصف هذا الحديث جيداً لا لكراهة الفعل والفاعل، وإنما في كراهة كل المسلمين، وتعميق روح العداوة للمسلمين، بينما لا يتعامل أهل الإسلام بهذه النظرة مع النصارى أو اليهود لمجرد دينهم وعقيدتهم كما قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: 8، 9).