مقالاتمقالات مختارة

الإسلام بين الثورة والإذعان

بقلم وليد شوشة

لا بدَّ لكل حاكم ظالم مستبد، ولكل عسكري منقلب من أذرع عدة يستخدمها في الوصول إلى أغراضه الخفية والمعلنة، ويستعملها في تثبيت شرعيته الوهمية المزيفة؛ حتى يتمكن نظامه ويُثبت أركانه ومن ثم ينقلب عليهم ويتخلص منهم. والدين من أهم هذه الأذرع بكل أشكاله الرسمية الإسلامية والمسيحية، الحزبية، الدعوية من سلفية وصوفية.. إلخ، وقد شاهدنا يوم إعلان بيان الانقلاب العسكري في مصر على أول تجربة ديمقراطية عام 2013م، كيف التف حول الفريق السيسي رموز الأزهر والكنيسة وقادة حزب النور السلفي، ودعم الصوفية!

استخدام الدين كمخدر مهم جداّ في الحالة المصرية، لما عُرف عن المصريين تدينهم وحبهم للدين وتعاليمه وعاطفتهم الجياشة نحوه، حتى تصدق فيهم عبارة الدكتور محمد عمارة: “مصر أم الدنيا والدين”. وفي تاريخ الإسلام خرج الغوغاء الذين ثاروا على خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وطعنوه وهو يقرأ في المصحف حتى سالت الدماء عليه، وكانوا يهتفون بأنها طعنات (لله ولدينه). منذ الانقلاب العسكري وحزب النور السلفي وبعض منتسبي الدعوة السلفية، وعلى رأسهم ياسر برهامي، يقفون بقوة خلف السيسي داعمين ومؤيدين، ويبررون كل ما يقوم به باسم الدين، ويُصدرون فتاوى التخدير والإذعان التي تعمل عمل الأفيون في الرؤوس، فتُذهل عن الوعي، وتُسكت عن المطالبة بالحقوق، وتُعمي عن تبدل قيم المجتمع وبيع ثروات الوطن وأراضيه!

 

هذا هو إسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي نزل به الروح الأمين، ليس إسلام التبرير، والدروشة والمديح، ليس إسلام الاحتفالات والمزارات، والأوراد فقط، فالإسلام نظام شامل يشمل نواحي الحياة جميعاً

وقلب الأمور رأساً على عقب، واستحضار الآيات والأحاديث وليّ أعناقها، وتفسيرها تفسيراً يناسب مُرادهم لأمر خطير، ومن ثم وضعها في غير الموضع الذي نُزلت من أجله، وبث دعوات الرضا بالقضاء والقدر، والزهد في الحياة الدنيا والترغيب في نعيم الآخرة إذا حُرموا من نعيم الدنيا؛ الذي تم اغتصابه منهم، وتفسير ما يُعانيه الشعب من غلاء وبلاء ومصائب تَتْرَى، وسوء معيشة تزداد يوماً بعد آخر، راجع عندهم إلى قضاء الله، وانتقام من عبيده على ظلمهم بعضهم البعض، وعصيان الله في أوامره ونواهيه. حتى زمن الاستعمار البريطاني على مصر كان هناك من يبرر وجودهم وظلمهم بأن تسلطهم راجع إلى المعاصي والذنوب، أما الحديث عن المقاومة ودفع قدر الشر بقدر الخير، وثورية الإسلام، ودعوته لإعداد العُدة والاستطاعة في دفع العدو والظالم والمستبد، وفرضية الجهاد للدفاع عن الدين والنفس والأرض، ونقد الحكام في تصرفاتهم الخرقاء، والوقوف في وجه الظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا تكاد تسمع لهم همساً.

وهل لنا أن نسأل هؤلاء: هل هذه الأنظمة القمعية التي تقتل وتسفك الدماء وتوالي الأعداء وتحاصر الأصدقاء، وتدمر العمران وتحرق المساجد، وتخفي قسرياً وتعتقل دون محاكمة، هل هؤلاء ومن عاونهم وساعدهم من صهاينة وروس وأمريكان وغربيين أولياء لله وأكثر طاعة وقُرباً من الله حتى ينصرهم الله ويمكن لهم؟! وبعضهم ليس مسلماً أصلاً! لقد قال وعاظ السلاطين، ومفتين السلطة، ذلك صراحة، بأنهم رسل الله! وارجع إن شئت إلى تسجيلات الهلالي وعلى جمعة وعمرو خالد والبوطي وأنت ترى كيف يتم صناعة الإذعان، وحقن التخدير، وترى ترجمة حقيقية وعملية واضحة لمقولة كارل ماركس الهُرائية: “بأن الدين أفيون الشعوب، وأن الناس يُقبلون على الدين لأنه يُخدرهم ويُلهيهم عن شقاء الحياة”.

 

يقول الاستاذ أحمد أمين: “إن مصائب المسلمين أكثرها من سوء تصرف الحكام ومن تملق العلماء، ولذلك كان الملوك غالباً يحتضنون العلماء، ويرتكزون عليهم ويُسخرونهم في مصلحتهم من تهدئة للرعية، وأن الله قسم الأرزاق فالغني غني بالقدر، والفقير فقير بالقدر، والسلطان ظل الله في أرضه، وظُلم الملوك من ظُلم الرعية، وهكذا من التعاليم التي تخدم الملوك وتُسيئ إلى الرعية وتُفسدها بالتذلل والتخلف والنفاق”. ويقول الدكتور عمر فروخ: “ألا يعجب القارئ إذا علم أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي شهد القدس تسقط في أيدي الإفرنج الصليبيين، وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك ولم يُشر إلى هذا الحادث العظيم.

ولو أنه أهاب بسكان العراق وفارس وبلاد الترك لنصرة إخوانهم في الشام لنفر مئات الألوف منهم للجهاد في سبيل الله، ولوفروا إذن على العرب والإسلام عصوراً مملوءة بالكفاح وقروناً زاخرة بالجهل والدمار. وما غفلة الغزالي عن ذلك إلا لأنه كان في ذلك الحين قد انقلب صوفياً… وكذلك عاش عمر بن الفارض ومحي الدين بن عربي في إبان الحروب الصليبية ولم يرد لتلك الحروب ذكر في آثارهما.. وبينما كان الإفرنج يُغيرون على المنصورة في مصر عام 1249م تنادى المتصوفة ليقرأوا رسالة القشيري ويتجادلوا في كرامات الأولياء… ويزعم الصوفية أن لهم كرامات، ولكنهم لم يُظهروا هذه الكرامات للدفاع عن دينهم وأوطانهم”. وكان من شطحاتهم، أن الشيخ عز الدين بن مهذب السلمي الدمشقي ورد على مصر، فلما كانت وقعة المنصورة ورأى حال المسلمين، نادى بأعلى صوته مُشيراً إلى الريح: يا ريح خُذيهم! فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها وكان الفتح (نصر المسلمين)، وغرق أكثر الفرنج.

لم يكن الإسلام في يوم من الأيام دين خنوع وإذعان لباطل أو ظالم، بل كان ديناً ثورياً تحررياً، وقائده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مُحطم الطواغيت على حد تعبير الاستاذ سيد قطب، ولقد شملت ثوريته جوانب الحياة الانسانية، فكانت ثورة على طاغوت الشرك بالله في عالم العقيدة، وثورة على طاغوت التعصب في كل صوره وألوانه، وثورة على طاغوت التفرقة الاجتماعية والنظام الطبقي، وثورة على طاغوت الظلم والبغي والطغيان، وثورة على طاغوت الرق والاستعباد، وثورة على طاغوت الرجل والتسلط… يقول الأستاذ سيد قطب: “لقد عاش محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يحطم الطواغيت: الطواغيت كلها، سواء كانت في عالم الضمير أم عالم الواقع، ولم تعرف البشرية في تاريخها الطويل، رجلاً آخر غير محمد بن عبد الله صلوات الله عليه حطم من الطواغيت قدر ما حطم، وفي فترة من الزمان قصيرة، شديدة القصر”.

هذا هو إسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذي نزل به الروح الأمين، ليس إسلام التبرير، والدروشة والمديح، ليس إسلام الاحتفالات والمزارات، والأوراد فقط، فالإسلام نظام شامل يشمل نواحي الحياة جميعاً، عقيدة وعبادة، حكماً وتشريعاً، سياسة واقتصاد، جهاد ودعوة، توجيه وإصلاح. لو جئت يا دجال تنظر حالنا.. ورأيت بيع الدين بالدينار. لوثقت من كسب العباد وجرهم… بخداعهم في جنة وبنار!

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى