مقالاتمقالات مختارة

الإسلام السياسي بين الصواب والتجني!

الإسلام السياسي بين الصواب والتجني!

بقلم حسام نجار

منذ فجر التاريخ الإسلامي والفقه السياسي من القضايا الشائكة والمهمة عند علماء المسلمين،

فالإسلام السياسي” هو مصطلح ظهرَ حديثًا بسبب انعزال الأقطاب الدينية في العالم الإسلامي عن السياسة، يمكن أن يشير المصطلح إلى مجموعة واسعة من الأفراد أو الجماعات الذين يدافعون عن تشكيل الدولة والمجتمع وفقًا لفهمهم للمبادئ الإسلامية، وللإشارة إلى النشاطات واسعة النطاق للأفراد والمنظمات المؤيدة لتحويل الدولة والمجتمع ككل للاستناد على مرجعية من القوانين الإسلامية.

في هذا المقال سيتم إتباع منهجية محددة للوصول إلى الهدف المراد منه ، وسيكون عبارة عن  وجهات نظر فكرية و أراء أدلت بدلوها في الإسلام السياسي  ،  سواء كان  هذا من وجهة نظر إيديولوجية  مؤيدة أو مخالفة وكذلك الرأي المحايد إن وجد.

مصطفى محمود في كتابه (الإسلام السياسي والمرحلة القادمة) يقول:

الإسلام السياسي دعوة وتوعية هدفها الوصول للرأي العام ومرادها توصيل المنهج الإسلامي في صفاته وبساطته وشموله إلى عامة المسلمين، فالذين يظنون أن الإسلام مجرد صلاة وصيام، فنقول لهم بل هو حياة ومعاملة وعلم وعمل ومكارم أخلاق ورحمة وعدالة ورفق بالضعفاء ومعونة للفقراء وشورى للحكام ومشاركة شعبية في القرار.”

“إن خروج الإسلام من الحياة سوف يعقبه خروج الإسلام من المسجد ثم هزيمته الكاملة، فالإسلام منهج حياة، ولا يمكن أن يكون له نصف حياة أو أن يُسجن في صومعة”

المستشار سعيد العشماوي (رئيس محكمة أمن الدولة العليا في مصر سابقاً) يبدأ كتابه ( الإسلام السياسي ) بعبارة دالة على موقفه تقول: “أراد الله للإسلام أن يكون دينًا، وأراد به الناس أن يكون سياسة. والدين عام إنساني شامل. أما السياسة فهي قاصرة محدودة قبلية محلية ومؤقتة. وقصر الدين على السياسة قصر له على نطاق ضيق، وإقليم خاص، وجماعة معينة، ووقت بذاته”.

قال الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا (: إنه مصطلح ناشئ أصلاً عن الجهل بالإسلام، الذي جاء بالعقيدة والشريعة، خلافاً للمسيحية التي جاءت بالعقيدة فقط، ونادت بإعطاء ما لله.. لله، وما لقيصر لقيصر.

إنني لا أستريح كثيرًا لمصطلح ” الإسلام السياسي ” رغم شيوع هذا المصطلح، وصدور الكثير من الكتابات حول هذا الموضوع وتحت هذا العنوان. وفيما أذكر، وفي حدود قراءاتي، فإن أول من استخدم مصطلح ” الإسلام السياسي ” هو الشيخ محمد رشيد رضا. لكنه استخدمه في التعبير عن الحكومات الإسلامية التي سماها ” الإسلام السياسي ” ويعني الذين يسوسون الأمة في إطار الأمة الإسلامية. لكن مصطلح الإسلام السياسي يُستخدم الآن، ومنذ العقود الثلاثة الماضية وصعود المد الإسلامي والظاهرة الإسلامية، بمعنى: الحركات الإسلامية التي تشتغل بالسياسة، وفي هذا المصطلح ” الإسلام السياسي ” شبهة اختزال الإسلام في السياسة؛ لأنه ليس هناك إسلام بدون سياسة.

البعض من الكتاب والمفكرين يعتبرون الشيخ محمد رشيد رضا هو الأب الروحي لتيار الإسلام السياسي نتيجة كتابته وتحريره فصولاً في أصول الدين والفقه والإصلاح السياسي، فكان متابعاً للأحداث السياسية ، يبدي رأيه مؤيداً أو ناقداً أو ناصحاً من خلال مجلته المشهورة (المنار) عام 1898م، و كانت أقرب صفة إلى معنى المصطلح السابق هي الصفة التي استعملها في سياق كلامه عن العروة الوثقى التي استمد منها توجهه السياسي المباشر، والذي سماه بالإصلاح الإسلامي العام.

يقول الكاتب السعودي تركي الحمد: ” خذوها قاعدة، والله على ما أقول شهيد: لا يدخل الإسلام السياسي (الإسلاموية) بلدة إلا أفسدها، وجعل أعزة أهلها أذلة، وكذلك فعل في مصر والسودان واليمن وتونس وإيران والعراق وديار طالبان، فالإسلام السياسي، مناقض تماماً في منطلقاته مع مبادئ الديموقراطية، مهما حاولوا أن يجملوه“.

الدكتور ساجد العبدلي، الأمين المساعد للشؤون الإعلامية في الحركة السلفية الكويتية؛ قال عن هذا المصطلح: (هذا المصطلح يحمل تشويهاً كبيراً للمقاصد الشرعية من العمل السياسي، وقد يعطي إيحاءً بأن هناك إسلام سياسي وآخر دعوي وآخر خيري وهكذا، بينما الإسلام واحد، وهو دين شامل لا يتجزأ لكل مناحي الحياة، ولم يكن المسلمون يفصلون بين العمل السياسي والدعوة في يوم من الأيام ، بل كانت جميعها كلاً متكاملاً. هذا المصطلح ” الإسلام السياسي ” نتج في جملة ما نتج عنه عن الميول التجريدية التي تركز على فهم الإسلام كدين عبادة وتكاليف عبادية أكثر من كونه نظاماً سياسياً وتنظيمياً للدولة واجتماعياً، أي أن النظرة صارت تشدد على الدين والمعتقد أكثر من النظام والنهج والكيانية الإسلامية المنشودة) .

يقول الدكتور جعفر شيخ إدريس في مقال مهم له عن هذا المصطلح:
( عبارة “الإسلام السياسي” كأختها “الأصولية” صناعة غربية استوردها مستهلكو قبائح الفكر الغربي إلى بلادنا وفرحوا بها، وجعلوها حيلة يحتالون بها على إنكارهم للدين والصد عنه، فما المقصود بالإسلام السياسي عند الغربيين؟ كان المقصود به أولاً الجماعات الإسلامية التي انتشرت في العالم العربي وفي باكستان والهند واندونيسيا وماليزيا وغيرها تدعو إلى أن تكون دولهم إسلامية تحكم بما أنزل الله تعالى.

يرى الغربيون وهو الرأي الشائع بينهم أن النصوص الدينية محدودة بزمانها ومكانها الذي ظهرت فيه، وأنها لذلك ينبغي أن لا تُفْهَم على ظاهرها، بل يجب أن تؤول تأويلاً يجعلها متناسبة مع ثقافة العصر.
ولأن منهم من ظن أن الدعوة إلى الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ ظاهرة جديدة لم تكن في الإسلام من قبل؛ فلذلك ناسبه أن توصف بالإسلام السياسي تمييزاً له عن الإسلام الديني.

مما يؤخذ على كثير من الإسلاميين الذين اهتموا بالجانب السياسي في الإسلام – رغم جهودهم المشكورة – أنهم في المقابل هونوا أو قَلّ اهتمامهم بالجانب العقدي والتربوي فيه؛ فغلبت السياسة عليهم حتى أنْسَتْهُم مهمة الدعاة الأولى؛ وهي الدعوة إلى دين الله كما أنزل على محمد صل الله عليه وسلم؛ دون تحريف أو زيادة. وإنكار ما يخالفه من الشرك والبدع.

ويبرر القرضاوي الطريق التي سلكها شباب “الإسلام السياسي” تحت لافتات “الصحوة “والنهضة” والإحياء”.. وغيرها، فيقول: “ضاق الشباب ذرعاً بنفاقنا وتناقضنا، فمضى وحده في الطريق إلى الإسلام دون عون منا، فقد وجد الآباء له مثبطين، والعلماء عنه مشغولين، والحكام له مناوئين، والموجهين به ساخرين؛ ولذا، كان علينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا وفق ما أمر الله، قبل أن نطالب شبابنا بالهدوء، والتزام الحكمة والسكينة والاعتدال”.

آمال موسى الدكتورة في الجامعة التونسية تقول : ارتأينا إيثار توصيف «الخمرة» على التعبير الأكثر تداولاً في العادة «شهوة الحكم»؛ لأن حال الإسلام السياسي في الفضاء العربي – الإسلامي تجاوز باب الشهوة الحلم والرّغبة في الحكم والطموح إليه إلى ممارسته فعلياً في الحكم وليس في المعارضة فقط. حصل هذا بشكل واضح وعن طريق صناديق الاقتراع واللعبة الديمقراطية في العشرية الأخيرة في بلدين اثنين أساساً هما تونس ومصر، وتمّ ذلك في سياق أسهم ممثلو الإسلام السياسي في البلدين المذكورين في توصيفه: الربيع العربي.

الشيخ عبد العزيز الطريفي الناشط في الدعوة والحقوق: يعتبر أن الإسلام السياسي هو تحكيم الشريعة، يُسمون الحق بغير اسمه ليسهل حربه، والإسلام لا يُحارَب إلا غَلب، فقد جاء ليحفظ من حفظه ويُضيّع من ضيّعه .

من خلال ما ورد سابقاً نجد أن مخترعو هذا المصطلح أرادوا ربط الإسلام بالراديكالية، ثم سيتجهون لاحقاً لمحاربة هذه الراديكالية بحجج واهية ليصلون في النهاية إلى قَصْرُ الدين على دور العبادة، وطقوس تخلو من العمل الفعلي الواجب على كل مسلم بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والثقافي يتبعه إصلاح سياسي شامل لأركان المجتمع.

التوجهات العلمانية وتشبيه الإسلام بباقي الأديان من حيث إدارة المجتمع فيه ظلم للإسلام وحجب للهوية الإسلامية الإصلاحية الدعوية، بل يتعدى الموضوع ليكون سحقاً لهذه الهوية ومنعاً لتقدم الأمة الإسلامية برمتها.

فمحاولة كبح جماح الإسلام من خلال ربطه بتعابير ومصطلحات تحتمل تأويلات كثيرة اتفق جميع أعدائه عليها قد تفلح في الوقت الراهن لكن شباب الصحوة، قد أدركوا هذه المحاولات وعليهم تغيير اسلوبهم في خلق أساليب وأدوات جديدة تفتح الطريق لصعود المد الإسلامي من جديد.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى