الإسلاميون والاغتيال المعنوي
بقلم د. عامر البوسلامة
الدعاية السوداء جزء خطير من أجزاء الحرب على الدول والمؤسسات والجماعات والأحزاب، وعلى الأفراد، وسائر المكونات، ولها آثارها ونواتجها السلبية المذهلة، على كل ما ذكرنا، إذ هذه الدعاية السوداء تعمل على الاغتيال المعنوي صاحب الآثار المدمرة، حيث يبقى المستهدفون على قيد الحياة (البيولوجية) ولكنهم في جوانب التأثير في الحياة والمجتمع موتى أو شبه موتى، وهذا هو الهدف المنشود في نهاية المطاف.
هذه الأجزاء التي ذكرتُ وغيرها من التجمعات البشرية، تقوم جهات منظمة بشكل دقيق، بل مؤسسات عملاقة، ومدعومة بالمال وكل وسائل الفعل، حتى تصنع صورة ذهنية مرعبة، منفرة، تحث على الكراهية، وتعمل على الإقصاء والتهميش، بحسب الزمان والمكان والشخص، وتحديد الهدف، لتفعل فعلتها المتوحشة.
وخطتهم بإيجاز تستند إلى محاربة الجهة المستهدفة، بتسليط برامج مخصوصة لمحاربتها، ويكون من آثار ذلك عليها أن ينفض الناس عنها، ويضربوا عنها صفحاً ويعزلوا داخلياً وخارجياً، وينزعوا ثقة الجماهير منها، وكذلك يفعلون مع الدول والمؤسسات الأخرى، ومن ثم تقع في إسار الفعل السالب، فتشتغل بضعف أو بقلة حيلة، أو نفرة الناس عنها، أو خوف البشر منها، أو العمل على إيقاعها في فخاخ، هي منها براء، لم تصنعها بل لم تعرف عنها شيئاً، فإذا كانت دولة ستخسر كثيراً من مواردها وتجاراتها وسياساتها وعلاقاتها، وإن كانت شركة أو مؤسسة فتضرب في عمق سمعتها التي هي رأس مالها، ومن البدهي والحالة هذه، أنها ستنكسر أيما انكسار، وإن كان حزباً –على سبيل المثال– فسوف يقع عليه كارثة الحصار والمقاطعة، والاتهامات المزرية، والتلفيقات المؤسفة، والرهاب غير الصحيح منها، وهكذا.
إذن هناك عمليات شيطنة تقوم بها دول أو جماعات، أو جهات اختصاص، مما يسمى بجماعات الضغط، أو اللوبيات، والردهة، والرواقات، ومراكز السياسات الدولية، ومراكز البحوث، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، ولا يمكن أن نغفل مقالب أجهزة المخابرات، ومن ورائهم دول، ومنظمات مشبوهة تعمل في السر والعلن، تقوم بهذه الأدوار، إنْ بالمال –وهو الغالب– وإنْ بتقديم مصالح لها تفيدها في منافع تعود عليها بالمصالح الكبيرة.
وهذه تنشط بمهام كبيرة –بعد تقديم أموال طائلة– لتقوم بهذه المسرحيات السوداء، وذلك لقلب الحقائق، وتزييف المعاني، والدجل على الناس، وأكثر ما يكون هذا في حال العداء السياسي، أو تكون طبيعة المعركة المصطنعة، سببها بث قيم مخالفة، أو مبادئ متباينة، مع العدو –حسب زعمهم– الذي يصبون جام غضبهم عليه، وعلى كل مؤسساته، وهي النوع الثاني الذي يوازي المصالح، وهو ما يعرف بالهدف الأيديولوجي.
الإسلاميون وقائمة الاستهداف
والإسلاميون اليوم بناء على هذه الحقيقة المرة، يمارَس عليهم هذا النوع من الضغط، وهذه الصناعة المدروسة الخطرة، من أجل الاغتيال المعنوي، حيث مؤسسات تصنع المواد الخام، المترع بالإفك والكذب، واختلاق القصص، وتأليف الحكايات، وتلفيق الضلالات، وتعليب المزور من وثائق مدعاة، هذه المواد الخام المصنعة، تتلقفها معامل السياسة، فترسم لها برامج، وتضع لها خططاً، وتتلقاها مطابخ الإعلام الموجه، الذي يصنع للإسلاميين صورة مشوهة، قوامها شيطنتها لعزلها سياسياً، ونبذها مجتمعياً، وإقصائها عن مشهد الحياة بكل تفاصيله، والطعن بشرف أصحابها، ولصق تهم تتعلق بالأمانة، وكثيراً ما يعزفون على وتر الخيانة، حيث دلالتها القبيحة، في ذهن المستمع والمتلقي، وما لها من إسقاطات مرة، وإشارات محزنة، وفي كثير من الحالات تشن عليهم حملة اعتقالات، فتفتح السجون لهم أبوابها، وتكون ملاحم يندى لها الجبين، كل ذلك على إيقاع إفك مبين، صنعه خيال ظالم، «والظلم ظلمات».
والإسلاميون من أهل الوسطية والاعتدال، ممن نبذوا الغلو، ورفضوا التطرف، وساروا على مناهج الربانيين في الفكر والدعوة، ولهم مشاركات سياسية معروفة ومعلومة، في البرلمانات وفي الحكومات، ولهم حضورهم المجتمعي المتوازن، في كل مؤسسات المجتمع المدني، ولهم شخصياتهم الوطنية الوازنة، وجمعياتهم الرائدة، ويقومون بالدعوة إلى الله تعالى، بالحكمة والموعظة الحسنة، لهم حضورهم المفيد في كل ملفات الحياة، والجماهير تحبهم وتقترب منهم، والشباب يُقبلون عليهم، وهو ما تجلى بصورة واضحة بعد ثورات “الربيع العربي”.
هؤلاء الإسلاميون، في مقدمة من يُستهدفون وعلى رأس الإسلاميين جماعة الإخوان المسلمين، فترى هذه الهجمة الضروس التي لا تبقي ولا تذر، على الإسلاميين، عبر وسائل إعلام تبث سمومها عليهم، وتنسب لهم كل نقيصة، في الماضي والحاضر، وكذا في المستقبل، حتى صارت تنسب إليهم كل حادثة في الدنيا مشرقاً ومغرباً؛ حيث يصورونهم خطراً على كل شيء في هذه الحياة، وصاروا يصفونهم بأوصاف كريهة، وينعتونهم بنعوت قبيحة، ويحرضون عليهم القاصي والداني، والصغير والكبير، والشرق والغرب، وتُبذل جهود كبيرة، قوامها المال الكثير، من أجل إلحاق وصف الإرهاب بهم، أو نسبة بعض الشرور إليهم، فتُكتب أبحاث ودراسات خالية من المنهجية العلمية، ظاهرة في لَي أعناق النصوص، وفيها لغة الاجتزاء، على مبدأ “ولا تقربوا الصلاة”؛ فيُخرجون الحدث من سياقه، ومناقشته بعيداً عن ملابساته، وبصورة مؤسفة ومؤلمة وجارحة، حتى ليحار المرء، كيف يصل إنسان إلى هذا المستوى من بيع ضميره ووجدانه، ويخون شرف المهنة! وتراهم إما أصحاب مصالح، أو حتى أولئك الذين يكون دافعهم الحقد الأيديولوجي.
ليسوا معصومين
ويأتي السؤال هنا: هل كل ما يقال عن الإسلاميين بهذا الوصف الذي ذكرت، وأن الإسلاميين ليست عندهم هفوات ولا سقطات ولا زلات؟
بكل تأكيد، هناك أخطاء للإسلاميين؛ لأنهم ليسوا معصومين، وقاعدتهم “كلٌّ يؤخذ من كلامه ويرد عليه، إلا نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم”، ولم يزعموا ذلك، كما أنهم لم يرفعوا شعار احتكار الحق، ولم يقولوا عن أنفسهم بأنهم جماعة المسلمين، بل قالوا: نحن جماعة من المسلمين.
المشكلة ليست هنا، إنما في الخروج عن الموضوعية في النقد بقصد وتعمد وسابق إصرار، حتى نسبوا لهم كل رذيلة، ولم يذكروا لهم أي فضيلة، وهنا تكون الطامة، وكلنا يعلم أن الحكم على الناس يجب أن يكون بعلم وعدل وإنصاف، حتى لو كانوا خصوماً أو أعداء؛ ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8).
من هنا أقول لإخواني من الإسلاميين العاملين في الحقل الإسلامي: انتبهوا! وكونوا حذرين، ودقيقين، فيما تقولون، أو تكتبون، أو عندما تتحركون، وفي تقدير مواقفكم، فأنتم مرصودون بدقة غير عادية، ويتابعون كل حركة لكم وسكنة، ولست مبالغاً إن قلت لكم: إنهم يحصون أنفاسكم، وينتظرون منكم أي زلة، ليكبروها، ويصنعوا منها قباباً من الظلم والظلام، ويصوغوا حولها من الهالات ما هو معروف لديكم.
نقول هذا، من باب الحذر والحيطة فقط، حتى نفوت الفرصة على هؤلاء المتربصين، وكذلك يدخل هذا في عالم الأخذ بالسبب، وعدم إعطائهم المبررات التي من خلالها يدفعون بها إلى مصانع السوء، لتمرير ما يهدفون إليه، كل ذلك ونحن على ثقة كاملة بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وإن الغلبة للحق وأهله، والزبد يذهب جفاء.
وكذلك على أبناء الحركة الإسلامية أن يعرفوا “فنون” مواجهة هذا المكر السيئ، وما طرائقه، ووسائله، وبرامجه، فالله تبارك وتعالى تعبدنا بالأخذ بأسباب العمل، وفي المجالات كافة، ولا يجوز أن نتواكل ونترك هؤلاء يشهرون بنا ويلصقون بنا كل النقائص والرزايا، ويحرضون على دمائنا وأموالنا، ومن ذلك علينا أن نواجه الخطة بالخطة، والبرنامج بالبرنامج، والوسيلة بالوسيلة، مع مواكبة لعلوم العصر وآلياته والأخذ بأحسنها، وإنه رغم انضباطنا بقانون القيم الإسلامية التي نختلف فيها مع الذين يواجهوننا في هذه المعركة الشرسة، لست بالخب ولا الخب يخدعني، والمؤمن كيس فطن.
على مفكري الحركة أن يكتبوا تاريخها بيد أمينة، ويشرحوا مواقفها من أصحاب القرار فيها، وأن يدفعوا عنها بالتي هي أحسن، وعلى الجماعة أن تتواصل مع المراكز البحثية، وتبني علاقات مع كل الجهات المؤثرة التي تستطيع الوصول إليها.
وهنا أذكر بمنهج الجماعة الأصيل، الذي لا يستجيب للاستفزاز، ولا تأخذه ردود الأفعال، ويبقى على وسطيته المعهودة، واعتداله المعلوم، ومنظومة أخلاقه المباركة، رغم قسوة ما يقع عليهم، وكبير ما لحق بهم من ظلم، ويبقى معلم ما فعله المرشد الثاني نبراساً على طريق الدعوة “دعاة لا قضاة”.
ومن المعروف أن لقوى الشر التي تتربص بالإسلاميين وسائلهم في الاستدراج، حتى يقعوا في دوائر تختلط فيها الأوراق، فتضيع الحقيقة.
(المصدر: مجلة المجتمع)