كتب وبحوث

الارهاب الدولي .. للدكتور علي القره داغي

الارهاب الدولي .. للدكتور علي القره داغي

لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء بأنه دين القسوة والشدة، ومن فهم الأدعياء المتطرفين، وإسناد تصرفاتهم القاسية أو الإجرامية إلى الإسلام، لتكون جدة وتبريراً لأعداء الدين، ولذلك سيكون بحثي حول «الإرهاب الدولي» موضحاً حقيقته ومفهومه، وأسبابه، وكيفية علاجه، وأنه مختلف تماماً عن الجهاد في الإسلام ومقاومة المحتلين.. لقد سبق الاسلام جميع القوانين في مكافحة الارهاب وحماية المجتمعات من شروره وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها قال سبحانه «ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون» وهذا توجيه لعموم البشر وتحقيقا لهذا التكريم منع الإسلام بغي الإنسان على أخيه الإنسان وحرم كل عمل يلحق الظلم به فقد قال تعالى «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق»، وشنع على الذين يؤذون الناس في أرجاء الأرض ولم يحدد ذلك في ديار المسلمين كما في قوله تعالى «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد». وأمر بالابتعاد عن كل ما يثير الفتن بين الناس وحذر من مخاطر ذلك قال سبحانه «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب» وفي دين الإسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف وما يؤدي إليهما من غلو في الدين.

مقاومة المحتلين مشروعة في جميع الشرائع، والنظم والقوانين الدولية، ومع ذلك أطلق عليها الإرهاب، ولم يطلق على المحتل الغادر.

لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء بأنه دين القسوة والشدة، ومن فهم الأدعياء المتطرفين، وإسناد تصرفاتهم القاسية أو الإجرامية إلى الإسلام.

تقديم:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين….. وبعد

فقد أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة والمعاني الإنسانية حتى لا نرى مثلها في أي نظام، أو دين آخر، ويكفي أن نرى القرآن الكريم يكرر لفظة رحم ومشتقاتها أكثر من 340 مرة تحدث فيها عن عظمة الرحمة، وكونها صفة لربّ العالمين، بل إنها الكلمة الوحيدة التي اشتقت منها صفتان لله تعالى يذكرهما المسلم في صلاته، وعند بدئه بأي عمل فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بل جعل الله تعالى الغاية من إنـزال هذه الرسالة المحمدية هو نشر الرحمة للعالم أجمع وليست للمسلمين وحدهم فقال تعالى: «وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين»، وجعل الله تعالى رؤوف رحيم من أسماء الرسول حيث قال: «بالمؤمنين رؤوف رحيم»، ويقول: «ورحمتي وسعت كل شيء».

وجاءت السنة النبوية لتوضيح هذه المعاني السامية من خلال السنة القولية، والسنة العملية، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه نبي الرحمة كما وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة في غاية من الأهمية تقضي بأنه من لا يَرْحَم لا يُرْحَم وأن الله لا يرحم من لا يرحم المخلوقات إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يمكن حصرها هنا، إضافة إلى أن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقاً لهذه الرحمة حيث كان يؤذى من قبل قومه بشتى أنواع الأذى والإهانة، ومع ذلك يمتنع عن أن يدعو عليهم، أو يطلب من الله تعالى أن يهلكهم بصاعقة في الدنيا، بل كان يدعو لهم، ويرجو أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله، وينتصر في فتح مكة ويرى كل أعدائه الذين آذوه فيقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.

ومع كل ذلك لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء بأنه دين القسوة والشدة، ومن فهم الأدعياء المتطرفين، وإسناد تصرفاتهم القاسية أو الإجرامية إلى الإسلام، لتكون جدة وتبريراً لأعداء الدين، ولذلك سيكون بحثي حول «الإرهاب الدولي» حسبما طلبت مني الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي موضحاً حقيقته ومفهومه، وأسبابه، وكيفية علاجه، وأنه مختلف تماماً عن الجهاد في الإسلام ومقاومة المحتلين.

وإنني إذ أستجيب لهذا الطلب الغالي في ظل هذه الرؤية المذكورة أدعو الله أن يكتب لي التوفيق فيما نصبو إليه، ومستغيثاً به تعالى أن يحقق لنا من الأهداف والغايات المرجوة من هذا البحث والمؤتمر، ومتضرعاً إليه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.

التعريف بالإرهاب

الإرهاب لغة: مصدر أرهب من الرهب بمعنى الخوف والرعب، وأرهبه أي خوّفه وفزّعه، واسترهبه أي خوّفه، وفي القرآن الكريم: (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) ومنه الراهب المنقطع للعبادة في صومعته بسبب خوفه من الله تعالى.

ولفظ الرهب- أي الخوف- ومشتقاته يستعمل في اللغة والقرآن الكريم في معنين:

1- الخوف المحمود الإيجابي مثل الخوف من الله تعالى، ومن المخاطر الطبيعية، ومنه قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).

2- الخوف المذموم، أو السلبي، وهو الخوف الناتج عن المرض النفسي، وغير المبرر.

وكذلك الإرهاب أو التخويف نوعان:

1- تخويف أو إرهاب إيجابي محمود في الشريعة ولدى العقول السليمة، والأمم، وهو تخويف الأعداء بإعداد القوة حتى لا يهاجموا ولا يقدموا على الحرب، مثل ما يسمى اليوم بنظرية الردع الاستراتيجي، التي منعت الحرب العالمية الثالثة بسبب السلاح النووي حيث وقعت حربان خلال النصف الأول من القرن العشرين بسبب الأطماع التوسعية، وكذلك توقفت الحرب الشاملة بين الهند وباكستان بعدما حصلت كلتاهما على السلاح النووي.

وقد قال المفسرون: إن المراد بقوله تعالى: «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ» هو الإعداد الكافي للقوة الضاربة بمنع الأعداء من التفكير بغزو البلاد، وبالتالي فهذا التخويف إيجابي جداً لأنه يمنع وقوع الحروب، ونقض العهود والاتفاقيات.

ويدخل في هذا الإطار أيضاً قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) حيث فسر ذلك بالرعب في قلوب الأعداء، بل ورد بهذا القيد في رواية أخرى بلفظ: (نصرت على العدو بالرعب..)، أو المراد هو الخوف والقلق والاضطراب في قلوب المشركين بسبب عدم وجود الإيمان فقال تعالى: «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ».

2- تخويف أو إرهاب سلبي ومذموم، وهو تخويف الآمنين، وإحداث الرعب بين الناس دون حق، وهذا الإرهاب أو التخويف حرام في جميع الشرائع السماوية، ولكن الإسلام فصل فيه حتى وصل التحريم لتوريع الحيوانات الآمنة – كما سيأتي-.

وبناء على ما سبق فإن لفظ الإرهاب، أو التخويف يكون ممدوحاً، أو مذموماً حسب نوعية الأثر الذي يحدثه، ونوعيه الموجه إليه، ولكن أصبح لفظ الإرهاب شائعاً في الإرهاب المذموم، ثم ألصق بهذا الدين العظيم الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.

الإرهاب في الاصطلاح

أصبح هذا المصطلح متداولاً من أكثر من عقدين دون تحديد دولي له، ولذلك تطلقه الدول الكبرى، والدول المستبدة على كل من يخالف رأيها أو يقف في وجه طغيانها، أو مصالحها، مخالفة بذلك الشرائع السماوية والقوانين الدولية، فمثلاً إن مقاومة المحتلين مشروعة في جميع الشرائع، والنظم والقوانين الدولية، ومع ذلك أطلق عليها الإرهاب، ولم يطلق على المحتل الغادر، حيث أطلق على المقاومين الفلسطينيين، ولم يطلق على الصهاينة المحتلين المعتدين.

ولذلك يجب على منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية السعي الجاد لوضع تعريف جامع مانع للإرهاب، معتمد من الأمم المتحدة، حتى لا يبقى عائماً يخضع لأهواء الدول والأفراد والجماعات.

ونحن هنا نذكر التعريفات التي وردت في الاتفاقيات الدولية والإقليمية، وقرارات المجامع الفقهية والمؤتمرات الفقهية.

1- فقد عرفت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي دخلت في حيز التنفيذ بتاريخ 5 /5 /1999: الإرهاب، بأنه: كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أعراضهم أو حريتهم أو أمنهم أو حقوقهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر

وعرفت الاتفاقية الجريمة الإرهابية بأنها: أي جريمة أو شروع أو اشتراك فيها، ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول الأطراف أو ضد رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها أو المرافق والرعايا الأجانب المتواجدين على إقليمها مما يعاقب عليها قانونها الداخلي.

ولم تعتبر الاتفاقية الجرائم الإرهابية جرائم سياسية حتى لو كانت بدافع سياسي، وألزمت كل دولة موقعة عليها ملزمة بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في جرائم ارهابية.

2- تعريف معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي للإرهاب:

اختارت معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الآرهاب الدولي لسنة 1999 تعريف الإرهاب الذي ذكرته الاتفاقية العربية السابقة مؤكداً على: ما جاء في قرار المنظمة بشأن متابعة قواعد السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي التذكير بقرار الأمم المتحدة رقم 60 /49 المتصل بإعلان مبادئ بشأن مكافحة الإرهاب الدولي، وتأكيد الالتزام بمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على أهدافه ومسبباته التي تستهدف حياة الناس الأبرياء وممتلكاتهم وسيادة الدول وسلامة أراضيها، واستقرارها، وأمنها.. يشجب القرار إرهاب الدولة الموجهة ضد كافة الدول والشعوب.

وقد أكد القرار أن الإسلام بريء من كل أشكال الإرهاب التي تؤدي إلى اغتيال الأبرياء وهو أمر يحرّمه الله، ويدين بشدة مرتكبي تلك الجرائم البشعة بزعم العمل باسم الإسلام أو أي مبرر آخر. وقد أكدت المعاهدة في ديباجتها أن إبرامها قد اقتضاه العمل بتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب خاصة ما كان منه قائماً على التطرف، والتمسك بميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، والالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كذلك القرارات الصادرة عنها ذات الصلة بالتدابير الرامية للقضاء على الإرهاب.

وقد نصت الاتفاقية على أنه: لا تعدّ جريمة إرهابية حالات كفاح الشعوب بما فيها الكفاح المسلح ضد الاحتلال والعدوان الأجنبيين والاستعمار والسيطرة الأجنبية من أجل التحرير أو تقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي.

كما نصت بأنه: لا تعدّ أي من الجرائم الارهابية من الجرائم السياسية، بينما تعد من الجرائم الإرهابية جميع أشكال الجرائم المنظمة عبر الحدود والتي تتم بغرض تمويل الأهداف الإرهابية بما فيها الاتجار غير المشروع في المخدرات والبشر وغسل الأموال.

وقد أخذ القانون السوداني لمكافحة الإرهاب لسنة 2000 تعريف الإرهاب والجريمة الإرهابية في الاتفاقيتين واعتبر هذا القانون الجريمة الإرهابية من صنوف حد الحرابة، من حيث تكييفها القانوني وعقوبتها.

أمر الإسلام بالابتعاد عن كل ما يثير الفتن بين الناس وحذر من مخاطر ذلك قال سبحانه (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)، وفي دين الإسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف وما يؤدي إليهما من غلو في الدين.

سبق الإسلام جميع القوانين في مكافحة الإرهاب وحماية المجتمعات من شروره، وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله.

الإرهاب: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أوجماعات أو دول بغيا على الإنسان «دينه ودمه وعقله وماله وعرضه»، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق.

3- تعريف الإرهاب عند المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، فقد عرف الإرهاب بما يأتي:

(الإرهاب: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أوجماعات أو دول بغيا على الإنسان «دينه ودمه وعقله وماله وعرضه» ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بايذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر فكل هذا من صور الفساد في الارض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله (ولا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين)، وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد واعتبره محاربة لله ورسوله، في قوله الكريم (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظرا لخطورة هذا الاعتداء الذي يعتبر في الشريعة الإسلامية حربا ضد حدود الله وضد خلقه.

ويؤكد المجمع أن من أنواع الإرهاب إرهاب الدولة ومن أوضح صوره وأشدها شناعة الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا. واعتبر المجمع أن هذا النوع من الإرهاب من أشد أنواعه خطرا على الأمن والسلام في العالم، واعتبر مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس والجهاد في سبيل الله.

وقد أوضح البيان العلاج الإسلامي للتطرف والعنف والإرهاب فقال: «لقد سبق الإسلام جميع القوانين في مكافحة الإرهاب وحماية المجتمعات من شروره وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها قال سبحانه (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون). هذا توجيه لعموم البشر، وتحقيقا لهذا التكريم منع الإسلام بغي الإنسان على أخيه الإنسان وحرم كل عمل يلحق الظلم به فقد قال تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)، وشنع على الذين يؤذون الناس في أرجاء الارض ولم يحدد ذلك في ديار المسلمين كما في قوله تعالى (َإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد). وأمر بالابتعاد عن كل ما يثير الفتن بين الناس وحذر من مخاطر ذلك، قال سبحانه (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)، وفي دين الإسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف وما يؤدي إليهما من غلو في الدين لأن في ذلك مهلكة أكيدة «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد والنسائي.

وعالج الإسلام نوازع الشر المؤدية الى التخويف والإرهاب والترويع والقتل بغير حق، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» رواه أبو داود. وقال عليه الصلاة والسلام «من أشار الى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وان كان أخاه لأبيه وأمه» رواه مسلم.

وقد أوصى الله بمعاملة أهل الذمة بالقسط والعدل فجعل لهم حقوقا ووضع عليهم واجبات ومنحهم الأمان في ديار المسلمين وأوجب الدية والكفارة على قتل أحدهم خطأ فقال في كتابه (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة)، وحرم قتل الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة) رواه البخاري وأحمد وابن ماجة. ولم ينه الله المسلمين عن الإحسان لغيرهم وبرهم اذا لم يقاتلوهم ويخرجوهم من ديارهم وذلك كما قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين).

وأوجب سبحانه وتعالى العدل في التعامل مع أهل الذمة والمستأمنين وغيرهم من غير المسلمين فقال (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون).

لذا يعلن المجمع للعالم أن جريمة قتل النفس الواحدة بغير حق تعادل في الإسلام في بشاعتها قتل جميع الناس سواء كان القتل للمسلم أو لغيره بغير الحق وأن تنفيذ الحدود والقصاص من خصائص ولي أمر الأمة وليس للافراد أو المجموعات.

كما أوضح البيان أن الجهاد ليس إرهاباً فقال: (إن الجهاد في الإسلام شرع نصرة للحق ودفعا للظلم وإقراراً للعدل والسلام والأمن وتمكينا للرحمة التي أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بها للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور مما يقضي على الإرهاب بكل صوره). فالجهاد شرع لذلك وللدفاع عن الوطن ضد احتلال الارض ونهب الثروات وضد الاستعمار الاستيطاني الذي يخرج الناس من ديارهم وضد الذين يظاهرون ويساعدون على الاخراج من الديار وضد الذين ينقضون عهودهم ولدفع فتنة المسلمين في دينهم أو سلب حريتهم في الدعوة السلمية الى الإسلام قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)، وان للإسلام آدابا وأحكاما واضحة في الجهاد المشروع تحرم قتل غير المقاتلين كما تحرم قتل الابرياء من الشيوخ والنساء والاطفال وتحرم تتبع الفارين أو قتل المستسلمين أو إيذاء الأسرى أو التمثيل بجثث القتلى أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني التي لا علاقة لها بالقتال. ولا تمكن التسوية بين إرهاب الطغاة وعنفهم الذين يغتصبون الاوطان ويهدرون الكرامات ويدنسون المقدسات وينهبون الثروات وبين ممارسة حق الدفاع المشروع الذي يجاهد به المستضعفون لاستخلاص حقوقهم المشروعة في تقرير المصير. لذلك كله فإن المجمع يدعو الأمم والشعوب والمنظمات الدولية الى ضرورة التمييز بين الجهاد المشروع لرد العدوان ورفع الظلم وإقامة الحق والعدل، وبين العنف العدواني الذي يحتل أرض الآخرين أو ينتقص من سيادة الحكومات الوطنية على أرضها أو يروع المدنيين المسالمين ويحولهم إلى لاجئين.

والمجمع اذ يدعو العالم ومؤسساته إلى معالجة العنف العدواني ومنع إرهاب الدولة الذي يمارسه الاستعمار الاستيطاني في فلسطين فإنه يدين جميع ممارسات إسرائيل العدوانية ضد فلسطين وشعبها والمقدسات الإسلامية فيها ويدعو جميع الدول المحبة للسلام إلى مساعدة شعب فلسطين وتأييده في إعلان دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها مدينة القدس. وينبه المجمع الى أن تجاهل العدالة في حل المشكلات الإنسانية وانتهاج أسلوب القوة والاستعلاء في العلاقات الدولية هو من أسباب كثير من الويلات والحروب، وأن عدم حل قضية الشعب الفلسطيني على أسس عادلة أوجد بؤرة للصراع والعنف ولابد من العمل على رد الحقوق ودفع المظالم وغيره من الشعوب والاقليات الإسلامية في العالم. وحيث ان دين الإسلام يحرم الإرهاب ويمنع العدوان ويؤكد على معاني العدالة والتسامح وسمو الحوار والتواصل بين الناس فإن المجمع يدعو الشعوب الإنسانية والمنظمات الدولية الى التعرف على الإسلام من مصادره الاساسية لمعرفة ما فيه من حلول للمشكلات البشرية وأنه دين السلام للناس جميعا وأنه يمنع العدوان قال تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).

التعريف بالإرهاب الدّولي:

إن أكبر مشكلة تواجه الباحث هي أن تعريف الإرهاب بصورة عامة، والإرهاب الدولي بصورة خاصة عائم ومختلف فيه حسب السياسات والأفكار والتوجهات المتنوعة، حيث بدأت المحاولات القانونية لتحديد مفهوم الإرهاب، والإرهاب الدولي في وارسو منذ 1927، ثم في الندوات والمؤتمرات التي عقدت بين 1930-1935م، ثم أضافت منظمة الأمم المتحدة لفظ الدولي إلى الإرهاب ودعت الدول الأعضاء فيها إلى تشكيل لجنة متخصصة لبيان أسباب الإرهاب الدولي، ودوافعه.

وقد عرفته الموسوعة السياسية بأنه: (استخدام العنف غير القانوني، أو التهديد به بغية تحقيق هدف سياسي معين).

وعرفه مشروع إعداد الاتفاقية الدولية لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية بأنه: (الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما، أو سكانها التي من شأنها إثارة الرعب لدى شخصيات أو مجموعات من الأشخاص، أو لدى الجمهور تهدف إلى تدمير أموال عامة، وإلحاق الضرر بها).

إن هذا المصطلح في مقابل الإرهاب الداخلي، لذلك نحتاج إلى تمييز واضح بينهما، ولا سيما أن مصطلح الإرهاب نفسه قد شابه كثير من الغموض، وصاحبه كثير من الإشكاليات بسبب كثرة التعاريف الممتزجة بالمصالح السياسية، ونزعة الأقوياء، والمرتبطة بكيفية الدولة من كونها دولة قوية أو ضعيفة.

الإرهاب الدولي هو العنف المسلح غير المشروع الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة بأي وسيلة تحقق الإضرار، ثم إذا كان له طابع دولي – بأن يكون قد وقع في أكثر من دولة، أو أن ضحاياه ينتمون إلى أكثر من دولة- فيسمى إرهاباً دولياً.

الإرهاب الدولي ينحصر في دائرة الإرهاب السياسي الذي يكون له هدف معين يراد تحقيقه من خلال استخدام طرق عنيفة.

ومن جانب آخر فإن مصطلح الإرهاب في اللغة العربية ومرادفها في اللغات الأخرى مصطلح واسع يشمل كل تخويف ورعب بحق، أو دون حق، وبالتالي فيشمل كل استعمال غير مشروع للقوة، وكل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، ولذلك اختلف فيه علماء القانون الخاص والعام.

إنه بلا شك توجد جرائم كثيرة حتى في القانون في النطاق الدولي تحدث الرّعب والخوف مثل جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنساية، وجرائم ضد السلم وأمن البشرية، وجرائم اعتداء دولة على دولة، وجرائم اعتداء الدولة على مواطنيها، فهل يدخل كل ذلك في الإرهاب الدولي ؟ مع أنها داخلة في الجرائم الدولية.

للإجابة عن ذلك نقول: إن علماء القانون الدولي قد اختلفوا بين موسع ومضيق، ومتوسط، ونحن هنا في هذا البحث لا تسمح طبيعة البحث بالخوض في تفاصيل هذه النقاشات، وإنما نذكر بعض التعاريف للوصول إلى التعريف الذي نختاره.

فقد عرف ويلكنسون WILKINSON الإرهاب بأنه: ارتكاب العنف المتطرف لأجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة يضحي من أجلها بجميع المعتقدات الإنسانية والأخلاقية.

وبناء على ذلك فإنه يشمل: الإرهاب الحربي من خلال استخدام الأسلحة، والتدابير القمعية، والإرهاب الثوري للاستيلاء على السلطة بالقوة، ونحوها.

ويرى فريق آخر أنه: لا بد من تمييز الإرهاب الدولي عن العنف والكفاح المسلح ضد الاحتلال والغزاة، والأحزاب الفاشية التي سيطرت على الحكم بالقوة والانقلاب.

ويلخص جونز بورج GUNZBURG عناصر الإرهاب الدولي في الاعتداء على رئيس دولة، أو أحد أعضاء الحكومة في الخارج، وعلى خدمة عامة متعلقة بتشغيل حركة المواصلات الدولية مثل خطف الطائرات.

وقد حصر الدكتور صلاح الدين مفهوم الإرهاب الدولي في استخدام العنف المنظم لتحقيق هدف سياسي.

ويصل الدكتور رفعت، والدكتور الطيار بعد مناقشات مستفيضة إلى تعريف الإرهاب الدولي بأنه: استخدام طرق عنيفة كوسيلة، الهدف منها الرعب للإجبار على اتخاذ موقف معين، أو الامتناع عن موقف معين.

ثم بيّنا ملامح ذلك من خلال أن الإرهاب الدولي وسيلة وليس غاية، وأن وسائله متنوعة، وأنه يحدث عن وجود مشكلة سياسية، أو نحوها، فيكون أمامها فريقان مختلفان، وغالباً ما تكون هنا أسباب سياسية لهذه الجرائم مثل عدم مراعاة حقوق الأقليات، وعدم الإقرار بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم احترام حقوق الإنسان.

وبناء على ذلك فإن عناصر الإرهاب هي:

(1) عنف موجه إلى شخص، أو أشخاص، أو رهائن.

(2) أن يكون منفذ العمل قاصداً إثارة حالة من الرعب والفزع لمجموعة من الأفراد بعيدين عن مسرح العمل الإرهابي.

(3)  أن يكون منفذ العمل متوقعاً أن هؤلاء الأفراد سيحققون له مطالبه، أي أن يكون له هدف يريد تحقيقه من خلال الإرهاب.

(4)  أن تتسم الجريمة بالطابع الدولي، أي أن تكون قد وقعت في أكثر من دولة، أو أن يكون ضحايا العمل ينتمون إلى دول مختلفة.

وفي ضوء هذا التعريف فإن الإرهاب الدولي ينحصر في دائرة الإرهاب السياسي الذي يكون له هدف معين يراد تحقيقه من خلال استخدام طرق عنيفة، وبذلك فإنه لا يشمل عدوان دولة على دولة، ولا يشمل كذلك جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، لأن لكل واحدة من هذه الجرائم خصوصيتها وعقوبتها في القانون الدولي.

مرجعية جرائم الإرهاب في ضوء مبادئ الشريعة:

والذي نرى رجحانه في هذا الشأن هو أن: جريمة الإرهاب الدولي ترجع إلى جريمتين في الشريعة الإسلامية، وهما: جريمة الفساد والحرابة – بمعناها الواسع-، وجريمة قتال الدولة الشرعية والإضرار بها وبمؤسساتها من خلال العنف المسلم الموجه إليها، وهي التي تسمى في الفقه الإسلامي بجريمة البغاة.

وفي ضوء ذلك نستطيع أن نعرف الإرهاب الدولي بأنه: العنف المسلح غير المشروع الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة بأي وسيلة تحقق الإضرار، ثم إذا كان له طابع دولي – بأن يكون قد وقع في أكثر من دولة، أو أن ضحاياه ينتمون إلى أكثر من دولة – فيسمى إرهاباً دولياً.

والعنف هنا: جنس عام يشمل: العنف الفعلي، أو الحكمي الذي يتحقق بالتهديد الجاد لمن له قدرة على التنفيذ.

والعنف لغة: مصدر عَنُف- بضم النون-، فيقال: عنُف به، وعليه، وأعنفه، وعنّفه – بشد النون- أي أخذه بقسوة وشدة، واعتنف الأمر أي أخذه بعنف، فهو عنيف، وجمعه عُنُف- بضم العين والنون-، ويقال: عُنفوان الشباب، لأنه مظنة القوة والعنف.

ومن هنا فالعنف هو عمل غير مشروع في اللغة، وفي الشرع، وبالتالي فلا يحتاج إلى زيادة وصف له بغير المشروع ولو وصف به لكان تأكيداً لإخراج المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، حيث وردت أحاديث في العنف منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شئ إلا زانه، ولا نزع من شيء إلاّ شانه ومن المعلوم لغة وشرعاً أن العنف هو ضد الرفق، فإذا نزع الرفق حلّ محله العنف، بالاضافة إلى الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، على حرمة الايذاء والإضرار بالآخر بأي وسيلة قولية أو فعلية أو حتى بالإشارة.

ثم إن العنف هنا مقيد بأن يكون مسلحاً أي باستعمال القوة، أو التهديد الجديّ بها.

وتقييده بـ الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة للاحتراز به عن العنف الفردي الموجه إلى الأفراد لغايات خاصة مثل النهب والسرقة والثأر، فهذه غير داخلة في الإرهاب الدولي.

وقولنا: بأي وسيلة تحقق الإضرار لتشمل جميع الوسائل والطرق والتصرفات القولية والفعلية، وحتى الإشارة التي يترتب عليها إيذاء وإضرار.

ثم إن التعريف لم يحدد مصدر العنف، ولذلك ليبقى على إطلاقه ليشمل الدولة والفرد والجماعة، وبالتالي فالدولة حينما تتعامل بالعنف غير المشروع نحو مواطنيها، أو مؤسسات المجتمع الأهلي مثل الأحزاب السياسية، والجمعيات الخيرية، والحقوقية فهي داخلة في الإرهاب أو الإرهاب الدولي، وكذلك الأفراد والجماعات حينما تتعامل مع الدولة أو المجتمع، أو مؤسساته بعنف فهي داخلة في الإرهاب، وكذلك حينما يوجه العنف غير المشروع إلى المؤسسات الدولية، أو الخدمات العامة مثل خطف الطائرات، وتدمير السفارات، واحتجاز الرهائن، أو اختطافهم، والتفجيرات في الأماكن العامة…، كل ذلك داخل في الإرهاب الدولي، أو حسب مصطلحنا الفقهي الخاص بمفهوم الحرابة والفساد في الأرض.

وكذلك إذا قام شخص طبيعي، أو اعتباري ضد دولته الشرعية باستعمال السلاح وإحداث الأضرار للمواطنين، وغيرهم دون الركون إلى الحوار المتاح فهو داخل في الإرهاب الدولي.

وكلّ هذه التصرفات داخلة في مفهوم الشريعة لجريمة الحرابة والفساد في الأرض، وجريمة البغي في الأرض.

عقوبة الحرابة والفساد في الأرض:

لقد شرع الله تعالى لقطع دابر الفساد في الأرض، ولمنع الاعتداء على أمن المجتمع عقوبة تعد على الاطلاق أشد العقوبات إذ يقول تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

ودون الخوض في التفاصيل الفقهية فإن الفقهاء مجمعون على حرمة الحرابة والفساد في الأرض بل من الكبائر الموبقات، موجهة نحو المجتمع، وليست جريمة ذات طابع فردي، ولذلك ليس لأولياء المقتول الحق في عفو المحارب المفسد، وإنما الحق للدولة من قبل القدرة عليهم، ثم اختلفوا هل هذه العقوبات موزعة حسب نوعية الجريمة، فإن قتل فقط يقتل، وإن قتل وأخذ المال عنوة قتل وصلب، وإن أخذ المال قطع فقط، وإن قام بالتخويف والرعب سجن، أم أن الدولة مخيرة حسب المصالح في اختيار أي عقوبة ما دامت الحرابة قد تحققت.

فالحرابة مبناها على الرعب، والإرهاب، وأنها خروج مسلح، أو استعمال للقوة لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، والإخلال بالأمن والأمان والقانون، والنظام العام، وأنها عادة تتحقق بخروج مسلحين يقطعون الطريق ويحدثون الفوضى، ويسفكون الدماء، ويهلكون الحرب والنسل ويعتدون على إحدى الكليات المقصودة في الإسلام من الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل والعرض، فقال تعالى في وصفهم: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).

ويدخل في مفهوم الحرابة عصابات القتل، والخطف، والسطو على البيوت، أو البنوك، وخطف النساء للفجور بهنّ، واغتيال المسؤولين ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن وإتلاف الزرع وقتل المواشي والدواب، ومن يقوم بالتفجيرات بين المدنيين ونحوها من الجرائم التي تحدث الفزع داخل المجتمع.

المصدر: الوطن القطرية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى