مقالاتمقالات المنتدى

الأولويات في ساحة الأمة (مقدمة) – د. محمد يسري إبراهيم

الأولويات في ساحة الأمة (مقدمة) – د. محمد يسري إبراهيم

 

(خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن الأولويات في مسيرة الأمة تنطلق من قواعد السياسة الشرعية، ومن مقاصد إقامة الدين الكلية، وترتيب الأولويات يخضع لإدراك شرعي مقاصدي لرتب الأقوال والأعمال، وحسن تقدير لأهميتها وأرجحيتها نظريًا وعمليًا.

وهذا الفقه علمه الله تعالى لعباده في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى:

يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌۭ فِيهِ كَبِيرٌۭ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُوا۟ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌۭ فَأُو۟لَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
(2 : 217)
[البقرة: 217].

وقال سبحانه:

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ . ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ .
(9 : 19-20)
[التوبة:19-20].

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم رتب الأعمال وما حقه التقديم منها، فحين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه داعيًا ومعلمًا قال له: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاس»([1]).

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عمر رضي الله عنه هذا الفقه، فكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه موجهًا ومفقهًا، فقال: «إن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، افهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع كلمة حق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك»([2]).

وقد عني كبار أهل العلم والفهم ببيان تلك الأولويات في كل زمان، فسارت الأمة على هدىً من كتاب ربها وسنة نبيها ‘، ومقاصد شريعتها، وترجيحات علمائها في مسيرة تطاولت.

حتى إذا بلغت الأمة هذا العصر بما فيه من ضعف وانكسار، وما انتهت إليه من حال رصدت فيه مراجعات وتراجعات، فقد تعالت صيحات ونداءات تطالب بالبحث عن الأسباب وتقييم النتائج ومراجعة التجارب.

وفي ظل حالة اضطراب وتدافع عالمية وبغي على الحق وأهله غير مسبوق-يشعر كثير من العلماء والدعاة الفضلاء بالحاجة إلى إعادة النظر في الأولويات العلمية والعملية في ساحة الأمة اليوم، وفيما يأتي من كلمات محاولة لترتيب الأفكار والأعمال، ‏أسأل الله أن ينفع بها ويتقبلها بفضله!

_______________________________________

([1]) أخرجه البخاري (1458)، ومسلم (19) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([2]) أخرجه الدارقطني في سننه (4471)، والبيهقي في السنن الكبرى (20460).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى