مقالاتمقالات مختارة

الأقصى وردود الفعل العربية والإسلامية (1)

الأقصى وردود الفعل العربية والإسلامية (1)

بقلم علي إبراهيم

يشكل المسجد الأقصى محطة أساسية من محطات التفاعل مع قضايا فلسطين والقدس، ولا يقف التفاعل مع الأحداث التي تجري فيه على الصعد الفلسطينية فقط، بل يمتد إلى دوائر أخرى رسمية وشعبية على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية. ولا يمكن حصر أسباب هذا التفاعل بما يعانيه المسجد من تهويدٍ واقتحامات شبه يومية فقط، بل هي نتيجة لموقعه في وجدان العرب والمسلمين، ولما له من قداسة وأهمية.

ونقدم في سلسلة المقالات هذه قراءة عامة لهذا التفاعل، على الصُعد الشعبية والرسمية، ونحاول عبرها تسليط الضوء على أبرز نقاط التفاعل بالتوازي مع تقديم قراءة عامة لتطوره أو تراجعه.

ومع ما للتفاعل الفلسطيني مع شؤون الأقصى من دور أساسي، فهو أبرز مؤشرات حضور الأقصى على أجندات الفصائل وحركات المقاومة، ويؤسس كذلك للمسارات الأساسية للعمل الفلسطيني المباشر، من قبل مختلف الجهات الرسمية والشعبية والحزبية وحركات مختلفة التوجه. وحول مستويات هذا التفاعل يمكننا وضع ثلاثة مستويات أساسية، هي:

مع ما للتفاعل الفلسطيني مع شؤون الأقصى من دور أساسي، فهو أبرز مؤشرات حضور الأقصى على أجندات الفصائل وحركات المقاومة، ويؤسس كذلك للمسارات الأساسية للعمل الفلسطيني المباشر، من قبل مختلف الجهات الرسمية والشعبية والحزبية وحركات مختلفة التوجه

الأول: التفاعل السلبي، وهو تفاعل بالتصريحات والبيانات فقط، من دون أي انعكاس على الأداء والفاعلية، أو تقديم استجابة حقيقية لما يعانيه الأقصى، وهو ما تقوم به السلطة الفلسطينية عامة، والعديد من الأنظمة السياسية العربية والإسلامية.

الثاني: تفاعل سياسي وميداني، ولكنه محدود وخاضع لظروف مختلفة، خاصة في الضفة الغربية والمناطق المحتلة الأخرى، وفي الدول المحيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو تفاعل الفصائل الفلسطينية وحركات المقاومة، وأطراف واسعة من الأطر الحزبية والحركات الإسلامية وتيارات الأمة.

الثالث: تفاعل ميداني كبير، والتحام مباشر مع الاحتلال، وهو تفاعل المقدسيين وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948.

مستويات التفاعل هذه تنقسم إلى عددٍ من المسارات؛ شكلت صورة التفاعل مع المسجد الأقصى وقضاياه ما بين عامي 2020 و2021، وأمام حجم الواجبات التي يجب على الأمة الاهتمام بها، تجاه القدس عامة والأقصى على وجه الخصوص، نجد أن الإجابة الجادة على سؤال الفاعلية لم تحضر حتى اللحظة، خاصة أن التفاعل مع المسجد المبارك يظل رهيناً لحالة من المراوحة بين معادلة “تصاعد الأخطار وتصاعد الاهتمام”. إذ يرتبط العاملان معاً بشكلٍ كبير، فعندما تتراجع صورة المخاطر ويختفي حضورها لدى الرأي العام، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، يتراجع تفاعل الجمهور العربي طردياً، لذلك تضعف “الفاعلية” كلما ابتعدنا عن القدس والأقصى أكثر وأكثر.

ونقدم في هذه السلسلة من المقالات إطلالة وافية عن ردود الفعل العربية والإسلامية تجاه مجريات الأحداث في الأقصى، وكيف استجابت الأطراف المختلفة لما يجري في جنبات المسجد من اعتداءات واقتحامات، ونستهلها بالمسار الأبرز؛ مسار المواجهة والمدافعة، الذي يقوم به العنصر الأبرز في الدفاع عن الأقصى، ألا وهم الفلسطينيون في القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948.

مسار المواجهة والمدافعة

شكلت معركة “سيف القدس” نموذجاً لاستجابة الفصائل الفلسطينية مع ما يجري في القدس والأقصى، وهي استجابة لم تكن مسبوقة بهذا الشكل والزخم من قبل، واستطاعت تحويل ما يجري في المسجد الأقصى وفي القدس، إلى فتيل تفجير معركة مع المحتل، انطلقت من باحات الأقصى ثم امتدت لتشمل كل التراب الفلسطيني.

لم تكن الحالة الشعبية في القدس والمناطق الفلسطينية الأخرى مختلفة عن الأعوام الماضية، فقد تابعت الجماهير الفلسطينية التحامها مع الاحتلال، وأظهرت مقاومة واضحة للانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال، داخل المسجد الأقصى وفي المدينة المحتلة

لم تكن الحالة الشعبية في القدس والمناطق الفلسطينية الأخرى مختلفة عن الأعوام الماضية، فقد تابعت الجماهير الفلسطينية التحامها مع الاحتلال، وأظهرت مقاومة واضحة للانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال، داخل المسجد الأقصى وفي المدينة المحتلة، وما يتصل بهذا الرفض من مشاركة في المسيرات والمهرجانات والوقفات التضامنية والإضرابات نصرة للقدس والأقصى. ولم يكن التفاعل محصوراً مع ما يجري داخل الأقصى فقط، بل امتد ليشمل التطبيع العربي مع الاحتلال، والتضامن مع ما يجري في قطاع غزة من قصف وعدوان، وغير ذلك من القضايا.

ويظل تصدر فلسطينيي القدس والأراضي المحتلة عام 48 مشهد الدفاع عن الأقصى الصورة الأكثر سيطرة في مسار الالتحام مع المحتل، وذلك بسبب قدرتهم على الوصول إلى المسجد. فالوصول إلى الأقصى ميزة يتمتعون بها من دون غيرهم من الفلسطينيين، على الرغم من محاولة الاحتلال عرقلة وصول فلسطينيي عام 48، عبر الحواجز المتنقلة والإبعاد المتكرر، وإعادة الحافلات إلى القرى التي انطلقت منها. وعلى الرغم من محاولات الاحتلال هذه، تابعوا جهودهم في الدفاع عن المسجد ومقاومة مشاريع التهويد، والوقوف في وجه اقتحامات الأقصى شبه اليومية، وشكّلوا خطّ الدفاع الأول في وجه اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى، خاصة إبان تزامن الأعياد الإسلامية مع الأعياد اليهودية.

نموذج كسر الاحتلال قابل للتكرار

أفشل فلسطينيو القدس وفلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948، في عددٍ من المناسبات، محاولات الاحتلال فرض واقع جديد، وهي محطات تبدأ بهبة السكاكين وتصل إلى هبة باب العمود، ولكن المحطة الحالية التي يسعى الاحتلال خلالها إلى ما بات يعرف بـ”التأسيس المعنوي للمعبد”، وما تقوم به سلطات الاحتلال من استهداف متنامٍ لحالة الرباط، تفرض المزيد من العمل، وتستدعي قراءة أكثر قرباً من أسئلة الواقع. ففي هذا السياق نحن أمام نموذجين من الاستجابة الفلسطينية لهذه الاقتحامات:

المحطة الحالية التي يسعى الاحتلال خلالها إلى ما بات يعرف بـ”التأسيس المعنوي للمعبد”، وما تقوم به سلطات الاحتلال من استهداف متنامٍ لحالة الرباط، تفرض المزيد من العمل، وتستدعي قراءة أكثر قرباً من أسئلة الواقع

الاستجابة الأولى: التي جرت عند محاولة اقتحام الأقصى في 10 أيار/ مايو 2021 بالتزامن مع 28 من رمضان. فقد سبقت الاقتحام حالة رفضٍ عارمة، ودعوات إلى رفد المسجد الأقصى بالمرابطين، وأسهمت المناطق الفلسطينية المحتلة عام 48 بدعم المقدسيين بالمرابطين والمصلين الذين تجاوزوا ما قامت به سلطات الاحتلال من عرقلة وصولهم ومحاولة منعهم. وأدت حالة الاستنفار هذه والتضحيات البطولية داخل المسجد الأقصى؛ إلى إفشال الاقتحام، وعدم استطاعة الاحتلال إدخال مستوطن واحد إلى داخل المسجد.

النموذج الثاني: اقتحام الأقصى في ذكرى “خراب المعبد” في 18 تموز/ يوليو 2021 بالتزامن مع الثامن من شهر ذي الحجة (يوم التروية)، ففيه استطاع الاحتلال الالتفاف على النصر الذي جرى في 28 رمضان، واقتحم الأقصى حينها نحو 1540 مستوطناً، من بينهم أعضاء سابقون وحاليون في “الكنيست”. وشهد الاقتحام ترديد المستوطنين نشيد “الهاتيكفا” بصوتٍ مرتفع وبحماية قوات الاحتلال، وأداء أعدادٍ كبيرة من المستوطنين طقوساً يهودية علنية في باحات الأقصى.

وفي سياق استنباط قواعد الاشتباك، والتطلع إلى المحطات القادمة لالتقاء الأعياد الإسلامية واليهودية، سنكون أمام سيناريوهين أساسيين من التفاعل؛ الأول أن يتحول هذا التزامن بين التقويمين إلى محطات تفجر لا تُلهب ساحات الأقصى فقط، بل تصل نيرانها إلى مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة، على غرار ما جرى في اقتحام الأقصى في 10 أيار/ مايو 2021، واشتعال الهبة الفلسطينية الشاملة. أما السيناريو الثاني فهو قدرة الاحتلال على تمرير الاقتحامات الحاشدة، بل تطبيق المزيد من الطقوس اليهودية خلالها.

سؤال “الانتكاسة” على الرغم من وجود “النموذج”

إذاً ستظل المحطات القادمة أياماً بالغة الخطورة على المسجد المبارك، إن من حيث محاولات الاحتلال استمرار فرض سيطرته على المسجد، وفتح المجال أمام أذرعه لتنفيذ المزيد من الاعتداءات، أو من حيث إعادة ترتيب الأوضاع الفلسطينية، وإدارة المعركة مع الاحتلال مجدداً من بوابة المسجد الأقصى. وأمام حالة المواجهة التي تكتنف ما يجري في القدس والأقصى، وتحول اقتحام الأقصى في الأعياد الإسلامية إلى الجذوة التي تُشعل فتيل المواجهة والحماية، لا بد لنا من الوقوف أمام حصيلة التجربة الماضية.

على الرغم من قدرة الهبة الفلسطينية على ردع الاحتلال، ودفعه إلى إغلاق الأقصى أمام الاقتحامات نحو 19 يوماً، فإن الأخير استطاع الالتفاف على هذه الإنجازات، وعلى قدرة الهبة الفلسطينية في مواجهة تغول الاحتلال

فعلى الرغم من قدرة الهبة الفلسطينية على ردع الاحتلال، ودفعه إلى إغلاق الأقصى أمام الاقتحامات نحو 19 يوماً، فإن الأخير استطاع الالتفاف على هذه الإنجازات، وعلى قدرة الهبة الفلسطينية في مواجهة تغول الاحتلال. فقد عادت الاقتحامات إلى الأقصى، بنسقها السابق، بل تصاعدت وتيرتها خلال الأعياد اليهودية الأخيرة، خاصة عيدا “الغفران” و”العُرش”، وما شهداه من مشاركة يهودية كثيفة، وأداء الطقوس اليهودية العلنية. وهذا ما يطرح سؤال “الاستمرارية” ويُعيد إلى أذهاننا دور مختلف الفئات الشعبية والمناطقية في رفد الأقصى بالمرابطين، لئلا يتحول إفشال اقتحام الـ28 من رمضان (في 10 أيار/ مايو 2021)، إلى نموذج يتيم لا يتكرر.

ومع التأكيد المستمر على دور المقدسيين الأساسي في مواجهة الاحتلال، إلا أنّ الخوف من أن تتأخر الاستجابة أحياناً إلى الوقت الذي تستطيع فيه سلطات الاحتلال فرض المزيد من التغييرات داخل المسجد المبارك، لأن التجارب الفلسطينية العديدة التي سطر فيها الفلسطينيون ملاحم بطولية؛ أكدت أن كسر الاحتلال بالوجود البشري الكثيف في الأقصى، وإسناد المقاومة لهذه الحالة في مختلف المناطق الفلسطينية، يفرض على الحالة الشعبية مزيداً من العمل، وعلى الأطر الداعمة لها بلورة الخطط الفاعلة والعملية، لإعادة ترتيب الحالة القادرة على مواجهة الاقتحامات، خاصة مع المحطات العديدة القادمة من التزامن ما بين الأعياد الإسلامية التي تضمن وجوداً إسلامياً كثيفاً في الأقصى، وبين الأعياد اليهودية التي تحشد فيها “منظمات المعبد” أكبر أعدادٍ ممكنة من المستوطنين.

المصدر: عربي21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى