مقالاتمقالات مختارة

الأقصى في خَطَر

بقلم د. سلمان العودة

نعم. الأقصى في خطر، وهذه حقيقة مُرّة، وواقع مخيف، وليست هاجساً أو ظناً استباقيًّا يتوقع ماذا يمكن أن يفعله اليهود.

فالأقصى يواجه مخاطر مفزعة وجسيمة تهدد بمستقبل قاتم، وقد يصحو المسلمون على المسجد مدمّراً أو محوّلاً إلى معبد لليهود، وفي وسطه كنيس أو هيكل.

أو يجعل اليهود المسجد مبنًى هشاً كالورق قابلاً للسقوط عند أيّ هزة أو زلزال.

ومن بين هذه المخاطر:

(1) الجمعيات والمنظمات اليهوديّة التي لا تفتأ ليل نهار تخطط وتكيد لهدم المسجد الأقصى أو نسفه أو إحراقه وإزالته من الوجود، وذلك من أجل إقامة ما يسمونه “بهيكل سليمان الثالث”، وهي أكثر من ثلاثين منظمة وجماعة يهوديّة.

ومنها :

– “غوش أمونيم”: وهي جماعة دينيّة متطرفة هدفها إقامة الهيكل، تضم عدداً من أشهر الحاخامات، وهي تمزج أعمالها السياسيّة بطابع إيمانيّ، وشعارها: الاستيطان في كل أرجاء إسرائيل.

– “الريفافا”: وهي جماعة يهوديّة متعصبة توزع عشرات الإعلانات والمنشورات الدعائيّة، وتزعم هذه الجماعة أن مكان الهيكل المزعوم تحت قبة الصخرة، وخلال شهرين حاولت هذه الجماعة مع غيرها من الجماعات اقتحام المسجد الأقصى عن طريق الدعوة إلى عملية اقتحام جماعيّة لآلاف المستعمرين وأنصار اليمين خاصة، وباءت محاولاتها بالفشل بفضل من الله، ثم بسالة هذا الشعب المقاوم.

– أبناء الهيكل: ومركزها في القدس ولها فرع في أمريكا، وقد أنشأت صندوق جمعية “جبل الهيكل”، وهدفها تهويد منطقة المسجد الأقصى.

-حركة كاخ: وهي حركة يمينيّة متطرّفة تهدف إلى طرد العرب الفلسطينيين من كافة أرجاء فلسطين لتبقى خالصة لليهود.

– حركة كاهانامي: وهي لا تختلف كثيراً عن حركة كاخ.

– منظمة بيتار: ولها فروع في عدة دول، واهتمامها منصب على إقامة الشعائر في ساحة الأقصى.

– حركة تسوميت: وهي تلحّ على جعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وترفض الانسحاب رفضاً قوياً.

– ومن تلك المنظمات منظمة هيكل القدس وحركة إعادة التاج: وهدفهم الاستيلاء على بيوت ومباني القدس ويدّعون ملكيّتها لليهود، وهذه الحركات تهدف إلى الاستيلاء على الأقصى، وأصحابها يدّعون في سفور متبجّح وعلنيّ إلى هدم الأقصى، وتهويد الخليل، والاستيلاء على المسجد الإبراهيمي.

وحركة أمناء الهيكل هي تنظيم استيطانيّ يبشّر بقرب الخلاص وبظهور المسيح.

(2) بناء الهيكل

والهيكل في زعم اليهود هو بيت الربّ أو الإله، والمكان الأمثل والمفضل لوضع تابوت العهد.

والصهاينة يعتبرون بناء الهيكل هو القضيّة الأم، وتكاد تتفق كلمة المنظمات والجماعات المتطرّفة اليهوديّة على ذلك، ومن هنا صار هدم الآثار الإسلاميّة في القدس هدفاً رئيساً لهم.

وعلى رأس هذه المنظمات “أبناء الهيكل”، وبالفعل نجد أن هذه الجماعة مع غيرها قامت بوضع حجر الأساس للهيكل الثالث عام 1989 في احتفال كبير.

ومما يُذكر أن المسيحيين المتطرّفين يرون أنه لن يرجع المسيح ثانية إلا إذا بُني الهيكل، فقيام دولة إسرائيل عندهم هو نبوءة بنهاية العالم ومجيء المسيح.

(3) تهجير سكان القدس خاصة وفلسطين عامة وجعلها يهودية صرفة،

وقد أخلَوْا وهجّروا قرًى كاملة ضمن مخطط شامل قام على:

أ- إرهاب السكان وتخويفهم وتصفيتهم كلما أمكن، والأخبار والصور ومقاطع (الفيديو) الدامية أكبر دليل على هذا العنف والإجرام الصهيوني.

ب- التضييق الاقتصادي والضغط على الفلسطينيين، ومحاولة إذابة الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد الإسرائيلي، وفصل القدس خاصة اقتصادياً ومادياً، وإقامة الأسواق الإسرائيليّة فيها.

ج- الاستيلاء على الأراضي والممتلكات ومصادرتها مند عام 1967م.

د- الهدم والتدمير والتجريف والإزالة.

ه – تضييق الخناق على التعليم والتعليم العالي، وخاصة في القدس، وقد صادروا مدارس وألغَوْا برامج عربيّة للتعليم.

وبمجيء رئيس الوزراء الحالي -وهو يميني متطرف- بدأت مرحلة جديدة نوعيّة في النشاط والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة بعد عام 1967؛ إذ بلغ مجموع عمليات البناء في المستوطنات في الفترة ما بين آذار – تشرين ثاني 2001 (49) عمليّة بناء شملت إقامة المواقع الاستيطانيّة الجديدة.

وتعرّضت الثروة الزراعيّة إلى عملية تدمير وتجريف ممنهجة واسعة النطاق على أيدي المستوطنين وقوات جيش الاحتلال؛ فجُرفت الأراضي الزراعيّة وقُطعت وحُرقت الأشجار المثمرة.

(4) تهويد القدس

وفيما يلي إشارات سريعة لبعض مراحل تهويد القدس:

·        تهويد المرافق العامة والخدمات:

عقب الاحتلال الكامل للقدس عام 1967م حُلَّ مجلس أمانة القدس العربي، ونُقلت محكمة الاستئناف العربي إلى مدينة رام الله، وطُبّق القانون اليهودي على مواطني القدس العرب، ورُبطت شبكتا الهاتف والمياه بدولتهم، كما نُقلت الوزارات والدوائر اليهوديّة إلى المدينة. كما هُوّدت مناهج التعليم في المدارس العربيّة، وذلك بتطبيق مناهج التعليم اليهودي، وعُزلت المدينة اقتصاديًّا وجمركيًّا عن بقية المدن الفلسطينيّة الأخرى.

·        وفي نفس العام 1967م استولى اليهود على حي المغاربة وقسمٍ كبيرٍ من حي الشرف في البلدة القديمة، وأسفر ذلك عن مصادرة (116) دونماً من أراضي الوقف الإسلامي تضم (595) عقاراً وقفيًّا إسلاميًّا منها مسجدان ويشكل ذلك 10 % من مساحة البلدة القديمة.

·        وفي عام 1969م ظهرت تفاصيل مشروع القدس الكبرى، وفي إطاره أٌقيمت حوالي (15) مستعمرة، وهي الحزام الاستيطاني الثاني حول القدس.

·        وفي عام 1974م نُشرت تفاصيل أحد أهم مشروعات اليهود التي تخطط لمستقبل القدس السياسي، وهو مشروع الدكتور (رافل بنكلر)، ويتضمن إبقاء القدس موحّدة تحت السيادة اليهوديّة، وتوسيع حدود القدس وتقسيمها، و إعطاء الأحياء اليهوديّة نوعاً من الحكم الذاتي، وتحديد نسبة السكان العرب بحيث لا تزيد عن 25 % من السكان.

·        وفي عام 1975م تمت الموافقة على توسيع خريطة القدس، ويشمل هذا التوسّع تسع مدن و(60) قرية عربية، أي ما يقارب 30% من مجموع مساحات الضفة الغربية، وقد أُقيم في هذا النطاق (15) مستعمرة أخرى، والتي تشكل الحزام الاستيطاني الثالث حول مدينة القدس.

·        وحتى عام 1981م أقامت السلطات اليهودية تسعة أحياء يهوديّة في حدود أمانة القدس، وعلى مشارف البلدة القديمة، وهي: ( رامات، أشكول،معلوت، دفنا، سانهدريا، جبعات همفتار، حي النبي يعقوب، التلة الفرنسية، حي الجامعة العبرية، تل بيوت، وحي عتاروت).

محاولات هدم الأقصى:

في 21 / 8 / 1969م أقدم (دينيس مايكل) الأسترالي الجنسيّة على إحراق المسجد الأقصى، وأتت النيران على أثاث المسجد وجدرانه، وعلى المنبر الذي أحضره صلاح الدين حين حرره من أيدي الصليبين.

وفي عام 1980م جرت محاولة لنسف المسجد الأقصى؛ إذ اكتشف بالقرب منه أكثر من طن من مادة ( تي.إن.تي )، وكان المسؤول عن هذه العملية الحاخام مائير كاهانا.

وفي عام 1984م اكتشف حراس الأقصى عدداً من الإرهابيين اليهود في الساحات المحيطة بالمسجد، وهم يعدون العدّة لعمليّة نسف تامة للمسجد، وفي العام نفسه اكتشفت عمليّة لمحاولة قصف المسجد الأقصى من الجو بواسطة الطائرات، ولكن الله –تعالى- حفظ بيته.

وفي عام 1990م قام أعضاء منظمة أمناء جبل الهيكل بقيادة (غرشون شلمون) باقتحام ساحة المسجد الأقصى، ومعهم الهيكل الأساس لهيكلهم المزعوم، ولكن أهالي القدس أفشلوا المحاولة، وأطلقت الشرطة الإسرائيليّة والجيش الإسرائيلي والعصابات اليهودية النار على المسلمين فيما سُمّي بعد ذلك ب (مجزرة الأقصى).

كما قامت سلطة الآثار الإسرائيليّة ووزارة الأديان بجهود حثيثة في حفر الأنفاق على طول الحائط الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى المبارك، ويصل طول النفق الذي يمتد اليوم من باب المغارة وحتى المدرسة العمريّة ما يقرب من (591) متراً، وقد أدّت هذه الحفريات إلى تصدّع جميع الأبنية الإسلاميّة من مساجد وزوايا على الحائط الغربي للمسجد وسقوط بعضها.

ويقيم اليهود مجموعة من المعابد في هذه الأنفاق، ويحاولون العبور إلى داخل المسجد عبر هذه الأنفاق للوصول إلى قبة الصخرة، وما تزال هذه الحفريات مستمرة منذ (33) سنة.

فمتى يستيقظ المسلمون؟

ومتى يضعون قضية الأقصى في سلم أولويّاتهم واهتماماتهم حكومات وشعوباً وجماعات وأفراداً؟

في مطمحي أملٌ لم تخبُ جذوتُه               برحمة الله والأعباء في عنقي

على مرابع قدس المجد باركها            وحولها اللهُ وهي اليوم في الربقِ

مسرى الرسول وأولى القبلتين بها         واحرّ قلباه!! ماذا للفخار بقي

مالي أرى الصخرةَ الشماءَ من كمدٍ     تذوي وعهدي بها مرفوعةَ العنقِ

ومنبرُ المسجد الأقصى يئنُّ أسًى     قد كان يحدو الدّنا من طهره الغدقِ

واليوم دنّسه فُجْرٌ ألمّ به             من غدر صهيون غدرِ الداعرِ الفسقِ

وللعذارى العذارى المسلمات على       أعواده ضمَّةُ الموفي على الغرقِ

لو استطاع لألقى نفسَه حمماً             صوناً لهن ودكّ الأرضَ في حنقِ

وظلّت الكعبةُ الغراءُ باكيةً                   وغُمّ كلُّ أذانٍ غمّةَ الشرقِ

اللهم يا معينَ الصابرين، احفظْ مقدسات المسلمين، ورُدّهم إليك رداً جميلاً.

(المصدر: الإسلام اليوم)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى