مقالاتمقالات مختارة

اغتيال العقول العربية ..استراتيجية صهيونية لضرب أي تفوق إسلامي

بقلم كارم الغرابلي

تلقت فلسطين والأمتين العربية والإسلامية خبر اغتيال العالم الفلسطيني “فادي البطش” في العاصمة الماليزية كوالالمبور بصدمة وألم؛ حيث أعادت هذه الجريمة للأذهان عمليات الاغتيال التي نفذها الكيان الصهيوني بحق الأدمغة والعقول العربية على امتداد العالم أجمع.

ولد فادي محمد البطش، وهو عالم ومهندس وأكاديمي فلسطيني مختص في الهندسة الكهربائية في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، فقد ثمانية عشر شخصًا من أفراد عائلته في قصف صهيوني استهدف منزلهم بحي الشجاعية، خلال الحرب على غزة عام 2014.

تميز العالم الفلسطيني بتفوقه وإنجازاته العلمية القيمة، وعمل محاضرًا في جامعة ماليزية خاصة بعد حصوله على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من الجامعة الإسلامية بغزة أواخر عام 2009، وعقب ذلك تمكن من الحصول على قبول الدكتوراة من جامعة مالايا الماليزية.

وكان البطش أول عربي يحصل عام 2016 على منحة “خزانة” الماليزية، وهي الأولى في ماليزيا من حيث الجودة، ومن أفضل الجوائز العالمية، ما أهله للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية “إلكترونيات القوى” من جامعة مالايا الماليزية، وتحقيقه جملة من الإنجازات العلمية في مجال الطاقة.

ولم تكن حادثة اغتيال الأكاديمي الفلسطيني هي الأولى من نوعها، التي تستهدف عقول وعلماء عرب ومسلمين منذ عقود طويلة؛ فقد نفذ جهاز الموساد الصهيوني عشرات عمليات الاغتيال بحق العلماء والقيادات العملية والسياسية العربية والفلسطينية على حد السواء.

و رصدت دولة الكيان الصهيوني لتلك العمليات أجهزة ومعدات ومتخصصين وأموالاً؛ لإدراكها أنها جزء من الحرب الدائمة والمفتوحة في استراتيجيتها المعلنة والمستترة ضد العرب.

و يأتي استهداف البطش ضمن مسلسل اغتيال الموساد للكفاءات الفلسطينية والعربية المستمر؛ بهدف عدم منح أي تفوق للوجود العربي والإسلامي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا  .

وقد أكد على ذلك المؤتمر الشعبي الفلسطينيي في ماليزيا، حيث أشار عقب اغتيال البطش بأن عملية الاغتيال تأتي ضمن سلسلة الاستهداف المستمر لعلماء وكفاءات فلسطين.

إبراهيم المدهون: هناك لجان في الموساد الصهيوني تتركز مهمتها بمتابعة العلماء والخبراء الفلسطينيين والعرب وقتلهم

الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون قال في هذا الصدد: “منذ نشأة الكيان عام 1948م وهو يعمل على قتل واستهداف المفكرين ورجال العلم والمثقفين وذلك لدورهم البارز في المعركة مع الاحتلال الصهيوني”.

وأضاف في حديث خاص لبصائر: “هناك لجان في الموساد الصهيوني تتركز مهمتها بمتابعة العلماء والخبراء الفلسطينيين والعرب وقتلهم، و قد نفذ الموساد الصهيوني المئات من عمليات الاغتيال بحق العقول الفلسطينية والعربية خاصة العلماء العراقيين”.

وأشار المدهون إلى أن دولة الكيان تعمل على محاربة وضرب أي تقدم علمي عربي، وتلاحق باستمرار العلماء والخبراء الفلسطينيين والعرب الذين يعملون ليل نهار من أجل تدمير الكيان الصهيوني وشل قدراته العسكرية في أي مواجهة قادمة.

ولفت إلى أن الصهاينة يعتبرون أدوات تطوير المسلمين للتكنولوجيا خطراً عليهم، ولا يريدون أي اختراق في هذا المجال يكسر تفوقهم، لذلك يستهدفون العلماء الفلسطينيين والمصريين والعراقيين والإيرانيين والباكستانيين وغيرهم.

ونوه إلى أن الصهاينة لا يستهدفون فقط علماء الذرة المسلمين، بل كل الكفاءات المسلمة التي يمكن أن تؤدي إلى تطوير بلدانها في أي مجال من المجالات العلمية والفكرية  .

استهداف دولة الكيان للعلماء العرب على مدار التاريخ، يعود إلى وجود استراتيجية صهيونية ترتكز على مجموعة من السياسات والأدوات الخاصة باغتيال العقول العربية سواء بطريق مباشر عبر تتبع العلماء واغتيالهم، أو بطريق غير مباشر عن طريق تقديم جميع محاولات الإغراء والاحتواء لهؤلاء العلماء وإعادة تأهيلهم بما يخدم المصالح “الإسرائيلية” وفقا للكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف.

مصطفى الصواف: إبداعات الشباب العرب يجب أن تستغل وتستثمر في القضية الفلسطينية؛ لأنها القضية الأولى والرئيسة للعالم العربي والإسلامي، ومن حقنا أن نستفيد منهم في مقاومة المحتل

وأضاف الصواف في حديث لبصائر: “هذه السياسة ثابتة بالنسبة للكيان الصهيوني تتعلق بمفهوم الأمن باعتبارها مسألة قومية “إسرائيلية” يجب أن تبقى المنطقة العربية في الحد الأدنى من أي مستوى أمني تقني علمي”.

ونوه الى أن هذه الإجراءات تم استخدامها للحفاظ على تفوق “إسرائيل” في شتى المجالات في إطار الدعم الأمريكي لها، الأمر الذي شجعها على الاستمرار في تبني سياسة الاغتيالات ضد العلماء العرب، فقد وصل الأمر بدولة الكيان بالضغط على الدول الغربية لتحديد فرص طلاب دول العالم الثالث لرفض انضمام أي طلاب عرب في الدراسات ذات الصفة الاستراتيجية، ورفض إلحاقهم بالمستويات الدراسية الخاصة بتخريج علماء الذرة والصواريخ.

وأشار الصواف إلى أن البطش شخصية علمية رفيعة عالية، وشكل اغتياله خسارة كبيرة، وصدمة كبيرة لجميع العالم العربي والاسلامي، حيث فقدوا خبرته العلمية  .

وتابع: “إبداعات الشباب العرب يجب أن تستغل وتستثمر في القضية الفلسطينية؛ لأنها القضية الأولى والرئيسة للعالم العربي والإسلامي، ومن حقنا أن نستفيد من العقول والخبرات العربية، وأن نطور قدراتنا بهدف مقاومة المحتل والدفاع عن هذا الشعب والوطن الأرض، والشهيد فادي شكل مفخرة للجميع وكان له بصمة كبيرة”.

وفي ذات الصدد، فقد لخص المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط جملة من الأهداف التي تسعى دولة الكيان لتحقيقها من خلال اغتيال العلماء والعقول العربية وهي:

(*) الحفاظ على التفوق النووي للكيان الصهيوني: فالاحتلال يغتال العلماء العرب لتحقيق عدة أهداف على رأسها منع الدول العربية من الحصول على المعرفة النووية والتكنولوجية والاستفادة منها بما يعزز من عناصر قوتها الشاملة، لذلك هناك اعتقاد كبير بتورط وكالة المخابرات الإسرائيلية “الموساد” في استهداف العديد من العلماء العرب والمسلمين.

(*) تحديات الحروب المقبلة: تهدف دولة الاحتلال من استهداف العلماء العرب إلى تحسين قدراتها ومكانتها في حال دخول أية حروب مستقبلية مع الدول العربية وفي هذا الإطار جاءت عملية اغتيال المهندس “محمد الزواري” التونسي الخبير في تصميم الطائرات بدون طيار في ديسمبر 2016م، بمدينة صفاقس التونسية وتورط المخابرات “الإسرائيلية” في الحادث.

وقد ارتبطت هذه العملية برغبة دولة الاحتلال في تحسين مكانتها في أية حرب مستقبلية ضد حركة “حماس” في قطاع غزة وذلك بعد أن تغيرت القدرات القتالية والميدانية لحركة حماس بشكل واضح منذ أن شرعت الحركة بالتزود بالطائرات من دون طيار، التي كان الزواري أحد المسؤولين عن تطويرها لصالح الحركة، حيث إن الطائرات من دون طيار باتت مركبًا أساسيًا من مركبات القوة العسكرية للحركة وأحد مصادر التهديد الجدية للاحتلال.

(*) الحفاظ على التفوق النوعي العسكري: قام الكيان الصهيوني بمحاولات عديدة بهدف القضاء على أية مشروعات عربية تسعى لاستخدام الطاقة النووية من أجل انفراده بقدرات عسكرية تمنحه تفوقاً نوعياً عسكرياً واستراتيجياً  .

(*) طمس الحقائق التاريخية: ترفض دولة الاحتلال أية محاولات عربية علمية جادة حول التاريخ وكشف حقيقة الاستعمار الصهيوني للأراضي العربية وهو ما دفعها لسرقة مسودات وكتب مؤلفات “جمال حمدان” -على سبيل المثال- لعدم نشرها والعمل من ناحية أخرى لاستكمال احتلال التاريخ بعد الجغرافيا وتغيير هوية فلسطين بشكل منهجي.

وهكذا ظلت دولة الكيان الصهيوني تسعى لإحباط أية محاولة لامتلاك العرب ناصية العلم والتكنولوجيا واستنزاف الكوادر العلمية، سواء بالقضاء عليها واغتيالها أو عبر عروض مغرية بالهجرة والإقامة خارج المنطقة العربية وعدم العمل لصالح دولها؛ لأنها تدرك أن ردم الفجوة بينها وبين العرب لن يتم إلا من خلال العلوم والتكنولوجيا وبواسطة علماء عرب أكفاء حيث يمكن صنع التقدم التكنولوجي والعلمي.

(المصدر: موقع بصائر أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى