مقالاتمقالات مختارة

اتّحاد علماء بلاد الشّام؛ ريادةُ الفكرة ورداءةُ التّوظيف

اتّحاد علماء بلاد الشّام؛ ريادةُ الفكرة ورداءةُ التّوظيف

بقلم محمد خير موسى

عقبَ اندلاع الثّورة السّوريّة عمل النّظام على حشدِ مواقف العلماء والدّعاة لنصرة رأيه والانحياز إليه في مواجهة الجماهير الغاضبة.

غيرَ أنّه تلفّت يمنةً ويسرةً فلم يجد حولَه إلّا بعض الجماعات المشيخيّة المحليّة التي توجّهها المؤسّسة الرّسميّة المتمثّلة بوزارة الأوقاف؛ بينما وجد في الصّف المقابل عددًا من المؤسسات المشيخيّة والعلمائيّة ذات الطّابع المستقلّ وفي مقدّمتها الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين الذي كان على رأسه آنذاك الدّكتور يوسف القرضاوي الذي كانت الجماهير الثّائرة تترقّب خطبَه التي يساند فيها الثّورة منذ اليوم الأوّل لانطلاقتها.

  • ملابسات التّشكيل والإخراج

بعد سنةٍ تقريبًا من اندلاع الثّورة وعقب اجتماع مكتب الأمن القومي كما تؤكّد ذلك بعض الوثائق والمعلومات كلّف اللّواء هشام إختيار وزير الأوقاف محمّد عبد الستّار السيّد بالعمل على تشكيلِ كيانٍ علمائيّ باسم “اتّحاد علماء بلاد الشّام” ليواجه الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين في مواقفه وتوجّهاته، ويشكّل مرجعيّة بديلةً، وكلّفه بأن يجعل على رأس هذا الكيان الدّكتور محمّد سعيد رمضان البوطي وذلك ليشكّل ثقلًا موازيًا لوجود الدّكتور يوسف القرضاوي على رأس الاتحاد العالمي.

عمل الوزير السيّد على تنفيذ الأوامر واجتهد في إخراج المشهد بطريقةٍ دراميّة توحي بتنفيذ الفكرة بشكلٍ تلقائيّ وبمبادرةٍ من العلماء أنفسهم، وكانت القضيّة الفلسطينيّة خيرَ فكرةٍ ينبثق عنها هذا الاتّحاد لينال مكانةً وقيمةً مستمدّة من مكانة هذه القضيّة وقدسيّتها.

وفي الحادي عشر من شهر نيسان “إبريل” من عام 2012م انعقد في مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق برعاية بشّار الأسد وبدعوة من وزارة الأوقاف “مؤتمر علماء بلاد الشّام” وكان المؤتمر بعنوان “الأقصى صرخة في وجدان الأمة” وفي الجلسة الأولى من المؤتمر ناقش الحاضرون مقترحًا مقدّمًا من “عددٍ من أعضاء المؤتمر” لتشكيل اتّحادٍ للعلماء يضمّ علماء بلاد الشّام وهي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ولاقت الفكرة قبولًا عامًّا ليصار إلى تشكيل هيئةٍ تأسيسيّة من ستّين من الأعضاء موزعين على الشكل الآتي؛ من سوريا خمس وعشرون عضوًا، وعشرون عضوًا من لبنان، وعشرة أعضاء من فلسطين، وخمسة أعضاء من الأردن.

ثمّ انتخب الدّكتور محمّد سعيد رمضان البوطي رئيسًا للاتّحاد، بينما انتخب كل من السيّد عباس الموسوي من لبنان، وهو من علماء الشيعة الإماميّة ومحسوبٌ على حزب الله ـ والشيخ تيسير التّميمي من فلسطين وكان يشغل منصب قاضي القضاة سابقًا وكان مقرّبًا من الرّئيس ياسر عرفات، والدّكتور محمّد هشام سلطان من الأردن وهو مقرّبٌ من إيران؛ نوّابًا للرّئيس.

اللّافت في الأمر أنّ الشّيخ تيسير التّميمي لم يحضر الاجتماع وقد أعلنَ في المؤتمر أنّه لم يستطع الخروج بسبب منع الاحتلال الصّهيوني له، ليعلن هو بعد فترةٍ يسيرةٍ بأنّه قاطع الاجتماعات لانحياز الاتّحاد إلى نظام بشّار الأسد الذي يرتكب المجازر بحق شعبه، فتمّت إقالته بصمت وعُيّن مكانه الشّيخ الفلسطيني عبدالله كتمتو، وهو من فلسطينيي سوريا وكان خطيبًا لجامع الوسيم في مخيّم اليرموك، وهو معروف بولائه للنّظام وقربه من أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبيّة “القيادة العامّة” وبقربه كذلك من إيران إذ كان عضو لجنة الصّداقة الإيرانيّة الفلسطينيّة.

  • بين البوطي وابنه

من الواضح أنّ النّظام أراد أن يقول من خلال الاتحاد: ليس فقط علماء سوريا هم المنحازون لشّار الأسد ومواقفه بل علماء الأمّة أيضًا.

ويمثّل هذا الاتّحاد نموذجًا عمليًّا لمحاولات النّظام توظيف المؤسسة الدّينيّة لخدمة أهدافه وتطلّعاته، وحشد كلمة العلماء في مواجهة المؤسّسات الدّينيّة المعارضة.

وفعلًا عقب ذلك صدرت بيانات ومواقف تدين مواقف الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقد كان الدّكتور البوطي يهاجم الاتّحاد العالمي بين الفينة والأخرى دون التعرّض لشخص الدّكتور يوسف القرضاوي، إلى أن اغتيل في الحادي والعشرين من شهر آذار “مارس” عام 2013م، ليرثه في رئاسة الاتّحاد ابنه الدّكتور محمّد توفيق بالتزكية، وقد ورثه أيضًا في الخطابة على منبر الجامع الأمويّ بدمشق.

وعقب استلام الدّكتور محمّد توفيق البوطي الرّئاسة بدأ الاتّحاد يشهد تطورًا في خطابه ففي الشّهر السّادس صدر بيان يهاجم شخص الّدكتور يوسف القرضاوي والاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين متهمًا إياه بالتّكفير والخضوع للأجندات التكفيريّة والحزبيّة.

ومما جاء في البيان: “إنّ فتوى القرضاوي حول تكفير فئات من المسلمين وغلوّه المستهجن يفقد هذا الاتحاد مصداقيّته لكونه يمثّل علماء من الأمة وخصوصًا أنه خرج بفتاويه عن القواعد الشرعية والنصوص المأثورة وأحاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم”.

كما جاء في البيان أنّ ما صدر من فتاوى للقرضاوي لم يفاجئ أحدًا من علماء اتّحاد بلاد الشّام ولا غيرها كونه صدر عن خلفيّات حزبيّة مرتبطة بمخطّطات واضحة المعالم والأبعاد والأهداف لم تعد خافية على أحد!

كما بدأ اتّحاد علماء بلاد الشّام هجمةً شرسة على تركيا ومواقفها وقد تدنّى في خطابه فبدأ باستخدام المصطلحات ذاتها التي يستخدمها إعلام نظام بشّار الأسد؛ فيقول في إحدى بياناته على سبيل المثال: “إنّ ممارسات النّظام التركي القذرة وأساليبه الهمجية في نشر الظلم والظمأ والموت هنا وهناك قد بلغت درجةً منحطّة لا ينبغي للرّأي العام السّكوت عنها”.

وكذلك استخدام مصطلحات مثل “أوهام السلطنة العثمانيّة” وغيرها من عبارات النّشطاء المؤيّدين لنظام بشّار الأسد.

  • بين الرّيادة والرّداءة

إنّ فكرةَ تشكيل اتحاد للعلماء يضمّ علماء بلاد الشّام لهو فكرةٌ رائدةٌ من حيث المبدأ، فهو يسهم في تواصل العلماء وجمع كلمتهم وتوحيد مواقفهم تجاه المستجدّات المتسارعة في هذه المنطقة من العالم التي تغدو هذه الأيّام الأكثر اشتعالًا والأسرع أحداثًا.

غير أنّ هذه الفكرة الرّائدة تتجلّل بالرّداءة في الإخراج والدّور والأفعال والمواقف حين تكون وراءها أجهزة أمنيّة أدمنت القتل وما تزال تقتات على الظلم والطغيان.

ولذلك يمكننا القول دون مواربة: إنّ اتّحاد علماء بلاد الشّام فشل فشلًا ذريعًا في أن يكون جسمًا للعلماء، بل فشل أيضًا في المراد منه وهو التّشبيح لنظام بشّار الأسد ومواجهة الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين في مواقفه وآرائه.

لقد نجح النّظام السوريّ في توظيف هذه المؤسّسة الدّينيّة؛ غير أنّه فشل في أن يجعل لها تأثيرًا أو امتدادًا خارج دائرة البيانات والخطابات عديمة التّأثير ليكون هذا الاتّحاد ظاهرة صوتيّة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.

ولكن السّؤال الأهم هو هل تلتقط مؤسسات علماء بلاد الشّام المعارضة لنظام بشّار الأسد والتي تحترم نفسها وعلمها الشرعيّ هذه الفكرة فتعيد إحياءها على الوجه الذي يستحقّ؟!

(المصدر: سوريا تي في TV)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى