“ائت بقرآن غير هذا أو بدّله” بين الماضي والحاضر!
بقلم أ. أسامة شحادة
أخبرنا ربنا في سورة يونس عن محاولة الكفار والمشركين مساومة النبي صلى الله عليه وسلم على تبديل وتغيير القرآن الكريم، فقال تعالى: “وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم” (يونس: 15).
والمقصود بتبديل القرآن، كما يقول شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري: “والتبديل الذي سألوه فيما ذكر، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدا والحرامَ حلالا والحلال حراما، فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع”.
وذلك أن الكفار والمشركين كان لا يعجبهم ما يرشد له القرآن الكريم من الأمر بالعدل والمساواة والإنصاف وترك الظلم والمحاباة والاقتصار على الحلال وتجنب الحرام والفواحش ولذلك وجدنا سادة قريش الكفار يطلبون أن لا يتساووا بالمجلس مع بقية الناس إذا آمنوا، فأنزل الله تعالى قوله: “ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين” (الأنعام: 52)، ومن قبل استنكر كفار قريش دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم لعبادة الله وحده، وخلد الله عز وجل موقفهم هذا بقوله جل وعلا: “أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب” (ص: 5).
وهذا الموقف الرافض للوحي الرباني والمطالب بالتبديل والتغيير ليتوافق مع سلوك الكفار والمشركين المنحرف موقف متكرر من قبل مع الأنبياء، قال تعالى عن قوم شعيب: “قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء” (هود:87)، وقوم لوط رفضوا التزام الطهر والعفاف الذي جاء الوحي به على لوط وأمروا بإخراج لوط وأتباعه “فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون” (النمل: 56).
وهذا الموقف الرافض للوحي الرباني وأحكامه وشرائعه هو نتيجة أن الملأ والنخبة وأتباعهم يكررون عبر التاريخ سبيل قوم هود؛ حيث أخبرنا سبحانه وتعالى عنهم، فقال: “وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى” (فصلت: 17)؛ حيث يتبعون أهواءهم التي فيها اتباع الشهوات والملذات ولو كانت ضارة مهلكة كفعل الفاحشة والزنا رغم ما تجلبه من أمراض كالإيدز وغيره، أو شرب المسكرات والمخدرات رغم ما تتسبب به من وفيات وأمراض وسلوك مشين، أو السرقة والفساد المالي والإداري رغم ما ينتج عن ذلك من فضائح أو محاكمات وعقوبات في الدول التي تتمتع بنزاهة قضائية وقوة قانونية.
وفي حاضرنا المعاصر، نجد جهات كثيرة تطالب بتبديل القرآن وتغييره بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك لأن القرآن الكريم بمفاهيمه وعقائده وأحكامه يقف عائقاً أمام ظلم وطغيان وفساد وفحش الملأ والنخبة واتباعهم في العالم، وهو ما عبر عنه فوكوياما بتناقض الإسلام مع الحداثة!
الإسلام يتعارض مع الحداثة عند فوكوياما لأنه يحرم الربا ويعلن الحرب على أصحابه هذا الربا الذي دمر العباد والبلاد، والذي يكبل النهضة ويعيق الحركة ويفرض شروطا مجحفة من المرابين على المقترضين مما يصب في طاحونة صانعي الحداثة، ولعل في ديون الدول اليوم للبنك الدولي برهان شر القروض الربوية وكيف أنها تزيد الحال فقراً، فإذا كانت الفوائد الربوية المطلوبة من الأردن سنويا مليار دينار سوى أقساط الدين نفسه! وفي مصر تبلغ فوائد الربا السنوية 360 مليار جنيه سوى أقساط الدين نفسه! فكيف لهذه المجتمعات أن تقوى وتسعد!
والإسلام عند فوكوياما ضد الحداثة لأنه يرفض الحرية الأخلاقية المنفلتة من دون ضوابط لما فيها من إشاعة الفواحش واستفحال الأمراض الجنسية وضياع الأنساب وتفكك الأسرة والمجتمعات!! وهذه الممانعة الإسلامية تعرقل عجلة أرباح كثير من صناعة الجنس والكحول والسجائر والموضة والأزياء والمكياج و..و..و..و.. التي يهيمن عليها أولياء ومشغلو الحداثة!
ولما كان القرآن الكريم بمفاهيمه وعقائده وأحكامه وتشريعاته يعد عائقا أمام تدفق أمواج ملايين ومليارات أموال البسطاء والمساكين والسذج والمغفلين على خزائن الملأ والنخبة الأوليغارشية المتحكمة بالمال والسلطة في العالم، فإن مراكز التفكير الاستراتيجي أعلنت الحرب على القرآن الكريم ووضعت لذلك الكثير من الخطط والمؤامرات لمحاصرة نور وهداية القرآن الكريم، بالتضييق على مراكز تحفيظ القرآن الكريم وتحجيم مساحة تعليم القرآن الكريم في المقررات المدرسية بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف.
ومن جهة أخرى، دعم ومساندة جهود وأنشطة الشخصيات والرموز العلمانية المعادية للقرآن الكريم رغم كونها غير متخصصة وبعض الشخصيات ذات المنهج المنحرف من التيار الديني لتتصدر المشهد في تبديل أحكام القرآن الكريم وتغييرها، مما يصب في خزائن وجيوب الملأ والنخبة الأوليغارشية، عبر إلهاء الشعوب بالشهوات والملذات وإماتة نور القرآن في القلوب حتى لا تعرف الحق من الباطل.
فالربا والزنا والخمر والفاحشة حلال عبر تحريف تفسير القرآن الكريم على أسس مادية ولغوية مغلوطة ومتناقضة، كما يفعل محمد شحرور من عقود في كتبه ومؤخراً عبر الفضائيات في شهر رمضان شهر القرآن!!
أو عبر ادعاء تاريخية مفاهيم وأحكام القرآن الكريم في زمن نزول القرآن الكريم فقط، وأن الحاضر يحتاج إلى (قراءة) متجددة، والصواب أنها مشتتة لأحكام القرآن الكريم ومفاهيمه.
ولكن، كما فشلت مساومات الكفار والمشركين قديماً وبقي القرآن الكريم بمفاهيمه وأحكامه وعقائده هو المهيمن والمنتصر والذي أشاد حضارة إسلامية عالمية ما نزال نعيش بعض أفيائها، فإن محاولات أعداء الإسلام والقرآن الكريم اليوم إلى بوار “إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون” (الأنفال: 36).
(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)