مقالاتمقالات مختارة

إعادة إحياء فكرة كومنولث إسلامي.. ضرورة!

إعادة إحياء فكرة كومنولث إسلامي.. ضرورة!

بقلم محمد سليم قلالة

عَرف المسلمون في القرن التاسع عشر حالة من النهضة الفكرية حتى بات وكأنهم قاب قوسين أو أدنى من استعادة مكانتهم الدولية ومن قوة حضارتهم. ومع بداية القرن العشرين تمكن الغربيون من تحييد الفكرة الإسلامية الموحدة لصالح أفكار جديدة، كالقومية والاشتراكية، والليبرالية… وظن المسلمون أنهم يُمكن أن يستعيدوا أمجادهم من خلال أحد هذه المداخل الثلاثة، فإذا بها جميعا تؤدي إلى طرق مسدودة، والأخطر من ذلك أن تكون معولا لهدم الفكرة الإسلامية أو تشويهها أو تحريفها عن مسارها الطبيعي.

وهكذا في ذات الوقت الذي فشلت معظم البلاد الإسلامية من إعادة بناء ذاتها وفق أحد هذه النماذج، تم ربط الإسلام بالإرهاب مع بداية القرن الحادي والعشرين، حتى يُمنَع أي تفكير في العودة إلى البحث عن الحل في هذا الأصل. وجاء عنوان “الديمقراطية” منذ نحو ثلاثين سنة ليكون نهاية التاريخ الذي ينبغي أن تتبعه البشرية. وأصبح نقد الديمقراطية أو رفضها كنظام حياة شامل وليس كآليات سياسية فقط مرادفا للتطرف ورفض العصرنة والحضارة الغربية والقيم الإنسانية وأحيانا مرادفا للإرهاب.

وهكذا في ظرف قرنين من الزمن، بدل أن تتبلور فكرة الوحدة الإسلامية، وتُصبح المَخرج السياسي والحضاري للشعوب الإسلامية أصبحت ضربا من الخيال، وكأنها فكرة طُرحت في زمن ما قبل التاريخ… وكاد التراث الفكري والسياسي الذي تشبعت به أجيال كاملة منذ عصر النهضة يمحى من ذاكرة الناس، وكأنه لم يكن. وبدله عاودت إلى البروز المواقف الرافضة لوجود هذه الأمة من الأساس. وتم تشجيع كل موقف انفصالي داخلي على أساس مذهبي أو عرقي أو طائفي بين أبناء الأمة الواحدة. ولم يعد الانتماء إلى الأمة يعلو الانتماءات الأخرى حتى على صعيد الشعور. وتم إغراق كل بلد مسلم في مشكلاته الداخلية حتى أصبحت كبرى غاياته أن يوقف الحرب بين أبنائه أو على حدوده أو بينه وبين المسلمين الآخرين…الخ.

ألا تدفع هذه الحال التي يوصلنا إليها إلى طرح سؤال جوهري: ما الذي أنسانا أنه كانت هناك بداية لمحاولة تحقيق وحدة الأمة منذ أكثر من قرنين من الزمن وكان لها مفكروها وأنصارها؟ هل تم فعلا قتل هذه الفكرة إلى الأبد وأنه لا مجال إلى إعادة طرحها من جديد. أم أن الأمل مازال باقيا في تجديدها وتطويرها وتكييفها مع مستجدات العصر والاستفادة من دروس المرحلة السابقة؟

يبدو لي أنه رغم هذا الغرق في القضايا الداخلية، ورغم هذه الصراعات البينية بين المسلمين التي يتم تغذيتها من قبل الغرب بكافة الوسائل، بإمكاننا اليوم إحياء فكرة كومنولث إسلامي جديد كما كتب مالك بن نبي رحمه الله ذات مرة. وأمامنا على الأقل ثلاثة بلدان بادرت للعمل منذ 2019 باقتراح من محمد مهاتير بهذا الاتجاه: تركيا وماليزيا وباكستان… ما الذي يمنع من اعتبار ذلك تجديدا لفكرة الوحدة الإسلامية والدفع بها إلى الأمام بانضمام دول أخرى مثل تونس والجزائر؟ ألا تُخرجنا مثل هذه الغايات الكبرى إلى أفق أوسع، وتجعلنا نُدرك أن الحل لا يكون أبدا بالقدرات الخاصة لكل دولة؟ أليس تحالف القوى الغربية هو الذي يصنع قوة كل دولة فيه ويُمكّنها من تحقيق مصالحها؟ متى اختلف الغربيون عندما يتعلق الأمر باستغلال ثروات المسلمين وإمكانياتهم؟

هل يمكن أن تتحقق لدينا استفاقة ثانية؟

(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى