إسهام المسنـدين الجزائريين في إحياء سُنَّة الرّواية عند المتأخّرين
بقلم عز الدين كشنيط
إنّ الحديث وعلومه من أجلّ علوم الإسلام وأشرفها، لتعلقها بثاني مصادر التشريع فيه، ولِكَوْن السُّنة بيان للكتاب، ووحيٌ ثانٍ بعد القرآن الكريم.
وقد قام بعبء تبليغه وخدمته ثلّة من خيار هذه الأمة ونجبائها، إذ كما خصّ الله تعالى هذه الأمة بكتاب عظيم، ونبي كريم، فقد خصّهما الله تعالى بفضله؛ فانتدب لها خدما من أسياد الرجال، فهذا يلزم نبيّه بشبع بطنه، وهذان يحملهما شديد الحرصِ على التناوب بين الغرس والدرس لئلاّ يفوتهما من العلم والحكمة فعل أو قول أوحال.
وممّا اختصّ به بعضهم دون بعض تتبُّع التنزيل بالاستظهار في الصدور، والتقييد في السّطور، وتطورت العناية بهذا الجانب من كلام النبي الكريم، وانتشر التنافس فيها في الأمصار والأقطار، فكان لكل قوم طلائعهم، ومنتجبيهم، وقد كان للأمّة الجزائرية من ذلك الثلة المباركة، التي أبدت عناية فائقة بالسنّة النبوية في جانبيها المعروفين، وهما الرواية والدّراية، غير أنّ رواج بضاعة الفقهاء، وكساد سوق الحديث في مغربنا الكبير، قد أخفى ذكرهم، وهذا موضوع قصدت به إلقاء الضّوء على مظاهر ذلك الجانب المشرق الخفي من تاريخ الجزائر العلمي والثقافي، الذي نجهل عنه الكثير، على الرّغم من قربه الزّماني من أيّامنا هذه، وقد وسمته بعنوان ( إسهام المسندين الجزائريين في إحياء سنة الرّواية عند المتأخرين).
ورأيت أن أتناوله الموضوع من خلال عناوين؛ أتكلم فيها عن بعض ما يخصّ أهل الجزائر من إسهام في الحفاظ على السّنة المشرفة، مركّزا حديثي على جانب الرّواية؛ لعلمي بقلّة من يأبه بالبحث في هذا الجانب من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية عند المتأخرين، بحثا أو ممارسة؛ حتى قال علامة الهند ومسندها شاه وليّ الله الدّهلوي حينما أراد التأليف فيه:” حداني على تأليفه احتياج أهل العصر إلى مثله، فإن هذا العلم صار في مثل عصرنا نسيا منسيا، وكاد أهل العصر بجهلهم بفضله يتّخذونه سخريا…
وأتبع ذلك بتوصيات موجزة عمّا أتمنّاه من فتح باب البحث في هذا الجانب المهمل من مظاهر نقل العلوم من هذا البلد المبارك أو إليه.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)