مقالاتمقالات مختارة

إسرائيل في حماية الليبرالي السعودي

إسرائيل أيقونة رمزية اغتصبت حيزها في الجدار العربي , وفرضت واقعها الدموي على المشهد والذاكرة . ويتفق الفرقاء , إسلاميون وليبراليون أنها تأسست على حمامات دم ومذابح علنية , شهودها صور وأفلام , وأحياء يروون وأموات رووا ما رأوه رأى العين . ولا زالت إسرائيل تنشّط الذاكرة , وتبث الصور الأولى بالألوان في جرائم يومية صارت من عاداتها وتقاليدها . وتحددت إسرائيل في أطر التخويف والشناعة , وما يحيل إلى موجعات العين والقلب والكرامة الإنسانية , وصارت جزءاً حاضراً في مشاهد  ومشاعر الرعب والإرهاب والتوحش.

إسرائيل تأسست بثورية علمانية , ستند في بعض شعاراتها إلى وعود توراتية , تعزز من إراداتها في المعركة مع الفلسطينيين والعرب , وسرعان ما أحرزت مكاسب في حروبها مع العرب الذين قاتلوا بسلاح القومية الهزيل المخذول , لكنها حسمت جولاتها بالنصر على العرب في الخارج , وعلى الخلاف بين المتدينين في الداخل , واقامت نظاماً علمانياً أو شبه علماني , نهض على دستور ديمقراطي حدد علاقة الشعب بالحكومة , وانتظم العقد الاجتماعي بدقة , حيث حكمت العلمانية والقانون معاً , ومنحا إسرائيل تماسكاً داخلياً , أثمر جبروتاً خارجياً , ورغم خلافات القادة السياسيين في إسرائيل إلا أنهم اتفقوا على إفناء شعوب الأرض من أجل بقاء ورفاه شعب إسرائيل .

التفاصيل المنبعثة من هذه الأيقونة المتشبثة بالجدار كالعنكبوت السام – أثارت إعجاب المشاريع الليبرالية العربية الطامحة في التغيير الآيديولوجي والاجتماعي العربي , وادركوا بوعي ثوري أن العنف الممكن وإزهاق النفوس البريئة وسيلة نبيلة لإحقاق غاية نبيلة , ألا وهي إقامة مجتمع علماني أو ليبرالي , فكان النموذج الإسرائيلي ملهماً وتجربة فريد وناجحة , فأعادوا تعريف الإرهاب وتصنيفه إلى إرهاب قبيح وإرهاب جميل , وترسخت هذه القناعة في آيديولوجية المشروع (الغاية تبرر الوسيلة ) , وبقى الليبراليون مختلفين اختلافاً لا يفسد للود قضية , بشأن أيقونة إسرائيل , فالبعض يصرّح بنجاحها مشروعاً إنسانياً , يستحق التطبيع والتكامل , وآخرون أبدوا حذراً أكثر , يسددون بعض النقد الودّي لبعض ممارساتها , ولا يبالغون حتى لا يضطروا إلى اتهامها بالإرهاب , ويقعوا في تناقض معلن , فلا يسعهم التراجع إلا بنفاق جديد .

موقف الليبراليين في المجمل من الإسلاميين يجعلهم أكثر إلحاحاً على تبني نظرية إسرائيل وبقائها , مشترطين بقاءهم ببقائها كحليفين آيديولوجيين ضد الظاهرة الإسلامية , فسوقوا بعنفوان للتطبيع غير المشروع مع إسرائيل كقوة علمانية حليفة وداعمة لنجاحاتهم الطمومة الافتراضية , حيث تكاملت القوة العلمانية في هزيمة المتدينين وإرساء واقع علماني رغماً عنهم , صار طبيعياً , لأن الإرهاب العلماني أقنع المجتمع  أنه الأدرى بالمصلحة والأجدر والأنجح لتحقيقها .

أيقونة إسرائيل لازالت ترسل إشارات ثقافية , يتلقاها الليبرالي بإيجابية وتفاؤل ويبلّغها الوجدان الشعبي .

بعد ضعف السياسة العلمانية العربية جرّاء الثورات والتحولات الأخيرة تضاعف تعلّق الليبرالي بالنموذج العلماني الإسرائيلي , لأنه يغلّب المصلحة الوطنية على أي مشاعر أو اعتبارات أخرى . والليبراليون السعوديون آمنوا بوطنية ثورية , تتحدى الرابطة الدينية , لذا ستبقى أيقونة إسرائيل محل تعاطفهم حليفاً علمانياً مطَمئناً.

(المصدر: موقع المثقف الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى