مقالاتمقالات مختارة

إسرائيل الكبرى: اغتيال الإسلاميين ماديًا أو معنويًا!

إسرائيل الكبرى: اغتيال الإسلاميين ماديًا أو معنويًا!

بقلم ياسر سعد الدين

في خضم الصراع المحتدم في المنطقة على الثروات والنفوذ دوليًا وإقليميًا، تبدو معركة السيطرة على العقول والهيمنة على الوعي وتدجين النفوس وتدمير المعنويات محتدمة ومستمرة ،وبأساليب مختلفة وأدوات متباينة، ولعل تصرفات ترامب وتصريحاته الفجة ،تنتقل بالمنطقة من مرحلة نهب الثروات المقنن والسيطرة غير المرئية إلى مرحلة النهب الوقح في وضح النهار والسيطرة المتعجرفة على السيادة (أو ما تبقى منها)، واحتلال الدول إن استدعى الأمر ،ومطالبتها بتسديد ثمن احتلالها وتدمير واغتصاب مستقبل أطفالها، كما طالب ترامب بصفاقة منقطعة النظير العراق بتسديد فواتير احتلاله وتدميره وزرع الحزن واليتم في ربوعه وأرجائه.

ولإن الإسلام شكّل في الماضي (في عهد الاستعمار) عقبة كؤودة في وجه الاحتلال والمعتدين، وحفظ القرآن اللغة العربية في معركة الهوية والفرنسة وغيرها، ولإن الجهاد شكل إلهامًا للشعوب في الثورة على المستعمر والمحتل ومقاومتهم، فإنّ استهداف الإسلام ومنهجه في الحياة ودعاته ومفكرييه كان في الماضي والحاضر الشغل الشاغل لمن أراد الهيمنة على الأمة ومقدراتها وكسر إرادتها؛ خصوصًا أنه يمكن بسهولة رصد بأن المسلمين لم يكن لهم سبيل للنهضة ودور بين الأمم ماضيًا وحاضرًا لا بل ومستقبلاً إلّا من خلال التمسك بالإسلام والالتزام بتعاليمه.

ففي العصر الحديث على سبيل المثال، كانت نهضة الدول الإسلامية كماليزيا وأندونيسيا وتركيا بمقدار اقترابها من الإسلام أو في أضعف الإيمان التصالح معه والتوافق مع مناهجه.

وإذا كان المنهج الرأسمالي قد أخفق في الحكم إقتصاديًا وأخلاقيًا بالرغم من التطور العلمي، ومن الكيد الدولي المتواصل على بلادنا من خلال دعم الاحتلال الصهيوني وزرع المستبدين الفاسدين حكامًا في غالبية دولنا لنبقي لهم ولإسلحتهم أسواقًا إستهلاكية، فإن الأحوال الإقتصادية في الغرب تستدعي الإمعان في تدمير دولنا وتفتيتها وتجزئة المجزأ أصلاً. ولعل أهم الأدوات الهيمنة والتدمير هي إسرائيل والتي توشك أن تصبح كبرى ،ولتنصب القوة المهيمنة على المنطقة بلا منازع ولا منافس وبدعم أدوات من حكام عرب أمعنوا في نشر الدعارة الإخلاقية ليتحولوا الآن لمرحلة نشر الدعارة السياسية؛ في هذه المعركة كان لا بد من إقصاء الإسلام أو تدجينه من خلال دعاة مرتزقة يعملون كأدوات استخباراتية لتفتح له فضاءات الإعلام على مصراعيها، والهدف تمييع الدين وجعله مطية للاستبداد وأداة لتمكين الاحتلال والتطبيع معه أو بالأحرى التحول لقطيع في خدمته.

صناعة التطرف الإسلامي وجماعات القاعدة داعش غربيًا ودوليًا، إما بشكل مباشر وإما من خلال الاختراق والدعم المادي وفتح مجالات الإعلام لهم ولتضخيمهم، صناعة تمت بأسلوب ساخر لا يحترم العقول ولا يأبه بالمنطق، ولكنه منطق القوي المستكبر. فمواقع النت المفتوحة للتطرف يمكن رصدها بسهولة وتتبعها أمنيًا والسيطرة على من يشارك فيها، ناهيك عما حصل في سوريا الأسد بإطلاق سراح “المتطرفين” في بدايات الثورة والهروب المبرمج لسجناء أبوغريب وتسليم الموصل والمليارات والأسلحة المتطورة لداعش والتي كانت مواكبها الطويلة تمضي في الصحاري والقفاري دون استهداف طائرات التحالف والروس والأسد لها، وكان استهداف تلك الطائرات فقط لأسواق ومدارس ومساجد حواضر مدن السنة وقراهم! الغاية والهدف من صناعة داعش وتسويقها أن يكفر الناس بالإسلام منهجًا وسبيلاً، ولإخراج الجهاد من ضمائرهم وربطه بأذهانهم بالإرهاب والإجرام، وأن يمنع الناس من إغاثة الإيتام والمهجرين والأرامل مخافة اتهامهم بتمويل الإرهاب.

ولاستكمال هدف إقصاء الإسلام، اُستهدفت الجماعات الإسلامية المعتدلة وبشكل أساسي الإخوان المسلمين خصوصا بعد أن أظهرت نتائج انتخابات “الربيع العربي” بأن لهم قبولا كبيرا بين الشعوب، وأن لديهم كما تركيا أردوغان مشروعًا للنهضة، وأنهم لا يقبلون بأن يعامل الغرب والشرق شعوب المنطقة كغرباء في بلادهم. فتم التعامل بوحشية بالغة مع مرسي وإخوانه ليكونوا عبرة للحركات الإسلامية وتمت معاقبتهم عقوبات قاسية –وبدعم دولي إماراتي سعودي- لنجاحهم في الانتخابات ولإنهم وفي عام واحد ورغم الحصار حققوا إنجازات كبيرة ولإنهم نظيفوا اليد والضمير، فقد عجز السيسي برغم ظلمه وفجوره أن يتهم إخوانيا بتهم الفساد أو نهب المال العام.

الإسلاميون مستهدفون؛ وبأشكال متعددة (ليتم من خلال تلك المعركة استهداف الإسلام والهيمنة على الأمة)، فمن لم يتم سحقه كما في مصر، يتم استدارجه لمواقف سياسية سلبية ومهينة (ما بين الترهيب والتحذير والإحاديث الملغومة) كما حدث في المغرب، كالتطبيع مع الصهاينة أو في تونس من خلال الدفع بتقديم تنازلات والقيام بمبادرات سلبية (خوفا على الوطن من مصير سوريا ومصر) أو في اليمن ومن ثم يقوم الإعلام المتصهين بحملات محمومة تتهم الإسلاميين بأنهم بلا مبادئ وأنهم تجار السياسية مثلهم مثل بقية العملاء من حكام وأدوات. أما في سوريا فقد تم إدخال الإخوان في تحالفات ومواقف سياسية إما عبر الإقناع والخداع أو الضغوطات، أفقدتهم الكثير من الصدقية والمصداقية لتغيب عن مواقفهم المبادئ والقيم والتي كانوا أهلها وأصحابها.

في الإمارات وما قبل إسقاط القناع بشكل سافر ووقح عن الدور الصهيوني الحميم والعميق لحكام تلك الدولة، تم استهداف خيرة الدعاة والمفكرين والإكاديميين ليرموا في غياهب السجون ولتخلو الساحة للإقزام وعلماء الدرهم وشيوخ حكام الزور والفجور. أما في السعودية فقد تزامن تغييب دعاة كبار من اهل الحكمة والإعتدال والقبول الشعبي كالشيخ سلمان العودة والذي كان عدد متابعيه في التويتر يتجاوز عشر ملايين، بالضغط على مشايخ وعلماء لهم قبول أيضا (لا استبعد التهديد بالأعراض) وبتقديم الإغراءات لهم ليكونوا في مواقع مهينة مذلة كدوري البلوت أو يصرحوا بتصريحات مخزية معيبة، ليكونوا عرضة للسخرية والاستهزاء، والهدف الأساسي هو إخراجهم والإسلام وقيمه من قلوب العامة. الملاحظ أن الإعلام الغربي بل وحتى الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان والتي تتبنى قضايا بعض السجناء في السعودية ومصر، لا تكاد تبدي أهتمام بالإسلاميين والدعاة في سجون الإمارات والسعودية بشكل ومصر بشكل عام.

ولما كانت المقاومة الفلسطينية الإسلامية تشكل إلهامًا للشعوب في زمن الخلاعة السياسية والخنا الإعلامي، خصوصًا وأن بوصلتها تركزت فقط على الاحتلال ولم تتورط في معارك مع أنظمة عربية استهدفتها بشدة ووقاحة وشراسة، فقد تم العمل على استهداف المقاومة معنويًا وأخلاقيًا لإسقاطها من ضمائر الشعوب وإخراجها من قلوبهم؛ تم حصار غزة حصارًا قاسيًا وبمشاركة عربية مصرية سعودية إماراتية، واستهدفها الإعلام العربي الليكودي بفظاظة وقسوة. لم يكن من هواء ليدخل غزة ولا دواء ولا طعام، وفي خضم الحصار القاسي والمحكم، سمح (بطريقة أو أخرى) للإوكسجين الإيراني الملوث بدماء السوريين والعراقيين أن يدخل لرئة غزة ومقاومتها، وكانت لضغوطات وربما اجتهادات شخصية فلسطينية عاثرة دوار بقيام بعض المحسوبين على المقاومة بالثناء على إيران ودورها (ويا له من دور) وعلى قاسم سليماني ! هدف ذلك هو إسقاط غزة ،ونموذج المقاومة الإسلامي الذي تعشقه القوب وتتبناه العقول، ومن ثم تنطلق عبارات التخوين والتحقير من إعلام عربي ليكودي متصهين ومن خلايا نائمة تتبع للمنظومة الأمنية الصهيونية، بحق غزة ومقاوميها،ومواقف ناقدة من غيورين على المقاومة وعفتها.

الأمة مستهدفة ،وبالتالي فإن إسلامها مستهدف من خلال وسائل كثيرة، من أهمها حاليًا محاولات اغتيال الحركات الإسلامية الإصلاحية ماديًا أو معنويًا أو أخلاقيًا وتشويه صورتها في العقول والنفوس وإخراجها من القلوب، وإن كان كيدهم لتزول منه الجبال.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى